النص الفلسفي متعة التدريس وكفاءة التأسيس
فئة : مقالات
النص الفلسفي متعة التدريس وكفاءة التأسيس
النصوص الفلسفية ومكتسبات التأسيس:
إن المواصفات الإيجابية والمكتسبات التأسيسية التي تسعى إليها بيداغوجيا الكفاءات في منهاجنا التربوي الجزائري، تَرومُ إلى خلق تواصل علائقي بين مادة الفلسفة والنصوص المغيبة فيها، وبالأحرى مد جسور التصالح و"إستطيقا"، التواصل بين المدرس والنص الذي يعد الأرضية الخصبة لإنبات أستاذ ينصهر في هوية النص، وجعل التلميذ ينخرط فيها كذلك من أجل تثمين ثقافة المحاورة النصية، الشك والمناظرة الفكرية، الحوار والمساءلة النقدية؛ إذ النصوص حوافز ومثيرات في عملية التواصل الجمالي بين الأستاذ والتلميذ ومبدعها الذي أخرجها من دائرة الكتمان إلى التصريح، فلا تصبح ملكا له بقدر ما تصبح ملكا للقارئ الأستاذ، ملكا للقارئ التلميذ مادام «النص الفلسفي ميزته الفلسفية ليس الموضوع الذي يتحدث عنه، بل قدرته على خلقه وصيانته لموضوعاته – عن طريق مفاهيم يحدد دلالتها – حسب الحاجة التاريخية لمنتجه».[1]
وقد توجد هذه الدلالات النصية وترسم معالم هذه الحاجة التاريخية لصاحب الخطاب، كاتب النص بغية خلق قارئ محبّ، شغوف، مولع بما أبدعه الكاتب من دلالات نصية تستهويه وتغريه للكشف عن المستور، الخفيُ المحجوب، تغريه القراءة التساؤلية التي تفكك الشفرات وتحفر في بنية النص، بدءا من الظاهر ووصولا إلى الباطن، تستقطبه كقارئ واع يسبر أغوار خطاب النص، يستخرج درره، ويبحث عن معالم شيدت صرحه اَلمرُوم.
كيف نحقق استراتيجية ناجعة وفعالة في منهاجنا الفلسفي لإنجاح المكتسبات التأسيسية للنص في الدرس؟
ما هي آليات التوظيف لهذه المقاربة النصية في التدريس الديداكتيكي الفلسفي؟
التأسيس لقراءة النصوص:
غيب بعض الأساتذة النص وانساق البعض الآخر للمقال، وبين هذا وذاك عشق أساتذة آخرون النصوص الفلسفية يحلمون بنموذج متفرد في الدرس، ينصهرون في هوية النص ويذوبون في جماليته الممتعة وذوقه الرفيع بغية تقديم طريقة نصية تدفع بالتلميذ أن يظهر مملكة العقل ومشتقاته المعرفية، يوظف قراءته التساؤلية التي تفكك النص وتحفر في عمقه. تحوم حول أفكاره وأدواته، كلماته المنطقية وروابطه الحرفية؛ فالنص بنية معنوية وإشكالية متكاملة العناصر ينزل ضمن نسق فلسفي محدد الدلالة، يفرض نفسه على القارئ الأستاذ، كما يفرض نفسه كذلك على القارئ التلميذ، فهو حافز ومثير في ديداكتيك الدرس، والقارئ يدور حول محور النص؛ وحول هذا المحور تكون الطريقة النصية والقراءة النقدية التأسيسية، التي تنطلق من الفهم المباشر له لما يحتويه من كلمات صريحة ومضمرة، معاني جليلة ومبهمة، فالنص يظهر بنيته عله يدرك القارئ مستوره الخفي، مضمره المكنون، حينئذ ستغدو القراءة ضرورية، وجيهة في تسديد الدرس الفلسفي الممتع.
ما هي هذه القراءة النقدية التساؤلية للنص؟
وما هي آليات التعامل مع النصوص الفلسفية المقروءة؟
لم يعد منوطاً في المنهاج أن يقدم الدرس الفلسفي مفتقراً لروحه، غائباً عن جماليته، بل أن يقدم شهادة ميلاد النص؛ ميلاد كفاءة الطريقة النصية في التدريس التي يتعامل بها الأخوة الأشقاء في منهاجهم المغربي والتونسي، وتفعيلها في دروس "الحكمة اللوغوسية" ومحبة الفلسفة التأملية العقلية عندنا في الجزائر، وتسيير مساحة الدرس بناء على النص «ذلك لأن الدرس الفلسفي يجب أن يكون أول ما يكون مجلس تبادل أفكار لا مجلس تلقين معلومات»[2]. ولا يتضح ذلك إلا من خلال النص الذي يجعل العقل سلطانا والفهم سيدا يغوص في الدلالات والمعاني، وأكثر الدروس الفلسفية إفادة تلك التي يُنجزُ التلاميذ نصفها من خلال تعاطي النصوص، «فهو نسيج من الشفرات التي لا تعد ولا تُحصى».[3]
القراءة التساؤلية الناقدة وآليات التعامل مع النصوص:
«القراءة الناقدة مصطلح حديث نسبيا نشأ نتيجة الاهتمام برد فعل القارئ وتفكيره حول المعاني المكتوبة، وكيفية الحكم عليها وتقويمها...أو عملية تقويم للمادة المقروءة والحكم عليها في ضوء معايير موضوعية مما يستدعى من القارئ فهم المعاني المتضمنة في النص المقروء، وتفسير دلالاته تفسيرًا منطقيًا مرتبطًا بما يتضمنه من معارف».[4]
القراءة التساؤلية تتضمن الآتي:
أولا: الفهم المباشر للنص المقروء بالوقوف على أدوات الرابط المنطقية، وشرح الكلمات الغامضة، وكذا مكانة الحروف في النصوص ولماذا وُظفت؟
والتعرف على معاني الكلمات المتضمنة له، هي مداخل ناجحة يبدأ الأستاذ بها حتى يقترب من النص، ويعيد القراءة التساؤلية في النص للحصول على الأفكار المصرح بها وغير الصريحة بغية تفكيكه وسبر أغواره والحفر داخل النص من الظاهر إلى الباطن حينئذ يلاحق النص المقروء.
ثانيا: تفسير النص معناه قراءة دلالية للمفاهيم ومدى أهميتها في النص وما هو المعنى الذي تحدثه فيه؟
ثم قراءة ما وراء السطور من إيماءات ومعان بغية التوصل إلى فهم شامل للنص المقروء. وأحسن المنطلقات أن يختار الأستاذ نصوص واضحة الدلالة والمعاني، حتى يتسنى للتلميذ القارئ تفسير النص.
ثالثا: تقويم النص بناءً على بعض القراءات التي قرأت هذا النص، ثم الرد على الكاتب من خلال مناقشة ونقد بعض الكتاب الآخرين له، فهو إصدار حكم على النص المقروء إذ «أن القارئ سيصبح منتجا للنص وليس مجرد متلق له».[5]
رابعا: إضفاء طابع الإشكال باستخراج الأفكار الصريحة وغير الصريحة بغية صياغتها، وتكون هذه الإشكالية شاملة وتكشف عما هو موجود بالنص، وقد تجعل منك طرفا رافضا لهذا الطرح الذي قدمه صاحب النص، فهي تكشف عن الأطروحات المتناقضة، والتي فيها جدل.
وبهذا يكون التأسيس للطريقة النصية محل اهتمام الأستاذ الحالم بتحقيق كفاءة القراءة التساؤلية الناقدة، مسألة ملحة للدرس الفلسفي الممتع وإعلان الثقة بين النص والتلميذ وإكسابه القدرة على تكوين الشخصية القوية وإبداء الرأي، «ولطالب فلسفة واحد منتعش مُثار خير من آلاف يتضجرون حاضرين الدرس مخافة عقوبة الغياب عن درس يعتلي فيه الأستاذ منبر التدريس خطيبا والطلبة سكوت يسمعون».[6]
قائمة المراجع:
1. عبد السلام بن عبد العالي: النص المتعدد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، طبعة أولى، 2020.
2. مدني صالح: مقالات في الدرس الفلسفي، جمعه وأعده وقدم له، محمد فاضل عباس، ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية، طبعة أولى، 2016
3. سعيد عبد الله لافى: القراءة وتنمية التفكير، عالم الكتب، طبعة أولى، 2006
4. عبد الرحيم تمحري، محمد الرويض: ديداكتيكة النص الفلسفي، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع.
[1] عبد الرحيم تمحري، محمد الرويض: ديداكتيكة النص الفلسفي، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع، ص: 06
[2] مدني صالح: مقالات في الدرس الفلسفي، جمعه وأعده وقدم له، محمد فاضل عباس، ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية، طبعة أولى، 2016، ص: 25
[3] عبد السلام بن عبد العالي: النص المتعدد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، طبعة أولى، 2020، ص: 10
[4] سعيد عبد الله لافى: القراءة وتنمية التفكير، عالم الكتب، طبعة أولى، 2006، ص: 68
[5] عبد السلام بن عبد العالي: النص المتعدد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، طبعة أولى، 2020، ص: 11.
[6] مدني صالح: مقالات في الدرس الفلسفي، جمعه وأعده وقدم له، محمد فاضل عباس، ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية، طبعة أولى، 2016، ص: 32.