النظريـة الليبراليـة في القانـون حلاًّ لتجاوز أزمـة الوضعيـة القانونيـة (نظرية رونالد دوركين نموذجا)
فئة : أبحاث محكمة
النظريـة الليبراليـة في القانـون حلاًّ لتجاوز أزمـة الوضعيـة القانونيـة
(نظرية رونالد دوركين نموذجا)
مقدمة:
تشكّـل السلطة التقديرية التي تمنحها الوضعية القانونية للقاضي أنجع حلّ يمكن اعتماده من وجهة نظر روادها للبت في القضايا الصعبة أو الخلافية، الشيء الذي منحها (سلطة التقدير) مكانة أساسية في نظريتهم الفقهية، وجعل منها أحد أبرز الأسس الفكرية التي يقوم عليها المذهب الوضعي في القانون، كما نجد لها حضورًا في مختلف صيغ الفقه الوضعي (وضعية جلسن (1881-1973) Hanes Kelsenوهاربرت هارت (1992-1907) Herbert L. A .Hart [1]...). تُمنح على إثرها للقاضي سلطة تقديرية يلجأ من خلالها إلى ذاته ليشرع قواعد قانونية نافذة ثم يطبقها على تلك الحالة الخلافية موضع النظر، الأمر الذي يضفي عليها صفة اللاموضوعية ويُسقط عنها الدقة القانونية التي يلزم أن تحضر في كل عملية إصدار حكم بما في ذلك القضايا الخلافية؛ فالسلطة التقديرية كما يرى رونالد دوركين (1931-2013) Ronald Doworkin تجعل القاضي يُشرع حقوقا قانونية جديدة، وعلى ضوئها يستحدث قواعد، ثم يقوم بتطبيقها بمفعول رجعي على القضية التي هو بصدد البت فيها، وهذا ما يمكن أن نسميه بالتظلم القانوني أو برجعية القانون، حيث تتم محاسبة السابق باللاحق، وهو أمر غير مستساغ، فلا يمكن إصدار حكم في قضية بناءً على قواعد قانونية بَعدية؛ أي جاءت بعد حصول القضية الخلافية وتم تطبيقها بأثر رجعي. وعليه، يبرز مأزق الوضعية القانونية بشكل كبير ويتضح تهافتها، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الصعبة، التي لا تجد لها في منظومتها القانونية أي قاعدة يمكن الاستناد إليها في إصدار الحكم.
وهكذا، انطلق دوركين في البحث عن حل آخر يكون أكثر منطقية ومعقولية ونجاعة في إصدار الأحكام القضائية، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الصعبة أو الخلافية Hard cases[2]، حيث يكون القاضي في مثل هذه القضايا ملزمًا بمنح الحق لأحد الأطراف المتنازعة إقرارا منه بوجود هذا الحق وبضرورة إعلانه حتى في غياب القواعد القانونية التي تُجيزه بشكل مباشر، ويجب ألا يكون في إعلان هذا الحق استحداث لقاعدة قانونية جديدة، ليتم تطبيقها بشكل رجعي. ومن هذا المنطلق، أخذ دوركين يرسم معالم نظريته القانونية البديلة كما يسميها هو، نظرية يتجاوز من خلالها أزمة الوضعية القانونية وتحديدا فيما يتعلق بمسألة الحالات الصعبة، حيث يعتمدها كمدخل يبني عليها جزءا من نقده، لينطلق منها في التأسيس لنظريته القانونية، وهو ما يبرز جَليّا من خلال محتوى نظريته وجوهرها.
وعليه، سنحاول في هذا البحث أن نبرز المَعالم الكبرى لهذه النظرية القانونية البديلة، ونرصد أهم الأسس التي تقوم عليها حتى تكون بالفعل بديلا للوضعية القانونية. ومنه: ما هي أبرز أسس ومبادئ هذه النظرية الجديدة؟ وإذا كان دوركين يعتبر المبادئ الأخلاقية عنصرًا أساسيًا ولا غنى عنه في فهم القانون، وتدافع بذلك نظريته القانونية عن ضرورة فتح المجال للمبادئ إلى جانب القواعد القانونية في الفقه القانوني، وبالعودة إلى منطلق هذه النظرية، أي الحالات الصعبة، وبالتالي البحث عن حلول ناجعة للبت في هذه القضايا، نتساءل: كيف تتم صياغة الأحكام القضائية في هذه النظرية على نحو يجعل المبادئ الأخلاقية مرجعية لهذه الأحكام؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات، سوف نعمل على توزيع هذه الورقة العلمية على محورين؛ الأول اخترنا له "النظرية المعيارية للحكم القضائي" عنوانا، والثاني وسمناه بـ "أخذ الحقوق على محمل الجد" بما هو عنوان يعبر بشكل عام عن مشروع دوركين القانوني، وبالتالي سنحاول من خلاله أن نفهم مكنون هذه الدعوة وأيّة حقوق يقصدها دوركين ويشملها ضمن دعوته.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] للاطلاع بالتفصيل على أحد أبرز صيغ الوضعية القانونية يمكن العودة لمقال: العلامي كعبوش علي، الوضعيـة القانونيـة بوصفهـا نظريـة للقواعـد عند هاربرت هارت، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، بتاريخ: 5 نونبر 2022
[2] يستخدم دوركين مفهوم «الحالات الصعبة أو الخلافيةHard Cases »، للتعبير عن القضايا التي تُطرح في قاعات المحاكم، وتُعرض على أنظار القضاة لأول مرة، قضايا لا نجد لها في السوابق القضائية مثيلا، وبالتالي تفرض على "أفواه القانون" البحث أكثر والاجتهاد قبل إصدار الحكم ما دامت لا توجد نماذج مشابهة لها يمكن الاستناد عليها في بناء حكم صائب. يعتمد دوركين هذه الحالات الصعبة كمدخل أساسي لنظريته القانونية ويخصص فصلا كاملا للحديث عنها، كما نجدها حاضرة على طول صفحات كتابه "أخذ الحقوق على محمل الجد"، وهي نقطة مهمة يُوَظفها كدليل على تهافت نظرية القواعد وفشلها في التعامل بحكمة مع مثل هذه القضايا.