الفلسفة في الصين ماذا يمكننا أن نتعلم منها؟

فئة :  ترجمات

الفلسفة في الصين ماذا يمكننا أن نتعلم منها؟

الفلسفة في الصين

ماذا يمكننا أن نتعلم منها؟

-الصين، ونمط الثقافة الصينية:

ذهبت في جولة عامة لمدة ثلاثة أسابيع إلى الصين فى نوفمبر 1975. أعلم جيّدًا أن هذه الرحلة القصيرة لا تجعلني خبيرا بجميع نواحي الحياة في الصين؛ وبالرغم من ذلك، فإن العديد من الشائعات التي تدور حول الصين والمنتشرة في الغرب، إنما هي مستمدة من مصادر لم تعد موثوقة بالنسبة لي، لهذا أعتقد أن لديّ الحق في التعليق على بعضها.

الشائعات التي أقصدها هنا هي بمثابة يوتوبيات عن فضائل الصينيين، مثل تلك الفضائل التي يتحدث عنها شيرلي ماكلين في الوقت الراهن. الصينيون بالفعل لهم تاريخ طويل. ويمكن أن نتتبع أفكار أسلافهم القدماء وإلى حد بعيد، على الأقل فيما يتعلق بمرحلة التنوير من خلال كتابات: ليبنتز، على سبيل المثال، ولِف، وفولتير، وكويسناي، فقد كانوا جميعًا من المدافعين المتعصبين عن كاثاي(***). في عام 1776 علق جريم قائلا: لقد أصبحت الإمبراطورية الصينية في عصرنا هذا موضوعًا للاهتمام الخاص، وللدراسة الخاصة. فقد كان المبشرون مفتونين أولاً بتقديم تقارير وردية للرأي العام الغربي عن تلك الأرض البعيدة، بل البعيدة جدًّا، حيث لا نستطيع التحقق من أكاذيبهم أو معارضتها، ثم يعكف عليها الفلاسفة الغربيون، ويستمدون منها ما يمكن أن يكون مفيدًا في التنديد بالأعمال والسلوكيات الشريرة الموجودة في دولهم ومحاولة إزالة هذه الشرور. وهكذا أصبحت الصين في فترة قصيرة من الزمن موطنًا للحكمة والفضيلة، والخير الإيمان، حكومتها أفضل ما يمكن، والأطول رسوخا، وأخلاق مواطنيها أسمى وأجمل في عالمنا المعروف، بل أصبحت ينظر إلى قوانينها، وسياستها، وفنها، وصناعتها، أيضا، على أنها النموذج المثالي لجميع الأمم فى العالم قاطبة([1]).

ولقد كان الغرض من تلك الأوصاف المتنوعة والمتفائلة للمجتمع الصيني- كما ذكر جريم- هو إنكار الشرور الموجودة في بلدانهم ومحاولة إزالة هذه الشرور، ومن الواضح أن اليوتوبيات الصينية حاليًا تؤدي الدور نفسه. ولكن من الجدير بالذكر أنها ارتبطت بتيار المحافظين، مثلما ارتبطت وبالقدر نفسه تماما بتيار الاشتراكيين. وحتى بلسان حال الاشتراكيين، فمن الممكن أن يكونوا محافظين في نتائج أفكارهم؛ لأنها تميل إلى تعزيز الازدراء ﻠ أو النفور من كل شيء في الغرب، بما في ذلك البروليتاريات الغربية، والمنظمات الاشتراكية الغربية. في سياق هذه المناقشات الغربية، فإنني أود أن أثير الشكوك حول إلى أي مدى يمكن أن نتعلم من الفلسفة في الصين.

- النمط الفلسفي الصيني([2])

اليوم، كما في القرن الثامن عشر، غالبًا ما تعتمد الحماسة الغربية تجاه الصين على حالة الفلسفة الصينية. مثال حديث لهذا النوع من الحماسة، عبارة عن مجموعة من ثلاث مقالات كتبها أستاذ الفلسفة الكَنَدي "ك. ت. فان K T) Fann1937- ..)" المجموعة هي كالآتي: صنع الوجود البشري الجديد في جمهورية الصين الشعبية (مراسل الشرق الأقصى)، تمت مراجعته بواسطة شون سايرز، في الفلسفة الراديكالية، العدد (10). "فان": هو صراحة اشتراكي وماركسي. ومع ذلك، فهو لا يبدو أنه ينظر إلى المجتمعات الغربية من حيث النضال ضد الرأسمالية من خلال البروليتاريا التقدمية، أو بالفعل، من حيث أي نوع من النضال على الإطلاق. حماسته تجاه الصين اكتملت بفضل إدانته لكل شيء، ولكل شخص، في الغرب (بما في ذلك البروليتاريا المزعومة ومنجزاتها) من أجل وجود "البرجوازية". ﻓ "الشخص الرأسمالي" يتأمل في "مجتمعه المتدهور" بهذا النوع من التشاؤم الثقافي المريح، الذي كان في السابق هو المخزون في تجارة نزعة المحافظين المتطرفة، على سبيل المثال، ويصف "المجتمع البرجوازي" على النحو التالي:

الدافع لكل نشاط ولكل مهنة، هو أن تصبح المصلحة الذاتية، والربح. والمال، رهانًا أقوى من كل الرهانات الأخرى... فطريقة نظر الرأسمالي إلى الأشياء متأصلة جدًا في أفكارنا، لدرجة أننا حتى لا يمكننا أن ندرك حقيقة، أن هناك أسبابًا مشروعةً للقيام بأشياء أخرى غير كسب المال. كذلك لا يمكن للناس أن يقدروا قيمة الشيء الفني ما لم يتم إلصاق ثمنه به - هي. كما أنه وفقًا لطريقة تفكيرهم البرجوازية، كل شيء له ثمن؛ وإلا فلا قيمة له. (ص29)

جوهر حماسة فان للصين هو المقابلة بين الفلسفة الغربية والفلسفة الصينية؛ الفلسفة الغربية مميزة في "الكتابات الاحترافية للفلاسفة المهنيين". في مقابل الفلسفة التقليدية التي تبدأ بالدهشة أو بالتساؤل، يمكن أن يقال ذلك؛ لأن الفلسفة الصينية تبدأ بالمهمة. يتساءل الفلاسفة البرجوازيون عن كيفية إثبات وجود العالم الخارجي، أو يتساءلون عن وجود العوالم الأخرى (أو العقول الأخرى)؟ ولأسباب وجيهة، هذه المشكلات لا وجود لها بالنسبة إلى العمال والفلاحين الصين. (ص15)

ويمكن الرد على هذا الرأي بأنه في الغرب ليس العمال والفلاحين فقط، بل هناك فلاسفة كثيرون أيضًا لم تفسدهم الفلسفة التقليدية كما عرَّفها فان. وقد جادل فان نفسه، في سياق آخر، في هذا فيما يتعلق بفلسفة فيتجنشتين (انظر كتابه "فيتجنشتين والفلسفة البرجوازية"، في الفلسفة الراديكالية، 8) ولأخذ أمثلة أقل إثارة للجدل، فمن الصعب بالتأكيد، على سبيل المثال، تذويب مدرسة فرانكفورت بأكملها، أو الحركة الفينومينولوجية، أو لوكاش، أو جرامشي، أو سارتر، أو ميرلوبونتي، أو ماركيوز، أو ألتوسير، لتصبح كتلة واحدة غير متمايزة من "الفلسفة البرجوازية".

- الحملات الأيديولوجية الصينية:

سأحاول الآن الاقتراب من تقييم حالة الفلسفة في الصين، دون أن تتشابك في تساؤلات مع الغرب. يجب أن نبحث الموضوع من منظور مستوياتٍ عديدةٍ ومختلفة:

أولاً، هناك مسألة استخدام الفلسفة في الحملات الجماهيرية للتعليم الأيديولوجي. ثانيًا، هناك مسألة المعنى واستخدام النصوص القانونية من الفلسفة الصينية - وهو ما يعني، بشكل رئيس، بعض المقالات التي كتبها الزعيم الشيوعي ما وتسي تونغ مؤسس جمهورية الصين الشعبية (والذي يُعرَف أيضاً باسم الرئيس ماو). ثالثا، هناك الفلسفة باعتبارها موضوعًا أكاديميًا - كدورة رسمية، ودراسة تقييمية في الجامعات، وإلى حد ما في المدارس. وسأناقش هذه المستويات الثلاثة حالًا.

إن الانطباع الأول والأكثر بهجةً للزوار الغربيين عن الصين، هو أن جميع الصينيين يبدو أنهم يتشاركون الشعور نفسه بالإخلاص الكامل لـ مصير الصين الاشتراكي، والاعتقاد بأن جهد كل فرد في تحقيق ذلك، هو أمر لا غنى عنه. وهذا "الشعور بالالتزام" مصحوب بـ -أيديولوجية معاداة النخبوية الشاملة، التي وفقًا لها الأمر متروك للجميع بأن يكونوا يقظين بلا هوادة ضد أعداء الصين الداخليين، وأن يكونوا دائمًا أحرارًا في طلب التوضيحات وتوجيه الانتقادات للأشخاص الذين هم في مواقع السلطة.

إلى حد ما، لقد أنتجت هذه المشاعر والاعتقادات عمدا، بوصفها مسألة وعي بالسياسة المركزية، بواسطة الحملات الأيديولوجية الجماهيرية. الحملات منظمة مركزيًا، ولكنها على أساس مجموعات دراسية صغيرة مستقلة، تتكون من حوالي عشرة أشخاص يجتمعون لبضع ساعات في الأسبوع. مثل هذه المجموعات نشأت مع حركة التعليم الاشتراكي، والذي أعقاب الانفصال السياسي للصين عن روسيا عام 1961، وكان هدفه الرئيس، هو تفسير الخطأ الذي أحدثته الثورة الروسية. وتم توزيع ملايين النسخ من كتابات الزعيم السوفييتي "خروتشوف" في جميع أنحاء البلاد للدراسة الجماعية، على أساس الاعتقاد الواثق بأن مجموعات الدراسة سوف تتوصل إلى التقييمات "الصحيحة" ﻠ "شيوعية خروتشوف الزائفة".

الثورة الثقافية نفسها كانت مبنية على مجموعات المناقشة هذه. ومنذ ذلك الحين بدأت الحملات، وقد شملت حملة "انتقاد كونفوشيوس"، التي تضمنت تعلم أجزاء من تاريخ الفلسفة الصينية، والحملة على دكتاتورية البروليتاريا، التي كانت تقوم على دراسة مقتطفات من النصوص الماركسية المختلفة، وحملة انتقاد خداع الفلاحين أثناء الثورات في الرواية الكلاسيكية "هامش الماء". كانت هذه الحملة في ذروتها عندما كنا في الصين، وأينما ذهبنا وجدنا أشخاصًا يلمحون إلى ذلك، من خلال المنتجات المصنوعة منزليًا، والملصقات المطبوعة لمناظر من الكتب، وجدناها مرئية سواء في المدارس، أو في المصانع، أو في الشوارع.

وقد زودتنا هذه الحملات المشتركة بمخزون من المعرفة النصية، وعلامات الإشارة التاريخية، وبالفعل بمخزون من العبارات – التي تؤكد "وحدة النظرية والتطبيق"، "دمج الثلاثة في واحد". "الكفاح من أجل الإنتاج"، و"الخط الجماهيري"، و"الطريقة الرأسمالية"، و"الحقوق البرجوازية". و"السلطات الأربع التي تضطهد المرأة"، و"الجبال الثلاثة العظيمة"، و"خدمة الشعب"، و"وضع السياسة في القيادة"، و"إمكانية أن تتحول الأشياء الشريرة إلى خيِّرة"، إلخ، وبشكل عام فقد أنتج الصينيون مستوى من الوعي الأيديولوجي الجماهيري لا مثيل له في تاريخ البشرية.

- مقالات ماو الفلسفية:

كلمات، مثل: "الديالكتيك"، و"الميتافيزيقا"، "الممارسة" و"التناقض" و"المثالية". تبدو أن لها استخداما ثابتا ومستمرا بين الصينيين، ويبدو أن الجميع يؤمنون بالأهمية السياسة لدراسة الفلسفة الواضحة، وهذا يعني، في المقام الأول، دراسة المقالات الفلسفية للرئيس الصيني "ماو". أثناء الثورة الثقافية كانت الفلسفة معروفة بشكل أساسي من خلال "الكتاب الأحمر الصغير". أو من خلال الاقتباسات من عبارات الرئيس ماو، ولكن يبدو الآن أن هذه العبارات قد تعرضت للإهمال. بدلاً من تشجيع الناس على قراءة المقالات الكاملة ﻠ "ماو"، نظرًا لأن العديد منها ذات طابع فلسفي بشكل صريح. هذه المقالات هي أيضا أساس الفلسفة الإلزامية المطلوبة كجزء من كورسات "الدراسات السياسية". والمقررة على جميع الطلاب في المدرسة المتوسطة العليا (الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر- والسابعة عشر)، وفي الجامعات، وفى الدراسات العليا أيضا كان مقررا على المؤسسات التعليمية أن تدرسها، منذ بداية الثورة الثقافية في الصين.

ومن المرجح أن يفاجأ القارئ الغربي بشهرة مفاهيم ماو الفلسفية بدلًا من أن يفاجأ بغرابتها. فعلى الرغم من أن ماو يقتبس أحيانًا شعارًا من الفلسفة الصينية التقليدية، إلا أن معلميه الفلاسفة، هم أوروبيون تمامًا، مثل: أفلاطون، وأرسطو، واسبينوزا، وكانط، وجوته، وهيجل، وروسو، وحتى بنيامين فرانكلين، وكذلك ماركس، وإنجلز، ولينين، وستالين([3]). "فلسفة ماو" هي ليست صينيةً خالصة، بقدر ما هي تطبيق لمفاهيم غربية في السياق الصيني. المقالات الفلسفية الأساسية لماو هي: "في الممارسة"، و"في التناقض"، وهما مكتوبان في عام 1937 في معارضة مقصودة لـ المدرسة الروسية في المادية الجدلية([4]).

مقال "في الممارسة" عبارة عن تأكيد لنوع من البراغماتية التجريبية، ورفض الميتافيزيقا، وللتنظير، والاحتكام إلى السلطة: فالمعرفة تبدأ بالخبرة - هذا هو معنى المادية في نظرية المعرفة. لقد أوضح الماركسيون كيف أن الممارسة الاجتماعية للإنسان وحدها هي المعيار الوحيد لصدق معرفته بالعالم الخارجي، والذي يحدث في الواقع هو أن معرفة الإنسان تتحقق فقط عندما يحقق النتائج المتوقعة من عملية الممارسة الاجتماعية (الإنتاج المادي، الصراع الطبقي، أو التجربة العلمية). إذا أراد الإنسان أن ينجح في عمله، فعليه بتحقيق النتائج المتوقعة من ممارسته الاجتماعية، يجب عليه أن يجعل أفكاره متسقة مع قوانين العالم الخارجي الموضوعي؛ وإذا لم تتسق أفكاره مع قوانين العالم الخارجي، فإنه سوف يفشل في ممارسته الاجتماعية. (قراءات مختارة ص67)

وتُعَد التداعيات السياسية لمثل هذه التصريحات الفلسفية، وفقًا للسياق الذي كُتِبت فيه، واضحةً؛ ويجب على الحزب الشيوعي الصيني أن يطور وجهات نظره من خلال ممارسته الخاصة، وليس على أساس المفاهيم "الشكلية" للأيديولوجية الماركسية. ولكن ماذا عن قيمتها الفلسفية؟ قد يجادل أتباع جرامشي أو سارتر بأنها تشكل "إعادة تخصيص" بسيطة ولكنها حقيقية. الماركسية، على وجه التحديد "الفلسفة العملية أو البراكسيس Praxis" للماركسية([5])، ومعيار الصدق المقترح في مقال "في الممارسة"، سيكون من الصعب الاختلاف حولهما. ولكن هذا، بالتأكيد، هو عيبها: لأن الفلسفة الماركسية غير محددة، حيث تلائم أي نظرية أو أيديولوجية تقريبًا بأنها "معرفةٌ صادقة".

وعلى وجه الخصوص، فإن معيار "ماو" سوف يحوِّل الأيديولوجية البرجوازية للرأسمالية بأكملها- وكذلك فكرة المساواة بين الجميع فيما يتعلق بعقد الأجر الحر - إلى معرفة صادقة أو حقيقية، تثبت صحتها ومعقوليتها من خلال الممارسة اليومية. ولتوضيح هذه النقطة بتعبير آخر ﻠ "ماو" في مقالاته الفلسفية، المكتوبة عام 1963، والتي يقول فيها: "إن الأفكار الصحيحة تأتي من الممارسة الاجتماعية، ومنها وحدها". هذه المقولة لا معنى لها؛ لأنه – في المقابل – من المعقول أيضا أن معظم الأفكار الخاطئة تأتي من هذا المنطلق.

مقال "ماو" "في التناقض"، كُتِب بعد شهر من مقاله "في الممارسة"، وهو عمل فلسفي أكثر جوهرية. إنه يعتمد بشكل كبير على لينين، وبشكل غير اعتيادي في عصره، وعلى دفاتر لينين الفلسفية (1914-1915) بدلاً من اعتماده على المادية والنقد التجريبي (1909). على الرغم من المضي جنبًا إلى جنب مع النمط السوفيتي أو مع مجلس الدوما diamat، في فهم فكرة "جدلية الطبيعة"، إلا إن هذا المقال يهاجم "مثالية مدرسة أبرام مويسيفيتش ديبرينغ" في تبنيها للمادية الجدلية الروسية؛ بسبب فشلها في الاعتراف باستقلالية تحليلات معينة من تلك التناقضات الخاصة. يحتوي هذا المقال على تمييزات ماو الشهيرة التي تفصل بين التناقضات الأساسية والتناقضات غير الأساسية، وبين التناقضات العدائية والتناقضات غير العدائية، والتناقضات الخاصة والتناقضات عالمية.

والأمر المثير للدهشة إلى حد ما، في ضوء البراغماتية "في الممارسة"، أن تفسير ماو لهذه التمييزات يقوم على أساس فرضية ميتافيزيقية كلية وقبْلية. نقطة انطلاقه هي التمييز بين الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية، بين التطورات الذاتية الحركة وتلك التطورات المستمدة من الخارج. ومن ثمَّ، فهو يؤكد أن "السبب الأساسي لتطور الأشياء لا يكون خارجيًا بل داخليًا، ويبدو استنتاجه الميتافيزيقي العام، على الأقل في بعض عباراته، على أنه نوعُ من الاعتقاد اللايبنتزى (نسبة إلى مذهب ليبنتز الميتافيزيقي المطلق)، بأن كل شيء هو عبارة عن "موناد لا متناهي"، ومستقل عن أي شيء آخر. وأسباب تطوره تكمن بالكامل ذاتيًا في داخله. ويوضح أحد أمثلة "ماو" كيف أن المفارقات الضمنية لهذه المذهب يمكن أن تكون كالتالي: في المعركة، ينتصر أحد الجيشين ويهزم الآخر؛ كلًا من النصر والهزيمة تحددهما أسبابُ داخلية. الأول هو منتصر إما لأنه قوي، أو بسبب قصور في القيادة العامة لمنافسه، بينما الآخر مغلوب إما لضعفه، أو بسبب قيادته العامة التي تفتقر إلى الكفاءة.

ويفترض أن ماو سيقول هذا إذا كان الجيش المنتصر قد هُزِم بعد ذلك، وهذا من شأنه أن يبرهن ببساطة أنه لم يكن قويا جدا، أو قيادته لم تكن جيدةً لفترة أطول؛ وأي عوامل خارجية تظهر، مثل التضاريس، والمساعدات غير المتوقعة، والأمراض، والموت المفاجئ للقائد، أو للظروف الجوية الغريبة، إما أن تُفسَّر كل هذه العوامل على أنها علاقات داخلية لكلا الجيشين، أو تُستَبعد تمامًا؛ لأنها لا تملك القدرة في التأثير على نتيجة المعركة.

يجب أن أوضح أن هذا النقد لتمييز ماو لا يقوم على أساس أي شك عام حول مفهوم العلاقات الداخلية، أو حول التمييز بين الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية، الخلل في مفهوم ماو للسببية الداخلية، كما هو الحال في مفهومه للممارسة؛ ليس لأنه غير صحيح، بل لأنه غير محدد: فهو لا يقدم أي معايير للتمييز بين النزعة الداخلية المشروطة، والعمليات ذاتية الحركة للمرء المشروطة خارجيًا. المثال التالي سوف يساعد في تفسير ذلك.

عند نقطة معينة، حاول "ماو" أن يستخلص النتيجة السياسة المباشرة، من خلال مفهومه عن "السببية الداخلية"، وهي أن مصير الثورة الصينية يعتمد بشكل محض على السياسات والتنظيم الداخلي للحزب - كما لو كان مستحيل ميتافيزيقيًا بالنسبة إلى الروس، أو لليابانيين، أو للبرجوازيين الصينيين، أو للفلاحين أن يكون لهم أي تأثير عليه (ص90). ويفترض أن تكون النتيجة المماثلة هي إثبات أن مصير مقولات الطبقة الرأسمالي في إنجلترا يعتمد كليًا على تنظيمها الداخلي الخاص، ولا يتأثر بالتنظيم الدولي المنافس، ولا بأفعال طبقة البروليتاريا.. إلخ. على الأقل لا يوجد شيء في مقاله "في التناقض" يحول دون أن تُفضي فلسفة "ماو" إلى مثل هذه النتيجة([6]).

- الاستخدام الصيني لفلسفة ماو (حِيْنئذٍ والآن):

على الرغم من اشتمال النصوص الفلسفية ﻠ "ماو" على كثير من العبارات الصادقة المنتقاة واللاذعة أحيانًا، والقابلة للاقتباس، إلا أنها ضعيفة من الناحية الأكاديمية والبحث النظري. لكن من الواضح، أنها بحاجة إلى الحكم عليها ليس بوصفها نصوصًا أكاديميةً، بل بوصفها تأملاتٍ سياسية. أما مقالاه: "في الممارسة"، و"في التناقض"، فقد كُتِبا في صيف عام 1937، في أعقاب الهزائم الكارثية التي لحقت بالصين، والتي أدت إلى المسيرة البطولية الطويلة، والتأسيس لقاعدة شيوعية في ينانYenan، وأثناء الغزو الياباني أُجبِر الصينيون على الدخول في تحالف مع عدوهم حزب الكومينتانغ (المعادي للشيوعية) تحت قيادة شيانغ كاي شيك. في هذه المرحلة، كان الحزب الصيني في خطر الاعتماد المفرط على الروس. النية السياسية وراء كتابات ماو الفلسفية تصبح واضحة في هذا السياق: كان عليهم تقديم الأساس لمقاومة الهيمنة الروسية على الحزب الشيوعي الصيني. لقد أشاروا إلى ذلك، وكان لا بد من فهم كل تناقض (مثل ذلك التناقض بين الحزب الشيوعي الصيني والكومينتانغ). في خصوصيته، ولأن هذا هو المعيار للحكم على سياسات الحزب الشيوعي الصيني، يجب أن يكون له ممارسته الخاصة؛ ومن ثم لم يكن هناك سببًا لأن يتخذ الصينيون الشيوعيون طريقهم من خلال الروس. ومهما كان الأمر، فقد أصبحت هذه الصراعات السياسية تنتمي الآن إلى الماضي الخافت والبعيد، ووظيفة نصوص ماو، كما تُستَخدم في الحملات الأيديولوجية الجماهيرية اليوم، يجب أن تكون مختلفة تمامًا.

بفضل الثورة الثقافية، تشجع العمال والفلاحون على كتابة الفلسفة تمامًا مثلما تشجعوا على قراءتها، وبيان كيف يمكن تطبيقها لحل مشكلاتهم العملية. خذ على سبيل المثال "الحفاظ على الخضراوات طازجة"، في منطقة بكين تشونغوين هناك محطة خضراوات لإجراء التجارب العلمية عليها بواسطة مجموعة من العلماء، وهي متاحة جنبا إلى جنب مع العديد من المقالات المماثلة في كتيب حول هذا الشأن، نشرته الصحافة باللغة الأجنبية، بعنوان: "خدمة الشعب بالديالكتيك". توضح المقالة مشكلات التقلب في إمداد الخضروات، جاء فيه:

لحل هذا التناقض، أصبح من الضروري تخزين الخضراوات الفائضة. ومع ذلك، أدى هذا إلى مشكلة أخرى، هي طريقة الحفاظ على الخضراوات طازجةً عند تخزينها،

وبالتالي، أوضحت المجموعة أنه لكي نستخدم التعاليم الفلسفية للرئيس ماو، علينا أن نساعد في حل هذه المشكلات من خلال التجربة العلمية، لكن المشكلة الأصعب كانت في الحفاظ على الطماطم طازجة لأطول فترة ممكنة. فقد حاولنا تخزينها، واكتشفنا بعد تخزينها لأكثر من شهر، أن لدينا ثلاث حبات فقط من الطماطم، هي التي لا تزال محفوظة جيدًا. فلماذا فسد الباقي من الطماطم؟ هنا تعاليم الرئيس ماو تفيد بأنه "في خصوصية التناقض". فإن كلية التناقض تكمن في إعطاء الدليل. إذا كان من الممكن الاحتفاظ بثلاث حبات طماطم طازجة لأكثر من شهر، فينبغي أن يكون ممكنًا للحفاظ على بقية الطماطم جميعا.

هناك ثلاثة شروط محددة لحفظ حبات الطماطم الثلاث: التحكم في درجة الحرارة، والتحكم في الرطوبة، والتحكم في التهوية. ما كان مطلوبًا هو التعامل مع العلاقات بين هذه الشروط الثلاثة جيدا. وإذا قارنا ذلك بتعاليم الرئيس ماو، فسنجد "في الدراسة، أنه في أي عملية معقدة يوجد نوعان أو أكثر من التناقضات، يجب علينا أن نكرس كل جهدنا للعثور على التناقض الرئيس بينها. بمجرد أن فهم هذا التناقض الرئيس، يمكننا حل جميع المشكلات بسهولة. بالمثل إذا حللنا الشروط الأساسية الثلاثة لدرجة الحرارة، والرطوبة، والتهوية وجربناها بعلاقات مختلفة، فسيتضح أن التناقض بين درجة الحرارة والتهوية كان هو التناقض الرئيس. (ص ص27-28)

اللافت للنظر في هذا المثال، هو أنه في ظاهر الأمر، لا توجد علاقة منطقية بين اقتباسات ماو والبحث عن طرائق لحفظ الطماطم، وأنها مجرد إلهاء عن هذه العملية. على سبيل المثال، مفهوم ماو عن خصوصية التناقض يمكن تفسيرها بشكل جيد تمامًا، للإشارة إلى أن الحفاظ على ثلاث حبات من الطماطم بين الجماهير من تلك الطماطم المتعفنة، أثبتت أن حبات الطماطم الثلاث هذه، كانت مختلفة جوهريًا عن الباقي. بدلاً من أنه قد تم تخزينها في مكان أكثر ملاءمة للشروط. وبالمثل، النصيحة بأن المرء ينبغي فهم دائما التناقض الرئيس، في على الأقل، طالما لم تتم الإشارة إلى أي إجراءات تحدده، يبدو أنه لا يصل إلى أكثر من كونه كلامًا عاديًا، مفاده: أنه ينبغي على المرء دائمًا أن ينتبه إلى ما هو الأكثر أهمية.

لكنه سيكون من الخطأ ترك الأمر عند هذا الحد، وأن نستنتج أن "التطبيقات الرئيسة المتبجحة لفلسفة ماو" هي قناع للتقوى الميكانيكية. بالنسبة إلى عبارات مثل: "التناقض الرئيس والتناقض غير الرئيس، و"خصوصية التناقض"، مهما كان معناها الفلسفي غير محدد، فهذا لا يعني ضمنا موقفًا خاصًا تجاه العالم. ومع ذلك، قد يكون من الغموض القول بأنه ينبغي على المرء أن "يفهم التناقض الرئيس"؛ فالناس الذين يحاولون الأخذ بالنصيحة سوف يتعاملون تلقائيًا مع المشكلة بوصفها شيئًا ما في وسعهم حله. إنهم سوف يتبنون التوجه العملي. تجاه العالم؛ وهذا يبدو لي أنه يجسِّد الأهمية الحقيقية لفلسفة ماو في الصين.

في الدول الصناعية والبروليتارية، حيث يهيمن الإنسان على الحياة وتهيمن الآلات على العمل، فإن هذا الدرس قد يكون أقل ملاءمةً أو أقل سهولة في الوصول إليها. لكن الصين ليست كذلك. البروليتاريا الصناعية تشكل أقل من خمس السكان، والباقي يعملون في الأرض بدون أي آلات حديثة عمليا. إيقاعات عملهم تتحدد من خلال هذه الأدوات مثل: محاريث الجاموس، والدلاءات ذات أعمدة الكتف؛ و"أنماط حياتهم" تتبع تعاقب الفصول، وتعتمد على المناخ والتربة وغيرها. ومن الواضح أن هذه الظروف تميل إلى إنتاج العقبات الاقتصادية، وتعرقل التقدم التقني والاجتماعي والسياسي في المنطقة؛ بسبب شكل من أشكال الاعتقاد غير المدروس بأن ظروف الحياة البشرية لا تتغير أبدًا، أو على الأقل التغيير يحدث فقط استجابةً لعوامل خارجية بعيدة عن التحكم البشري، مثل: العواصف، والفيضانات. يُنظر إليها على أنها محاولات لحل سلبي وقدري لأيديولوجية الفلاحين، واستخدام فلسفة ماو في الحملات الأيديولوجية في الصين، هو مثال رائع للطرائق التي تجعل الفلسفة قد تحتاج إلى الحكم؛ ليس لأنها في المقام الأول مصدر للتنوير النظري، بل بالأحرى مظهرٌ، وربما فاعل إلى حد ما، في التغيير الاجتماعي الهائل.

- الفلسفة بوصفها مجالًا أكاديميًا في الصين:

بصرف النظر عن استخدام حملات الفلسفة في الأيديولوجية الجماهيرية في الصين، هي أيضا موضوع للدراسة الأكاديمية المتخصصة في الجامعات، والمهنة الاحترافية لمئات الأكاديميين. (يُقال إن قسم الفلسفة بجامعة بكين يوظف 200 من الأساتذة والمحاضرين في التخصصات الفلسفية المختلفة، التي تبلغ حوالي 300 تخصص (انظر فان ص43).

في بداية الثورة الثقافية، تم تخصيص الفلسفة الأكاديمية للهجوم على صحيفة الشعب اليومية. افتتاحية بتاريخ 16يناير 1966 كانت بعنوان "أيها العمال الفلاسفة" احزموا أمتعتكم وانطلقوا بين الجماهير. وقالت الصحيفة إنه ينبغي أن تكون هناك حركة تحققها الفلسفة بالنسبة إلى الجماهير، وأنه ينبغي إدراك "الخط الجماهيري ﻠ "ماو" في الفلسفة، وكسر احتكار المثقفين للفلسفة، وتعزيز دراسة الماركسية من خلال كتابات "ماو"، والاعتراف بأن الجماهير الموجودة كانت بالفعل تمارس فلسفة أفضل من الفلاسفة أنفسهم" (انظر فان ص19).

وأحد الأحداث التي أشعلت شرارة الثورة الثقافية كانت هي نشر ملصق شخصي كبير لمحاضري الفلسفة في قسم الفلسفة بجامعة بكين25 مايو 1966. ينتقدون في الملصق استبداد رئيس الجامعة واثنين من موظفي الخدمة المدنية في بكين، وفرض اللوم عليهم لمحاولة جعل الثورة الثقافية "شأن أكاديمي بحت". عندما قمنا بزيارة الحرم الجامعي الفخم المورق لجامعة بكين، عرفنا بالفعل كيف غيرت الثورة الثقافية في التعليم الجامعي، بل وكانت محاولة لمواجهة النخب الأكاديمية، حيث كانت الدورات (أو الكورسات) courses تختصر إلى ثلاث سنوات للحصول على الدرجة الأولى، وكان يُطلَب من الطلاب قضاء عدة سنوات للعمل في الريف قبل الالتحاق، وكان يُطلَب من كل من المعلمين والطلاب القيام بمهام منتظمة من العمل اليدوي، والذهاب والتدريس والتعلم بين الجماهير. نحن أيضا كنا نظن أن مناهج التدريس ستكون محافظة بالمعايير الغربية، ولكننا اكتشفنا أن الطلاب يتم توزيعهم لمدة أسبوع على فترات لمدة ساعة وربع يوميًا (بعضها مجاني) ستة أيام في الأسبوع، ويتلقون دروسهم من خلال المحاضرات في مجموعات تقارب حوالي العشرين طالبا وطالبة. وتعتمد محاضراتهم على صفحات كتاب مدرسي مقرر بدقة، وتمت الموافقة عليه مقدمًا. كلهم متخصصون في موضوع تقليدي محدد، مثل: الفلسفة باللغة الإنجليزية، أو الاقتصاد السياسي، وملتزمون من خلال اختيارهم الأولي للتخصص. ولكن ماذا عن محتويات كورسات الفلسفة في ظل الثورة الثقافية؟

أما عن كورس الفلسفة الذي شرحه لنا "لي تشين"، محاضر الفلسفة. هو فال: إن الكورس مقسم إلى ستة فصول دراسية، كل فصل منها يشتمل نوع من التقييم (غير الرسمي إلى حد ما)، في نهاية المطاف. في الفصل الدراسي الأول يأخذ الطلاب كورس المنطق، ويدرسون فيه أنواع الاستدلالات الأرسطية. "لي" نفسه هو من قام بتدريس هذا الكورس، وادعى أنه "لم يكن هناك أي تغيير كبير" في المنطق منذ أرسطو. وبالنسبة للفصول الأربعة التالية (حتى منتصف سنتهم الأخيرة)، يأخذ طلاب الفلسفة ثلاثة كورسات متزامنة، بالإضافة إلى كورس "الدراسات السياسية"، الإجباري للجميع؛ هناك تاريخ الفلسفة الغربية، وتاريخ الفلسفة الصينية، والمادية الجدلية والمادية التاريخية. أما في الفصل الدراسي السادس والأخير، فيكتب الطلاب أطروحة إما فردية أو جماعية. في هذا المشروع الجماعي يستخلص الطلاب مجموعة من الملاحظات والنتائج حول مختارات كونفوشيوس، المنشورة حديثًا.

ثم شرح "لي" كورس "تاريخ الفلسفة الغربية"، الذي قام بتدريسه أيضًا. ما ذكره كان مألوفًا للغاية لأي شخص جاءت ثقافته عبر ما يُسمَّى بكورسات ﺒ "تاريخ الفلسفة في الغرب". مثل الحرم الجامعي المبني في أمريكا الذي كنا نجلس فيه، ومنظومة التعليم الصيني بأكملها، كل هذا يذكر المرء بقوة الثقافة الأكاديمية في الصين، من الناحية التاريخية، وكيف تُعَد عاملًا مساعدًا للإمبريالية الغربية. الكورس بالطبع يبدأ مع "ما قبل السقراطيين"، ولكنه يرتكز حول "الفلسفة الحديثة" و"المعركة بين التجريبية والعقلانية. إنه مميز فقط في إلحاق التفسيرات المادية بهذا التفسير القديم. كانت هذه هي فترة صعود البرجوازية ومحاولتها الإطاحة بالإقطاع". قال لي: "وبالتالي، فإن لفلسفة البرجوازية هي ضد الفلسفة الإقطاعية"، أو هي ضد "علم اللاهوت الكاثوليكي". فقد كانتا التجريبية والعقلانية بمثابة رديّْ فعل برجوازيين ضد الكاثوليكية، وكانت التجريبية أكثر راديكالية. في القرن السابع عشر كانت البرجوازية في فرنسا ضعيفة؛ ولذلك اضطرت إلى التمسك بالعقلانية، ولكن في إنجلترا في القرن الثامن عشر، استطاعوا أن يرفعوا راية التجريبية (المادية والإلحاد) ضد الإقطاع.

أكثر ما أذهلني في محادثة "لي"، هو إلى أي مدى كانت نظرته الفلسفية تهيمن عليها الإشارات المرجعية الغربية المألوفة، على سبيل المثال، عندما ضغطنا عليه لوصف المناقشات أو التيارات الأخيرة في الفلسفة، قال: لقد كانت هناك، في الآونة الأخيرة، مناقشات حية حول الوضعية، التي خلصت إلى أنها "مثالية". مثل باركلي وهيوم؛ وعندما سألنا حول فلسفة يين-يانغ Yin-Yang عند القانونيين، قال: إنها مادية جزئيًا، وكذلك "أولية" جزئيًا. فكانت أقرب إلى المعنى الذي يتبناه الماديون الفرنسيون في القرن الثامن عشر: هولباخ وهلفيتيوس: إنها تجريبية في نظرية المعرفة، ولكنها مثالية في التاريخ.

اعتقدت أن لي وطلابه لم يقدموا أي دعاوى طموحة للفلسفة، باعتبارها مجالًا نظريًا. وسلَّموا بأن الصراعات الفلسفية الحقيقية كانت بين العمال والفلاحين، ولم يدعوا أن نشاطاتهم الأكاديمية الخاصة تمنحهم أي ميزة فلسفية. (مجلة البحث الفلسفي لم تنشر منذ الثورة الثقافية). الطلاب، بقدر ما أستطيع الحكم عليهم، لم يكونوا مهتمين بالتحدي لتفسير الفلسفة في كتبهم المدرسية وفي محاضراتهم، ولم يشاركوا الهوس الغربي بـ "الخلافات الفلسفية. في الواقع عندما استفسرت كانت نقاط المناقشة والخلاف، لست متأكدا من أنه قد تحقق عندي الفهم. هل كانت هناك أي مشكلة حول تدريس كل من المنطق الصوري والديالكتيك؟ قال "لي": لا، لأن المنطق الصوري كان معنيًا فقط بقوانين الفكر، ويمكن فقط أن نفترض معارضة الديالكتيك، إذا أخطأ في وصف العالم الخارجي. هل كانت هناك أي مشكلة في طرح المفاهيم الفلسفية الغربية الأساسية ونقلها إلى اللغة والثقافة الصينية؟ لا، فعلى الرغم من أن المادية الجدلية والمادية التاريخية - قلب الفلسفة - قد نشأتا في أوروبا، إلا أنهما قد تم تحويلهما ونقلهما إلى الثقافة الصينية بواسطة الرئيس "ماو". هل يمكن القول إن التركيز الماوي (نسبة إلى الرئيس ماو) على التعليم والفضيلة الأخلاقية والثقافة، يتعارض مع الأفكار الماركسية من حيث الأساس والبنية الفوقية؟ لا، لأن ماركس نفسه كان يعترف بأن التفاعل يكون في كلا الاتجاهين... وهلم جرا.

وهكذا، كما قد يتوقع المرء، أو ربما كما يأمل، الفلسفة باعتبارها مجالًا أكاديميًا في بكين، طغت عليه الفلسفة كما هي مستخدمة في الحملات الأيديولوجية الجماهيرية، وبينما غيرت الثورة الثقافية سياق تعليم الفلسفة للجمهور بوضوح، ظلت كورسات الفلسفة نفسها تقليدية و"أكاديمية".

وأعترف بأن نتيجتي سلبية: لا أرى أن لدينا الكثير لنتعلمه من الفلسفة في الصين. هذه النتيجة لا تعبر، في اعتقادي، عن الرضا عن حالة الفلسفة الغربية أو عن الحكم السلبي لدور الفلسفة الصينية في الصين، لكنني أعلم أنها يمكن أن يُنظَر إليها على أنها نتيجة استفزازية من قبل العديد من أصدقاء "الصين"، و"عشاق الثقافة الصينية"؛ وأعتقد أنه يجب أن يتضح أن مثل هذه الاختلافات تحمل الكثير من حقائق التاريخ الآسيوي، بالنسبة إلى أمنيات وأحلام الغرب.

(***) كاثاي Cathay: هو الاسم الذي أطلقه الأوروبيون في العصور الوسطى على الصين، وبالذات الجزء الشرقي من نهر يانغتسي. (تعليق المترجِم)

[1] مقتبس من كتاب هيو هونور الممتاز، الطراز الصيني: رؤية كاثي، لندن، جون موراي 1961 ص 11. انظر أيضًا باسل جاي. الصورة الذهنية للصين قبل فولتير وبعده، مجلة فولتير للدراسات، العدد (21)، 1963

[2] هناك من يشير إلى الفلسفة الصينية على أنها تهتم في الجانب الأكبر منها بالمسائل الأخلاقية والعملية، وتهتم في الجانب الأصغر بالتفسيرات أو التأويلات الروحية أو الصوفية للحياة، لكن الطريف والجديد هو أن هناك جوانب منطقية أيضا في الفكر الصيني القديم، وكذلك في الفكر الهندي القديم. (تعليق المترجم)

[3] انظر إدغار سنو، – النجم الأحمر فوق الصين (1937)، الطبعة المنقحة. بنجوين لنشر الكتب 1972، ص211؛ ولنظر أيضا، ستيوارت شرام، ماو تسي تونغ الذي لم نعرفه من قبل، كتب بنجوين 1974، ص 220

[4] جاي بلنتي بونجور، مقولات المادية الجدلية: أنطولوجيا سوفييتية معاصرة، دور رخت، ريدل 1967

[5] رولاند ليو، الماوية والثورة الصينية، السجل الاشتراكي، 1975، ص 115 -159، 131

[6] انظر، رايا دونايفسكايا، السماء والأرض تغيران مكانهما، مجلة السياسة الجديدة، المجلد (10)، العدد (3)، ربيع 1973