الفكر العربي المعاصر مقاربة تأويلية لسؤال النهضة (مقاربة نقدية تأويلية بين الجابري وحنفي)
فئة : مقالات
الفكر العربي المعاصر مقاربة تأويلية لسؤال النهضة
(مقاربة نقدية تأويلية بين الجابري وحنفي)
يكتسي الخطاب العربي الحديث طابعا، إشكاليا، عويصا، مؤسسا على جدلية الأنا والغير؛ هذه الجدلية التي تبلغ تحققها الأعلى في التساؤل الجوهري، لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟
رصده المفكر الأديب اللبناني شكيب أرسلان (1869 - 1946) في كتابه "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" أنه تساؤل الكينونة والحضور العربي أمام الآخر الذي طغت ثقافته على ثقافة الأنا فأكسبتها صفة الضياع، مما جعل النخب العربية تتوقف حول هذا التساؤل الصعب الإجابة والمنال، بل بقيت قاب قوسين أو أدنى منه.
الضياع وطغيان الآخر على الأنا أوقظ نخبنا العربية المعاصرة من سبتها العميق في إعادة قراءة الإشكالات الفكرية بناء على التأويل وإثارة التساؤلات النقدية تجلت في:
ما أسباب فشل المحاولات النهضوية الحديثة في عدم تقديم حلول ملموسة عملية لإثارتها هذا السؤال؟ ماهي الاستراتيجية التي يضعها الفكر العربي المعاصر لتجاوز فشل وإخفاق سؤال النهضة؟ وكيف تعامل الجابري مع سؤال النهضة انطلاقا من تأويله؟ وما هو التصور التأويلي الذي قدمه للإجابة عن التساؤل النهضوي؟ وهل استطاع حنفي تقديم دراسة تأويلية المقنعة لحل إشكال النهضة؟
لا مراء في خلخلة هذا التساؤل النهضوي وإعادة صياغته من جديد، بغية تأسيس سؤال نقدي لا يتضح إلا من خلال طودين شامخين: الأول شق طريق الحفر في التراث والتنقيب فيه من أجل صياغة السؤال صياغة قوية متينة تسبر الأغوار وتبحث في كنهه وتعيد الحفر في السؤال، ثم الولوج إلى الإشكال بغية تصور قراءة متميزة فريدة وإضفاء شرعية العقل المغربي على بنية الفكر وتجديد مفاهيم التراث العربي الإسلامي وتوظيفها.
والثاني غرف من مناهل ومشارب الفكر الشرقي في مصر، محاولا زعزعة سؤال النهضة وكسر تابوهات الفكر النهضوي على تنوع اتجاهاته وأفكاره ومساءلة نخبه الفكرية، لعله يظفر بالجواب عن سؤال الفكر النهضوي وتقديم النزر القليل في بناء فكر عربي معاصر برؤية تأويلية تنخرط في حل مشكلات التراث وتجديد آليات النهضة.
فما هي عوامل النهوض والتجديد الحضاري عند عابد الجابري وحسن حنفي؟ الإجابة عن هذه الإشكاليات الفكرية من خلال وضع مقارنة بين المفكر المصري حسن حنفي والمفكر المغربي محمد عابد الجابري؛ فالأول بلغ منه الكبر مبلغه وأتعبه سقمه ومرضه وغادر الحياة تاركا رؤية تأويلية متناثرة هنا وهناك في ثنايا كتبه، والثاني رحل عنا دون أن نذكره مخلفا زخما فكريا، فخلد الرجل بكتبه وفكره لا جسده فرحمة الله عليك يا جابري.
الجابري وحنفي، المشروع النهضوي الآليات العقلانية والتنوير في تأويل التراث:
قد يتفق الجابري مع حسن حنفي في أن مشروع النهضة الجديد مستمد من العقلانية والتنوير والحداثة الموجودة في كل تجربة حضارية، فهي تحمل خصوصيتها الثقافية من حضارة إلى حضارة ومن شعب إلى شعب ومن أمة إلى أمة يقول حسن حنفي: "الأنا متفتحة على كل ثقافات الآخرين بصرف النظر على مصدرها"[1]؛ وظيفة الحمل لهذه الخصوصية الحضارية الثقافية المتعلقة بالأخر ليس معناه تغيب الخطاب العربي المعاصر بتياراته الثلاث (الإسلامي، العلماني، الليبرالي).
لكن قد يغلب عليه الطابع السلفي، وحينئذ يجب إعطاء الأولوية للعقلانية والوعي في انجاز الصلاح "إن إضفاء المعقولية على المقروء من طرف القارئ معناه نقل المقروء إلى مجال اهتمام القارئ"[2] ووضع شروط النهضة، ولا يتأتى ذلك ولا يستقيم إلا بالتعامل مع الواقع دون قراءته من خلال نص مسبق موروث أو وافد آخر أي "التخلي عن الفهم التراثي للتراث، أي التحرر من الرواسب التراثية في عملية فهمنا للتراث"[3]، بل يجب تأويل وتفسير تراثنا القديم والتراث الغربي لتنوير الجماهير العربية. يقول الجابري: »نظرنا إلى الفكر العربي الحديث والمعاصر من خلال القضايا التي يعالجها وليس من خلال التيارات الإيديولوجية التي تتقاسمه».[4]
الفكر المعاصر بين حنفي والجابري، مشارب التباين وآليات المراء في حدود التأويل:
أما وجه المراء والتباين بينهما، فالنهضة عند المفكر حنفي هي المفهوم الغربي الذي يقوم على تعرية الواقع من كل غطاء نظري مبنية على آليات تأويله «ليس الغرب هو أساليب الحياة في الطعام والشراب، والملبس والمسكن بل الغرب تصور للحياة والكون والإنسان، وموقف حضاري عام، ونسق القيم.»[5]
التوجه إلى الإنسان والطبيعة، مرحلة لم نصل إليها بعد، فنحن مازلنا في مرحلة الإصلاح الديني، «نستأنف حركة الإصلاح التي ظهرت في آخر المرحلة الثانية لعلنا نلحق بالعصر الذهبي الأول»[6]
إن أداة النهضة عند المفكر المصري حسن حنفي هي التوجه نحو المثالية المتعالية التي تهدف إلى إعادة بناء المخزون الثقافي لدى الجماهير «ولما كان التقدم واحدا، والشعوب وحدا، وقانون التاريخ واحد فلا ريب أن الدفاع عنها والتمسك بها والدعوة إليها يحقق التقدم في مجتمعاتنا دون مراعاة لخصوصيات الشعوب ولمراحل التاريخ المتباينة التي تمر بها المجتمعات»[7] ودفعها نحو النهوض بالتخلص من هيمنة العقائد الجبرية وتقديس الحكام يقول حنفي: «أما بالنسبة للشعوب، فإن أيديولوجية الاستسلام الممثلة في التصوف تدعو الناس إلى الطاعة، طاعة السلطان، والتسليم بالأقدار، نظرا لما يفرزه من قيم سلبية مثل الزهد والقناعة، والصبر، والرضا، والتوكل.»[8]
في حين تأخذ النهضة عند الجابري معنى الحداثة القائم على النقد المعرفي الابستيمولوجي للعقل العربي، وتأسيس فكر قومي عربي عقلاني ديمقراطي نربطه بالتراث العربي الإسلامي المتحرر من الإيديولوجيا السلطانية التي انتكست للاعتراف بشرعية الأمر الواقع، وهنا إضفاء مشروعية تأويلية جديدة.
هذا فيض من غيض قدمناه في هذه المقالة المتواضعة بغية تسليط الضوء على معالم الفكر المعاصر لطودين شامخين حنفي والجابري من أجل رصد وتتبع بعض الجوانب النهضوية وهز الهمم وشحذ العزائم.
إذا كُنتَ ذا رأيٍ فَكُنْ ذا عَزيمَةٍ ** فإنَّ فَسادَ الرأيِ أنْ تَترددا
قائمة المراجع:
1- محمد عابد الجابري وحسن حنفي: حوار المشرق والمغرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى سنة 1990، بيروت لبنان.
2- محمد عابد الجابري: نحن والتراث (قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي)، المركز الثقافي العربي، طبعة سادسة سنة 1993، بيروت لبنان.
3- محمد عابد الجابري: الخطاب العربي المعاصر (دراسة تحليلية نقدية)، مركز دراسات الوحدة العربية، طبعة أولى سنة 1982، بيروت لبنان.
[1] محمد عابد الجابري وحسن حنفي: حوار المشرق والمغرب (نحو إعادة بناء الفكر القومي العربي)، ص 79
[2] محمد عابد الجابري: نحن والتراث (قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي)، ص 12
[3] المرجع سبق ذكره، ص 21
[4] محمد عابد الجابري: الخطاب العربي المعاصر(دراسة تحليلية نقدية)، ص 13
[5] محمد عابد الجابري وحسن حنفي: حوار المشرق والمغرب (نحو إعادة بناء الفكر القومي العربي)، ص 80
[6] المرجع السابق، ص 24
[7] المرجع السابق، ص 35
[8] محمد عابد الجابري وحسن حنفي: حوار المشرق والمغرب، ص 62