الكلام المعاصر... وضرورات الانتقال من الإيديولوجيا إلى الإبستيمولوجيا
فئة : أبحاث عامة
الملخص:
وُلد علم الكلام ليكون الأداة التي يستخدمها المسلمون للدفاع عن دينهم. فهو علم وظيفي برّاني الغاية، وليس علماً ماهوياً جوّاني الهدف. غير أنّ الواقع التاريخي يؤكد أنّ هذا العلم انزلق، منذ البداية، ليكون أداة للدفاع عن المذهب وليس عن الدين، وهو ما أفقده صبغته العلمية ليبدو في شكل إيديولوجيا صدامية لا تريد الدفاع عن مقولات الدين بقدر ما تسعى إلى تبكيت المقولات المذهبية الأخرى.
لقد أراد الفارابي، الذي نجد لديه التعريف الأكثر استيعاباً لطبيعة هذا العلم، أن يكون الكلام علماً واسعاً وشاملاً، موضوعه قضايا الدين في أصوله وفروعه، وغايته البحث في مقولاته ونظرياته والدفاع عنها بالأساليب الجدلية والبرهانية المناسبة. غير أنّ ذلك لم يكتب له النجاح. والذي انتصر هو تعريف ابن خلدون الذي كان يصرّ على اختزال الدين في المذهب. بل إنّ الكلام تحوّل في كثير من الأحيان إلى إيديولوجيا سلطوية يختار الحاكم منها ما يخدم مشاريعه، تماماً كما فعل المأمون عندما انتصر للمعتزلة، أو كما فعل المتوكل عندما احتضن السلفية.
وعندما واجه المسلمون صدمة الحداثة الغربية كانت أولى ردود أفعالهم إعادة النظر في المقولات الكلامية القديمة وإنتاج علم كلام معاصر يمتلك القدرة على التفاعل مع الواقع الجديد. وكان هناك اتفاق على ضرورة تخليص علم الكلام من السّياسة، والانفتاح به على العلوم المعاصرة، ليكون أكثر تفهّماً للواقع المتغيّر وأكثر قدرة على التفاعل الإيجابي معه.
غير أنّ المهمّة الأكثر إلحاحاً، اليوم، لا تتعين في تخليص الكلام من السياسة، بل تتحدد في تحريره من الإيديولوجيا. لقد انتهت الأنظمة السياسية التي صُنِعت المذاهب بين أحضانها أو على مرآى ومسمع منها، وبقيت الإيديولوجيا التي صَبغت تلك المذاهبَ بطابعها. والمهمّة المُلحّة للمشتغلين بعلم الكلام اليوم هي الانتقال به من الصبغة الإيديولوجية العقيمة والضيّقة إلى الفضاء الإبستيمي الخصب والواسع. وهذا العمل لا يحتاج، فقط، إلى إعادة النّظر في منهج هذا العلم، وإنّما أيضاً في موضوعه وخطابه.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا