النقد الحضاري لخطاب التطرف الديني والإرهاب المعاصر: المملكة الأردنية الهاشمية مثالاً
فئة : مقالات
كيف تناول الخطاب الرسمي الأردني موضوع التطرف الديني والإرهاب المعاصر، وكيف تجلّى المقدس في هذا الخطاب في ظل حقبة العولمة الحالية وعولمة التطرف الديني والإرهاب وتحديداً بعد ظهور داعش وقيامة بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة ودخول الأردن القوي ضمن التحالف الدولي ضد داعش؟
هذا المقال يتناول بشكلٍ أولي قضية أخالها مهمة جدا تتناول محاولة التأسيس لمقاربات مختلفة تتخذ من حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية ونظريات العولمة والدراسات الأمنية ودراسات الإرهاب العالمي من منظورات نقدّية - كلانّية مدخلاً لنقد الخطاب الديني للتطرف والإرهاب بما هو مدخل للإصلاح الديني المطلوب للإسلام من خلال "تحليل مضمون" موجز جداً لعددٍ من خطابات الملك عبدالله الثاني بن الحسين حول مقاربة التطرف الديني والإرهاب الإسلامي منذ عام 2007م (قبل وبعد ظهور داعش) وكيف تطورت هذه المقاربات مع الوقت حتى أخر خطاب للملك في مؤتمر ميونخ للأمن عام 2016م.[1]
أما لماذا التركيز على خطابات الملك عبدالله؛ فهو لأنه الزعيم الوحيد في العالم الذي استطاع (حسب وجهة نظري التحليلية الاستخبارية - الأكاديمية) وبنجاح كبير أن يضع هذه المشكلة على الأجندة العالمية، وإن يقدم مقاربات نقدّية (كلانّية) متماسكة واضحة وجريئة ومستمرة ضمن خط بياني متواصل جدا لخطاب التطرف الديني والإرهاب الإسلامي، وربطه بسيرورة العولمة بكل آلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، والترابط والتشابك بين القضايا خاصة حقوق الأنسان، والتدخلات العسكرية والاحتلال العسكري في الأراضي المحتلة في فلسطين والعراق وسوريا.
ولابد من الإشارة إلى أن قضية البحث في التصورات حول المقدس الديني في الإسلام وتجليات ذلك ومحاولة مقاربته نقديا وبروح العصر حساسة جدا ومحفوفة بالمخاطر خاصة في عصرنا الحاضر وتحديدا لأنها تأتي من شخص لا يمكن المزاودة عليه في الإسلام من جهة انه هاشمي قرشّي وجده نبي الإسلام.
ويتجلى المقدس الديني النشكوني والبشركوني في حياتنا المعاصرة بنفس القدر الذي كان يتجلّى فيه للبشر منذ بدأ الخليقة. وكان المقدس يتغلل ويتشرب في عقول وأحاسيس البشر ثم يتجلى في أعمالهم وتصرفاتهم ونظرتهم للكون والخلق على مدار التاريخ. ولقد ظهر هذا التجلّي في مجالات مختلفة من الرسم والتصوير والنحت والشعر والأساطير والقصص الملحمّية (الساغا).
ومع تطور الفكر؛ عبر سيرورة التاريخ الطويلة اندمج المقدس في بنية الخطاب السياسي (الرسمي). ومنذ زمن موغل في القدم اصبح المقدس أهم مكونات خطاب سلطة وفي كافة الحضارات (حضارة ما بين النهرين، الفرعونية، الهند، الصين، الإغريقية، واليونانية). إن الآلهة، وأنصاف الآلهة والأرباب، والسحرة والشامانات، والأنبياء والرسل وصولا حتى الأباطرة والملوك والقادة العسكريين، اعتمدوا على الإرهاب المقدس للحصول على: الرعب، الخوف، التطويع؛ وفي نفس الوقت الترغيب والأمل بالخلاص والفردوس أو الجنة، للحصول في النهاية على القبول والخضوع، والسلطة القهرّية التي تُمكّن من إحكام السيطرة على بقية البشر.
وعلى مدار التاريخ والتطور البشري تعرض هذا المقدس للخلخلة والتحليل والنقد وبمستوياتٍ مختلفة بحيث يمكن القول- للاختصار - أن أهم مثال هو الإصلاح الديني الأوروبي (فصل الدين عن الدولة) وتجليات العلمانّية وظهور الدولة القومية الأوروبية بعد معاهدة (وستفاليا) 1648م.
أن تفكيك ملف التطرف الديني والإرهاب يمكن أن يكون المدخل للإصلاح الديني العام لأنه الملف الذي أحرج وكشف عورة إيديولوجيا الإسلام السياسي، وكثير من أشكال التدين، وخاصة التديّن الشعبّي الذي يقف مشدوها ومندهشاً لحجم التطرف والترويع والتوحش الذي يرتكب تحت راية السلام الذي يؤمن به، وجعل من قيم التسامح والرحمة مقولات بلا معنى، أمام ما يشاهده العالم عبر وسائل الإعلام من قتل وتدمير وبث روح الكراهية من قبل أطراف فاعلة من الدول، وأطراف أخرى من غير الدول ضد كل ما هو مختلف.
إن تفكير الملك، ووجهات نظره، وانفتاحه الإنساني وفهمه العميق لجوهر الإيمان ورسالة الإسلام رغم حساسية الأمر، يسبق بأشواط طويلة المؤسسات الدينّية في الأردن والعالم العربي والإسلامي. أنّ الرؤية الكلية لمجموع مقاربات الملك يشير حسب اعتقادي إلى الإرهاصات الأولى في عملية النقد الحضاري للخطاب الإسلامي المتطرف والإرهابي، وإمكانية إصلاحه مستقبلاً.
ويمكن إيجاز المحاور الرئيسة لمقاربات الملك من خلال المفاصل التالية:
1- الفهم الإنساني للدين وأشكال التدين والمواطنة وتسامح الإسلام
يمكن الاستشهاد على هذه المقاربة الإنسانية من خلال كلمة الملك عبدالله الثاني مهنئاً الأسرة الأردنية بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد 22 كانون الأول/ 2015 في هذه الكلمة ذكّر الملك بمسالة انتسابه إلى نبي الإسلام محمد (ص) ووصف تنظيم داعش بأنهم خوارج العصر، وهذه هي المرة الأولى (حسب علمي) التي يستخدم بها الملك هذا المفهوم في وصف داعش.
إن أول من استخدم هذا الوصف لجماعة داعش (حسب علمّي ومعلوماتي الشخصّية) هو عمر محمود عثمان الملقب (أبو قتادة) الذي يعتبر أهم منظري السلفية الجهادية في العالم اليوم في 12تموز 2014م كما يبدو جاء بناء على استشارة من المؤسسة الدينية الرسمية التي راق لها وجهة نظر ابوقتادة على اعتبار ما هو، وما يمثل في يتار السلفّية الجهادية وهو مفهوم تطور وتغير في كلمات وخطابات الملك لاحقا - كما سنرى -؛ وأعتقد بسبب أن المفهوم ملتبس جداً وخلافي بالنظر إلى وجود جماعات ودول عربية تنتسب بشكل ما حتى الآن إلى ما يطلق عليه الخوارج مثل سلطنّة عُمان التي ترتبط بعلاقات إيجابيه وقوية جداً مع الأردن. وفي مناطق المغرب وليبيا مناطق البربر من سيوه وبرقه وطرابلس وقرطاجة انتهاء بوهران ومراكش. ولعله من المثير أن نعرف أن هناك شارع في الأردن - منطقة الشميساني اسمه شارع قطري بن الفجاءة؟!
المثير أن قطري هذا من أشهر قادة الخوارج من قرقة الأزارقة وأبطالهم. كان خطيبا بليغا فصيحا وفارسا شجاعا شاعرا. برز بقوة في زمن مصعب بن الزبير، لمّا ولي العراق في خلافة أخيه عبدالله بن الزبير. وبقي قطريّ ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين حتى قتله الحجاج بن يوسف عام 697م تقريبا.
وفي هذه الكلمة يقول الملك "في هذا العام، تتزامن ذكرى مولد جدّنا المصطفى، عليه الصلاة والسلام، (لاحظ هنا كيف أكد الملك على استخدام كلمة جدنا المصطفى؛ بهدف إعادة التذكير بعمق ورسوخ شرعيته الدينّية) مع ذكرى الميلاد الـمجيد للمسيح عليه السلام، في أصعب الظروف التي تمر بها منطقتنا، ويعاني منها الكثير من بلدان العالم من انتشار التطرف والعنف وخروج على القيم والتعاليم، التي جاءت بها رسالة الإسلام، وكذلك رسالة المسيحية. ولابد أن نتذكر، في هذه المناسبة، أن الإسلام هو دين الرحمة، وأن ما يجمعنا هو القيم المشتركة، البعيدة كل البعد عـمّا يقـوم بـه خوارج هذا العصر.."
2- العنف السياسي ودورة في تحفيز ونشر التطرف الديني والإرهاب
قام الملك وبإصرار شديد، ومتكرر بالربط بوضوح شديد وعمق وتركيز كبير بين المشاكل السياسية، وحقوق الإنسان السلام العالمي، والسلام في الشرق الأوسط واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتوقف مفاوضات السلام، وعلاقتها بتشجيع وتحفيز التطرف الديني والإرهاب. والملك يدرك أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتوقف عملية السلام ليس في مصلح الأردن استراتيجيا، ويشكل معضلّة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وسط استمرار المخاوف والشكوك والريبة بين المكوّن الشرق اردني من جهة، والفلسطيني من جهة أخرى ذلك أن مفهوم المواطنة لم يُنجز بشكل مريح حتى الآن.
ففي خطاب الملك في الكونجرس الأمريكي خلال الجلسة المشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب 7 آذار/ 2007 ذكر الملك "نحن جميعاً معرّضون لخطر أن نغدو ضحايا لمزيد من العنف الناجم عن أيديولوجيات الإرهاب والكراهية. ولذلك فواجبنا الأعظم والأكثر إلحاحاً هو أن نحول دون تعّرض منطقتنا، وبلادكم، والعالم، لهذه المخاطر. والخيار في ذلك لنا: فإمّا عالم منفتح مِلْؤه الأمل والتقدّم والعدالة للجميع — أو عالم مُنغلق شعوبه منُقسمة، قِوامه الخوف والأحلام التي لم تتحقق. ولا شيء يؤثر في هذا الخيار أكثر من مستقبل السلام في الشرق الأوسط.. والناس في أرجاء العالم كانوا وما يزالون ضحايا للإرهابيين والمتطرفين، الذين يستغلّون الظلم الذي يُسببّه هذا النزاع لإضفاء الشرعية على أعمال العنف وتشجيعها. وقد عانى الأمريكيون والأردنيون والآخرون من الهجمات الإرهابية ونجا البعض منها. وفي هذه القاعة، هناك ممثلون لأسر أمريكية، وأسر أردنية فقدوا أعزّاء لهم. ودفع الآلاف من الناس أغلى الأثمان... عندما فقدوا حياتهم. وهناك آلاف غيرهم مستمرون في دفع هذا الثمن الرهيب، لأن أعزّاءهم لن يعودوا أبداً. ولذلك، فالسؤال هنا هو: هل سنترك حياة الآلاف تُسْتَلب دون جدوى؟ وهل غدا من المقبول أن نفقد ذلك الحق الأقدس من حقوق الإنسان؟ وهو الحقّ في الحياة.
وتجدر الإشارة إلى أنه سبق للملك أن أكد على هذه القضية في خطابه في محكمة العدل الدولية، لاهاي، هولندا31 تشرين الأول/ 2006 حينما أكد أنه "من الأهمية بمكان الآن أن يتم دفع العملية السلمية إلى الإمام على هذا الأساس. وعلى الدول المّعْنيّة أن تعمل معاً - وبإلحاح متجدّد. فكل يوم يمرّ والنزاع قائم، وكل يوم يَزْداد فيه الوضع الإنساني للشعب الفلسطيني سوءًا، وكل يوم يشعر فيه شبابنا وشاباتنا أن النظام العالمي تخلّى عنهم.... وكل يوم من عدم الثقة والفرص المضاعة، سيجرفنا بعيداً ويدفعنا إلى طريق الكارثة على المستويين الإقليمي والعالمي".
ثم يؤكد الملك مرة أخرى على دور الاحتلال والقمع السياسي في تغذية التطرف والإرهاب، وذلك حينما نراه يؤكد خلال مشاركته في قمة استضافها الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته في العالم نيويورك، 29/أيلول /2015 (مترجم عن الإنجليزي) "لا يمكننا التعامل مع هذا الخطر (الإرهاب) بمعزل عمّا يدور حولنا. فالسماح للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالابتعاد أكثر فأكثر عن حل الدولتين يغذي قدرة المتطرفين على التجنيد. وعلى العالم بأسره آلا يصمت على انتهاكات حرمة المسجد الأقصى، والتي تؤدي بالضرورة إلى تقوية من يسعون لإشعال فتيل الصراعات الدينية...
إن الانتصار في معركة كسب العقول والقلوب هو التحدي الأكبر، لأنه يتطلب التعامل مع قضايا أساسية مرتبطة بمسائل الحكم الرشيد والفقر والشباب وإيجاد فرص العمل والتعليم على المدى القصير والمتوسط
ومن خلال تحقيق الاستقرار في المنطقة بأسرها، ومنح الناس الأمل بدلا من الخوف والدمار، يمكننا فعلاً أن نعالج مختلف التحديات، بما فيها مشكلة تدفق اللاجئين، أولئك الهاربين من بطش الإرهاب سعياً نحو حياة كريمة بعيداً عن أوطانهم ".
3- استخدام المنهج الكلانّي لمقاربة الترابط والعلاقات بين سيرورة العولمة وأثرها على التطرف الديني والإرهاب
يمكن القول بأن ملامح هذه المقاربة ظهرت في خطاب الملك الدقيق والشامل في منتدى حوارات المتوسط روما –إيطاليا 10كانون الأول/2015 (مترجم عن الإنجليزي).
وأرى بأن هذا الخطاب يعد أهم مقاربة حديثة لكيفية مكافحة الإرهاب والتطرف الديني الإسلامي بلغة واضحة وصريحة ودعامة مهمة جدا في مشروع نقد الخطاب الديني للتطرف والإرهاب الإسلامي الحديث في ظل سيرورة العولمة... يقول الملك (إن جيلنا الحالي يعيش في زمن تتعرض فيه مبادئ الحوار الذي يجمعنا لتهديد حقيقي، فالإرهابيون الذين هاجموا باريس في تشرين الثاني الماضي، أو أولئك الذين قاموا بتفجيرات عمّان قبل عشر سنوات، أو غيرهم ممن ينتشرون في جميع أنحاء العالم، لن يتوقفوا عند الدمار والعنف فقط، بل إنهم يسعون لإسكات صوت التسامح والتعاون، وزرع الفرقة بيننا...
ويربط الملك بين ظاهرة الإرهاب وسيرورة والعولمة فيقول (وحقيقة الأمر أن مصيرنا مشترك: فإما أن نحقق الازدهار معا، وإما أن نفشل معا، فمنطقتانا مرتبطتان مع بعضهما فعليا في جميع الجوانب. ذلك أنه عندما تنهار اقتصاديات الدول أو أنظمتها السياسية، أو عندما يندفع اللاجئون هاربين بأرواحهم، أو عندما يضرب الجفاف آبار الماء والأراضي الزراعية بسبب التغير المناخي، أو عندما يعجز الملايين من الشباب عن إيجاد فرص العمل، فإنه لا يمكن ببساطة احتواء آثار هذه التحديات أو تجاهلها. فالمخاطر التي كان ينظر إليها ذات يوم كتحديات على مستوى وطني، أصبحت اليوم عالمية..
ثم يستخدم الملك مفهوم المنهج الكلانّي - أو الشمولي حسب الترجمات العربية - لمقاربة الترابط بين العولمة والتطرف الديني والإرهاب وذلك حينما يقول "لقد عمل الأردن بجهد مع المجتمع الدولي لصياغة نهج شمولي للتعامل مع مخاطر الجماعات الإرهابية. وقد قلت منذ البداية إننا نخوض حربا داخل الإسلام ضد هؤلاء الخوارج. ومع ذلك، وكما نشهد اليوم، فإن الإرهابيين الخارجين عن كل شرع وقانون يهددون العالم بأسره. وهم لا يستثنون شعبا من شرورهم ولا يحترمون حدودا، أخلاقية كانت أو جغرافية. فالشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكيتين كلها مستهدفة من قبلهم. وعليه، فإن هذه حرب علينا خوضها والانتصار فيها كمجتمع عالمي موحد. ولا بد لجهودنا أن تأتي في إطار استراتيجية أوسع تشمل سياسات وإجراءات عسكرية ودبلوماسية وخططا لتعزيز التنمية البشرية ".
ولقد اكد الملك مرة أخرى على هذه المقاربة في كلمته في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي باريس، (مترجم عن الإنجليزية) 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حينما قال: (لقد تعرض بلدكم، قبل أسبوعين فقط، لمأساة وطنية، بل لمأساة عالمية. وباجتماعنا هنا، يؤكد قادة العالم اليوم وقوفهم متحدين معكم، ضد عصابة داعش الإرهابية، وضد الإرهاب، بكل صوره وأشكاله، وفي كل مكان...
وهنا؛ تجدر الإشارة إلى أن الملك (ولأول مرة) يصف تنظيم داعش بأنه عصابة إرهابية، ثم عاد وأكد عليه لاحقا في كلمته خلال مشاركته في قمة استضافها الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته في العالم نيويورك، 29/أيلول /2015 (مترجم عن الإنجليزي) وذلك حينما اكد أنه "على امتداد العام الماضي، نجحت إرادتنا المجتمعة في الحد من إمكانيات عصابة داعش الإرهابية. ومن أهم الإنجازات أيضاً، نجاحنا في الحيلولة دون وصول هذه العصابة المجرمة إلى أهم مصادرها المالية الحيوية ومن المهم أيضا تعزيز قدرة الأطراف المحلية على محاربة عصابة داعش، وإدارة الجهود العسكرية بطريقة تضمن تخفيف معاناتهم"..
وكان الملك قد ربط سابقا بين وصف العصابة والخوارج في خطابه في مؤتمر القمة الآسيوية الإفريقية "تعزيز التعاون بين دول الجنوب لدعم السلام والازدهار العالميين22 نيسان/2015 جاكارتا، إندونيسيا وذلك حينما أكد "نحن نقف في وجه تلك العصابات الإرهابية من الخوارج، أولئك الخارجين عن الإسلام، ممن يستهدفون الدين الحنيف بأفكارهم المنحرفة"."
ويؤكد الملك (في قمة المناخ) على أهمية التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب العالمي المتخطي للحدود العالمية، ثم العبء الملقى على كاهل الدول الإسلامية، وأن مكافحة الإرهاب معركة المسلمين أولا وقبل كل شيء لأن الإسلام متهم في الصميم بتفريخ التطرف الديني والإرهاب وهنا يقول الملك "علينا أن نتذكر اليوم أن استجابتنا الجماعية تشكل عاملا أساسيا في هزيمة الإرهاب. إن هذه الحرب تواجهها أجيال الحاضر دفاعا عن قيم السلام والتسامح والحرية والإنسانية. إنها معركتنا أيضا كمسلمين، وهي معركتنا بالدرجة الأولى. وعلى الأمة الإسلامية جمعاء أن تقود هذه المعركة ترسيخا لحقيقة ديننا الحنيف وحمايته. ونحن نشهد أحداثها في سوريا، والعراق، ومالي، ومصر، ولبنان، وفرنسا، ونيجيريا، والصومال، وكينيا، والمملكة العربية السعودية، وغيرها الكثير من الدول، فالإرهاب لا يعرف حدود.
ويربط الملك تحدي الإرهاب والتطرف بسيرورة العولمة والترابط والتشبيك بين القضايا خاصة الاقتصادية والسياسية المختلفة فيقول... (إن دول العالم أجمع معنية بالتصدي لهذا التحدي. وبالنسبة لنا في الأردن، فإننا نعاني من تبعات التغير المناخي على عدة مستويات. فقد بات بلدنا ثاني أفقر دولة مائياً في العالم، كما أننا نستورد أكثر من 90 بالمئة من احتياجاتنا من الطاقة. ويأتي كل هذا مع سعينا الحثيث لتوفير فرص عمل، خاصة للشباب الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من السكان. ورغم كل هذه الصعوبات، فلا يزال الأردن يوفر ملاذا آمنا للاجئين الهاربين من أحداث العنف في المنطقة، حيث نستضيف حاليا 1.4 مليون سوري، أي ما يعادل 20 بالمئة من السكان، ما يجعل المملكة ثاني أكبر مستضيف للاجئين في العالم، بالنسبة إلى عدد سكانه “ويركز الملك على أهمية قطاع الشباب ودورهم في التطرف الديني والإرهاب، والترابط بين المشاكل والقضايا بفهم كلانّي.
ثم أكد الملك على ذلك في كلمته أيضا خلال مشاركته في أعمال القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية الرياض، المملكة العربية السعودية 10 تشرين الثاني2015م وذلك حينما أشار إلى "إن بلداننا تمتاز بأجيال من الشباب الواعد، وهذا يستوجب منا أن نكون على قدر المسؤولية، وأن نعمل بإخلاص من أجل إيجاد فرص عمل جديدة وجاذبة، تواكب تطلعات هذه الأجيال، بالإضافة إلى تحصين وحماية شبابنا من سموم الإرهاب والفكر المتطرف، الذي لا يعترف بأية حدود، وفي ظل ما نشهده من ارتباط بين اقتصادات العالم، لم يعد ممكنا حصر آثار أية أزمة بمكان حدوثها، وهو ما يستوجب منا جميعا البناء على نتائج القمم الثلاث السابقة لتطوير التعاون والشراكة بيننا.
4- أهمية التعاون الدولي وتشارك المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب
الإرهاب المعاصر ظاهرة متجاوزة للحدود الدولية، وأصبح بالتالي تحدٍ ومشكلة عالمّية. وساهمت العولمة بمختلف آلياتها بتسارع وانتشار خطر الإرهاب، بحيث لم تعد فُرادّى الدول في حقبة العولمة الحالية بقادرةٍ لوحدها على مواجهة هذا التحدّي ومكافحة خطر الإرهاب بحرفيّة وفعاليّة.
وعلى الرغم من أهمية القصوى لقضية السرّية والاحتكارية العالية جدا والحساسية التي تميز المعلومات الاستخبارية، باعتبار المعلومات السرية جدا والمحصورة مصدر قوة وسلعة ثمينة جداً للدول وأمنها الوطني الشامل إلاّ أن التحديات التي باتّ يشكلها الإرهاب العالمي المعاصر والتحولات العميقة، والواسعة التي أعقبت عمليات تنظيم القاعدة ضد أمريكا بتاريخ 11- أيلول -2001م، نقلت موضوع الاهتمام بالإرهاب إلى مستوياتٍ اعلى سواء على المستوى الأمني أو العسكري، أو على مستوى الدراسة والتحليل والبحث الأكاديمي. وخاصة بعد أن توصلت لجان التحقيقات الأمريكية الرسمية حول الهجمات بأن العراقيل السياسية والتقنّية حالت دون مشاركة الأجهزة الاستخبارية الأمريكية للمعلومات الاستخبارية التي كان من شأنها لو تمت مشاركتها أن تحول دون تلك الهجمات الإرهابية.
وهذه التغيرات والتحولاّت أدت إلى الكثير من التغيرات في كيفية مقاربة الأجهزة الأمنية لموضوع المعلومات والمبادئ الاستخبارية ومعالجة معضلّة الصراع الحاد بين: مبدأ الحاجة للمعرفة، ومشاركة المعلومات.
ولحل هذه المعضلة التي أطلق عليها جيمس كلابر / مدير المخابرات الوطنية الأمريكية 2010م (المنطقة الحلوة) وهي المنطقة المشتركة بين: سرّية المعلومات الاستخبارية، ومشاركة المعلومات الاستخبارية؛ تم إنشاء ما يعرف "بيئة مشاركة المعلومات" التي تنسق مشاركة المعلومات الاستخبارية لكافة أذرع المجمع الاستخباري الأمريكي المختلفة خاصة في مجال مكافحة الإرهاب على المستوين الداخلي أو الخارجي.
الملك؛ الذي أدرك وتعلم هذه الحقائق والضرورات بحكم التجربة المتراكمة والتاريخية، شدّدّ على أهمية التعاون ومشاركة المعلومات ضمن اطر محددة للتعاون سواء عبر التقاسم المباشر والثنائي أو عبر التحالفات الدولية. لذلك في كلمته في القمة التي استضافها الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته في العالم، نيويورك، 29/أيلول /2015 (مترجم عن الإنجليزي) قال حرفياً "أشكر الرئيس أوباما على ما يبديه من قيادة وتصميم، وما يبذله من مساع إزاء ما نناقشه اليوم من جهود للتحالف الدولي في مواجهة الإرهاب، والذي قد يكون الخطر الأكبر في تاريخنا المعاصر... تحدثت، في العام الماضي، ومن على هذا المنبر أيضا، عن حاجتنا لإيجاد ما أسميه "ائتلاف أصحاب الإرادة"، وقد تم إنجاز ذلك بالفعل... بالرغم من أن هذه الحرب تدور رحاها في ميادين القتال، إلا أنها لن تحسم إلا في ميادين الفكر...
إن كلا من داعش، وحركة الشباب، وبوكو حرام وغيرها من العصابات الإرهابية تمثل وجوهاً متعددة لنفس الخطر الذي نواجهه؛ فهم يتواجدون في سيناء وليبيا واليمن ومالي والآن في أفغانستان وفي أماكن أخرى في إفريقيا وآسيا. ولن يكون أي منّا في مأمن حتى نجد طريقاً لمعالجة هذا الواقع المبني على سلسلة من التحديات. إن هذا ليس تحد تواجهه دولة بعينها، على مستوى محلي أو إقليمي، بل هو تحد جماعي، يعنينا جميعاً...
وفي هذا السياق، فإن الأردن - كونه بلدا مسلما وعربيا - قد بدأ جهودا مشتركة تجاه دول في إفريقيا للمساعدة والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لبناء شراكة كفيلة بمواجهة المخاطر المتعددة
إننا على يقين بأنه لا بديل عن إيجاد نهج شمولي وإدامة التنسيق الحثيث بين جميع الدول والشركاء، بأسلوب يأخذ بعين الاعتبار التهديد الذي تمثله مجموعات إرهابية متعددة على امتداد المنطقة. ونأمل بأن يؤدي هذا إلى تنسيق البرامج والجهود الموجهة لمحاربة التطرف، وتقديم الدعم الأمني ضمن استراتيجية موحّدة".
5- التركيز على دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر التطرف الديني والإرهاب
بات من المؤكد الآن أن آليات سيرورة العولمة التكنولوجية من خلال الفضاء الإلكتروني (السيبيري) قد ساهمت بشكل كبير في نشر التطرف الديني والإرهاب.
وكنت قد توصلت إلى هذه النتيجة المُرعبّة قبل عقدٍ من الزمان تقريبا منذ عام 2007م من خلال بحثي الاكاديمي في الماجستير ثم في الدكتوراه، حيث وجدت من خلال استخدام المنهج الكمّي (الرياضّي والإحصائي) وأدوات التحليل في الدراسات المستقبلية أن هناك علاقة إيجابية وأثر متبادل بين سيرورة العولمة والإرهاب بمعنى أن الزيادة في ظاهرة العولمة تؤدي إلى الزيادة في ظاهرة الإرهاب، ولكن ليس بالضرورة بالمقدار نفسه، كذلك النقصان في ظاهرة العولمة يؤدي إلى النقصان في ظاهرة الإرهاب ولكن ليس بالضرورة بالمقدار نفسه.
الملك؛ تنبّه مبكراً جداً للتحدّيات المتسارعة التي تفرضها سيرورة العولمة، والأدوار الخطيرة التي تلعبها العولمة التكنولوجية والترابط الشخصي في نشر التطرف الديني والإرهاب من خلال شبكة الأنترنت وتطبيقاتها المختلفة وبالذات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال توتير الفيس بوك اللوتس آب واليوتيوب، لذلك وجّه الدولة والحكومة، والأجهزة الأمنية المختلفة لضرورة وأهمية هذا الجانب، وبناءً عليه؛ تم تدريب وتأهيل وتأسيس وحدات متخصصة لمكافحة الإرهاب في الفضاء الإلكتروني، الذي يعتبر أخطر أنواع الإرهاب بإجماع خبراء الإرهاب والذي أعتقد بأنه وأن كان مازال في طور الاتجاهات الجديدة في ظاهرة الإرهاب العالمي؛ إلاّ أنه مرشحٌ ليكون أوسع وأعنف أنواع الإرهاب في المستقبل القريب.
ولذلك؛ أكد الملك في القمة التي استضافها الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته في العالم نيويورك، 29/أيلول /2015 على هذه المسألة عندما قال: "أن هناك تحدٍ آخر علينا التعامل معه بطريقة أكثر فاعلية، ويتمثل في المعركة الجارية في الفضاء الإلكتروني. فالكل يعلم بأن عصابة داعش الإرهابية تقوّي من عزيمتها من خلال تجنيد أعضاء جدد على مستوى العالم والتغرير بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما زالت قادرة على تمويل المجندين الجدد للسفر إلى سوريا والعراق.
6- الفهم العميق للترابط والعلاقات المتبادلة بين القضايا العالمية
يبدو عالم اليوم المعوّلم بشكل كبير وبتسارع أكثر في العيون الأردنية مرعباً، بلا رحمة، كانه وحشٌ أسطوري يشق طريقه بقوة وعنف غير مبالٍ بمن حوله حين يبعث الرعب والإرهاب وينشر الفوضى في كل مكان.
لذلك؛ يشعر الأردن أنه ليس أمامه إلا المزيد من الاندماج مع دول العالم والأسرة الدولية والبحث عن القواسم المشتركة واهتبال الفرص السانحة للعيش مهما كان نوع أو شكل أو قرب هذه الدول جغرافيا أم جيوسياسياً لاتقاء شرور الوحش الأسطوري.
ويمكن تلمس وتتبع هذا الأمر من خلال الكثير من الشواهد في خطابات الملك عبدالله الثاني. ومثال على ذلك خطابه في جامعة بكين - الصين بتاريخ30 تشرين أول 2007م حين قال "إن الصين والعالم العربي عنصران رئيسيان في حلّ أهم القضايا في القرن الحادي والعشرين والمتمثلة في استقرار الاقتصاد العالمي والسلام والأمن العالميين ومستقبل التفاهم والتعاون ما بين الثقافات. ونحن نسعى كذلك لحماية شعبينا من عنف الحرب وخطر الإرهاب؛ ونعمل أيضا على نمو وازدهار اقتصادياتنا والوصول إلى المعرفة وزيادتها والتمتّع بميزاتها وبناء مجتمعينا ومنح الأمل لأجيالنا الشابة.
ومن الواضح، أننا لا نستطيع في هذا العالم الذي يشهد العولمة تحقيق هذه الأهداف في عزلة
بل علينا أن نعمل معاً، وليس هناك شراكة أهم أو أكثر تفرعاً في أبعادها من الشراكة القائمة بين الصين والعالم العربي".
[1] يمكن العودة لخطابات الملك عبدالله الثاني التي اعتمدت عليها هنا إلى الموقع الرسمي لملك
http://kingabdullah.jo/index.php/ar_JO/speeches/listing/cid/2.html: