المنطق المعاصر والمسألة الأنطولوجية
فئة : أبحاث محكمة
المنطق المعاصر والمسألة الأنطولوجية
موجز البحث:
ساهم النظر في الاعتبارات الأنطولوجية في تطور المنطق منذ نشأته، ولئن كان ذلك يظهر في الحقبة المعاصرة أكثر ظهور، إلا أنه كان حاضرا منذ إنشاء المنطق النشأة الأولى، حتى ذهب البعض إلى التساؤل: عندما قعَّد المعلّم الأول المنطق ونظَّمه، هل كان يحسبه آلة لنظام التمثيل فقط (اللغة والفكر) أم كان يعدُّه ضابطا لنظام الوجود أيضا؟ بعبارة أخرى: هل تُنتظر من المنطق الوظيفة الإبستيمولوجية وحدها، أم إنه يتجاوز هذه ليؤدي الوظيفة الأنطولوجية أيضا؟
ينصرف نظري في هذا البحث إلى حضور المسألة الأنطولوجية في الدراسات المنطقية والدلالية المعاصرة مبتغيا بذلك ثلاثة أمور: أولها، بيان المشكلات التي يثيرها هذا الحضور في العتبات الثلاث (أعني الأنطولوجية والدلالية والمنطقية)، والثاني هو تقرير النتائج المنطقية المترتبة عن محاولات حل هذه المشكلات، والثالث هو إبراز مدى اتساع صدر المنطق الكلاسيكي لمحاولات حل هذه المشكلات. وغرضي في الأخير أن أوضح كيف أن الاشتغال بالمسألة الأنطولوجية منطقيا قد ساهم في زيادة الضغط على النسق المنطقي العتيد (في طوره الأرسطي كما في صورته المعاصرة) بما أسفر عن ميلاد أنساق منطقية جديدة، جعلها تمسُّكُها بالاعتبارات الأنطولوجية تُوسِّع أسس هذا النسق أحيانا وتنحرف عنها في أحيانا أخرى، بطريقة أو بغيرها وإلى حد أو إلى آخر. ويعتبر "المنطق الحر" الثمرة الأكثر نضجا من ثمرات هذا التطور وإن كان النظريةَ الأشهر بين نظريات المنطق الفلسفي المتحررة من اعتبارات الوجود واللاوجود.
مقدمة
يُحكى أن مؤسسة تعليمية نظَّمت رحلة مدرسية إلى الجامعة لفائدة الأطفال المتفوقين، فاستكشفوا إحدى الكليات بما فيها من مرافق؛ مدرجات وقاعات دروس ومختبرات بحث وورشات تدريب، كما زاروا مكتبة الكلية وأجنحتها الإدارية، واختتموا زيارتهم بمشاهدة مباراة كرة قدم في المركب الرياضي الجامعي. حتى إذا انتهى الأمر بمنظمي الرحلة إلى إخبار أطفالهم بأوان وقت العودة سأل أحدُ الصغار: ولكن أين هي الجامعة؟ لقد أريتمونا هذه المرافق والناس الذين يشتغلون فيها ولكننا لم نر الجامعة بعد![1] هل يكفي هذا الصغيرَ أن نخبره بأن الجامعة ليست مؤسسة أخرى تنضاف إلى كل ما رآه أو مؤسسة تختفي خلف الكليات وما عاينه فيها، وإنما هي مجموع تلك الكليات؟ فربما أجاب من يخبره بذلك بأنه لم ير حتى الكلية! أو هل ينفع أن نخبره أن الجامعة هي مجرد الطريقة التي نرى بها كل ما شاهدناه أو الكيفية التي ننظِّم بها كل ما وجدناه، أو الكلمة التي نعبِّر بها عن كل ما عاينناه؟ فقد يزيده ذلك غموضا واضطرابا. ولكن حيرته ستزيد ولا شك إن قال أحدهم إن الجامعة ليست شيئا ماديا من العالم الواقعي المحسوس، بل كيانا مجردا تخلقه عقولنا فلا يستقل بوجوده عنها. لقد واجه هذا الصغير مشكلة أنطولوجية تُلقي بنا أسئلتُها أمام مفارقات دلالية وإحراجات منطقية شتى، وليست الكليات إلا مثالا واحدا لتجلياتها، أقصد الأسئلة التي نلفي حين التفكير في "كيانات أو أشياء أو موضوعات غير موجودة" وحين الحديث عنها، أسئلة نركزها في ما يلي: ما هو الوضع الأنطولوجي للموضوعات غير الموجودة؟ وما هو الوضع الدلالي للأسماء الدالة عليها؟ وما هو الوضع المنطقي للقضايا التي تشير إليها؟
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1]- استعرت روح هذا المثال من جلبرت رايل لأوظفه توظيفا مختلفا عما رمى إليه به في كتابه:
Gilbert Ryle, The Concept of Mind, Routledge, London and New York, 2009, p. 6