النزعة المؤسساتية ورهان الحرية في فلسفة هيجل السياسية
فئة : أبحاث محكمة
النزعة المؤسساتية ورهان الحرية في فلسفة هيجل السياسية
الملخص:
وقفنا في هذا البحث عند السجال الذي طبع الفلسفة الاجتماعية والسياسية المعاصرة بخصوص النزعة المؤسساتية عند هيجل ورهانها المتعلق بالحرية. فأكسيل هونيث يعرض لتصور يبين فيه أن الحرية الفردية عند هيجل مرتبطة بشرط التفاعل البينذواتي داخل مجالات العرف الثلاثة: الأسرة، المجتمع المدني والدولة، لكنه في المقابل يبين أن فلسفة هيجل السياسية تتضمن نزعة مؤسساتية قوية مادام أن العلاقات التواصلية والتفاعلية التي من خلالها يحقق الأفراد حريتهم الفعلية تخضع لرقابة الدولة وتشريعاتها. مع كيرفيكان وجدناه يؤكد أن هيجل يبرهن على ضرورة التجذر المؤسساتي داخل الممارسات الفردية والجماعية؛ في سياق هذا التصور يؤكد كيرفيكان أن فلسفة الحق عند هيجل تتضمن نزعة مؤسساتية يقول عنها إنها نزعة في الحد الأدنى؛ بمعنى أنه من خلالها تتشكل الفردية وتحتفظ باستقلاليتها، فحق الأفراد وسعيهم الذاتي إلى الحرية يجد تحققه الفعلي داخل العالم الموضوعي، الذي هو عالم المؤسسات. أما شارلز تايلور، فقراءته لهيجل جعلته يؤكد أن الجماعة تمثل ضرورة حيوية بالنسبة إلى الإنسان؛ إذ من خلالها يحقق هذا الأخير ماهيته ويبني هويته الخاصة، ليس كفرد معزول عن كل الروابط الاجتماعية، وإنما من داخل هذه الروابط وعبر ما يسميه تايلور: سياسة الاعتراف. أفضى بنا هذا السجال حول النزعة المؤسساتية عند هيجل إلى اعتبارها نزعة تؤسس في حركة واحدة للذاتية والموضوعية، للفرد والجماعة. نزعة تضع دعائم شروط إمكان الحرية داخل فضاء اجتماعي يتميز بتنوعه بين الأسري والمهني والسياسي، بالإضافة إلى الانتماءات الهوياتية الأخرى: الدينية واللغوية والثقافية.
تقديم:
تحيلنا فلسفة هيجل السياسية على منظور متميز لفكرة الحرية، على أساسه يمكن الحديث عن مجتمع حديث يُعلي من شأن ما هو فردي خاص انطلاقا من بناء اجتماعي قوامه القوانين والمؤسسات. هذا الربط بين الحرية وإطارها الموضوعي المتمثل في القوانين والمؤسسات أفضى إلى نزعة مؤسساتية أثارت نقاشاً في الخطاب الفلسفي المعاصر، فما طبيعة هذه النزعة؟ وما رهاناتها العملية بالنسبة للفلسفة الاجتماعية والسياسية المعاصرة؟
يحيلنا جان فرنسوا كيرفيكان Jean-François Kervégan في كتابه الواقعي والعقلاني: هيجل والروح الموضوعي، على ديتر هنريش Dieter Henrich الذي يقول بخصوص فلسفة الحق عند هيجل "يمكن تحديد المذهب الذي يعرض له هيجل في فلسفة الحق بكونه ذو نزعة مؤسساتية. إن شروط الحد الأدنى التي يتطلبها الحديث عن نزعة مؤسساتية، تكون مستوفاة عندما نقبل أن نظرية في الحق التي تقوم على مبدأ الإرادة المستقلة، ينبغي لها كذلك أن تقبل بشروط خاصة في نوعيتها وأصلها، بها تتعلق إمكانية نظام حياة يسمح بتحقق هذه المبادئ بالدرجة الأولى. لكن ما يميز نظرية هيجل هو كونها ذات نزعة مؤسساتية قوية، فهي تقدم تصورًا مفاده أن الإرادة الفردية لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل نظام معين، والذي بوصفه نظاما موضوعيًّا، يأخذ صورة إرادة عقلانية تستوعب الإرادة الفردية وتخضعها لشروطها الخاصة [...] إن الإرادة الفردية التي يسميها هيجل ذاتية، هي إرادة محتواه بصفة كلية داخل نظام المؤسسات"[1]. يتعلق الأمر هنا حسب ديتر هنريش بنزعة مؤسساتية قوية لدى هيجل، وهي نزعة تؤدي كما يقول كيرفيكان إلى نتائج "لا تحظى بقبول الوعي المعاصر خصوصا على المستوى الأخلاقي والسياسي"[2]، مادام أنها تشتغل بمنطق الاحتواء، وتعمل على إخضاع الفرد، في اختياراته وأفعاله، لشروط هذه المؤسسات؛ فكل شيء يتعلق بهذه الأخيرة ولا مجال للفرد وحريته. في هذا السياق يحضرنا التساؤل التالي: إذا كان مذهب هيجل في الروح الموضوعي يتضمن عناصر نزعة مؤسساتية، فهل نتحدث هنا عن نزعة مؤسساتية قوية تعمل على إخضاع الفرد ونفي حريته أم نزعة مؤسساتية ترى في المؤسسات خلفية أساسية لتحقق الحرية؟
للإجابة عن هذا التساؤل، سنستحضر في مستوى أول موقف أحد ممثلي النظرية النقدية المعاصرة وهو أكسيل هونيث Axel Honneth الذي بلور نظرية في الاعتراف انطلاقا من هيجل، فهو من جهة يبرز الإمكانيات التي يتضمنها نسق الفلسفة الاجتماعية والسياسية عند هيجل، والتي تتيح التفكير في قضايا راهنة من قبيل الحرية والعدالة، لكن من جهة أخرى نجده يكشف عن بعض أوجه عدم الانسجام في هذا النسق خصوصا الحضور القوي للدولة، أو لما يسميه بالنزعة المؤسساتية القوية التي تضعنا أمام منظور محافظ لا يتماشى ومطلب الحرية الذي يفترض أن هيجل يسعى إلى وضع أسسه داخل فلسفة الحق. وسنقف في مستوى ثان مع كيرفيكان وشارلز تايلور Charles Taylor عند الإمكانيات التي تتحيها النزعة المؤسساتية عند هيجل في مأسسة الحرية والتفكير في بعض القضايا الراهنة من قبيل تلك التي تهم أسئلة الهوية والاعتراف.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] Jean-François Kervégan, L’Effectif et le Rationnel: Hegel et l’Esprit Objectif, Vrin, 2007, p.313
[2] Ibid., p.313