المصلحة المرسلة: مكانتها ودواعيها


فئة :  مقالات

المصلحة المرسلة: مكانتها ودواعيها

المصلحة المرسلة: مكانتها ودواعيها

في هذا البحث، سأحرّر الكلام في المبرّرات الموضوعيّة والعوامل الداعية إلى إعمال قاعدة المصالح في التشريع، وقبل ذلك سأمرّ باختصار على مكانة الاستصلاح في مرونة الشريعة الإسلامية وسَعَتها.

فالملاحِظ المتبصر لموارد الشريعة في نصوصها المؤسِّسة وفي أدلّتها التبعيّة، يدرك تمام الإدراك مدى رحابتها وحيويّتها وامتدادها في الزمان والمكان، ولعل من أسباب ذلك اتّساع منطقة العفو المتروكة قصداً لتكون مجالا للرأي والاجتهاد وإعمال العقل، وهذا التوسيع: "لم يجئ اعتباطا ولا مصادفة، وإنّما هو أمر مقصود للشارع، الذي أراد لهذه الشريعة العموم والخلود والصلاحية لكل زمان ومكان وحال".[1]

إنّ منطقة العفو أو الفراغ هذه، لهي مرتع خصب لتوليد الأحكام الجديدة التي تنزل على الوقائع الجديدة في الأمة، ومن شأن ذلك استدامة الوجود الفاعل في الحياة البشرية ودوام صلاحها بصلاح المستخلفين فيها.

وذلك لا يتأتّى إلاّ بالعمل الدؤوب والتفكير التجريبي الذي يخبر حقائق الأمور، وينفذ إلى أعماقها، بدافع الوصول إلى ربط الأحوال بالأحكام بما يحقّق قصد الخالق في الخلق، من جلب منافعهم والتكثير منها ودفع مضارهم والتقليل منها.

ولتحقيق هذه الغاية النبيلة، لم يقف التشريع الإسلامي على المصالح المنصوص عليها فقط، بل تعدّى ذلك إلى البحث في المصالح المسكوت عنها في أعيانها، والتي تدخل في عموم المصالح الملائمة لجنس ما رعاه الشارع في المنصوص عليه من الأحكام.

فالاستدلال المرسل يخدم مصالح الأجيال سابقها وحاضرها وقادمها، فلا تهمل مصلحة تعود على الناس بالخير مهما كان موقعها أو وضعها؛ فالاجتهاد يدور معها، حيث دارت وجوداً أو عدما، انطلاقا من كون الشريعة مصلحة وكون المصلحة شريعة، فحيثما وجدت المصلحة فثمّة شرع الله.

وهذا التلازم اقتضته حكمة التشريع، فحينما اختل ذلك ظهر العجز في الأمة وانحسر دورها الريادي في الاستجابة لحاجات الإنسان، وما عاشه المسلمون في تاريخهم ليس ببعيد عنه، فكان ذلك درسا قاسيا كان له من العواقب ما يندى له الجبين، فحصل الفساد من حيف وظلم واستبداد، و"ظهر الفقه الإسلامي بمظهر القاصر عن تدبير شؤون الدولة، الذي لا يتّسع لمصالح الناس، ولا يساير الزمن وتطوّراته، وأخذ الولاة السياسيّون ورجال السلطة التنفيذيّة في الدولة، ينظرون إلى مصالح الناس المطلقة ويدبرونها بما يكفلها من النظم والقوانين غير ما التزمه أولئك المجتهدون".[2]

وبعد بسط المكانة المهمة التي تضطلع بها المصالح المرسلة في التشريع، أنتقل إلى الحديث عن دواعي تحكيمها والاحتجاج بها، ولو أنّ فيما سبق بعضًا من ذلك.

وسأقتصر في حصر تلك الدواعي على حافزين أساسيّين أراهما كافيين في استدعاء المصالح عند النظر في النصوص والنوازل، وهما كون هذه النصوص منتهية عددا أمام تجدّد تلك النوازل كمّا ونوعا، ثم تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان والمكان والعرف والحال.

فأمّا الحافز الأوّل فظاهر لا غبار عليه؛ فالإحصاء العددي للنصوص القرآنية منها والنبوية لا ولن يستغرق الحوادث والوقائع، فمئات الآيات[3] وآلاف الأحاديث ليس في استطاعتها أن تنصّ على كل نازلة بأعيانها ومواصفاتها الخاصة، فذلك من المستحيلات العقلية قبل الشرعية، إذ المكلف في الشريعة يستحدث من أموره ما لا يعد من قضايا، لم يكن الشرع قد أخبر عنها بذواتها، وذلك لانقطاع الوحي وموت صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، مما يقتضي أن تتبدّل الأقضية[4] والفتاوى وتتجدّد بتجدّد محالِّها غير المنتهية.[5]

وقد ورد في القرآن النهي عن السؤال زمن الوحي، حتى لا يكون ذلك سببا إلى التشديد وزيادة التكليف، فقال عز من قائل: {يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين يُنَزَّل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم}[6]، كما أخبرنا الصادق المعصوم: «إنّ الله حدّ حدودا فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربّكم، ولكن رحمة منه لكم، فاقبلوها ولا تبحثوا فيها»[7]. وفي رواية أخرى: «ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإنّ الله لم يكن نسيا».[8]

وبما أنّ النصوص السابقة قرّرت منطقة العفو لحصريّة النصوص، فلابد من الاجتهاد لملء الفراغ التشريعي، باستحضار المعاني العامة للشريعة، في تتّبع المصالح المرسلة التي ترك الشارع بحثها للمجتهدين، تحريضاً لهم على الاستقراء والاستقصاء، ورحمة بهم في الأخذ بما يراعي أحوالهم وأوضاعهم.

وعلى عكس هذا، "لو انحصرت مآخذ الأحكام في المنصوصات والمعاني المستثارة منها، لما اتسع باب الاجتهاد، فإنّ المنصوصات ومعانيها المعزوة إليها، لا تقع من مُتسع الشريعة غُرفةً من بحر، ولو لم يتمسك الماضون بمعان في وقائع لم يعهدوا أمثالها، لكان وقوفهم عن الحكم يزيد على جريانهم، وهذا إذا صادف تقريرا لم يُبق لمنكري الاستدلال مضطربا".[9]

ولقد فطن الصحابة الكرام إلى هذا البعد التشريعي، فلم تُغرهم كثرة النصوص عن البحث في المعاني الجديدة التي تناسب القضايا التي نزلت بهم، وهم من هم في فهم أسرار الشريعة وفي قربهم من رسولها، وقد شهدوا التنزيل وعاشوا زمن الوحي، ومع ذلك وقعت لهم أشياء لا عهد لهم بها، فاجتهدوا لها، وهم يدركون ألاّ دليل عليها إلاّ ما فهموه من مقاصد الشريعة، وهكذا بتّوا في قضيّة جمع القرآن، وفي تدوين الدواوين، وفي تمصير الأمصار، وفي توريث مطلقة الفار، وفي تحريم زوجة الواطئ في العدة على التأبيد، وفي أمور همَّت مصير الدولة الإسلاميّة آنذاك.

وكل ذلك ما دفع الأئمّة في عصر التدوين، إلى ابتكار أدوات أخرى مساعدة إلى جانب الأصلين الكتاب والسنة بالإضافة إلى الإجماع، لتكون حاضرة حينما تقْصر النصوص الجزئيّة عن إفادة معنى من المعاني التي تستدعيها نوازل تلفظها الحياة البشريّة، و"لذلك استرسلوا في بناء الأحكام استرسال واثق بانبساطها على الوقائع، متصدّ لإثباتها فيما يعن ويسنح، متشوف على ما سيقع".[10]

هذا بخصوص الحافز الأوّل، أمّا الثاني فمَرْكبه صعب قلَّ من ينتبه إليه، لغلبة الظن بأنّ النصوص وحدها من يُسيّر الواقع، في حين أنّ النصوص بدورها تتأثّر به كذلك، وهذا ما دفع إماما كبيرا، وهو ابن القيّم إلى عقد فصل جليل في إعلامه، سمّاه: "فصل في تغيّر الفتوى، واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد"، فدبّجه بكلمة جامعة وذات مغزى، فقال رحمه الله: "هذا فصل عظيم النفع جدا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف مالا سبيل إليه، ما يعلم أنّ الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به".[11]

ولقد تضافرت النصوص في الحثّ على مراعاة ما تعارف عليه الناس، في ظروفهم المعيشيّة والفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وما المبادئ الكبرى في القرآن في رفع الحرج ووجوب التيسير وتحريم الضرر، إلاّ عناصر مساهمة في تدبير حياة الإنسان، دون مساس بصيرورة كيانه المشكّل في جزء منه من معطيات الواقع والعادة.

ولعلّ الآية الكريمة: {خذ العفو وأْمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}[12]، أصل كلّيّ في اعتبار الأعراف والتقاليد عند تقرير الأحكام، لما للواقع من سلطة تشريعيّة واجتماعيّة تنقاد لها النفوس وتمتثل لها، فتحدث الاستقرار والأمن والطمأنينة.

ونظراً للأهمية التي يحتلها الواقع بأبعاده الزمانيّة والمكانيّة والاجتماعيّة، بدأ التشريع الفقهي يأخذ بملابسات الواقع في بناء الأحكام والأقضية، حتى لا يبقى الفقه رياضة ذهنيّة وتنظيراً مجرّدا، فأكّدوا دور العادات والأعراف والأزمنة في صناعة الفتوى، كما قعّدوا قواعد أساسها الواقع بأبعاده المختلفة، فجرى على ألسنهم أنّ "العادة محَكَّمة"، وأنّه "لا يُنكر تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان"، وأنّ "المعروف عرفا كالمشروط شرطا"، وأنّ "الممتنع عادة كالممتنع حقيقة"، وغيرها من القواعد التي تشكّل في مجموعها أدوات في استثمار الواقع وحسن الاستفادة منه.

ولقد أكّد السيوطي مكانة العرف في مدّ التشريع بالحلول المناسبة، فذكر أنّ اعتبار "العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعدّ كثرة...".[13]

لكن العرف والعادة من خصائصهما التبدل والتغير والتحول[14]، ولهذا لا يصح أن يجمد التشريع على نوع ما طوال التاريخ وفي كل البقاع، إنّما يُراعى فيه خصوصيّة كل مكان وزمان وحال، لأنّ ما يصلح أن يكون عرفا لبلد، لا يلزم أن يكون ملائما لآخر، وما يناسب زمنا معيّنا، قد لا ينسجم مع حقبة أخرى[15]، وهكذا...

إذن، لابدّ أن يواكب التشريع حركة الواقع وتلوّناته المختلفة والمتعدّدة، ليكون أوفق بمصالح الناس على الدوام[16]، والمفتي عليه أن يفهم جيدا واقعه الذي يفتي فيه،كما يفهم النص الذي يستلهم منه أحكامه، فمصالح الناس معقّدة بتغيّرها واختلافها، مما يستدعي نظرا مستديما ومتبصرا يتتبّع هذه المصالح ويقتفي أثرها في الواقع، ولا يكتفي الناظر بما هو مدوّن في بطون الكتب والمدوّنات الفقهيّة.

وهذا الفقيه الواقعي الإمام القرافي يقدّم نصائحه وتوجيهاته إلى أعلام الفقهاء الذين يتصدّون للفتيا، قائلاً لهم: "فمهما تجدّد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك، لا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به، دون عرف بلدك، والمقرّر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح. والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين".[17]

وأكمل ابن القيم على كلامه وزاده تأكيدا وتوضيحا، فقال: "ومن أفتى الناس بمجرّد المنقول في الكتب، على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضلّ وأضلّ، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم، على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم، بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل، أضرّ ما يكون على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان".[18]

لكن قد يثار السؤال عن معنى تغير الأحكام بتغير الواقع؛ أي هل كل الأحكام تخضع للتغيير أو التعديل إذا تغيّرت العوائد والظروف، أم أنّ هناك نوعا قارا لا يتأثّر بالمحيط، إلى جانب جزء يتأثّر؟.

الثابت من أحكام الشريعة في العقائد والعبادات والمقدرات، لا يدخله التبديل مهما اختلفت الأحوال، ومثل ذلك القواعد العامة "كاليسر، والوفاء بالعقود، وعدم الإضرار بالناس بدون حق، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وقيام التبادل على التراضي، قد نجتهد في تفاصيل التنفيذ لها، ولكنّنا لا نجتهد في أصولها، وبهذا ينحصر مجال التغيير - إن حصل - في أحكام معاملات خاصة تجري في حياتنا، وقد شرعت أصلا لتحقيق مصالحنا التي نلمسها بالعقل والتجربة، ويمكن أن يكون لنا تدخّل فيما يحقّق مصلحة لنا، وفيما لا يحقّقها. ممّا يتكيّف عادة بالظروف المحيطة في الزمان والمكان".[19]

ومن الأحكام الفقهيّة التي تغيّرت بفعل تغيّر الزمان والمكان والحال، ضرورة تسجيل عقود الزواج لمصلحة الزوجين والأسرة، ولم يعد الزواج العرفي ملائما للعصر لفشوّ الغش والكذب والاستغلال، ومن ذلك ما جدَّ في الاجتهاد التشريعي المغربي، من مثل التنصيص على حصر أسباب الفراق بين الزوجين والتضييق منها مراعاة لمصالح الأسرة والأطفال، نظراً لاختلاف الظروف وتعقّدها اجتماعيّاً واقتصاديّا، ولو أنّ الأصل هو أنّ هذا الحقّ ملك لهما لا تتدخّل فيه الدولة.[20]


[1]- د. يوسف القرضاوي، عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية: دار الصحوة للنشر بالقاهرة، ط1/1406-1985، ص 12

[2]- الشيخ عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعيّة في الشؤون الدستوريّة والخارجيّة والماليّة: دار القلم بالكويت، 1408-1988، ص 18

[3]- لا تتجاوز الآيات التي تتعلّق بالقانون المدني 70 آية، والمتعلّقة بقانون المرافعات وإجراءات التقاضي 13 آية، وبالقانون الدستوري 10 آيات، وبالعلاقات الاقتصاديّة 10 آيات، وبالعلاقات الدوليّة 25 آية، ينظر الوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبد الكريم زيدان: مكتبة القدس ومؤسسة الرسالة ببيروت، 1987، ص 156

[4]- اشتهرت مقولة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور"، لكنّني أرى أن يُجرى تعديل بسيط عليها، باستبدال لفظة "فجور" بلفظة أخرى وهي "أمور"، حتى لا يفهم أنّ الاجتهاد لا يكون سببه إلاّ الفساد والمنكر، وقد عرف من صنيع هذه الشريعة، أنّها تحث على الاجتهاد وتعدّه من عناصر استمرارها، بل تثيب عليه ولو كانت نتائجه مفضية إلى الخطأ. وعليه تكون الصياغة السليمة والمعبّرة أكثر هي: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من أمور".

[5]- وقد عبّر الشاطبي عن هذه الإشكالية بقوله: "الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلابد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا على حكمها، ولا يوجد للأوّلين فيها اجتهاد"، الموافقات: 4/75

[6]- الآية 103 من سورة المائدة.

[7]-رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الأطعمة، رقم 7114، 4/129

[8]- رواه الحاكم في المستدرك، وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه: كتاب التفسير، رقم 3419، 2/406-407 ورواه البزار، ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد: سورة مريم 7/55

[9]- البرهان في أصول الفقه للجويني: بتحقيق وتقديم وفهرسة د. عبد العظيم الديب، طبع على نفقة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بقطر، ط1/1399، 2/1116-1117

[10]- الجويني في البرهان: 2/1116

[11]- إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية: بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر ببيروت، ط2/1397-1977

3/14.

[12]- الآية 199 من سورة الأعراف.

[13]- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعيّة، لجلال الدين السيوطي: بتحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، دار السلام بالقاهرة، ط2/1424-2004، 1/221

[14]- وقد تنبّه فيلسوف الاجتماع والتاريخ العلامة ابن خلدون إلى هذه الحقيقة العلميّة، فذكر أنّ "أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، كما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول، {سنت الله التي قد خلت في عباده}"، من الآية 84 من سورة غافر، مقدمة ابن خلدون: بتحقيق درويش الجويدي، المكتبة العصرية ببيروت، ط2/1420-2000، ص 35

[15]- ركّزتُ كثيراً على العرف وأثره في تغير الأحكام، لكونه يجمع أبعاد الزمان والمكان والحال في مَرّة واحدة، وذلك لا يعني أنّني بصدد الحديث عن نظريّة العرف، إنّما لما له من سلطان على الأحكام، وذلك لا يخلّ بجعل "مبدأ تغيّر الأحكام أقرب إلى نظريّة المصالح المرسلة منها إلى نظريّة العرف"، اختلاف الاجتهاد وتغيره وأثر ذلك في الفتيا، للدكتور محمد عبد الرحمان المرعشلي: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ببيروت: ط1/1424-2003، ص 115

[16]- ذهب الدكتور عمر الجيدي في هذا الاجتهاد بعيدا، فقرّر أنّ "الناس اليوم سائرون مع الحضارة، وما تبرزه من جديد كل يوم من اكتشافات وصناعات واتساع عمران وتشابك المصالح، مما أنشأ تقاليد وأعرافا جديدة تقتضي أن تبنى المصالح عليها، فحيث يبلغ الأمر مرتبة الحرج الشديد، وتَعمّ به البلوى، تصبح الحاجة إليه ماسة، بحيث لا يمكن الفكاك عنه، وجب على الفقيه أن يوجد لذلك حكما يراعي فيه تحقيق المصلحة، ولو كان هذا الحكم جاريا على القول الضعيف أو الشاذ"، العرف والعمل في المذهب الملكي ومفهومهما لدى علماء المغرب: طبع بإشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين المغرب والإمارات، مطبعة فضالة بالمحمدية، ص 401

[17]- الفروق للقرافي: ويليه فهرس تحليلي لقواعد الفروق وضعه محمد رواس قلعه جي، دار المعرفة ببيروت، الفرق 28، 1/176-177

[18]-إعلام الموقعين: 3/89

[19]- الاجتهاد، لعبد المنعم النمر: ص 144

[20]- نصت مدونة الأسرة المغربية في الفصل 70 على أنه: "لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق إلا استثناءً، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين، لما في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال". ولو أن هذه القاعدة لا تعكس مراميها حالات التطليق للشقاق التي صارت طريقا سهلا، بل مثمرا لبعض الأزواج.