الميتافيزيقيا بصفتها عِلم «الكائن»
فئة : مقالات
الميتافيزيقيا بصفتها عِلم «الكائن»
1- مقدمة:
في كتابه المُعنوَن، عن علم القواعد (On Grammatology)، يناقش الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا أنَّ انتقاد هايدغر للميتافيزيقيا هو المنبع الإلهامي الأول للمدرسة التفكيكية (Deconstructionism). كما يعلن دريدا أنَّه شخصياً يستلهم مفهومه عن «الحضور» (presence) مباشرةً من فهم هايدغر لفكرة «الكينونة-كحضور» (Being-as-presence). يعتقد دريدا أنَّ هذا المفهوم الهايدغري المذكور يدلُّ على دعوةٍ أوليّة موجَّهة للفلاسفة، أمثاله وأمثال آخرين كثر، للبدء بتفكيكٍ جادٍّ لتاريخ الفلسفة الغربية. ويؤكد دريدا بحزم أنَّ مفهوم هايدغر عن «الكينونة- كحضور» هو الرحِم الذي أولَدَ مفهوم «التأجيل» (difference) المفتاحي في عصر مابعد- الحداثة. كما أنَّ دريدا يعتقد كذلك بأنَّ خطاب هايدغر عن «الكائن/الكينونة» عموماً هو التربة الطبيعية لفهمه الشخصي (دريدا) لمفهوم «علامة» (sign). يتجنب هايدغر، يتابع دريدا، مناداة «الكائن» بالحقيقة البدئيّة، المطلقة المعنى أو الدلالة، كما أنه لا يعتبره أصلاً متأصِّلاً بالمطلق (originary). فهايدغر، كما يناقش دريدا، لم يرغب لعملية تركيزه على «الكائن»، ولا لدعوته للفلاسفة كي يلحظوا لا-محدودية (infinity) الكائن، أن يقرآ في خطابه وكأنّهما تأكيدٌ صارمٌ بأنَّ «الكائن» هو الشيء الأصلي المَدلُول عليه لدرجة متسامية ومطلقَة. على العكس من ذلك، يقترح دريدا، أنَّ هايدغر يستخدم مفهوم «الكائن» للإشارة إلى «دالٍّ» (signifier) وليس إلى مدلولٍ عليه (signified)، وهو، أي هايدغر، يستخرج ما يسميه دريداً «أثرٌ دلاليٌّ محددٌ» (determined signifying trace)، الأمر الذي يعني أنه «من غير الممكن، ضمن مفهوم الاختلاف الأنطولوجي-الوجودي المحدَّد (ontic-ontological)، التفكير بكليّة الأشياء دفعةً واحدة؛ إذ إنَّ كلَّاً من الكيان (entity) والكائِن؛ من الوجودي والأنطولوجي؛ ومن الوجودي-أنطولوجي على حد سواء، هي عناصر مشتَقَّة بشكلٍ ابتكاريٍّ يتعلّق بفكرة الاختلاف ويرتبط بمفهومٍ مُربِحٍ (economic) يدلُّ على عملية إنتاج التفارُق والتأجيل (differing/deffering)»[1].
إنَّ الطرح المذكور في الأعلى يعني أنَّ جاك دريدا يعتبر مارتن هايدغر مُفكِّكاً (deconstructionist) أصيلاً ومبتكراً وبأنه يدعم اعتقاد ديفيد كليم (David Klemm) بأنَّ تحليل هايدغر لقصة الميتافيزيقيا يحمل «رغماً عنه أثرَ فكرة التأجيل (differance)»[2]. وكما يناقش دريدا، فإنَّ فهم هايدغر المُجمَل لــــ «الكائِن» ما هو إلا تفكيكٌ لأنطولوجيا الكينونة من داخلها وبواسطة وضعِ مفهوم «المَدلول المُطلَق» في مركز المنظومة المعرفيّة، كاشفاً بهذا عن اشتقاقيَّةِ طبيعةِ المَدلول المَذكور وعن محدودية دَوره واقتصارِ هذا الدور على الدلالة عن الطبيعة الأصلية المتأصلة للدَالّ الوجودي. وبقيامه بهذا، يتَّكِلُ هايدغر، برأي دريدا، على «خُدعةِ كتابةٍ» (trick of writing)[3] تقوم بتوجيه الانتباه برمّته لعملية التفسير المُهَيمنة لتاريخ الفلسفة (أي التفسير الوجودي-أنطولوجي أو الميتافيزيقي) بُغية كشف ضَعفَاتِ وعَثراتِ هذا التفسير الميتافيزيقي. ولهذا، فإنَّ هايدغر، كما يشرح دريدا، يعمدُ بدايةً لهيكلَةِ وبناءِ فكرة «الكائن» كيما يَعمدَ لاحقاً إلى تفكيك الإيمان بوجود مثل هكذا كينونة برمّته من داخله.
خلافاً لتفسير انتقاد هايدغر للميتافيزيقيا المذكور في الأعلى، فإنني أعتقد أنَّ مقاربة هايدغر تهدف، على العكس، إلى إنقاذ وتَخليص الميتافيزيقيا من سوء الفهم القديم، وذلك من خلال إظهار القيمة الجوهرية لمفهوم «الكائن»، دون سواه، لحقل الفلسفة. سأبيِّن في هذا الفصل بأنَّ هايدغر يقترح في الواقع مفهوم «الكائن» كأساسٍ وقاعدةٍ لخطابٍ ميتافيزيقي مناسبٍ ومهمٍّ في الفلسفة؛ وذلك لأنَّ هايدغر يؤمن، بالدرجة الأولى، أنَّ «الكائن» ووجوده ليسا مُتماهيين كلياً، وأنَّ شكل الحضور لا يتم استنفاذه كلياً بواسطة «يكونيِّة» (is-ness) أيةِ حقيقة في كلَّانيتها. سأبدأ تحليلي بالنظر أولاً في فهم أرسطوطاليس المؤسِّس لمفهومي «بنيان/جوهر» (substance) و«وجود/قِوام» (subsistence)، إذ إنَّ هناك أدلة دامغة بأنَّ بعضاً من طروحات أرسطو الميتافيزيقية المركزية تشغَلُ موقعاً تأسيسياً في فهم هايدغر لفكرة «الكائِن». بعد أن أنتهي من هذا الفحص للجذور الأرسطوطالية للأنطولوجية الهايدغرية، سأشير إلى الكيفية التي يفكِّر بها هايدغر حين يعتبر «الكائن» الوسيلة التخليصيَّة التي تحتاجها المتيافيزيقيا.
2- «الكائن» في ميتافيزيقيا أرسطوطاليس:
في كتابه، الميتافيزيقيا (Metaphysics)، يتعاطى أرسطو مع سؤالين محوريين: ما هي طبيعةُ الفلسفة؟ وكيف نعرف كينونة، أو يكونيَّة (is-ness)، الجوهَر؟ يجيب أرسطو عن السؤال الأول بالقول إنَّ الفلسفة هي ذاك العلم (science) الذي يتقصَّى آثار معرفة المسببات الكامنة خلف أيِّ شيء. إنها «علمٌ يستقصي ويتحرّى عن المبادئ أو المسبِّبات الأولى للخير، إذ إنَّ الخير، أي المآل والغاية، واحدٌ من تلك المسببات»[4]. وبما أنَّ هذا العِلم معنيٌّ بالمبادئ الكونيّة البدئِية universal primary) principles)، فهو عِلمٌ يمضي أبعدَ من الحيِّز المادي في غاياته ومَدَاهُ وحدوده. الفلسفة جوهرياً، إذاً، ما هي سوى ميتا-فيزيقيا (meta-physics، أي ما بعد- أو ما وراء-المادي). يقبل أرسطو مبدئياً، إذاً، بأنَّ العلوم الأخرى، التي تتعاطى مع حيِّز المحدِّدَات والخصوصيَّات والجُزئيَّات والمحسُوسَات في حيِّز الوجود الطبيعي، هي علومٌ ضرورية للمعرفة. ولكنه يقول بأنّه لا يوجدُ أفضل من الميتا-فيزيقيا لتحقيقِ غرضِ معرفةِ المسبِّبات الأولى (primary causes). فتلك المسبِّبات ترتبط عضوياً بمعرفة المقدّس الإلهي، والذي يعتبره أرسطو أحد المسبِّبات الأولى لكافة الأشياء ويعاملهُ بصفته «المبدأ الأول» (first principle)[5].
الأمر الأكثر أهمية لدراستي في هذا المَعرِض هو إجابة أرسطو عن السؤال المحوري الثاني الذي يطرحه في كتابه، الميتافيزيقيا: كيف نعرف كينونة ويكونيَّة الجوهر أو بنيانه؟ لا يمكن في الواقع للمرء أن يحيط بشكلٍ كاملٍ وحاسمٍ بإجابة أرسطو عن هذا السؤال ما لم يأخذ بعين الاعتبار طرح أرسطو الأنطولوجي عن «الجوهر/البنيان» أو عن «الكينونة». ما يساعد على هذا بشكلٍ عظيم هو النظر إلى نصوصٍ أخرى تُعزى إلى أرسطو.
في كتابه، التصنيفات والفئات (Categories)، يُعرِّف أرسطو «الجوهر/البنيان» بالطريقة التالية: «إنه ذاك الذي لا يمكن معاملته كصِفَةٍ لذاتٍ ما، ولا يمكن اختزاله بعملية الحضور في ذاتٍ محددة. المثال عليه، مثلاً، هو الإنسان المفرَد والحصان»[6]. هذا يعني أن «الجوهر» هو كل ما يوجد في ذاته وبذاته، وكَونهُ كياناً كائناً في ذاته، فإنَّ الجوهر يتضمّن في هويته شكل الوجود- الذاتي للشيء أو نمطَ وجوده، ويتضمن كذلك فِئَة الجنس أو النوع (genus) التي ينتمي إليها ويُصنَّف ضمنها هذا الجوهر: على سبيل المثال، ينتمي الإنسان الفرد إلى جنس أو نوعِ البشر. مع ذلك، يعتبر أرسطو أنَّ الجانب المتعلق بالجنس أو النوع في الجوهر هو جانبٌ أو بعدٌ ثانوي وليس تكوينيَّاً في بنية الجوهر المذكور. وهو، بالمقابل، يعتبر أنَّ التعريف الأساسي والتكويني للجوهر هو «ذاك الذي لا هو بصفةٍ لذاتٍ أخرى سواه، ولا هو بشيءٍ موجودٍ في ذاتٍ أخرى سواه». وهذه الماهية بالذات هي التي تجعل من جوهرٍ ما جوهراً مبادئياً وأولياً، أو سبباً أعظمياً لشيءٍ أو لجوهرٍ ثانويٍ آخرَ سواه. تبيّن لنا اللغة التي يستخدمها أرسطو في هذا النص بأنَّ «الجوهر» المبادئي والأولي يتماهى في معناه مع «الذات»، فأرسطو يقول إنَّ «الجوهر الأوّلي» هو بحد ذاته «الذات» في ذاتها، أو إنه «الذات» الحقيقية. ويؤكد أنه بدون تلك الذات الحقيقية، فإنه من المستحيل أن تتواجدَ أيةُ صفةٍ أو أن يكون هناك أيُّ جوهر ثانويٍّ يتم التعبير عنه وتقرير وجوده بدلالة جوهرٍ أولي[7].
يأخذ أرسطو الطرح السابق الذكر خطواتٍ متقدمة أبعد في كتابه، الميتافيزيقيا، إذ يطوِّر هناك إجابة أكثر شمولية عن سؤال «كيف نعرف اليكونيَّة (is-ness) الحقيقية للجوهر/البنيان؟» يتأسَّس جواب أرسطو هناك على فهمٍ مفتاحيٍّ محدَّدٍ لمفهوم «الكائن» بصفته «ذاك الذي يمكن أن نقول عنه 'يكون كذا وكذا' (is so and so)». في فصل ديلتا من كتاب الميتافيزيقيا، يقدم أرسطو أربعةَ معانٍ لمفردة «كائن»[8]. المعنى الأول هو «الكائن بحد ذاته» أو «الكائن في ذاته» (per se). بحسب أرسطو، فإنَّ «يكونيَّة» (is-ness) هذا «الكائن» ما هي سوى الذات الجوانيّة للجوهر: إنها «الماهيّة المطلوبة كي يكون الكائن في ذاته تلك اليكونيَّة»، وبالتالي فإنَّ إنكارها ما هو إلا إنكارٌ لتلك اليكونيَّة (is-ness) ولتلك الكينونيّة بالذات. إنَّ بنية أي شيء، يقول أرسطو، «هي ما يحتاجُ أن يكونه هذا الشيء كي يوجد في ذاته وبفضل ذاته»[9]. لا تمثّل «بفضل ذاته» هنا ماهيّة جوهر (Ousia) الشيء فقط، بل وتعني أنَّ هذا الجوهر يقرِّرُ كيف يصنع كينونته بنفسه[10]. على سبيل المثال، جوهري كنجيب، أو كمن أنا عليه، لا يكمن في أنني لاهوتي وباحث، لأن كوني لاهوتياً وباحثاً لا يكمن في ذاته ولم يوجد من ذاته، ولكنه وجِدَ بفضل شيءٍ آخر اكتسبته، مثل تعليمٍ وتدريب أكاديميٍّ معيَّنين. كما أنَّ كوني إنساناً بالماهية أو «بما أتكوَّن فيه» (يكونيَّتي) لا يقوم على كوني لاهوتياً وباحثاً، إذ في الوقت الذي تفترض صفة «اللاهوتي» وجود جوهر بشري ليَتّصِفَ بها، فإنَّ كوني إنساناً غيُر مقتَرنٍ ولا مَشروطٍ بصفة «اللاهوتية»[11]. الكينونة البشرية غير مشروطة بأن يكونَ المرءُ لاهوتياً أو باحثاً؛ لأنَّ الجوهر هو ذاك الشيء الذي يقومُ كلُّ شيءٍ آخر ثانويٍّ بوصفهِ أو التعبيرِ عنه[12]. جوهرُ كائنٍ ما هو أرضيّةُ وجود هذا الكائن الحيوية، فأن يكون الشيء شيئاً ما لا يقوم على مجرّد تمتّعه بوجودٍ حيوي، وإنما بفضل كينونته في ذاتها أو بفضل كونه يكونيَّته (is-ness). التصنيفات الوصفيّة، مثل «المشي»، «الصحة»، «الجلوس» وسواها لا توجدُ بدلالة نفسها ولا بذاتها ولا يمكن بالتالي معاملتها كجواهر قائمة بذاتها. لا بدَّ من وجودِ جوهرٍ محدَّدٍ يتمتع بــــ يَكونيَّة (is-ness) خاصة يمكن أن نصفها بصفات القدرة على المشي، التمتع بالصحة والقدرة على الجلوس. وبالرغم من أنَّ الجوهر المذكور يمكنه أن يتمَظهَر حَيثُما حدثت أفعال المشي والجلوس، إلا أنَّ الجوهر وحده هو القادر على جعل الجلوس والمشي وقائعَ ملموسَة وحقيقية، وليس مجرّد تصنيفات مُحتَمَلة. كذا يعبّر أرسطو عن هذه الفكرة:
هل المشي، والصحة والجلوس أشياء لها ذاتٌ ويكونيَّة أم لا؟ إذ إنَّ لا أحد منهم شيءٌ ما يمكنه الوجود في ذاته per) se) أو يمكنه الوجود بانفصالٍ عن الجوهر. الأمر في الواقع هو أنَّه إن كان يوجد في هذه الحالة شيءٌ له ذات يكونيَّة، فإنه ذاك الشيء الذي يقوم بفعل المشي والجلوس ويتّصف بالصحة[13].
تتمتّع كل الصفات التصنيفيّة، إذن، بوجودٍ مُشتقٍّ من جواهرها. هم موجودون طالما أنهم متأصِّلون وكامِنون (inhere) في جوهرٍ ما (ousia). الجوهر، برأي أرسطو، أوّلي وبَسيط في كينونته[14]. ولهذا السبب فإن أرسطو يعتبر «علم الكائن- بدلالة-الكائن ما هو سوى علم الجوهر»، ولهذا أيضاً، يمكنني أن أضيف، ما هو سوى علم أنطولوجي وليس مجرّد علم أبستمولوجي.
لا يقصد أرسطو بهذا القول أن يجعل الصفات الخاصة بجوهرٍ ما تتواجد بشكلٍ منفصلٍ عن هذا الجوهر أو أن يقترحَ أنها تتمتع بأهمية ثانوية فيما يتعلق بيكونيَّة هذا الجوهر. يدرك أرسطو بأنَّ صفاتٍ معيّنة تتمتع بقيمةٍ جوهريةٍ في علاقتها بالكائن أكثر من صفاتٍ أخرى، كون تلك الأولى تؤشِّر مباشرةً، وبشكلٍ واقعي عميق، إلى «ما-هيويَّة» (what-ness) الجوهر[15]، إلا أنَّ تلك الصفات لا تختزل الجوهر إلى مجرّد تعبيرٍ شكلي مادي النمط عن حالة دلاليَّة. بالنسبة لأرسطو، كل من الصفات التي تدل على أفعال وصفات الكائن معاً لا تمثل قاعدة مؤسِّسة لــــ يكونيَّة هذا الكائن، بصرف النظر عن درجة بنيويّة تلك الصفات بالنسبة لحضور هذا الكائن في الواقع. ما يفعله هذا الكائن في الواقع، أو ما يمكنه أن يتمكن من فعله، لا يستطيعان تحديد وتحجيم يكونيَّته واختزالها إلى مجرد نشاطٍ أو قابليّة[16]. وبالنسبة لأرسطو، فإنَّ كلَّاً من المادة والصورة هما مُكوِّنان للحقيقة الموضوعية للأشياء. ولكن، صفة «الصورة» لا تدل فقط على التجسُّد المادي للشيء، وإنما تدل أيضاً عن الحالة الواقعية الفاعلة للصفات الموجودة في الكائن المتجسِّد مادياً، والتي تشير بدورها إلى كينونة الجوهر القبلي لهذا الشيء. إنَّ صورة الــــ يكونيَّة (is-ness)، أو كينونة «الكائن» الفعليّة الخاصة بجوهره المحدد، لا تعتمد بشكلٍ مُسبَق الصنع على التَمَظهُر المادي لتلك الــــ يكونيَّة، والذي تتمظهر تلك الأخيرة فيه وبصورته وتتفعَّل فيه صفاتها، فصورة التفعيل تلك «تنبع من خارج»[17] ذاك التصنيف المادي وهي تصفُ جوهره القَبلي.
يشير الباحث جيمس مينش (James R. Mensch) إلى أنَّ تعديلاً مشابهاً للعلاقة بين شكل/صورة جوهر الكائن وبين المادة التي يَتمظهَر هذا الجوهر فيها يظهر أيضاً في فهم أرسطو للكائن بصفته «فاعِل» (functioning) في كتابه، في مسألة النفس (De Anima). في الكتاب المذكور، يقسِّم أرسطو مسألة الــــ «أن-تكونيَّة» (to be-ness) المتعلقة بمسألة استشعار فكرةٍ ما عن موضوعٍ يتم استشعارُهُ في ذاته. من ثم يناقش بأنه، في الوقت الذي يتشابه فيه فعل الاستشعار مع الموضوع المُستشعَر فيما يتعلق بالعمل، إلا أنهما يتفارقان فيما يتعلق بالكينونة أو بالــــ يكونيَّة. هذا التمييز الأنطولوجي مهمٌ لتبيان أنه، حتى حين لا يتم استشعار الموضوع، فهو لا يلبث يحتفظ في داخله بالاحتمال الأقصى بأنَّ يصير متوفراً ومُدرَكاً لاحقاً. أي إنه يمكن الحفاظ على احتمال وجود «أن-يكونيَّة» (to-be) يحتفظ فيها الموضوع في ذاته، بصرف النظر عما إذا كانت تلك اللحظة الإدراكيّة ممكنة الإدراك من خلال تمظهُرٍ مادي أم لا. هذا يعني أن «الكائن» لا يتكوَّن من حالة حضورٍ فعلي محددة، وهو ليس محدوداً بمثل تلك الحالة، بل إنَّ الكائن يتمتّع بقابليّةِ أن يلعب دوراً فعّالاً في مَسار ظهورٍ- ذاتي دون أن ينتهي به الأمر بأن يجد نفسه خاضعاً وخانعاً لمثل هكذا مسار. بالنتيجة، «لا ينفكُّ الموضوع المُستشعَر كائناً في ذاته بمعزلٍ عن قابلية أو إمكانية استشعاره من عدمها، طالما أنَّ احتمال استشعاره قائم»[18].
فإذن، حين يتحدث أرسطو عن «يَكون» (is) بدلالة «يُوجد» (exists)، فإنه لا يعطي الأخير أولوية وأسبقية أنطولوجية على الأول. ما يعتقده أرسطو، برأي ديفيد بوستوك (David Bostock)، هو ما يلي: «إذا لم يكن للجوهر الأول وجود، فلا شيء آخر يمكنه أن يضمن وجوداً». الجواهر الأولى ليست بصفاتٍ لوصف وجودٍ ما يوجدون فيه بفضل أنفسهم[19]. يعود التشارك العضوي بين «الكائن» وحضوره الموصوف، هنا، إلى ضرورة أبستمولوجية، وهو لا يمثّل شرطيَّة أنطولوجية. يناقش أرسطو أبستمولوجياً بالقول «أن تعرف كل ما يتعلق بالشيء يعني أن تعرف جوهره. ولهذا، وبالرغم من عرضهما لتفاوتاتٍ معينة، فإنَّ من الواضح أنَّ الشيء وجوهره يجب أن يكونا واحداً»[20]. لا يحوِّل أرسطو الأنطولوجية هنا إلى مجرد نظرية معرفة، وإنما يؤمِّنُ أهليِّةً أبستمولوجية للأساس الأنطولوجي (أي للــــ ما-هيويِّة (what-ness) أو للــــ يكونيِّة (is-ness)) لمعنى مفهوم «الكائن»، هادفاً بالمحصلة لخلقِ مسارٍ للحصول على معرفةٍ موثوقَة. إنَّ إدراكَنا لكينونةِ جوهرٍ ما قائم في ذاته يجعلنا ندرك في المحصّلة أنَّ «الكائن» يمثّل الــــ يكونيَّة القبليَّة لجوهره، وأنَّه يمكن معرفة هذا الكائن بدلالة يكونيَّته وفي ضوء وجوده، وليس بالاعتماد على وجودٍ آخر. مع ذلك، يقدم أرسطو تعديلاً في العلاقة بين الجوهر وبين الطريقة التي يوجد فيها هذا الجوهر في الوجود. يكمن هذا التعديل في حقيقة أنَّ هذا الوجود يقوم بفضل «الكائن» الذي ينكشف في هذا الوجود عينه، في حين أنَّ الكائن نفسه يبقى قائماً في ذاته. فحين نقول، مثلاً، «شركة شخصية»؛ نعني الشركة التي تنشأ من يكونيَّة هذا الشخص. أي إنَّ «الشركة» تقوم في، وكذلك تنبع من، الشخص وهي تصف كينونة هذا الشخص جزئياً وليس حصرياً أو استنفاذياً. الــــ «يكون» الخاصة بالشخص (is) تتجاوز محدودية ودقّة الشراكات التي يخلقها هذا الشخص وينخرط فيها، طالما أنَّ «التجاوز» هنا يعني بأنَّ جوهر الشخص يكمُن في ذاته وحدها. تتماهى الشراكة أو المشاركة مع الجوهر الشخصي الذي تكشفه، طالما أنَّ هذا الانكشاف ينشأ من كينونة الشخص، وليس من الصفات المُحتَملَة لتلك الكينونة، وطالما أنَّ هذا الانكشاف يَصفُ بشكلٍ موصوفٍ عمق كينونة هذا الشخص. وإذا كانت الشخص هي كليّة الحضور الشرائكي الذي يُعزى لها، فهذا الشخص لن يقوم في يكونيَّته كإنسان، ولكن وجودها سيقوم على كائن آخر ويعتمد عليه. سنقع، بالنتيجة، في دوامةِ حالة استرجاعيةٍ وتراجعية لانهائية، نعود فيها تراجعياً من جوهر نحو جوهرٍ قبله أنشأه ومنه نعود بعدها لجوهرٍ آخَر قَبليّ أنتجَ الأخير وهكذا إلى ما لانهاية.
ضد هذا المنطق، يدّعي أرسطو بأنَّ الكلَّ سابقٌ لأجزائه لأنَّ بعض تلك الأجزاء يوجد مع بعضه البعض، في حين لا تفعل الأجزاء الأخرى ذلك. وبالرغم من أنَّ الأجزاء تُعرِّف الكُلَّ، إلا أنَّها تقوم بذلك على قاعدة وجود الكل القبلي المُسبَق[21]. يمكننا بنفس الطريقة أن نقول إنَّ الانكشاف الشرائكي للجوهر هو انكشافٌ يتم تعريفه بفضل ودلالة الــــ «يَكون» التي تُعرِّفه، والجوهر لا يمكن معرفته بشكل موثوق ما-بعدياً (aposteriori) بمعزلٍ عن شكلِ الوجود الشرائكي المذكور. بالرغم من أنَّ الأجزاء تُعرِّفنا بالكـــلّي، إلا أنها لا تختزل الكلّي بالمُطلَق لأنها «لا تستطيع الوجود إذا ما كانت منفصلة عن الكلي»[22]. يدرك أرسطو عدم وجود رؤية وحيدة للمسألة المذكورة بسبب الأشكال المختلفة من المركّبات التي يتم معرفة الكائن بواسطتها[23]. صحيحٌ أننا نتعرَّفُ على الجوهر(substance) من وجوده (subsistence)، إلا أنَّ يكونيَّة الجوهر (is-ness) تتجاوز أيَّ شكل وجودٍ وحيدٍ لأنَّ هكذا وجود يتحقق بفضل الجوهر. لا يُراد بهذا أن ننكر على الكائن ضرورة الوجود، وإنما تجنُّب تعريف الــــ «ما-هيويّة» (what-ness) بشكلٍ شاملٍ وبدون تعديلات.
يربض هذا التمييز الأنطولوجي في قاعدة تعريف أرسطو الثنائي للــــ يكونيَّة (is-ness): بصفتها، أولاً، ما يكون الشيء عليه في ذاته، وبصفتها، ثانياً، الفعل الرابط (copula) التوصِيفي والمجَازي الذي يوصِّف تواجداً وقياماً معيّنين. يمثل هذان المعنيان قاعدة التمايز ما بين القول إنَّ «الموجود هو جوهر» والقول إنَّ «الجوهر يكون كذا وكذا» أو «إنَّ الجوهر يوجد». على سبيل المثال، في الخطاب اللاهوتي عن الله كثالوث، يتحدث الفكر المسيحي عن العلاقة بين «الشخص/الأقنوم» و«الشركة» بنفس الطريقة. القول إنَّ «الشخص/الأقنوم يقوم في الشركة» لا يشبه بمعناه ودلالاته القول إنَّ «الشرائكي هو شخص/أقنوم في ذاته». السبب في هذا الاختلاف هو أنَّ ما-هيويَّة (what-ness) الكائن بصفتها يكونيَّته في ذاتها لا تنشأ من توصيفات موصوفَة معيّنة تعبِّر عن هذا الكائن. يكونيَّة (is-ness) الكائن موصوفَة بطريقةٍ تُظهِر بشكلٍ موثوقٍ أنَّ ما-هيويَّة ذاك الكائن تقوم في الواقع في ذاتها فقط[24]. لن ينكر أرسطو بأنَّه يمكن الإجابة على سؤال «ما هو هذا الجوهر؟» بالإشارة إلى التصنيف الذي يتواجد بواسطته الجوهر الذي يتم تعريفه بتلك اليكونيَّة[25]، إلا أنَّ هذا لا يعني بأنَّ أرسطو يُخضِعُ أولوية الكائن الأنطولوجية لمشروطات المعرفة التصنيفيَّة. يكونيَّة الجوهر متعدّدة الدلالات والمعاني. وهي لا تقدم تعريفاً ضيقاً لما-هيويَّة الجوهر وكأنه، مثلاً، «ذاك الذي يوجد في صورةِ كذا وكذا»[26].
يساعدنا المنطق الأنطولوجي المعروض في الأعلى على تجنُّب التشديد المُفرط على ادعاءٍ آخَر يسوقه أرسطو في فلسفته، ألا وهو أنَّ جوهر الأشياء الحيّة يكمن في التصنيف (category) الذي يمكن اختبار هذه الأشياء علاقاتيّاً من خلاله، وأنَّ هذا التصنيف المذكور مُتماهٍ كلياً مع كينونة الجوهر المذكور[27]. بادعائه هذا، يستنفذ أرسطو يكونيَّة الجوهر الجوّانية بمماهاتها بصورة تمظهرها ويرتكب هذا الاستنفاذ على حساب، بل وفي قطيعةٍ مع، الأفق الأوسع لأنطولوجية الكائن التي طورها شخصياً في كتابه، الميتافيزيقيا. إلا أنَّ ما يبرر تلك الخطوة، مع ذلك، هو حقيقة أنَّ أرسطو يحاول هنا أن يتيح منفذاً أبستمولوجياً للجوهر الأول يمر عبر الأشكال والمكوِّنات التي تؤلِّف انكشاف هذا الجوهر في العالم المادي (خلافاً لمقاربة أفلاطون التَثنويَّة وفهمه الرياضي المحض[28])، من دون أن يتجاهل حديثه عن مفهوم «الكائن من خلال/عبر الكائن» (Being qua Being). لا تكمن المسألة هنا، إذاً، في ما إذا كانت «ما-هيويَّة» الجوهر مأسورة استنزافياً بعملية المعرفة أو في قلبها، وإنما المسألة تدور حول إيجادِ أفضلِ السبُل الأبستمولوجية لملاقاة هذا الجوهر في عمق ذاته. وبالنسبة لأرسطو، فإنَّ النفاذ الأكثر مقبولية لتلك المعرفة الموثوقة يكمن في ظهور الجوهر في قلب حيِّز الأشكال المادية والمحسوسة التي نستعين بها لتصنيف ذاك الجوهر (خلافاً لأفلاطون الذي يرى السبيل لتلك المعرفة في عملية السُّمو تَثنوياً (dualistically) ما-فوق حيِّز المادي والمحسوس)؛ تلك الأشكال التي تَصفُ بشكلٍ موثوقٍ وصادقٍ الكينونةَ الجوّانيّة لذاك الجوهر. لا يقف الجوهر وراءَ أشكال تَمظهُرِه، ولكنه يتجلّى في قلبها وكأنه هي تماماً (الجوهر لا يحتجب وراء النفس المتجسِّدة بل يكمن فيها بالذات). لنأخذ فكرة الشخصانية كمثالٍ مرة أخرى: يمكننا القول إنَّ المسار الأبستمولوجي الأكثر موثوقيةً وصدقاً لمقاربة شخصانيّة الشخص في ذاتها هو المسار الكامن في الوجود الشرائكي العلاقاتي لتلك الشخصانية، شريطةَ أن لا نستنتج من هذا الواقع أنَّ الشخصانية تُختَزل أنطولوجياً إلى مجرد حالةِ وجودٍ صرفٍ لا أكثر. إنَّ فكرة «الوجود هو نقطة بداية معرفة الجوهر»، من جهة، وفكرة «الوجود هو المكوِّن لكينونة الجوهر بصفتها وجوداً جوهرياً صرفاً» هما فكرتان مختلفتان تماماً، وكل منهما تعبـــِّر عن فهم أنطولوجي عن «الكائن» مختلفة عن الأخرى بشكلٍ بنيوي. الفكرة الأولى تمثِّل ادعاءً أبستمولوجياً بتعديلٍ أنطولوجي. في حين أنَّ الفكرة الثانية تمثّل اختزالاً وخلطاً خطراً بين الأنطولوجيا والأبستمولوجيا.
على الجانب الآخر، يؤسس أرسطو منطقاً يقول إنَّ تعريف الجوهر بصفته «ذاك الذي يكون ما هو عليه في قلب ذاته»، ويرفض جعله مجرّدَ دلالةٍ عن جنسٍ أو نوعِ شيءٍ ما. وهو يعطي هذا المنطق الأولويّة في منظومته الميتافيزيقية. يكشف هذا أمامنا طبيعة ومضمون فهم أرسطو للعلاقة بين الكوني والعام، من جهة، والجزئي والخاص، من جهة أخرى، وكذلك طبيعة فهمه لتأثيرات هذه العلاقة على عملية المعرفة. في كتابه، التصنيفات والفئات (Categories)، يستفيض أرسطو حول السبب المنطقي الذي دعاه لإعطاء الأولوية للتعريف المذكور للجوهر، قائلاً ما يلي:
إن شاءَ أحدٌ أن يقدم قصةً عن ماهية الجوهر الأول، فإنه سينجح بتقديم قصةٍ بنَّاءةٍ وأكثر ملائَمةً للموضوع من خلال ذكره للأنواع (species) بدل ذكره للجنس (genus). ولهذا، فإنه سينجح بتقديم قصةٍ بنَّاءةٍ عن الإنسان الفرد بالقول إنه كانَ «إنساناً» بدل القول بأنه كان يوماً ما «حيواناً [ناطقاً]»، فالتوصيف الأول يختص بالفرد لدرجة أكبر بكثير من الثاني، والذي هو أكثر عمومية وتعميماً[29].
بكلماتٍ أخرى، تكمن معرفة طبيعة الموضوع أو الذات (subject)، إن لم تكن تبدأ، في عملية إدراك تصنيفِ كينونتها الخاص، والذي يُمايز بينها وبين مواضيع أو ذواتٍ أخرى موجودة تماثلها. لا بل إنَّ معرفة الكوني أو العام في حد ذاته تكمن في معرفة تمايزاتِه وخصوصيَّاتِه، وليس في التنبه لما هو شائعٌ تعميمياً بينه وبين آخرين. كي نعرف كينونة الإنسان، نحتاج أن ننظر لوجود هذا الإنسان المُحدَّد كشخصٍ مُفرَدٍ، وألا ننتبه للصفات المشتركة بينه وبين أيِّ كائنٍ آخر وألا نصرفَ النظر عن التمايزات الوجودية بينه وبينها. لا يحاول أرسطو بقوله هذا أن يجعل من الخصوصيات لوحدها العنصر المكوِّن لإنسانية الإنسان في كلَّانيتها، فهو يعتقد أنَّ فعل هذا سيعني أنَّ الجوهر الأول لا يمكنه الوجود بمعزلٍ عن شكلٍ تصنيفي محددٍ من أشكال الوجود، وأنَّ وجوده مشروطٌ بشكل الوجود المذكور[30]. سيعني هذا أنَّ الإنسانية لا توجد بدلالة، أو على قاعدة، ذاتها فقط، بل إنها ستتواجد فقط حين يكون الشخص «س» موجوداً في نمط تواجده الخاص. لهذا يقول أرسطو بأنَّ إنسانية الإنسان لا تتواجد بشكلٍ استثنائي في الإنسان الفرد[31]. يعني تعبير «لا تتواجد» هنا بأنَّ الإنسانية تمثِّل جوهراً عاماً يكمن في بنيان كل موجودٍ بشري وهو جوهر لا يخضع لأيِّ كائن بشري موجود، مع أنَّ معرفة تلك الإنسانية غير ممكنة دون تقصّي قيامها في أبعادٍ خاصة ومحددة.
إذا كانت يكونيَّة الجوهر الأول تقوم على وجود هذا الجوهر في ذاته وليس على وجوده بدلالة فاعلٍ محدودٍ معيَّن، فإنَّ هذا الجوهر، إذاً، لن يحقق ذاته من خلال تواجده في حالة وجودٍ تصنيفية يتصف وحده بها. لن يتمكن الجوهر عندها من التواجد في حالة الوجود الخاصة تلك ما لم يكن هذا الجوهر ثانوياً وليس أولياً، أي ما لم يكن بحاجة لجوهرٍ أولي يضمن له وجوده. يعني هذا أننا لا نستطيع حقاً أن نعرف الجوهر الأول. كل ما يمكننا فعله هو تقصّي آثار تواجده تصنيفياً من خلال النظر إلى الحضور الخاص والفردي لكل ذاتٍ قائمة، أو تقصّي ماهية الصفات والتصنيفات الخاصة بهذه الذات القائمة. بقوله هذا، يثبّت أرسطو مسار تواجدٍ (being-ness) أبستمولوجي، بدل أن يقدم لنا مسار «كينونة» أو «يكونيَّة». أي إنه يطور مسار معرفةٍ يمتد من الجزئي والخاص إلى الكوني والعام، وليس العكس.
يشير الباحث المعاصر، لورنس هيمينغ (Laurence Hemming) إلى هذا المسار في حديثه عن المعنى الرباعي لمفهوم «مشاعر» (pathos) في كتاب أرسطو، الميتافيزيقيا. يناقش هيمينغ بأنَّ أرسطو ينتقل من تعريفٍ واسعٍ إلى تعريفٍ أضيق وأضيق فأضيق من الكل، حيث إنه في الوقت الذي يتطلب فيه التعريف الأول، كأوسع التعاريف الأربعة، الفهم الأعم الذي يمكن أن نراه، فإنَّ التعريف الرابع، والذي هو أضيق التعاريف الأربعة، يمثِّل الفهم الأكثر مباشرةً وتحديداً وشخصانية. إنَّ ملاءمة مسار التعريف المذكور لعلاقة الجزئي والخاص بالكوني والعام في منطق أرسطو، برأي هيمينغ، تكمن في أنَّ التعريف الأوسع لمفهوم «مشاعر» لا يمكن معرفته إلا من خلال تقريبه تدريجياً لما نحاول فهمه حين نبدأ من التعريف الأضيق إلى التعريف الأوسع ومن ثم الأوسع قبل أن ننتهي بأوسع التعاريف جميعاً[32].
بطريقة مماثلة لهيمينغ، تناقش دوروثيا فريدي (Dorothea Frede) بأنَّ التطور التاريخي للفكر الغربي مدينٌ لأرسطو وتركيزه على المعنى المتعدد الأوجه أو تصنيفات الجوهر أو الكينونيَّة، والتي تعكس أكثر من سواها أبستمولوجيته القائمة على معادلة «من-الجزئي/الخاص-إلى- الكوني/العام». تعتبر فريدي هذا النمط من أنماط الفهم «مقاربة ميتافيزيقية واقعية» (metaphysical realist). وبالرغم من تشديد هذه المقاربة على أنَّ التصنيفات المميِّزة لكينونة الجوهر متجذّرة في الجوهر ومن صلبه وليست مفروضة عليه من خارجه، إلا أنها تنحو نحو تخصيص كلِّ شكلٍ من أشكال الكينونيَّة وتعتبره مختلفاً بشكلٍ لا مواربة فيه. تستنتج فريدي من هذا أنَّ عقيدة التصنيفات الخاصة بأرسطو تفيد بأنَّه «لا يوجد معنى واحد موحَّد للكينونة يمكن أن نصف به كافة العناصر المنضوية تحت إطار تصنيفٍ ما. يوجد فقط 'تشابهٌ/تماثلٌ في الكينونة' لا يسمح بتشكيل تعريفٍ أحاديٍّ لمفهوم 'الكائن'»[33]. وطالما أنَّ الأمر يتعلق بمسألة المعرفة، فإنَّ الخاص هو نقطة انطلاق نحو الكوني والعام ونافذة عقليَّة عليه ولهذا يجب التشديد عليها أكثر من مفهوم «الوحدة» في إطارِ عملية فهم «الكائن».
إنَّ تشديد أرسطو على الأسبقية الأبستمولوجية للــــ «خصوصية» مقارنةً بالــــ «توحيديَّة» (unification) يميّز نقاشه في كتابه، الطبيعيات (Physics)، حول ما إذا كانت كل الأشياء جوهراً واحداً، أو ما إذا كان «الكائن» واحداً أم لا. يعتقد أرسطو أنّه لا يمكن وصف «الكائن» بدلالة تصنيفٍ واحدٍ وحيد، إذ إنَّ الجوهر يمثل عدة تصنيفات بشكلٍ نوعي وليس كمّي، وهو يفعل ذلك حتى وإن وجِدَت هذه التصنيفات أحياناً بشكلٍ مستقلٍّ عن بعضها البعض. وبرأي أرسطو، فإنَّ «الواحد» تُستخدَم بشكلٍ لا يقل تكراراً عن استخدام «كائن» نفسها وبمعانٍ متعددة أيضاً. يعني هذا أننا نتعامل مع معانٍ متنوعة بدل التعامل مع معنى واحد[34]. يخدم التشديد على المتعدد والتنوع هنا انتباه أرسطو للتمايز والخصوصية. لا نجد هنا اقتراحاً بإعطاء الأولوية للواحدية، حيث تمتلك كل الأشياء، كائناً ما كانت، نفسَ التعريف أو الشخصية، وكلها لن تتحول بالنتيجة إلى أيِّ شيءٍ محدَّدٍ في ذاته[35]. يعتقد أرسطو أن «الكينونة لا يمكنها أن تكون واحدةً في الشكل، حتى وإن كانت ماهيتها تكمن في جوهر ما هي مصنوعة منه»[36]. إذا كان ما يوجد بدلالة الكينونة متعدداً في أنماطه وحركياً بطبيعته، فإنَّ «كائن» بحد ذاتها لا يمكن أن تكون واحدةً فقط ولا أن تكون جامدة وسكونيّة. لا يمكن لــــ «كائن» أن تكون شيئاً جامداً استاتيكياً؛ لأنها لا تستطيع أن تتواجد بمعزلٍ عن ذاك الذي يملك كينونة. فذاك الذي يملك كينونة له عدة أشكال وتصنيفات؛ ولهذا فإنَّ الــــ «كائن»، أو الما-هيويَّة التي تربض في قاعدة الكينونة، لا يمكن أن تكون أحادية[37]. فإذا كانت «كائن» تدل على الأهليَّة، وإذ كانت تعبِّر عن جوهر محدَّد، فإنَّ الأكثر صواباً هو القبول بوجود العديد من الكينونات. بهذا المعنى، من المستحيل للكينونة أن تكون أحادية[38].
أعتقد أنَّ أرسطو يترك تأثيراً سلبياً لا يمكن إنكاره على الخطاب المسيحي اللاهوتي المتعلق بلاهوت كينونة الله الثالوثية بسبب قوله (أرسطو) أنَّ لا شيء شائعاً يمكنه أن يكون جوهراً؛ لأنَّ الجوهر ينتمي إفرادياً لذاته وهو يقوم في ذاته المفردة وليس بدلالة صفاتٍ عامة مشتركة عمومياً. في ضوء هذا، لا يمكن أرسطوطالياً احتضان الادعاء اللاهوتي الثالوثي بوجود ثلاثة أقانيم في جوهرٍ واحد وكجوهرٍ واحد، إذ إنَّ كل أقنومٍ، في هذه الحال، سيدلُّ لوحده على جوهرٍ منفصل. هذا هو الفخ الخطير الذي يمكن أن يُوقِعَ عقيدة الثالوث في خطر التثليثية (tritheism)، وهو الخطر الذي ما انفك علماء الكلام المسلمون، متأثرون بالفلسفة الأرسطية تحديداً، يرفعون الصوت حوله في وجه عقيدة الثالوث المسيحية بدءاً من العصور الإسلامية المبكرة وصولاً إلى اليوم[39]. حاولت بعض المدارس اللاهوتية منذ عصر أوغسطين (Augustine)، مثل مدرسة توما الأكويني وأنسيلمس من كانتربري، الهروب من هذا الفخ بالحديث عن جوهرٍ واحدٍ بثلاثة أنماطِ تواجدٍ موجودة بفضل هذا الجوهر: إلهٌ واحد في ثلاثة أشكال من الحضور[40]. يتناغم هذا مع مقاربة واحدة في أنطولوجية أرسطو، ألا وهي المقاربة المتعلقة بالخصوصي أو الجزئي، حيث أنماط التواجد أو الحضور تتمايز عن بعضها البعض بدلالة انتمائها لجوهرٍ واحدٍ وحيد، بدل الحديث عن نمط حضورٍ واحدٍ وجواهر متعددة، يعرض أرسطو فكرةَ جوهرٍ واحدٍ بأنماطِ حضورٍ متعدّدة حين يناقش بأنَّ الجوهر الأول واحدٌ وبسيطٌ من حيث المبدأ. إلا أنَّ نقاشَ أرسطو الميتافيزيقي لم يهدف للبرهان بشكلٍ أحاديٍّ بأنَّ الجوهر «وحيد» و«بسيط» بالطبيعة في الدرجة الأولى.
يتساءل المرء عن مدى المشروعية اللاهوتية لخيار تبنِّي حديث أرسطو، الذي ذكرناه سابقاً، عن التمايز المفاهيمي والمبادئي بين «الجوهر» أو «الكائن» وبين «الحضور/القيام»، حيث لا يكون «الكائن» مجردَ حالةِ «حضورٍ أو قيام»[41] وحيث لا يكون الحضور أو الوجود مجرد مفردةٍ مرادفةٍ لمفردة «جوهر» وإنما نقطة الانطلاق في مسار معرفتها. يشدد أرسطو بواسطة هذا التفريق على الجوهر في تضادٍّ مع ما ليس بجوهر ويؤكد على اختلاف الأخير عن الأول. الأمر الحاسم في نقاش أرسطو هنا هو التفريق (بدون تشطير أو افتراق) بين التصنيفات والذات الفاعِلَة التي يعبرون عنها (الجوهر)، إلى جانب القناعة بأنَّ الجوهر هو الذي يلازم الحضور، وليس العكس[42]. دعونا نأخذ مثال العلاقة بين الشخصانيّة والحضور الشخصي مرة أخرى: إنَّ الحياة الشخصية تلتزم بيكونيَّة الشخص. ولهذا، فإنَّ الشخصانيّة تتجسَّد جوهرياً في الوجود الشخصاني المعبِّر عنها. في الوقت الذي يتمتع فيه الحضور بالأسبقية أبستمولوجياً، فإنَّ الكينونة أو الجوهر هو الذي يتمتع بالأسبقية أنطولوجياً. يصبح الحضور سابقاً أنطولوجياً في حالة واحدة فقط: حين يكون حضوراً خاصاً بما ليس بجوهر. الحضور هو تصنيف قَبليٌّ للكينونة، ولكنه ليس باختزالٍ كلّي لمكنونها الأنطولوجي. ولهذا فإنَّ «المادة» بالنسبة لأرسطو لا تتمتع بقيمة قاعدية أنطولوجياً[43].
إنني لا أعتقد أنَّ التوجهات الأرسطوطالية الطابع في لاهوت الثالوث المسيحي تتّكلُ أحادياً على اهتمام أرسطو بالتمييز بين الواحد والمتعدد (بدون إنكار الثاني) وعلى اعتقاده بأنَّ وحدة الجوهر الأوّل تكمن في حقيقة أنه واحد، وبالرغم من تمظهُراته التصنيفية المتعددة، فالجوهر الأول يبقى في الأساس كائناً واحداً وبسيطاً[44]. تفشل تلك التوجهات في فهم تفسير أرسطو لليكونيَّة على أنها حالة ما-هيويَّة، كما أنها تُقلّل من قيمة تشديده الموازي على الأولوية المنطقية ليكونيَّة الجوهر وأسبقيتها على مجرد حضور هذا الجوهر، ذاك التشديد الذي يلجأ أرسطو إليه ليتجنّب أيَّ اختزال لما-هيويَّة الجوهر إلى مجرد نتاجٍ أو نتيجةٍ لحالة الحضور. يحاول أرسطو أن يبين بأنَّ الجوهر لا يَحتجِب أو يختبئ خلف تصنيفات ولا يربض ورائها بشكلٍ تَثنَوي (dualistic). إلا أنَّ أرسطو يحاول كذلك أن يبيّن أنَّ يكونيَّة الجوهر الأول تقوم في ذاتها وتتأسس على ذاتها. في الوقت الذي لا يمكننا فيه أن نحصل على صفات بمعزلٍ عن عملية استخدامها في وصفِ جوهرٍ معيّن، فإنَّ وجود الجوهر غير مشروطٍ بعملية التوصيف التصنيفيَّة التي يمكن أن نقوم بها. بكلماتٍ أخرى، لا يهدف الدفاع عن أولويّة الجوهر وأسبقيَّته هنا بالضرورة للتشديد على أسبقيّة صفات الوحدانيّة والبساطة أو اعتبارها نقاط انطلاق التفكير الأنطولوجي. يهدف هذا الدفاع، بدلاً عن ذلك، إلى التأكيد على أسبقيّة الجوهر المنطقيّة وتقدُّمِهِ في الوجود على الحضورِ، ضمن إطار عملية المعرفة. زد على ذلك، «الكائن» عند أرسطو له الأسبقية في الأبستمولوجية وليس فقط في التفكير المنطقي الصرف[45]؛ لأنَّنا، بالدرجة العظمى، نعرف شيئاً ما، بقناعة أرسطو، حين نعرف «ما هو»، أكثر من معرفتنا له حين نعرف الصفات التي يتصف بها. ولكن، حتى هذا الاعتقاد لا يعطي الأولوية للتشديد على صفتي الواحديّة والبساطة الخاصتين بوصف الجوهر. يهدف إعطاء الأولوية والأسبقية للجوهر بحد ذاته على صفاته هنا إلى تبيانِ أنَّ أية معرفة ممكنة للجوهر من خلال وجوده الموصوف يكشف أنَّ يكونيَّة هذا الجوهر تسبقُ في وجودها وتتقدم على أيَّةِ كيفَويَّة (how-ness) يتصف بها. المسألة الأساسية هنا هي إثبات أنَّ الكينونة تتقدم فلسفياً لأنها هي ما يكوِّن معرفة باقي التصنيفات[46]، والتي لا تلعب دور المكوِّن لهذه الكينونة.
ما هي المترتبات اللاهوتية الثالوثية التي تنتج عن ملاحظة أنَّ الفهم الأرسطي للجوهر يقف على قناعةٍ مفادها أنَّ الحضور، أو الوجود، لا يمثّل تعريفاً جامداً للكينونة؟ الجواب هو أنه قد لا يعود هناك مشكلة أبستمولوجية في القول بأنَّ جوهر الله الثالوثي المقدس تتم معرفته جَزماً (cataphatically) ونفياً (apophatically) على حد سواء في قلب حياة الشركة القائمة بين الأقانيم الإلهية الثلاثة، شريطة أن نتمسكَ بأنَّ شخصانيّة كل من تلك الأقانيم (hypostases) تكشف ما-ورائية ولا-محدودية الجوهر الإلهي بفضل حقيقة أنَّ كل أقنومٍ هو أيضاً متسامٍ خارج حدود حضوره العلاقاتي الشرائكي؛ وذلك بالرغم من أنَّ كلَّ واحدٍ من الأقانيم يتكونَّ في ما-هيويَّته في تلك العلاقات. يتناغم هذان البعدان، برأيي، مع ادعاء أرسطو المهم أنَّ الجوهر قائمٌ في ذاته، في حين أنَّ الحضور قائمٌ في كينونة جوهره. ليس هناك، برأيي، مشكلة في تطبيق ميتافيزيقيا أرسطو عن فكرة «الكائن في ذاته» على الفكر اللاهوتي عن الانطولوجيا الثالوثية للأقانيم الإلهية. إن كان هناك مشكلة فهي في أحَدِ تطرُّفين: 1) إما التطرُّف في المبالغة بالتمييز بين «الكينونة» و«الحضور» لدرجة تحويل هذا التمايز إلى انفصال تام، الأمر الذي سيختزل بدوره «الشخصانيّة» إلى مجرد نَمَط من أنماط الحضور الشرائكي. أو 2) التطرُّف في المبالغة بالتشديد على الأسبقية التكوينيّة لحالة الحضور واعتبارها التعريف الكلّي والاستنفاذي للكينونة، الأمر الذي سيختزل يكونيَّة الأقانيم الإلهية إلى حالاتِ تواجدِها وحضورِها في صورة ثلاثةِ أنماطٍ من الوجود العلاقاتي الشرائكي. في الفضاء المعرفي المسيحي اللاهوتي المعاصِر، يتبنى التطرُّف الأول لاهوتيون ينطلقون في فكرهم الثالوثي من فهمٍ تأحيدي (monistic) صارم لمفهوم «الكائن»، والذي يقود بدوره إلى إنكار الأقنومية والشخصانيّة في الله. في حين يتبنى التطرف الثاني لاهوتيون معارضون للفريق الأول وينطلقون من افتراضات تثالثيّة (triadic) شرائكيّة (communal) تماهي تعريفياً ما بين الكينونة والحضور وتعتبر الأولى مجرد حالة وجود. كلا التطرفَينِ يقوم بمطِّ ولَيِّ مفهوم «الكائن» عند أرسطو لدرجةٍ لا ينوي أرسطو نفسه إيصاله لها ميتافيزيقياً. من الضروري، إذاً، أن يبحث اللاهوت عن تفسيرات أخرى لميتافيزيقيا أرسطو حول مفهوم «الكائن»، خاصةً تلك التفاسير التي يقدمها باحثون من حقول معرفية خارج اللاهوت، وتحديداً حقل الفلسفة. واحد من التفسيرات القيّمة لميتافيزيقيا أرسطو عن «الكائن» في الحلبة الفلسفية هو تفسير مارتن هايدغر. فهايدغر يتبنّى صراحةً فهم أرسطو لفكرة «الكائن» ويقدم لنا محاولة جادّة للدفاع عن الدور الثمين للميتافيزيقيا في المعرفة على قاعدة فهم أرسطو المذكور. نحو هذه المحاولة الجادة أتجه الآن بالتحليل.
[1] - Jacque Derrida, Of Grammatology, Gyatri C. Spivak (trans.), (Baltimore & London: The John Hopkins University Press, 1976), p. 23.
[2]-David Klemm, `Open Secrets: Derrida and Negative Theology,'' in Negation and Theology, R.P. Scharlmann (ed.), (Charlottesville & London: University Press of Virginia, 1992), p. 19.
[3] - نفسه، ص. 24
[4] - Aristotle, Metaphysics, Hugh Lawson-Tancred (trans.), (London: Penguin Books, ltd. 1998), Bk. 1(A), Ch.1.982b.
[5] - نفسه، Bk. 1(A), Ch. 1.983a.5-10.
[6] - Aristotle, Categories, E.M. Edghill (trans.), in The Works of Aristotle, W.D. Ross (ed.), (Oxford: The Clarendon Press, 1926), Vol. 1, Ch.5.2a.
[7] - نفسه، Ch.5.2b.
[8] - Aristotle, Metaphysics, Bk. 5(D), Ch. 7-8; Bk.8(Z), Ch.1. يتعامل أرسطو مع كل معنى من تلك المعاني الأربعة في فصولٍ مختلفة: معنى «المصادفة» (B.9(E).2-4 the Several Senses of Being in Aristotle, R).
[9] - Aristotle, Metaphysics, Bk.8(Z), Ch.4.
[10] - M. Burnyeat, A Map of Metaphysics' Zeta, (Pittsburgh: Mathesis Publication, Inc. 2001), p. 24. النقاش الأرسطي الأساس، إذاً، لا يمثل اختزالاً للمنطق إلى أبستمولوجيا في الفصل ذيتتا من كتابه.
[11] - بخصوص الفرق بين فهم أرسطو للعلاقة بين الصفات والجوهر في كتابه، الميتافيزيقيا، وبين فهمه لهما في كتابه، التصنيفات والفئات، انظر: Mary Louise Gill, ``APA Symposium: Aristotelian Substance and Predication'', in Ancient Philosophy, Vol. 15 (1), 1995, pp.511-520، وكذلك F.A. Lewis, ``Substance, Predication and Unity in Aristotle'', pp.521-549 في نفس العدد.
[12] - Aristotle, Metaphysics, Bk. 5 (D), Ch. 8.i, p. 126.
[13] - نفسه، Bk. 7(Z), Ch.I.I028a, p. 168.
[14] - E.C. Halper, One and Many in Aristotle's Metaphysics: The Central Books, (Columbus: Ohio State University Press, 1989), p. 23.
[15] - Aristotle, Metaphysics, Bk. 7 (Z), Ch.5, pp. 183-184.
[16] - نفسه، Bk. 5 (D), Ch. 7. i-iv, pp. 125-126.
[17] - William K. Guthrie, The Greek Philosophers: From Thales to Aristotle, (New York: Harper & Row, 1975), pp. 12-14. يعتقد غوثري أنَّ زينو من سيتيوم وليس أرسطو هو من يُماهي بين الوجود والمادة ويدّعي أنَّ لا شيء يمكن وصفه بالوجود ما لم يكن متجسداً مادياً (ص. 19-20).
[18] - James. R. Mensch, Knowing and Being: A Postmodern Reversal, (Pennsylvania: the Pennsylvania State University Press, 1996), pp. 92-93. يُفسِّر مينش هذا كتأكيدٍ على أنَّ الزمان والمكان أو الوسائط 'يمكن اعتبارها احتمالات شكلٍ من أشكال الحضور' القائمة في الكائن، والتي تنتمي إليه (ص. 96). هكذا أيضاً فهم إمانويل كانط الزمان والمكان.
[19] - David Bostock, Aristotle Metaphysics: Books Z and H, (Oxford: Clarendon Press, 1995), p.46, on: Metaphysics, Bk.8(E), Ch.2.5-6.
[20] - نفسه، Bk. 7(Z) Ch.6.
[21]- نفسه، Bk. 7(Z), Ch.10
[22]- نفسه، Bk.7 (Z), Ch.10
[23]- نفسه، Bk.7 (Z), Ch.10
[24] - نفسه، Bk.5(D), Ch.7. أعتقد أن هذا التمايز يستبعد ادعاء بوستوك بأنَّ «في ذاته» تتعرَّف كلياً بكيفية وجود هذا الجوهر بشكلٍ موصوف، بحيث أننا نجد في أرسطو ادعاءً بوجود عدد «يكونيات» (is-nesses يعادل عدد الفئات والتصنيفات: Bostock, Aristotle's Metaphysics pp.50ff ماذا لو كان ادعاء أرسطو هنا يعني وجود عدة طرق لاستخدام اليكونية كفعل رابطٍ مجازي، وليس كــــ «كائنٍ» بحد ذاته، يهدف لتوصيف الجوهر في مواصفات وجوده المتعددة، بشرط أن تكون «اليكونية» هنا مرتبطة بالجوهر الأول والذي هو واحد مبادئياً؟
[25] - Bostock, Aristotle's Metaphysics, p. 53.
[26] - بملاحظة تجنُّب أرسطو لاختزال يكونية الجوهر بصنف وجودها، يمكننا أن نستغني عن ادعاءات بعض الباحثين بوجود غموضٍ محيِّر في كتاب أرسطو، الميتافيزيقيا، ذاك الغموض الذين يدعون أنه يكمن في صعوبة معرفة ما إذا كان أرسطو يتحدث عن جواهر أولية أو ثانوية (انظر تعليق بوستوك على هذا في: Bostock, Aristotle's Metaphysics, pp. 54-55. لا يوجد مشكلة في القول بأنَّ رؤية أرسطو للجوهر هنا يمكن أن، تنطبق على الجواهر الأولية وكذلك على الثانوية، بما أنه يعترف بأنَّ اليكونية لها دلالات متعددة الأوجه، وأحدها هو «الكائن في ذاته» السابق لأيِّ وجودٍ توصيفي وتصنيفي.
[27]- Burnyeat, Map of Zeta, p. 38
[28] - للاطلاع على مقارنة مثيرة للاهتمام بين نقطة انطلاق أرسطو المادية ونقطة انطلاق أفلاطون الرياضية فيما يتعلق بعملية المعرفة، انظر: Burnyeal, A Map of Metaphysics' Zeta, pp.79-86.
[29] - Aristotle, Categories, Ch. 5. 2b.
[30] - نفسه، Ch. 5. 1a.
[31] - نفسه، Ch. 5. 3a.
[32] - Laurence Hemming, ``Analogia Entis Sed Entitatis: The Ontological Consequences of the Doctrine of Analogy,'' in International Journal of Systematic Theology, Vol. 6.2, 2004, pp. 118-129, p. 128.
[33] - Dorothea Frede, ``The Question of Being: Heidegger's Project,'' in The Cambridge Companion to Heidegger, Charles B. Guignon (ed.), (Cambridge: Cambridge University Press, 1998), pp. 70-76, pp. 44-45.
[34] - Aristotle, Physics, R.P. Hardie; M.A. and R.K. Gaye (trans.), in The Works of Aristotle, Vol. II, Bk. I.2. I85b.5.
[35] - نفسه، Bk. I.2.I85b.2o. «إذا كانت كل الأشياء واحداً بمعنى امتلاكها لنفس التعريف... فإنَّ هذا لن يعني أن كل الأشياء واحد وإنما هي لا شيء البتة: فأن تكون هذا النوع من الأنواع وسيصبح مماثلاً كلياً لقولك إن حجمك كذا وكذا».
[36] - نفسه، Bk. I.3.I86a.19-20. «الإنسان»، يتابع أرسطو، «يختلف عن الحصان في الشكل وهما يتعاكسان عن بعضهما البعض». ولهذا، فإنَّ قول بارمنيدس (Parmenides) بأنَّ «الواحد» «تعبير يُستخدَم بمعنى وحيدٍ فقط» هو قول خاطئ برأي أرسطو. الواحد يمكن استخدامه بمعانٍ متعددة كما يناقش أرسطو.
[37] - نفسه، Bk. I.3.I86a.25-30.
[38] - نفسه، Bk. I.3.I87a.10.
[39]- انظر مثلاً في كتابي عن المحاورات الكلامية اللاهوتية بين ثاودوروس أبو قرة وعلماء الكلام المسلمين في القرن الثالث هجري/التاسع ميلادي في الخلافة العباسية: Najib George Awad, Orthodoxy in Arabic Terms
[40] - انظر حول فكر الأكويني وأنسيلمس الثالوثي ومقارنة له مع الفكر الثالوثي الشرقي للآباء الكبادوكيين: Najib Awad, God Without a Face? On the Personal Individuation of the Holy Spirit, (Tدbingen: Mohr Siebeck, 2011), pp. 61-98.
[41] - Charlotte Witt, Substance and Essence in Aristotle: An Interpretation of Metaphysics VII-IX, (Ithaca & London: Cornell University Press, 1989), p. 48. إنها تهدف لتبيان أنَّ «كل ما ليس بجوهر يتواجد في جوهر كأنه ذاته، إلا أنَّ الجواهر لا تتكل بشكلٍ مقابل على ما ليس بجوهر».
[42] - نفسه، ص. 50
[43] - نفسه، ص. 53
[44] - Halper, One and Many in Aristotle's Metaphysics, p. 21. لا بل إنَّ هابلر يعتقد بأنَّ نقاش أرسطو الآخر المتعلق بمواصفات التصنيفات يتم استثماره في غرض وحيد: تمكين الجوهر
[45] - Aristotle, Metaphysics, B.8(Z), ch.1-2.
[46] - Halper, One and Many in Aristotle's Metaphysics, p. 24.