الفلسفة الأخلاقية والسياسية


فئة :  ترجمات

الفلسفة الأخلاقية والسياسية

الفلسفة الأخلاقية والسياسية

لا يعترض أحد في التراث الفلسفي الإسلامي الوسيط على الفكرة القائلة: إن الكائنات الإنسانية سياسية بطبعها. والحقيقة أن ابن خلدون (732 - 808هـ/1332 - 1406م) يُدرج فصلاً شهيراً في «المقدمة» يتوسع فيه في شرح هذه الفكرة، بعنوان: «فصل في أن العمران البشري لا بد له من سياسة ينتظم بها أمره»، ويورد فيه فقرة يستخدمها لشرح مقصود الفلاسفة من كلمة «سياسة»، خاصَّة «النظام السياسي» ([1]). وفي مقابل ما يفهمه الفقهاء والمتكلِّمون من السياسة؛ فإن الفلاسفة تفهمها على أنها تشمل:

ما يجب أن يكون عليه كل واحد من أهل ذلك المجتمع في نفسه وخُلقه حتى يستغنوا عن الحكَّام رأساً. ويُسمُّون المجتمع الذي يحصل فيه ما ينبغي من ذلك بالمدينة الفاضلة، والقوانين المراعاة في ذلك بالسياسة المدنية. وليس مرادهم السياسة التي يحمل عليها أهل الاجتماع بالأحكام للمصالح العامة، فإن هذه غير تلك. وهذه المدينة الفاضلة عندهم نادرة أو بعيدة الوقوع، وإنما يتكلَّمون فيها على جهة الفرض والتقدير.

وهناك اعتباران يجعلانا نؤكد أن ابن خلدون يشير في هذه الفقرة للفارابي. الأول: أن ابن خلدون يحيل على الفارابي خاصة، أكثر من أيِّ فيلسوف آخر في «المقدمة». الثاني: أن الفارابي كان معروفاً على أنه مؤلِّف كتاب «السياسة المدنية». وكان الربط بين تدبير الأخلاق أو النفس وتدبير [أو سياسة] المدينة هو الإنجاز الأهم للفارابي. وبراعته في توجيه الانتباه إلى الشأن السياسي وجعله مركزيَّاً في كل موضوع تناوله، يسود في كتاباته بحيث نُظِر إليه باعتباره مؤسِّس الفلسفة السياسية في التراث الإسلامي الوسيط([2]).

وبالطبع، فإن وضع السياسة فوق أيِّ شيء آخر هام للغاية عند الفارابي وكل من اتَّبعوه، وعلى هذا الأساس يمكننا تصنيف العديد من المفكرين الذين كتبوا في الأخلاق في التراث العربي الإسلامي الوسيط. لقد قدَّم اثنان من المفكرين السابقين على الفارابي تعليماً أخلاقياً خالياً من السياسة؛ هما: الكندي (ت 256هـ/873م) وأبو بكر الرازي (250هـ - 311هـ/864م - 923م)، في حين تبعه الذين أتوا بعده -خاصة ابن سينا وابن رشد- في ربط الأخلاق بالسياسة. وللدفاع عن هذه الرؤية، سأفحص في البداية التعاليم الأخلاقية للكندي والرازي، وأبحث عن الأسباب التي منعَت تعاليمهما من تعلُّقها بالسياسة حتى مجيء الفارابي، والكيفية التي ربط بها الفارابي الأخلاق بالسياسة، ثم أفحص في الطريقة التي حافظ بها ابن سينا وابن رشد على هذا الربط.

للاطلاع على تفاصيل الترجمة كاملة المرجو الضغط هنا

([1]) Ibn Khaldun, Muqaddimat Ibn Khaldun (Prolégomènes d’Ebn- Khaldoun): texte arabe, publié d’après les manuscrits de la Bibliothèque impériale, ed. M. Quatremère (Paris: 1858; repr. Beirut: 1970), 2.126:16 and 2.127:1–6.

وللإحالة التالية انظر2.127:6–14

[ابن خلدون، المقدمة، تحقيق عبد الله محمَّد الدرويش، دار البلخي، دمشق، الجزء الأول، ص501. (المترجم)].

([2]) Mahdi, M. S. Alfarabi and the Foundation of Islamic Political Philosophy: Essays in Interpretation (Chicago: 2001).

[الترجمة العربية، محسن مهدي، الفارابي وتأسيس الفلسفة الإسلامية السياسية، ترجمة وداد الحاج حسن، دار الفارابي، بيروت، 2009. (المترجم)].