القُرْآنولوجيا المعاصرة: اللغةُ القرآنيةُ وآلياتُ التحويل الدِّلالي
فئة : أبحاث محكمة
القُرْآنولوجيا المعاصرة: اللغةُ القرآنيةُ وآلياتُ التحويل الدِّلالي
" فالعالمُ مخطوطةٌ مرقومةٌ في رَقّ الوجود المنشور ولا تزالُ الكتابةُ فيه دائمة أبدا لا تنتهي"
محيي الدين بن عربي
" ليس باستطاعتي أنْ أدرسَ أي شيء في هذا الكون إلا على أنه نظامٌ سيميوطيقي"
تشارلز ساندرس بيرس
تمهيد
تهتمُّ هذه الدراسةُ بجانب مهم من جوانب انشغالات المفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد (1943 ـــ 2010)، والتي لم يُنتبه إليها كثيرا، وهو البحث في أنظمة العلامة داخل التراث العربي الإسلامي؛ فقد حاول في أبحاث كثيرة مقاربة المستويات اللغوية، والبلاغية، واللاهوتية للتراث اعتمادا على منجزات السيميوطيقا/السيميولوجيا، وهو علم يزعُمُ لنفسه القدرةَ على دراسة الإنسان دراسة متكاملة؛ وذلك من خلال دراسة أنظمة العلامات التي يبدعها الإنسان ليدرك بها نفسه، وواقعه[1]. وقد كشفت هذه الأبحاثُ أنّ اللغةَ تشتغل داخل نظام أوسع هو نظام الدِّلالة ككل؛ ففي دراسته للفكر الصوفي، مثلا، أظهرَ أنّ المتصوفةَ استوعبوا اللغةَ وفهموها من زاوية أعمق وأشمل من اللغويين واللاهوتيين، وهي زاويةُ الكلام الإلهي في تمظهراته على مستوى الوجود (الكلام المنظور)، وعلى مستوى النص (الكلام المسطور)، وتمّ الربط التعالقي التفاعلي بين النصين، فشُرح الوجود بكل مستوياته اعتمادا على شرح مستويات اللغة من الصوت إلى الدِّلالة، وشُرحت اللغة ومستوياتها اعتمادا على شرح الوجود بكل مستوياته كذلك[2].
إنّ علم العلامات، على الرغم من كونه علما غربيا حديثا، إلا أنه يملكُ إمكانيات علمية استكشافية تساعدُ على الكشف عن جوانبَ مُغيبة في المقاربات السائدة في المجال التداولي الإسلامي، خاصة وأنه يركز على ظواهر إنسانية مشتركة (أنثربولوجية)، وعلى الأنظمة الدّالة، سواء أكانت لغوية أم غير لغوية، وما القرآن إلا نظام لغوي دالّ. والاشتغال بهذا العلم له غايتان: تستهدف الأولى اكتشاف جوانب تراثية وقرآنية منسية، أو مخفية، أو مُهملة، أو مُحرفة، وتتغيّى الثانية إغناء هذا العلم وتطويره من خلال تجربته على قارات معرفية، وظواهر خطابية ونصية لم يختبرها، وبهذا تتحقق الإضافة النوعية للتراث والقرآن من جهة، ولهذا العلم من جهة أخرى.
ويتعامل هذا العلمُ مع اللغة بوصفها نظاما من العلامات الدالة، ويُقارنها بعلامات أخرى، ولهذا فمفهوم العلامة مركزي في عدّته المفهومية والتحليلية. ويقابل هذا المفهوم في التراث العربي الإسلامي مفهوم "الدّلالة"، وخير دليل على هذا اعتبار المسلمين العالم دِلالة على الخالق، إضافة إلى الارتباط الدلالي المعجمي الذي نجده بين العلامة، والعلم، والعالم، ومشتقاتها.
ومنهج البحث السيميوطيقي عند أبي زيد يتبع مسارين: الأول نظري تحليلي؛ يرصد الجهود النظرية والتفسيرية التي قدمها المسلمون القدماء في مجال البحث الدلالي؛ أي كشفهم عن أنظمة الدلالة اللغوية وغير اللغوية، وهذا ما قام به في دراسته "العلامة في التراث: دراسة استكشافية"[3]. والثاني تطبيقي إجرائي، ويتمثل في مقاربته التحليلية السيميوطيقية لكيفيات اشتغال العلامة داخل النص القرآني، وهذا ما أنجزه في دراسته "القرآن: العالَم بوصفه علامة"[4]. ولقد سلطنا، في هذه الدراسة، الضوءَ على الإضافة النوعية التي قدمها أبو زيد لحقل الدراسات القرآنية، من خلال العناية بالأبحاث العلمية التي أنجزها، لا بتلك التي طغت عليها الصبغة الجِدالية والإيديولوجية.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] ينظر نصر حامد أبو زيد: إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ــ المغرب، الطبعة السابعة 2005، ص51
[2] ينظر نصر حامد أبو زيد: فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ــ المغرب، الطبعة الخامسة 1983
[3] ينظر: إشكاليات القراءة وآليات التأويل، ص51
[4] ينظر نصر حامد أبو زيد: النص والسلطة والحقيقة، إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ــ المغرب، الطبعة الخامسة 2006، ص 213