الميتافيزيقا
فئة : ترجمات
الميتافيزيقا
دائماً ما كانت الميتافيزيقا، أو الفلسفة الأولى، أو العلم الإلهي، محلَّ نزاع بين الفلاسفة. ونُظِر إلى الميتافيزيقا العربية الوسيطة دوماً على أنها تعليقات أو شروح على ميتافيزيقا أرسطو، أو على أنها خليط مُثير أو غير ناجح من الميتافيزيقا الأرسطية والأفلاطونية المحدثة. وقد أوضحت كرستينا دانكونا Cristina D’Ancona سطحية هذه النظرة الأخيرة بتوضيحها لكيفية معالجة الفلاسفة «الـمُتَهَلينيين» Hellenizing للمصادر اليونانية المختلفة على نحو دقيق وإبداعي، مثل أعمال أرسطو والمتن الأفلوطيني العربي Plotiniana Arabica (وهي مجموعة النصوص المأخوذة من تاسوعات أفلوطين، والتي تشمل «أثولوجيا أرسطوطاليس» المأخوذ من التاسوعات الرابعة والخامسة والسادسة)، و«كتاب العلل» Liber de Causis المستقَى من كتاب بروقلس «عناصر الثيولوجيا» والمعروف في العربية باسم «الإيضاح في الخير المحض»([1]). لكن لا تكفي المصادر اليونانية لتفسير التطورات اللاحقة للفلسفة العربية. ففي سنة 1979؛ حاجج ريتشارد فرانك Richard Frank بأن «الفلسفة» (مستخدماً كلمة falsafa التي هي تعريب للأصل اليوناني philosophia تعبيراً عن أصلها الأجنبي)، لم تكن بعيدة عن التأثر بعلم الكلام، وهو اللاهوت الإسلامي الذي أسَّس مذاهب أنطولوجية خاصة به([2]). وقد حاجج منذ وقت قريب، وإن على نحو جدلي، بأن الغزالي مؤلِّف الكتاب الشهير «تهافت الفلاسفة» والحارس الأمين على الأرثوذكسية السنيَّة الإسلامية، كان متأثراً بعمق بابن سينا([3]).
=
وما زاد الأمر تعقيداً أن بعض الفلاسفة، وبالأخص الفارابي وابن طفيل وابن رشد، قد ذهبوا إلى وجود حقيقة فلسفية واحدة يكشف عنها في وقت واحد عدد من «الملل الصادقة». هذه الملل الصادقة هي ببساطة تعبير رمزي مشروط بالسياق اللغوي لكل ملَّة عمَّا يعرفه الفلاسفة بالبراهين العقلية. وتتضمن هذه الدعوى، بصرف النظر عما إذا كانت خَطَابية أم لا، أن فلاسفة الإسلام الكبار قد تبنَّوا توجهات فلسفية واحدة، وأن الفلسفة وصلت إلى غاياتها القصوى عند أرسطو. ويمثِّل الفارابي حالة فريدة في هذا التوجه في «الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي وأرسطو»([4]). يمثِّل هذا الكتاب التراث السكندري المتأخر [في الجمع بين أفلاطون وأرسطو] والذي أثر بعمق في فلاسفة الإسلام. ومقدمته تكشف أهدافه بدقة:
أما بعد، فإني لما رأيت أكثر أهل زماننا قد تخاضوا وتنازعوا في حدوث العالم وقِدَمِه، وادَّعوا أن بين الحكيمين المقدمين المبرزين اختلافاً في إثبات المبدع الأول، وفي وجود الأسباب منه، وفي أمر النفس والعقل، وفي المجازات على الأفعال خيرها وشرها، وفي كثير من الأمور المدنية والخلقية والمنطقية؛ أردت في مقالتي هذه أن أشرع في الجمع بين رأييهما، والإبانة عمَّا يدل عليه فحوى قوليهما، ليظهر الاتفاق بين ما كانا يعتقدانه، ويزول الشك والارتياب عن قلوب الناظرين في كتبهما([5]).
للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا
([1]) D’Ancona Costa [9]. See also P. Adamson, The Arabic Plotinus: A Philosophical Study of the “Theology of Aristotle” (London: 2002).
[انظر كذلك المقدمات التحليلية المفصلة التي وضعها عبد الرحمن بدوي لكل من «أفلوطين عند العرب»، سبق ذكره، و«الأفلاطونية المحدثة عند العرب»، سبق ذكره. (المترجم)].
([2]) Frank, R. M., “Kalam and Philosophy: A Perspective from One Problem,” in Morewedge [31], 71–95
([3]) Frank [108]. Reviewed in Marmura [118].
[وكذلك ذهب الجابري في «تكوين العقل العربي»، و«بنية العقل العربي»، وإن كان هذا الرأي قديماً، ويرجع إلى أعداء الغزالي من السلفيِّين ومنهم ابن تيمية. (المترجم)].
([4]) L’harmonie entre les opinions de Platon et d’Aristote, Arabic ed. F. M. Najjar and French trans. D. Mallet (Damascus: 1999). English trans. By C. E. Butterworth in Alfarabi [185], 115–67
[أثبت مروان راشد عدم صحة نسب هذا الكتاب للفارابي، ورجَّح أنه لكاتب الفارابي إبراهيم بن عدي: RASHED, MARWAN. “ON THE AUTHORSHIP OF THE TREATISE ON THE HARMONIZATION OF THE OPINIONS OF THE TWO SAGES ATTRIBUTED TO AL-FĀRĀBĪ.” Arabic Sciences and Philosophy 19, no. 1 (2009): 43–82؛ الترجمة العربية: مروان راشد، في صحة نسبة «رسالة الجمع بين رأيي الحكيمين» إلى الفارابي، دراسات في فلسفة أبي نصر الفارابي، تحرير رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربية، ومجلة التفاهم، بيروت، 2016، ص195 – 246. (المترجم)].
([5]) الفارابي، الجمع بين رأيي الحكيمين، سبق ذكره، ص79