المعتقد الشعبي والديني في إفريقيا
فئة : مقالات
تقديم:
تعد دراسة الحضارات من أخصب ميادين الفكر، ذلك أنّ البحث في حضارة أمّة ما وتراثها وماضيها يساعد الباحث على الانطلاق إلى آفاق التجديد والإبداع؛ فالحضارة تكشف عن ذاتها بصورة مستمرة في الوعاء الثقافي للأمة، لأنّ الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع، ووفقاً لهذه الفكرة يمكن القول: إنّ حضارة الأمة تبدو في كل منجزاتها العقلية والجمالية والمادية ومظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية واللغوية والتشريعية، وما يسود من معايير وقواعد أخلاقية.
إنّ التواصل الثقافي الحضاري بين المجتمعات الإنسانية يستدعي من الثقافة الواحدة أن تأخذ وتعطي من مجموع الثقافات الإنسانية الأخرى، تأخذ ما يتفق مع طبيعة مجتمعها، وتعطي ما تجود به نوعيتها ونشاطها الفعال، حيث تتفاعل الحضارات والثقافات المختلفة مع بعضها البعض قصد إشباع حاجات الإنسان الفكرية والمادية. "والذي لا شك فيه أنّ الحضارة العالمية وتطورها في مراحل عبر تاريخ الإنسان ذاته، ينظر إليها كنتاج لتفاعل حضارات مختلفة نشأت وازدهرت في بقاع مختلفة من العالم، ولهذا السبب أيضاً، فإنه غالباً ما ينظر إلى الحضارات المختلفة على أنها في اتصال كحلقات السلسلة الواحدة..."[1]
إنّ ما نسعى إلى بيانه في هذه الدراسة، ليس البحث في شمول الحضارات الإنسانية، بالرغم من تواصلها، وإنما نحاول جهد الإمكان النبش في جانب من الحضارة التي تواصلت حلقاتها عبر التاريخ، ثم انفصلت جغرافياً وسياسياً، وإن ظلت بعض الخصائص الاجتماعية والدينية مشتركة بين مجتمعاتها، ونقصد بذلك المشترك الديني والشعبي في أفريقيا، وملامسة أشكال التدين التي تختزنها التقاليد المحلية في الحياة الإفريقية الأولى، وقد وقع اختيارنا في هذا الصدد على كتاب: "حكاية حياة أولاوداه إكوانو الطريفة"، وهو كتاب صدر في نسخته الثالثة في لندن عام 1790.
أفريقيا: أصل التسمية
بدأ اسم أفريقيا في الظهور منذ القرن الثاني قبل الميلاد، حين أطلقه الرومان على المناطق التي خصصت لسلطانهم في هذه القارة، حيث أطلقوا تسمية أفريقيا وشمال أفريقيا عندما قضوا على السيادة الفينيقية في قرطاجة سنة 146 قبل الميلاد، ولعل هذه اللفظة اشتقت من اسم إحدى القبائل "أفري" التي كانت تعيش في تونس حينئذ.[2] فلما فتح المسلمون بلاد المغرب العربي، كان السكان يتألفون من أربع مجموعات، هي:
أ- الأفارقة، وهم بقايا الشعب القرطاجي وأخلاط من المستعمرين اللاتين، أو قل الوطنيين الذين تأثروا بالحضارة البيزنطية.
ب- الروم.
ج- العرب الذين هاجروا من المشرق إلى بلاد المغرب، علماً أنّ العرب المنتشرين في الوطن العربي بكامل ترابه نزحوا من اليمن موطنهم الأصلي.
د- الأمازيغ الذين كانوا يؤلفون ثلثي السكان.[3]
وربط آخرون اسم أفري أو أفريقيا بربة من الميثولوجيا الأمازيغية؛ فهي الربة التي توفر القوت للأمازيغ وحامية ديارهم، وأفري هو اسم أمازيغي يعني الكهف كناية عن المكانة المقدسة التي كان يتمتع بها الكهف في الثقافة الأمازيغية القديمة، حيث تحدث هيرودوت عن فن نحت الكهوف عند الأمازيغ القدامى، ومازال ما يدل على أثر ذلك في بعض المدن، مثل مدينة إفران المغربية، وإفران جمع كلمة أفري؛ أي الكهوف بوصفها المكان المقدس الذي تجري فيه عبادة الربة أفري.
وعند الفتح الروماني لبلاد شمال أفريقيا، تبنى الرومان الربة أفريقيا فجعلوا منها حامية لجنودهم ورمزاً لانتصاراتهم على الأمازيغ. ولقد حرّف الرومان اسم الربة أفري إلى أفريكا؛ أي أفريقيا باللغة العربية، وهو الاسم الذي أطلقه الرومان في بادئ الأمر على قرطاج؛ أي تونس الحالية قبل أن يتعمم هذا الاسم على جميع القارة الأفريقية.
التقاليد المحلية والحياة الأولى:
ولد إكوانو سنة 1745 في أسكا بالقرب من بنين، اختطف واسترق، وهو في مستهل العقد الثاني من عمره، ثم تحرر بعد أن خدم كرق في أمريكا، وبعد سفر طويل على السفن التجارية استقر في إنجلترا.[4]
يروي إكوانو: "إننا نحصي العام من اليوم الذي تعبر فيه الشمس خط الاستواء، وعند غروبها في ذلك المساء ترتفع صيحة شاملة في جميع أرجاء البلاد، وأستطيع القول، حسب معرفتي الخاصة على الأقل بأنها تشمل جميع أرجاء جيرتنا. ويحدث الناس في الوقت نفسه ضوضاء عالية بالجلاجل لا تختلف عن جلاجل السلاسل التي يسلسل بها الأطفال هنا، وإن كانت أكبر منها بكثير. ويرفعون أيديهم إلى السماء يستمطرون البركة، وعندئد تقرب أعظم الذبائح، ويقدم أولئك الأطفال الذين تنبأ لهم حكماؤها بالطالع السعيد إلى مختلف الناس.
أذكر أنّ كثيرين اعتادوا الحضور لرؤيتي، فكان يطاف بي محمولاً لذلك الغرض، وهم يقدمون ذبائح كثيرة وقت اكتمال القمر، وكان يحدث هذا عادة مرتين في موسم الحصاد قبل استخراج الثمار من الأرض؛ وعندما تنحر أية حيوانات صغيرة يقدمون أجزاء منها أحياناً في شكل ضحية، وعندما يكون مقدم هذه القرابين أحد رؤساء العامة، فإنها كانت تغني عن الجميع.
وأذكر أننا كثيراً ما كنا نتناولها في بيت أبي وعمي وأسرتيهما. وكانت بعض هذه الذبائح تؤكل بالأعشاب المرة. وهناك قول مأثور شائع بيننا يقال لأي شخص ذي مزاج عابس: "إذا كان لا بد أن تؤكل، فينبغي أكلها بالأعشاب المرة".
وكنا نمارس عملية الختان كما يمارسها اليهود، ونقدم الذبائح ونقيم الولائم في تلك المناسبة، بالطريقة نفسها التي يتبعونها، وكان أطفالنا يسمون باسم حادث ما، أو ظرف ما، أو تطير موهوم وقت ولادتهم كما هي الحال عند اليهود أيضاً، وكان اسمي أولاوداه الذي يدل في لغتنا على "التقلب"، أو سعيد الطالع، وكذلك على الشخص المحظوظ الذي يمتاز بارتفاع الصوت والنطق الجيد. وأذكر أننا لم ندنس قط اسم الشيء الذي نكرمه، بل كان يذكر، على العكس، بأعظم ما يكون من الاحترام ولم نعرف مطلقاً السباب ولا تلك العبارات الخاصة بالشتم والتعنيف التي تجد طريقها بغاية السرعة والوفرة إلى لغة الناس الأكثر تمدناً، وأذكر أنّ التعبيرات الوحيدة من هذا النوع كانت: "فليصبك العفن، أو فليصبك الانتفاخ، أو فليفترسك وحش".
وقد لاحظت من قبل أنّ الوطنيين في هذا الجزء من أفريقية على أعلى قدر من النظافة، وهذه ضرورية للذوق، كانت بالنسبة إلينا جزءاً من ديانتنا؛ ولذلك كان لدينا الكثير من التطهير والاغتسال، بل بالقدر نفسه الذي لدى اليهود، وكنا نستخدمها في المناسبات نفسها التي يستخدمها فيها اليهود، إن لم تكن ذاكرتي قد خانتني، فأولئك الذين يلمسون الميت في أي وقت من الأوقات عليهم أن يغتسلوا ويطهروا أنفسهم قبل دخولهم منزلاً للسكنى، وكان محظوراً أيضاً على كل امرأة في أوقات معينة أن تدخل منزلاً للسكنى أو تلمس أي شخص أو أي شيء نأكله. وكنت شديد التعلق بأمي، حيث لا أستطيع الابتعاد عنها أو تجنب لمسها في بعض تلك الفترات، مما ترتب عليه أنني كنت أضطر إلى البقاء معها بعيداً في بيت صغير، أعدّ لذلك الغرض، إلى أن يقدم القربان ثم نتطهر.
وبالرغم من أنه لم يكن عندنا أماكن عامة للعبادة، فقد كان لدينا كهنة وسحرة حكماء. ولا أذكر ما إذا كانت لهم وظائف مختلفة، أو كانت هذه الوظائف مجتمعة في الأشخاص أنفسهم، ولكنهم كانوا يعاملون من الناس باحترام عظيم؛ فهم يحسبون مواقيتنا، ويتنبئون بالحوادث، كما يستفاد من اسمهم، لأننا كنا نطلق عليهم "أه ـ فو ـ واي ـ كاه"؛ أي الحسابون أو الرجال السنويون، إذ كانت سنتنا تسمى: أه ـ أفو. وكانوا يعضون لحاهم، وعندما يموتون يعقبهم أبناؤهم. وكانت معظم أدواتهم وأشيائهم القيمة تدفن معهم، وكذلك كانت توضع غلايين التبغ في القبر مع الجثة التي تطيب بالعطور وتزين دائماً، كما تذبح الحيوانات تقدمة لهم، ولم يكن يحضر دفنهم إلا أولئك الذين هم من مهنتهم نفسها أو من قبيلتهم. وكان هؤلاء يدفنونهم بعد غروب الشمس، ويعودون دائماً من طريق غير الطريق التي سلكوها في ذهابهم.
وكان هؤلاء السحرة هم أيضاً أطباؤنا أو معالجونا، وكانوا يمارسون الحجامة كما كانوا مهرة في شفاء الجروح وطرد السم، وكانت لديهم كذلك طريقة غير عادية في الكشف عن الغيرة والسرقة والقتل بالسم. وكان نجاحهم في ذلك راجعاً، بلا شك إلى نفوذهم غير المحدود على سذاجة الناس وإيمانهم بالخرافات. ولا أذكر ماذا كانت هذه الوسائل إلا فيما يتصل بالقتل بالسم: وأذكر حادثاً أو اثنين، أرجو ألا يعد إيرادهما هذا إقحاماً، لأنهما يمثلان الباقي، ولأنّ الزنوج لا يزالون يستخدمون هذه الطريقة في جزء من جزر الهند الغربية؛ فقد حدث أن ماتت امرأة شابة بالسم، ولكن لم يعرف من الذي دس لها السم، وأمر الأطباء بأن يحمل بعض الأشخاص جثمانها إلى القبر، فما أن رفعه هؤلاء على أكتافهم حتى بدأ كأن دافعاً مفاجئاً قد استحوذ عليهم، فأخذوا يجرون جيئة وذهاباً، وهم عاجزون عن التوقف. وأخيراً بعد أن اجتازوا عدداً من الأحجار الشائكة الوخازة دون أن يصابوا بأذى، سقط منهم الجثمان بالقرب من أحد البيوت، فشوهه عند سقوطه، فقبض على صاحبه واعترف بأنه هو الذي دس السم.
لقد أخبرت القارئ آنفا بتاريخ ميلادي ومكانه، وكان لوالدي عدا الكثيرين من العبيد، أسرة كبيرة العدد، عاش منها سبعة وكبروا، ومن بينهم أنا وأختي التي كانت الابنة الوحيدة. ولما كنت أصغر الأبناء؛ فقد أصبحت دون شك آثرهم عند أمي، فكنت ألازمها دائماً، واعتادت أن تعنى عناية خاصة بتكوين عقلي. وتدربت منذ سنواتي الأولى على فن الحرب: فكان تدريبي اليومي هو الرماية ورمي النبال، وزينتني أمي بالشعارات جرياً على عادة محاربينا العظام. ونشأت على هذه الصورة حتى جاوزت الحادية عشرة حين وضعت نهاية لسعادتي على هذا الوجه:
عندما يبتعد الكبار من أهل الجيرة، ويذهبون بعيداً للعمل في الحقول، كان الأطفال يجتمعون عادة في بعض مساكن الجيران ليلعبوا، وفي العادة كان بعضنا يتسلق إحدى الأشجار ليراقب أي مهاجم أو خطاف قد يهبط علينا، لأن هؤلاء كانوا ينتهزون أحياناً فرص غياب آبائنا لمهاجمتنا وحمل كل من يستطيعون الإمساك بهم منا....".
يندرج النص في الموروث الشعبي المنطوق في منطقة أفريقية، وذلك لما يحتوي عليه من العادات الأفريقية التي يمكن اختزالها في الآتي:
ـ يرتبط الإنسان الأفريقي بالطبيعة ارتباطاً وثيقاً، منها يطور معارفه ويقيس بها الزمن؛ فإحصاء العام مثلاً مرتبط باليوم الذي تعبر فيه الشمس خط الاستواء، حيث يؤثر غروبها في النفس عبر ارتفاع صيحة شاملة في جميع أرجاء البلاد، وهو سلوك يذكّرنا ببكاء البابليين حين اختفاء إلههم تموز؛ فقد تسبب اختفاء تموز في جدب الأرض وعقم الإنسان والحيوان، وعند ذلك رفع الناس أصواتهم بالصراخ متوسلين إلى الإله تموز أن يعود إليهم".[5]
- المطر رمز للخصب والنماء، ولهذا يرفع الناس أيديهم إلى السماء استمطاراً للبركة.
- الإكثار من الذبائح طقس من الطقوس التي يتقرب بها الأفريقي إلى الطبيعة، متخطياً كل الحواجز التي تفصل بينه وبين الطبيعة، إذ يقيم الولائم التي يصاحبها الرقص والغناء، فعند ولادة مولود مثلاً، فإنّ اسمه غالباً ما يرتبط باسم حادث ما، ومن ذلك اسم أولاوداه صاحب النص المذكور أعلاه، وهو اسم يدل على التقلب أو الطالع السعيد أو الشخص المحظوظ؛ لذلك فالأسطوري والطبيعي عنصران ملازمان لفكر الإنسان الإفريقي.
- إنّ العلاقات القائمة بين الناس يكاد يغيب فيها أسلوب الشتم، ما عدا بعض العبارات، مثل: "فليصبك العفن أو ليفترسك وحش".
ـ من واجبات الإفريقي الدينية التطهير والاغتسال، وهذا دليل على الإحساس بالواجب الديني الذي أسهم في تنظيم العلاقات بين الناس، وتوجيه سلوكياتهم اليومية.
ـ ارتباط الابن بأمه كارتباط الإفريقي بأرضه؛ فكلاهما رمز الخصب والنماء والاستمرار والوجود.
- الإيمان بالخرافات والسحر؛ فالكاهن والساحر والحكيم يؤدون وظائف مختلفة، ويحظون باحترام كبير، وكانوا يسمون بـ: "أه ــ آفوــ ــواي ــ كاه"، والمعنى: "الحسابون أو الرجال السنويون"، حيث السنة يطلق عليها: "أه ـ فو"، وعندما يموتون يخلفهم أبناؤهم. أما أمتعتهم الثمينة فكانت تدفن معهم بعد تطييب الجثة بالعطور.
- غالباً ما يكون الدفن بعد غروب الشمس، ويعود الناس دائماً من طريق غير الطريق التي سلكوها في ذهابهم.
ـ الساحر هو الطبيب والمعالج والحجام والمحترف في إخراج السم، هذا بالإضافة إلى الكشف عن الغيرة والسرقة والقتل بالسم وما إلى ذلك.
- الإشارة إلى ما كان يتعرض له ابن افريقيا من سلب ونهب واختطاف، والكاتب واحد ممن تعرض للاختطاف.
فوق ما تقدم، تجدر الإشارة إلى أن هذا النص يمثل وثيقة تراثية تكشف عن جانب مهم من التراث الإفريقي، لا سيما في مجال العادات والتقاليد المتداولة بين الناس.
كُتّاب أفارقة:
إنّ المكتوب الإفريقي، سواء بلغات أفريقية أو بلغات أجنبية أخرى، يظهر بوضوح ملامح كبرى من حياة أفريقيا الاجتماعية والدينية، لذلك ارتأينا إضافة إلى ما تناوله إكوانو أولاوداه عن الحياة الأولى في أفريقيا، الوقوف عند بعض الكتاب الأفارقة، ونذكر منهم:[6]
·سيبريان أكونسي من الإيبو، عمل مديراً للاستعلامات في حكومة نيجيريا الفيدرالية، تعلم الصيدلة في لندن، نشر قصته الطويلة الأولى سنة 1953 بعنوان: "سكان المدينة"، ثم نشر في 1963 قصة أخرى بعنوان: "جوجو أنانا"، إضافة إلى قصص قصيرة أخرى.
ومن بين ما تناوله هذا الكاتب عن الإنسان الإفريقي، ما جاء في نص بعنوان: "الكأس ملأى"
"لم يكن بولارين سعيداً؛ فقد كان وجهه مبقعاً وطعم فمه كريهاً وتحت عينيه الحمراوين المتبلدتين دوائر تدل على النعاس، ومهما كانت أسباب قلقه، فإن زوجاته فيما يبدو لم يكنّ على معرفة بها، لأنهن كُنّ يذهبن ويجئن في أعمالهن المنزلية، شاعرات دائماً بتلك الغيرة التي لا يمكن أن تنفصل عن الحياة الخاصة برجل متعدد الزوجات".
ويعبر هذا النص عن ملامح من الحياة الاجتماعية في أفريقيا، والتي يمكن تسطيرها على الشكل التالي:
ـ وصف دقيق لصورة الأفريقي الفيزيولوجية والمزاجية.
ـ يتميز الأفريقي بتعدد الزوجات.
ـ يترتب على السمة السابقة، الغيرة كظاهرة نفسية بين الزوجات، مما يؤثر نفسياً على الأفريقي الذي لا يشعر بسعادة كما ورد في النص: "لم يكن بورلاين سعيداً".
ـ أنّ المرأة هي التي تعمل.
·فاجونوا، بدأ حياته معلماً، ثم عمل في قسم النشر بالإقليم الغربي من نيجيريا في وزارة التعليم، ألف كتاباً بعنوان: "أوجوبجو ـ أودي نينو أجبو إيرونمالي"؛ أي "الصياد الماهر في غابة الأرواح" نشره سنة 1939، وهو كتاب يترسم تقاليد القصص الأوربي المحكي.
ومما ورد في هذا الكتاب، القول الآتي: "في غابة عجيبة معينة تقع بالقرب من مدينتنا ويطلق على هذه الغابة "غابة الرب" لأنها مكان مليء بالرعب، والواقع أنّ الصيادين يخافون غابة الرب هذه أكثر مما يخافون غابة الأرواح، وهناك قانون ثابت في مدينتنا، وهو أنّ الصياد يجب ألا يذهب إلى هناك للصيد إلا بعد أن يصبح قاتل فيلة، لأن المكان مكان غرائب؛ فالطيور هناك تتكلم بأصوات البشر، والحيوانات تتبادل البيع والشراء فيما بينها... وقبل أن يخرج والدي من بيته كان يبدو صياداً بحق، لأن تعاويذه التي ربطها حول خصره كانت كثيرة، بينما كانت أصابعه مغطاة بخواتم كتلك التي يضعها الشيوخ، وذبح ما لا يقل عن ستة ثيران في بيتنا كتقدمة.
لقد قضى ستة أشهر كاملة، وهو منطلق جيئة وذهاباً يستعد لزيارة "غابة الرب" هذه، لأنّ أولئك الذين اعتادوا الذهاب إلى هناك لم يعودوا... وكان والدي في الحقيقة رجلاً هماماً؛ فبعض الرجال يفوقون بعضهم الآخر في صفات الرجولة".
يكشف هذا النص عن علاقة الأفريقي بالغابة وولعه بالصيد الذي يستعين فيه بالتعاويذ لطرد الأرواح الشريرة قصد إثبات الرجولة والشجاعة.
·كامارا لاي مالنكي: ولد سنة 1924 في كوروسا في غينيا العليا، تلقى تعليمه في كوناكري ثم باريس، ألف كتاباً سنة 1955 بعنوان: "الطفل الأسود"، جاء فيه: "واستطعت أن أفهم وإن كنت مجرد طفل، أنه لا توجد حرفة أعظم من حرفة الصائغ، كنت أتوقع احتفالاً، وقد جئت لأحضر احتفالاً... وكنت أصغر من أستطيع فهم السبب في إطالتها إلى هذا الحد، ومع ذلك فقد شعرت به شيئاً وأنا أنظر إلى تجمع كل أولئك الحاضرين بصورة يغلب عليها الطابع الديني، وهم يشاهدون عملية المزج... إنّ العملية التي كانت تجري أمام عيني كانت مجرد صهر الذهب، ولكنها في الواقع كانت شيئاً أكثر من ذلك: عملية سحرية يمكن أن تنظر إليها الأرواح الهادئة في رضى أو غير رضى".
إنّ الإفريقي، على ضوء ما ورد في النص المذكور، هو شخص غالباً ما يلجأ إلى الديني والسحري قصد إنجاح عمله، كما هو الشأن في عملية مزج الذهب المشار إليها أعلاه.
·نتوياهاجا، رئيس أساقفة أوسومبورا في بورندي:
لقد أخذ الأدب المنطوق في بورندي أشكالاً متفاوتة، سواء بالإلقاء عبر الخطاب الحماسي أو الغناء أو الكلام:
ـ فالإيفيغوجو أو الأمازينا، وهي مدائح في المحاربين، أو الماشية أو كلاب الصيد، وتلقى بسرعة وبصوت مرتفع في جمل طويلة، وتبدأ كل منها بنغمة عالية تهبط شيئاً فشيئاً إلى نغمة شديدة الانخفاض.
ـ أمّا الإبيكوبا، فلون غنائي يلقيه الرعاة لتشجيع الماشية أو تهدئتها.
وقد أدرج " نتوياهاجا" مثل هذا اللون من الأدب المنطوق في رحيل الماشية وعودتها في بورندي، مدرجاً فيه كذلك بعض المأثورات التاريخة والقصص التي تدور حول المخلوقات المخفية.
خاتمة:
يشكل الموروث الديني والشعبي في إفريقيا ثقافة اختمرت عناصرها في ضمير الشعب وحياته، لكي تكون تعبيراً فاعلاً متكاملاً ذا مغزى يهم الجماعة، وربما اشترك في هذه العملية أكثر من فرد؛ فهي تتم على مراحل، ولكنها عندما تتم ويستقبلها الشعب تصبح على الفور موروثاً شعبياً،[7] وإن كان هذا الموروث في حاجة إلى البحث والدرس بتكثيف الجهود لذلك، عبر الاحتكاك بالثقافات الشعبية الإفريقية وفهم العادات والتقاليد والأغاني والحكايات وأشكال التدين.
1ـ ماهر عبد القادر، التراث والحضارة الإسلامية، دار النهضة العربية، بيروت، ص 5
2ـ رجب عبد الحميد الأشرم، محاضرات في تاريخ ليبيا القديم، جامعة قاريونس، ط2، 1994، ص 1
3- سلمان شجاع، هجرة القبائل العربية إلى شمال أفريقيا، مجلة دراسات، العدد السابع، 2001، ص 135
4ـ مختارات من النثر الأفريقي، جمعها هـ هويتلي، ج الثاني، النثر المكتوب، ترجمة رمزي يسن، مراجعة شكري محمد عياد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972، ص 21
5ـ نبيلة ابراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، مكتبة غريب، ط3، ص 27
6ـ جميع التعريفات مستقاة من مختارات من النثر الإفريقي، جمعها هويتلي في الجزء الثاني، النثر المكتوب، ترجمة رمزي يسن، مراجعة د. شكري محمد عياد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972
7- نبيلة ابراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، مكتبة غريب، ط3، ص 9