الكتابة الشذرية في مواجهة قلق اللانهائي: تأملات في التجربة الإنسانية
فئة : أبحاث محكمة
الكتابة الشذرية في مواجهة قلق اللانهائي:
تأملات في التجربة الإنسانية
ملخص
تسعى هذه الدراسة إلى استكشاف وتأمل الكتابة الشذرية من منظور تطورها وتطبيقاتها الفلسفية والأدبية عبر التاريخ، من خلال عدسة فلسفية تأملية بهدف فتح فضاءات جديدة لأسلوب كتابة مغاير بعيداً عن الكتابة المنهجية التي تخضع لقواعد صارمة، باعتبار أن الكتابة الشذرية نمط أدبي وفلسفي، يعكس روح الحداثة وما بعد الحداثة من خلال الإيجاز والكثافة والتركيز على التجربة الفردية، التي توحي بتمزقات الذات في العصر الحديث، سواء كان ذلك في مجال الأدب والتصوف مع النفري أو في الفلسفة الغربية مع نيتشه، فإن الكتابة الشذرية تتطلب جهداً في الفهم والتحليل نظراً لأبعادها غير المتوقعة، والتي تفرزها كوسيلة لنقل الأفكار والتجارب الذاتية؛ إذ تعكس هذه الكتابة مفاهيم اللامركزية والتشظي والتعددية التي تميز الفكر ما بعد الحداثي في النصوص الأدبية والفلسفية.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في توضيح السمات المميزة للكتابة الشذرية واستعراض مفاهيمها المرتبطة بالتجارب الإنسانية والمعبرة عن القلق الوجودي اللانهائي؛ فهي تبرز الصمت الذي يتخلل خطابها، والنقص الذي يعوز مفاهيمها، والبياض الذي يتسلل إلى سواد مقاطعها، تُعد هذه الكتابة سفراً علمياً تلميحياً وتصريحياً يحمل تغييراً في نمط الكتابة ويسهم في تفكيك الأنواع الأدبية، كل نص هو جزء من نص أكبر، ينتج عن إعادة الكتابة، ويستفيد من النصوص السابقة، الكتابة الشذرية ليست مجرد إعداد لخطاب ضمن طوباوية تدريجية، بل تعمل كبديل لأي عنصر أصلي في بنية توافقية، وتسعى لتخريب النظام وتُنفي إمكانية تحديد الموضوع الأصل.
تقديم
ان العنوان الذي صغته جاء بناء على ما تناولته الدراسات الفلسفية والأدبية حول الشذرات وما شهدته عملية الكتابة في المرحلة المعاصرة من تحولات وتطورات منفتحة على رؤى جديدة تتجاوز الحدود التقليدية معلنة الثورة على الانساق، الشيء الذي يفتح المجال لدراسة الأسلوب الأدبي الشذري ودوره في التعبير عن التجربة الإنسانية؛ فالكتابة الشذرية تشير كجزء لحركة ما بعد الحداثة التي تسعى لتفكيك النصوص وتحطيم السرديات الكبرى، فمن جهة تتسم بالانفتاح والتعدد والترحل بين عدة مجالات، ومن جهة أخرى تعكس الرغبة في فهم تفاصيل العالم وتغيراته، باعتبار الكتابة وسيلة للتفاعل مع أزمات الوجود البشري والعلاقات الاجتماعية، ففي العصور القديمة ركزت الكتابة الفلسفية على معالجة القضايا الأخلاقية والميتافيزيقية من خلال أعمال أفلاطون وأرسطو...، وقد تداخلت الفلسفة مع الدين في العصر الوسيط، حيث كانت النصوص الفلسفية غالبا ما تعكس التفسيرات اللاهوتية للعالم، ومع بداية العصر الحديث شهدت الكتابة تحولا مع بروز التفكير النقدي والعلمي، حيث اتجهت صوب تحليل العقل واللغة والمجتمع، وفي الفترة المعاصرة اتجهت الكتابة نحو اللغة وتحليل الخطاب كما هو الحال في الفلسفة التحليلية، من كل هذا يتضح جليا أن الكتابة أصبحت منفتحة على زوايا عديدة من أدب وفنون وعلوم اجتماعية؛ فالكتابة الشذرية تتنوع بين الحكمة والتأمل والعلم وتتميز ببعد جمالي يسهم في تحول الكتابة من التّعبير عن فكر ما إلى تأويلات متعدّدة تحول دون إمكانية التّعرف على المقصد المتوخّى؛ إذ تتحوّل الوظيفة الجماليّة التي يأخذها شكل الكتابة احتمالية وضع العمل أو الإبداع ضمن جنس أدبيّ معيّن أو تقليد سابق دون الوقوف على حيثيّاته وخصائصه، حيث تمثل الشّذرة تحوّلا من خدمة الفكر والتّعبير عنه إلى الانزياح اللّغوي، الّذي يجعلها تتجاوز التّفكير النّقدي التّقليدي والتّعبير اللّغوي النّمطي، نظرا لامتيازها بالابتكار والعبث باللّغة الّذي لا يحصل في كثير من الأحيان إلّا في كتابات بعض الكتّاب المتمرّدين. ومن ثمّ، فإّن توجّه التّعبير الشّذري إلى العبث بالكلمة يؤدّي حتما إلى خلق انزياح لا نظير له عن الشّكل التّقليدي للتّعبير اللّغوي، ومن الجدير بالذكر أن هذا الجزء متحرّر على جميع المستويات بداية من الشّكل الظّاهري إلى استخدام اللّغة والأشكال النّصية الثّابتة، ممّا يجعل "الشّاذر" يدخل في زوبعة تفكير صادقة عن الأفكار والمشاعر، ومنه يمكننا القول إن الشّظيّة هي مناسبة لانتقال الفكر النّقدي إلى مرحلة استكشاف أبعاد لغوّية وتعبيريّة غير مسبوقة، "فاللّغة حينما تتكلّم عن الأشياء لا تقولها أو تحلّ فيها، وإنّما تتكلّم عن صور وتدفّقات لا عن ذوات أو ماهيات، عن غائب لا عن حاضر، عن مجاز لا عن حقيقة"[1].
ومنه، فإّن هذا الأخير يخلق مجموعة من التّفسيرات، حيث يترتّب عنه "فهم جديد لمعنى الكتابة، ...يجعل الغياب في اللّغة هو الأصل وليس الحضور، وهذا هو معنى أن اللّغة مخاتلة"[2].
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] محمد أندلسي، نيتشه وسياسة الفلسفة، دار توبقال للنشر الطبعة الأولى 2006، ص196
[2] المرجع نفسه.