الهويَّات المستنفَرة ومعارج الإيلاف
فئة : مقالات
الهويَّات المستنفَرة ومعارج الإيلاف
عزّالدين عناية
في الشرق أم في الغرب، عبْر تاريخنا الرَّاهن، ثمَّة اِستنفار للهويات جرَّاء مشاحنات محتدمة يذكيها العامل السياسي، وبفعل فتور البُعد الكوني في رؤى المكوّنات الحضاريَّة؛ إذ يُخيَّل أنَّ بلوغ الهويَّات الاستقلال أو الانعزال أو «تقرير المصير»، أو نقيض ذلك من ضروب التغوُّل والهيمنة والاستئثار، يمكن له أن يحافظ على جوهرانيتها المتفرّدة وأصالتها المطلقة، بلوغاً إلى تأبيد رسالتها الخالدة. بذلك التأجُّج المحموم لنعرة التميُّز، لم تعد الهويَّة معطى أنثروبولوجيَّاً متشكّلاً داخل واقعيَّة المكان، بما يفضي إلى احترام التنوُّع في الساحة الكونيَّة وتثمينه، بوصفه تعبيراً عن عمق ثراء النوع البشريّ وقدرته الفائقة على الخلق والابتكار؛ بل غدا تصنيع الهويَّة محكوماً بهواجس سياسيَّة باحثة عن بلوغ براغماتيَّة عاجلة وبغرض تحقيق مغانم آنيَّة.
ويتجلّى هذا الاستنفار المحموم للهويَّات أبرز ما يتجلّى، على مدى التاريخ المعاصر، في تشظّي المكونات الحضاريَّة الكبرى، وتسرُّب الاهتراء إلى أنسجتها الاجتماعيَّة، ونزوع أهلها إلى إنشاء رُقع متناثرة يُفتَرض أن تكون أكثر انسجاماً وأشدَّ تماسكاً؛ غير أنَّ ذلك الهوس بالهويَّات لا يأتي في الغالب معبِّراً عن حقائق اجتماعيَّة فعليَّة تقتضي رسْم استقلاليَّة وبناء ذاتيَّة؛ بل يحتدم ذلك الهوس لفتور الاشتغال على «انتزاع الوهم» (disillusione) المستحكم بالهويَّات؛ فالهويَّات التي تعيش حالات تعبئة وشحن، دون قدرة على اجتراح رؤى موضوعيَّة متزنة للذّات والعالم، سرعان ما يتفشَّى فيها داء العمى الهووي. لنلحظ تضخُّم شعور الجماعات في التشبُّث بتقاليدها الأصليَّة والفخر بموروثاتها حدّ الخيلاء، رغم أنَّ كثيراً من تلك العوائد يمتزج بعادات حميدة وأخرى ذميمة، ترتدّ إلى ماضٍ سحيق بشكل غير سليم.
الهويَّات والتطهُّر من الأوهام
ذلك الأمر، الذي وصفناه في المطلق آنفاً، لا ينطبق فحسب على الكيانات والإثنيَّات المقيمة في ديارها، بل ينسحب على التجمُّعات التي التأمت في الشتات والمهجر أيضاً. فعلى سبيل المثال، إن يكن الانتماء السالف إلى حضارات الشرق قد بات مع المهاجرين الأوائل نحو بريطانيا من المحدّدات الرمزيَّة الرئيسة التي تتيح للفرد رسم معالم هويته اجتماعيَّاً، فإنَّ ذلك التشبُّث بالهويَّة المشرقيَّة قد فَقَد مع الأجيال اللاحقة أَلقه. فلدواعٍ موضوعيَّة، نعاين مع الذين نشأوا في بريطانيا، وتعلّموا اللغة الإنجليزيَّة، وعاشوا مع أتراب من ثقافات أخرى، أنَّ ذلك الإحساس، في أعينهم، ليس له أيُّ رصيد واقعي. إنَّه مجرَّد معلومة إضافيَّة غير قابلة للتحوُّل في الواقع إلى طاقة ذهنيَّة أو اجتماعيَّة. يعرفون أنَّ آباءهم باكستانيون أو هنود أو عرب، لكنَّ السيرة الذاتيَّة الشخصيَّة مصبوغة بتجربة اجتماعيَّة مغايرة، إنَّها التجربة الإنجليزيَّة.[1]
فالملاحظ أنَّ تمثّلَ الهويَّات الجامد غالباً ما يزداد ضيقاً، فتغدو مضامين الهويَّة مفارقة ومسكونة بهواجس العلوّ والرفعة والتفرُّد، وهي أعْراضُ وهْم تقتضي الاشتغال على تفكيك العناصر المتصلّبة، للانعتاق من حالة الأسْر التي تقع فيها الجماعات. وفي الواقع الأوروبي الذي غدا طافحاً بشتَّى التنوُّعات العرقيَّة، نشهد هذا التصلّب المريع في التناظر بين الهويَّات أحياناً، بين الهويَّات الوافدة والهويَّات المقيمة. فالهويَّة الوطنيَّة الفرنسيَّة والهويَّة الوطنيَّة الألمانيَّة، على سبيل المثال، يجري تمثّل كلتيهما على النحو الآتي: من نحن؟ نحن فرنسيون أو ألمان، في ضوء التاريخ المشترك الذي يجمعنا. ما هو الأساس أو أسطورة التأسيس لكياننا الجمعي؟ إنَّه الاعتراف بالتماثل فيما له صلة بالقيم المشتركة واللغة والديانة التي نشأنا عليها والتراب الذي تشكّلنا فوقه عبر الزمان. وفي تعريف المهاجر؟ إنَّه الأجنبي، ذاك الذي لا يقاسم الجماعة تراثها العريق الذي ورثته من الماضي، وهو ما يميّزها بالمحصّلة عن غيرها[2].
وبموجب ذلك التواري خلف أسوار الهويَّة الخالدة، تمثِّل عمليَّة «نزع الوهم» عن الهويَّات العرقيَّة مشروعاً ملحَّاً لتحرير الذات ودمجها مجدَّداً في معراج كوني يَصَّعَّد صوب بناء «الهويَّة الجماعيَّة». إنَّه مشروع العالَمين الذي سبق أن بشَّرت به الأديان في نقائها التمثّلي للبشر: «يا أيُّها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارَفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنَّ الله عليم خبير» (سورة الحجرات 13)، بعيداً عن طابع الضيق الشعوبي المؤدي إلى العلوّ الزائف. فمشروع العالَمين قد لاح مبكّراً أيضاً مع «العهد القديم»، رغم ما يلصق به زوراً من ضيق، بما بشَّر به من انبساط في الهويَّات يغاير الانقباض، «ليكون في آخر الأيام أنَّ جبل بيت الربّ يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التّلال وتجري إليه كلُّ الأمم...فيقضي بين الأمم وينصف شعوباً كثيرة فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمَّة على أمَّة سيفاً ولا يتعلّمون الحرب إلى الأبد» (إشعياء 2: 2-4).
إنَّ مقصد التطهُّر من وطأة الزيف المتلبّس بالهويَّة هو بلوغ الإيلاف بين الكيانات المستنفَرة، وإرساء الأنس والذمَّة والأمان، لتتواضع الهويَّات، بمقتضى تلك المبادئ، على تقبّل بعضها بعضاً؛ إذ صحيح أنَّ مفردة الإيلاف في اللسان العربي حمَّالة وجوه، رغم أنَّ هناك من يذهب إلى أنَّها اسمُ علمٍ يشير إلى معاهدات بعينها دون غيرها، فإنَّ حصر مفهوم الإيلاف في التدليل على العهود السياسيَّة والتجاريَّة، على النحو الذي ذهب إليه فكتور سحّاب[3]، كونه يشير إلى عهود وعِصَم؛ أي معاهدات، ربطت قريش بغيرها من القبائل والأقوام لتنظيم سير التجارة الدوليَّة عبر الجزيرة العربيَّة وأطرافها، هو تضييق لواسع وتقييد لمطلق. فاللافت أنَّ مفهوم الإيلاف قد جُرِّد من حمولته الخُلقيَّة والقيميَّة وأُثقل بدلالة نفعيَّة اقتصاديَّة، طمست بُعده الإنساني السامي. لذلك نقدّر حاجتنا الماسَّة اليوم إلى ذلك الإيلاف القُرَشي في مدلوله الواسع، وفي أبعاده القيميَّة والخلقيَّة الرحبة بين البشر.
ولو أتينا إلى المجتمعات الغربيَّة الرَّاهنة، التي ترفع شعارَيْ «التعدديَّة الثقافيَّة» و«التعدديَّة الإثنيَّة»، وتزعم أنَّها تراعي التنوُّع وتحترم الخصوصيَّات، فإنَّه غالباً ما تسود سياسة عامَّة مضمَرة تتعلق بالآخر، عمادها الحصْر والصهْر وفق مخطط مصاغ سلفاً، تكون فيه الهويَّة «الدخيلة» مجبَرة قسراً على ولوج ذلك الإطار الضابط والناظم، ليكون ذلك الصهر مؤسَّساً على فلسفة اجتماعيَّة متعالية ترفض التحوير وتأبى التغيير. وهو ما يميّز العلمانيَّات العصيَّة، فتجدها حريصة على ضبط الآخر وفق منظورها ورؤيتها. وكلّما نفرت الهويَّة «الدخيلة» من ذلك الضبط، كانت عرضة للاتهام بتهديد نمط الحياة السائد والتنكّر لفضائله ونِعمه. في حين أنَّه كثيراً ما تكون العلمانيَّات المرِنة أكثر قدرة على التليّن في تقبّل الآخر وفسح مجال الاحتضان له. وضمن هذا التنوُّع في المجتمعات الغربيَّة، يمكن الحديث عن ثلاثة أصناف عامَّة في التعامُل مع الهويَّات المغايرة داخل الغرب: صنف يتبنّى «مبدأ التعدديَّة»، بوجهيها الثقافي والعرقي، بوصفه الأقرب إلى مراعاة التنوُّع الهووي، الذي بات حاضراً في الغرب ولم يعد أمراً عابراً أو شأناً ظرفيَّاً؛ بل أهله مستوطِنون وشركاء في المجال الاجتماعي. وقد حازت بريطانيا قصب السبق في تطبيق هذه السياسة التي تسعى جاهدة لمراعاة خصوصيَّات المكوّنات العرقيَّة الأخرى ولإقرار ميزاتها الدينيَّة والثقافيَّة. يقابل ذلك التعامل نموذج آخر عماده «سياسة الدمج»، وهي بالأحرى عمليَّة صهر في نموذج اجتماعي مسبق لا يخلو من إجحاف وعسف، يحاول أن ينزع من التجمُّعات العرقيَّة والحضاريَّة الوافدة خصوصيَّاتها الحميمة، بعد أن باتت مستوطِنة هي أيضاً، وهو نموذج مثّلته العلمانيَّة الفرنسيَّة وحاولت تكريسه وسعت في ترويجه، وهو ما خلّف توتّرات عنيفة في أوساط الهويَّات المغايرة[4]، لما يلحقها من تضييق متكرّر على حرّياتها الدينيَّة والثقافيَّة وتهميش وتمييز. يترافق مع هذين النموذجين نموذج ثالث تمثّله إيطاليا، وهو نموذج «الإقرار بالهويَّة الغالبة»، يطغى فيه الطابع الكاثوليكي على بلدٍ تحتكر فيه الكنيسة مقدرات السوق الدينيَّة كافةً داخل الساحة الاجتماعيَّة[5]. فإيطاليا منذ إرساء معاهدة لاتيران 1929م، المعروفة بالكُنْكورداتو، بين الدولة الفاشيَّة وحاضرة الفاتيكان، باتت العلاقة فيها بين الديني والسياسي، أو بالأحرى بين الكنيسة الكاثوليكيَّة والدولة الإيطاليَّة، علاقة متفرّدة، مقارنة في ذلك بغيرها من الدول، أو بما له صلة بالدّين المهيمن وبغيره من الأديان والمذاهب الحاضرة على التراب الوطني كافةً. عماد تلك السياسة مقولةُ الكونت كافور (1810-1861م) «كنيسة حرَّة في دولة حرَّة»، التي تعبّر عن جوهر العلاقة بين حاضرة الفاتيكان والدولة الإيطاليَّة[6]. ولذلك يسود في الواقع الإيطالي، حدَّ الراهن، حسٌّ في الأوساط الكَنَسيَّة بامتلاك الفضاء الاجتماعي والتصرُّف في مقدَّراته، وخصوصاً أنَّ الكنيسة الكاثوليكيَّة تملك من النفوذ الاجتماعي والمؤسَّساتي في المجال التربوي والتعليمي والصحّي والخدماتي ما ينافس الدولة أحياناً، ما جعل أوصياء الهويَّة المجتمعيَّة في إيطاليا ينظرون إلى الهويَّات المغايرة، التي باتت مستوطِنة هي أيضاً، على أنَّها هويَّات دخيلة وغريبة لا تمتُّ إلى الواقع الإيطالي بصلة، وهو ما يتناقض جوهريَّاً مع مفهوم المواطنة الذي يشمل شقَّاً واسعاً من هؤلاء «الأغيار»[7].
خلّف هذا الوضع المتنافر بين الاستراتيجيَّات الثلاث: «التعدديَّة الثقافيَّة»، و«التذويب والصهر»، و«الهويَّة الغالبة»، ارتباكاً وعدم وضوح، في تعاطي السياسات الأوربيَّة مع المكوّنات الهوويَّة التي طرأت عليها. وقد لاح ذلك جليَّاً في إصرار الكنيسة الكاثوليكيَّة على تعطيل مشروع الدستور الأوربي، باعتبار أنَّ مضامينه المنفتحة تتناقض مع أهدافها الاحتكاريَّة. ليبقى الطرح البريطاني، داخل هذا التجاذب، الأقربَ إلى النموذج الديمقراطي المنفتح، في حين يبرز النموذج الفرنسي والنموذج الإيطالي محكومين بمنطق القهر والغلبة، وهما أقرب إلى الطرح المنغلق.
الافتتان بالهويَّة
في النموذجين الفرنسي والإيطالي المشار إليهما آنفاً ثمَّة اعتدادٌ بصواب الخيارات وسلامة المسلك، بما يفصح عن نوع من الثقة المفرطة في النموذج المتَّبع، وهو ضربٌ من المثاليَّة في رؤية الذات والتحليق بها بعيداً خارج التاريخ. بخلاف ذلك، نجد النموذج البريطاني أكثر ليونة، وأكثر قدرة على استيعاب الآخر، وهو نموذج يجد في الإيمان بالهويَّة البريطانيَّة والثقة بها دعماً وسنداً. ولا تراوده خشية من التلاشي في زحمة جدل الاستيعاب والاستبعاد، والقبض والبسط، التي تحكم تعامل الهويَّات بعضها مع بعض.
وبفعل ذلك التلكّؤ في الترقّي إلى مقام الإيلاف في بُعدِه القيمي، يشهد عالمنا نوعاً من التدافع المقيت بين الهويَّات، مفرزاً مشاعر متنوّعة بين أصحابها تتراوح بين التعالي الفظّ من جانب الغالب، والشعور الوضيع من جانب المغلوب، المستبطن لتربُّص لِقلْب ذلك الوضع، لتبقى تلك الدورة في المحصّلة متكرّرة ومتبادلة. والتي يستحوذ فيها على الهويَّات المستكبِرة إحساسٌ بالعزَّة والرفعة والتحضُّر والرّساليَّة، في مقابل استبطان الهويَّات المستضعَفة، التي تبدو متقبِّلة لسطوة المتنفِّذ بفعل عدم توازن التدافع، لانجراحات غائرة، ما تفتأ أن تتحوَّل إلى ضغائن متنوّعة تُفقدها توازنها المطلوب. داخل هذا الوضع المحكوم بمنطق المغالبة بين الهويَّات، يتحوَّل المجال العمومي بين الأطراف الغالبة والأطراف المغلوبة إلى ساحة عراك، كلّما اقتضت مستلزمات التعايشِ التحاورَ والتخاطبَ حول المصير المشترك، ولِتُخلّف انعزالاً بالتساوي لدى الجانبين، كلٌّ يعيش داخل أسواره المسيَّجة منتِجاً خطاباً مخاتلاً مع الآخر لمداراته ومجاراته إلى حين، والحال أنَّ واقع الترصُّد والتربُّص، فضلاً عن غلبة طباع المراوغة هو السائد.
لكنَّ الجليَّ أنَّ انغلاق الهويَّات وتدابرها يغدو ملجأ وسجناً في الآن نفسه، لا تخرج الجماعات والكيانات من أسره إلا بمراجعات مضنية. وفي حال الجاليات المهاجرة نحو الغرب يبدو وضْع الأزمة مؤجَّلاً وليس مسوَّى؛ فأمام ضراوة ضغط المجتمعات الحاضنة يتحوَّل الارتهانُ الذي يُسمَّى في الغالب بعبارات مخففة اندماجاً واستيعاباً، إلى ضيق مرهق تتحوَّل فيه الجاليات إلى رُقع شبيهة بمحميَّات، تبْنيها كلُّ جماعة، وكلُّ فئة، داخل أسوار المجتمع الأكبر، درءاً لذلك البأس وتوقياً لضراوة الرفض. فتتحوَّل تلك التجمُّعات إلى ما يشبه الغيتوات، يجد فيها المهاجرُ الطريد ومواطنُ الدرجة الثانية مواساة إلى حين. وما نسمع عنه من «تشاينا تاون» (china town)، و«ليتل إنديا» (little india)، و«أحياء سكن الأجانب» (HLM)، وتجمُّع «بياتزا فيتوريو» (piazza vittorio)، و«أحياء السود» في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من المجتمعات الغربيَّة، ما هي إلا عُلَب اجتماعيَّة مضغوطة، وهي شكل من أشكال إعادة الإنتاج الاضطراريَّة للهويَّات الأصليَّة، مدفوعة بالضيم والرفض من الهويَّة الكبرى الخانقة، هويَّة المجتمع المضيف، وتتعدَّى في الواقع الأنشطة التجاريَّة والخدميَّة العاديَّة إلى بناء مدارسها الخاصَّة ونواديها الخاصَّة، ولتمتدّ إلى بناء كنائس خاصَّة ومعابد خاصَّة، وغيرها من الأنشطة التي يحتمي خلفها المهاجر[8]. بما يخلق ضرباً من الولاء والارتباط بالجالية المتحدِّر منها المهاجر يفوق ولاءه للمجتمع الذي بات ينتمي إليه. ولتصبح الهويَّة الجديدة، المتلخّصة لديه في الجالية، بديلاً لما حرمه منه المجتمع الأكبر ومؤسَّساته، بعد أن فشلت سياسات الهجرة في خلق تآلف وثيق بين مختلف مكوّناته «الأصيلة» و«الدَّخيلة».
وبشكل عام يكون الحيف الاجتماعي، الناعم أو الخشن، مدعاة لتوليد تنافر الهويَّات، فتمسي الهويَّة المستضعَفة مدفوعة قسراً للدّفاع عن مجالها الرَّمزي؛ وفي مقابل ذلك يخلق الإنصاف نوعاً من الانبساط الحاثّ على تمازج الهويَّات وتعايشها. فلا يستفيق المرء صباحاً ليفكّر بهويَّته على أيَّة شاكلة تكون، ولكنَّ احتكاكه بأقرانه ونظرائه وبالمؤسَّسات القائمة، ودخوله معترك الصراع الاجتماعي هو ما يثير فيه التنبُّه إلى ذاتيَّته إن كانت مدحورة أو مقبولة. فالهويَّة في أبعادها العميقة مخزونٌ رمزيٌ تُكسِبُه التراكماتُ التاريخيَّةُ المرءَ لينجوَ من حالة الامّحاء والتفسُّخ والعدم. وقدَر المرء أن تحتضنه هويَّة هي بمثابة الإِهاب الذي يقيه في رحلة وجوده، غير أنَّ ذلك التميُّز سرعان ما يعتريه التشوُّه إذا ما جابه عوامل الطمس؛ ذلك أنَّ اللسان والمعتقدات والمخيال الثقافي؛ أي ذلك الرأسمال الرمزي، هو بالنهاية مكوّن هويَّة المرء، وأيّ إلغاء قسري لذلك الرأسمال من شأنه أن يُفقد المرء توازنه الوجودي؛ لكن أن يتحوَّل ذلك الرأسمال إلى مُولّد للتصادم مع نظرائه، بفعل المصادَرة والإجحاف من قِبل الغير، هو الخلل نفسه في تمثّل علاقة الهويَّات بعضها ببعض.
إذ نجد علماء الاجتماع الأنجلوسكسونيين يتحدَّثون عن «الشخصيَّة القاعديَّة» (Basic personality)[9]، وهو ما يبرّر الحديث بالمثل عن «الهويَّة القاعديَّة» أيضاً، باعتبار أنَّ كلَّ تكتّل اجتماعي تلفّه حلّة رمزيَّة تكون مرجعه الوثيق وسنده المتين في الانطلاق نحو العالم وفي تمثّل تغايره عنه. والجلي أنَّ في هذه «الهويَّة القاعديَّة» ثمَّة مكوّناً قداسيَّاً غالباً ما يستعصي على الطمس ويأبى الامّحاء الفوري. فقد تفقد الهويَّات عناصر مهمَّة من رأسمالها الهووي، تمسُّ لسانها أو ذوقها أو زيَّها أو عاداتها، ولكنَّها لا تفقد بالسهولة ذاتها عنصر القداسة، والحديث هنا ينطبق على المهاجرين المسلمين في الغرب. فقد يتراجع اللسان العربي أو الأمازيغي أو التركي أو الفارسي أو الأردي من تواصلهم، وبالمثل قد ينحسر الزّي التقليدي والشكل المظهري من أوساطهم، أو ما شابه ذلك من العناصر، لكنَّ العمق القداسي يبقى مستعراً. تكشف عمليَّات الأنْجلة المتوثّبة التي تستهدف المهاجر المسلم عن بلوغ نتائج متدنّية في حالات النكوص، يقابلها تأثير أعلى وأرقى من جانب هؤلاء المهمَّشين في دفع الغربيين للتقرُّب من حضارة الإسلام ودينه[10]. فقد شكّل الغرب وما زال مرآة صادمة لكيان المهاجر المسلم، وفي سياق التملّي فيه والتعايش معه يكتشف غور ذاته، ويتبيَّن له ما يجمعه معه حقاً وما يميّزه عنه فعلاً.
حيث يغدو الدّين مع بعض الجماعات المهاجرة معيناً عميقاً للهويَّة: بدءاً من الاعتقاد، ومروراً بالممارسة، إلى غاية التحوُّل إلى نمط من أنماط الفعل الاجتماعي والالتزام السياسي المباشر...، ما يعني نسج علاقة متينة بين الدّين واللغة والأرض، وبعبارة موجزة مع الهويَّة الجماعيَّة لشعب بمجمله؛ ذلك ما يخلص إليه إنزو باتشي أثناء تتبُّع تمازج الهويَّة بالمخزون القداسي[11]. وفي تلك الحالة ينحو الدين ليغدو نظامَ دفاع لدى الجماعات الإثنيَّة حديثة الهجرة إلى الغرب، ورداءَ تحصُّن لدى الجماعة التي ينتظرها أن تسلك طريقاً داخل الديمقراطيَّات الغربيَّة باستنادها إلى هويَّاتها الأصليَّة كعلامة للاعتراف. وقد دفع التشابك المتين بين الهويَّة والدّين بعض علماء الاجتماع إلى التأكيد وبوضوح على مفهوم «الأديان العرقيَّة». فقد جرت دراسة العلاقة بين الدّين والهويَّة العرقيَّة من قِبل عالميْ الاجتماع الأمريكيين فيليب هاموند وكيي وارنر، وقد تحدَّثا بوضوح عن الأديان العرقيَّة (ethnic religions)، في مسعى للإحاطة بذلك الترابط القائم على التمازج بين البُعد الدّيني والخاصيَّات المميّزة للجماعة البشريَّة (اللغة، ولون البشرة، والأصول التاريخيَّة...وما شابهها)[12].
درْب الإيلاف العسير
عموماً عندما يستبدُّ الهوس بالهويَّات وتتمثّل ذاتها أعلى شأناً وأرفع مقاماً، فكأنَّها تحاكي كبرياء إبليس: «أنا خير منك، هويَّتي من نار، وهويَّتك من طين»، ويُخيَّل إليها أنَّها الأفضل؛ فتسعى جاهدة لتحقير الهويَّات الأخرى، لكنَّ لعبة النفي يمكن أن يقبل بها المستضعَف إلى حين، وما إن تتهيَّأ له فرص سانحة حتى يثأر ويتمرَّد عمَّا أقرَّ به غصباً، ويطالب بردّ الاعتبار لهويّته المصادَرة. مع ذلك في لعبة التدافع بين الهويَّات، لا يغيب التطلع إلى تعايش ينبني منذ البدء على علاقات سويَّة لا يحكمها التغرير، بل أساسها المراعاة والتقدير والاحترام.
وفي الواقع الغربي الحديث غالباً ما استقوت الهويَّة المهيمِنة بواقع الغلبة الحضاريَّة في بسط نفوذها على الهويَّات الواهنة، سواء منها تلك الهاجعة في ديارها، والتي قطع الغرب عنها سكونها، عبر عمليَّات استعماريَّة أو استيطانيَّة، بدعوى النهوض بها وتحديثها، أو تلك الوافدة إلى دياره طلباً للرزق وما شابهه. كان الغرب في العمليَّة حريصاً على صهر تلك الهويَّات في أتونه دون مراعاة خصوصيَّاتها. ولكنَّ ذلك الصهر الهووي القسري سوف يعمّر إلى حين، ما دامت تلك الهويَّات في حالة خمول وفي أمسّ الحاجة إلى ذلك الغرب، ليتراجع يوماً ما متى استعادت تلك الهويَّات اتزانها واشتدَّ بأسها.
وضمن حديثنا عن أوهام الهويَّات الزاحفة، بدا جليَّاً حين حلّت الكنيسة الغربيَّة في بلاد المغرب، إبَّان الفترة الاستعماريَّة، أنَّها كانت مسكونة بوهْم التفوُّق. يصف المؤرخ فيدريكو كريستي ذلك بقوله: ما كان المبشّر يرى في الدّين الإسلامي بنية عقديَّة متكاملة تحتضنها حاضنة اجتماعيَّة، بل حشدٌ متداخلٌ من الأوهام والأضاليل، ستذوب كالثلج أمام نور المسيحيَّة الساطع... يمكن القول، دون وجل، إنَّ رجال الدّين ما كانت لهم معرفة معمَّقة بالدين الإسلامي، وما كانت لهم الكفاءة لخوض مجادلة رصينة بشأنه. لقد كانت تجارب المبشِّرين في مناطق أخرى دافعاً للاستلهام، وما كانت تتوافر الدعامات الموضوعيَّة والقدرات اللازمة للتحكُّم في فضاء مزمَع اختراقه وقلبه. وكان الهدف الذي يحدو الجميع مشروع الكنيسة الواسع المتمثّل في بعث كنيسة إفريقية.[13]
ذلك أنَّ الهويَّة مكوّن شفاف، وقد يعتريها التصلّب أو التحلّل في حال افتقاد سند ثقافي متين يمدّها بالليونة اللّازمة حين تصطدم بهويَّة مغايرة، تكون مكرَهة على العيش في أكنافها، إنَّها حالة الهويَّة المهاجرة، الفرديَّة منها والجماعيَّة؛ ففي حال الهويَّة الفرديَّة حين تفتقر إلى سند مرجعي مشترك، وفي حال الهويَّة الجماعيَّة حين تستشعر الذوبان الداهم في غيرها، يدخل في تلك الحالة المخيال العميق في جدل مع الهويَّة الغالبة، هويَّة المكان التي قد تبدو سجناً واسعاً، لكن يبقى عامل حاسم في ذلك الجدل بين الهويَّة الفرديَّة/ الجماعيَّة، والهويَّة الغالبة المهيمنة متمثلاً في العامل الثقافي، فكلّما كانت الهويَّة مستبطِنة لمخزون ثقافي على درجة عالية من الديناميكيَّة والقدرة على بلوغ التوازن ضمن لعبة تدافع الهويَّات؛ كان الثِّقاف الهووي مقتدراً على الإمساك بشروط الحفاظ على عناصر الهويَّة العميقة، ومن ثمَّ الإثراء والتطوُّر.
وفي لعبة الجدل الهووي المفتقر إلى خلفيَّة ثقافيَّة، يكون المرء عرضة لاهتزازات شتَّى تتجلّى في النكوص والانعزال والانحصار. وقد لاحظنا أنَّه سرعان ما يتحوَّل الوعي الدّيني في الغرب لدى شرائح مهاجرة عائمة -فشلت في اللحاق بدورته العمليَّة المرتبطة بسوق الشغل، أكان بموجب تدنّي كفاءتها المهنيَّة، أم لمحدوديَّة مستواها التعليمي، فضلاً عمَّا تلحقه بيروقراطيَّة تلك الدول من إرهاق عند تسوية أذون الإقامة أو تجديدها- يتحوَّل إلى عزاء حقيقي يجد فيه العزل الاجتماعي القسري أسى في المقولات الدينيَّة التي تصوِّر الغرب نقيضاً دينيَّاً لا يريد لها الخير، وأحياناً تمنّي النفس وهماً بميراثه. فتجِدُ العديد من المهاجرين العرب نحو إيطاليا، من الجيل الأوَّل أساساً، يتأسّون عن بلوى الهجرة ومحنتها بالحديث عن فتح روما، وكأنَّه الثأر الذي ينتظرونه بعد طول معاناة.[14]
مع ذلك، ثمَّة هويَّات تحمل رصيداً عميقاً مختزناً مستمدّاً من كثافة التاريخ وثقل الحضارة. وفي حال المهاجر العربي نحو الغرب يبدو هذا الرصيد الهووي معتبراً، وهو ما لا يعني أنَّه مفعَّل ومستثمَر بطرائق صائبة. فـ «المروكينو»، والكلمة في الدلالة الشعبيَّة الإيطالية تعني العربي على وجه العموم، وفي اللسان الفصيح تعني المنتسب إلى المغرب الأقصى، نعاين عزمه وإصراره على توريث رصيد هويَّته الرمزي، من خلال تشكيل النوادي وإنشاء المدارس لبَنيه، والحرص على جلبهم إلى المصلّيات في الأعياد والاحتفالات بغرض تلقينهم تعاليم دينه ولغة أسلافه، كلّ ذلك بإمكانيَّات ذاتيَّة متواضعة يغيب عنها دعم الدول الأصليَّة أو المجتمع الحاضن. إنَّه كدح لافت يأتيه «المروكينو» في تشبّثه بهوَّيته وإيمانه بسموّ مقامها. فقد يلحظ المرء تخفيَّاً مشوباً باستحياء لدى تكتُّلات حضاريَّة أخرى عن هويَّاتها، يبلغ مستوى التستُّر والتقيَّة. وبخلاف ذلك نرصد بين تكتُّلات الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة تصرُّفا ندّيَّاً قبالة الغالب. ولا شكَّ أنَّ هذا النزوع يعرب، في بعض الأحيان، عن اعتداد مبالغ، في الملبس والهيئة، عائد لافتتان بالذات، قد يؤوّله الآخر رفضاً له، وقد يفهمه نكراناً للنِّعم؛ لكنَّه بالأساس شعور بندّيَّة حضاريَّة لا تحتكم إلى ظاهر التمدُّن الذي يتفوَّق فيه الغالب، يعرب عن إيمان عميق برأسمال الهويَّة الحضاريَّة الأصلي.
والواقع أن تجد سائر الهويَّات داخل المجتمعات التعدديَّة مجالاً للحوار والتجلّي العفوي، غير أنَّ الواقع يكشف أنَّ ساحة التعدّديَّة غير المتوازنة هي ساحة تدافع رمزي، لا تقلُّ بأساً عن ساحة التدافع الفعلي أحياناً، ما يلجئ الهويَّات الواهنة إلى القبول بالإمحاء أو الانطواء. إذ غالباً ما تتمثَّل الهويَّةُ المهيمِنة والمحتكرة للمجال الاجتماعي الهويَّات الأخرى مجتاحةً أو مهدّدةً لحِماها، فتضيق بها ذرعاً وتتربص بها الدوائر؛ لأنَّ الهويَّات تتحرَّك داخل منظومة قيم تُصوَّر في بعض الأحيان نقيضاً وتهديداً؛ وذلك ما نلحظه في الخطابات السياسيَّة المتشنّجة المتلخّصة في مقولة: «إنَّهم يهدّدون قيمَنا ونمط عيشنا»؛ إذ غالباً ما يأتي الصدام بين الهويَّات في المجتمعات التعدّديَّة مثقَلاً بمخيال تاريخي يستبطن تهويمات غائمة بعضها عن بعض، ويرتهن لتصوُّرات متجاوَزة تحُول دون التناظر الشفَّاف. لذلك تجد الهويَّةُ الإسلاميَّة، في دول غربيَّة لم ترقَ إلى مصافّ الإيلاف المنشود، رهقاً ليس بسبب حاضرها، بل بسبب ماضيها. فيُحاكَم الحاضر بناء على الماضي، ويُنظَر إلى الشاهد قياساً على الغائب.
في هذا الجو المتداخل للمخيال العام، تجد الهويَّات نفسها مسحوبة قسراً إلى خصومات جانبيَّة، تشغلها عن معركتها الفعليَّة، التي هي بالأساس معركة تستهدف تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعيَّة، وتوحيد الصفوف من أجل بناء صرح مجتمع عادل ينبذ الاستغلال والتفرقة والتمييز، ويوطّد دعائم ديمقراطيَّة اجتماعيَّة تتساوى فيها حظوظ الجميع؛ لتتحوَّل تلك المعركة المشنونة إلى معركة وهميَّة بين الهويَّات، تُحمَّل فيها الهويَّات الوافدة وزر تعكّر الأوضاع الاجتماعيَّة (البطالة، غلاء المعيشة، تدنّي الخدمات، نقص المساعدات، تردّي الظروف الأمنيَّة)؛ فيرتدّ التشاحن الاجتماعي، في المجتمعات التعدديَّة، بين الهويَّات، صوب خصومات مغتربة تحول دون انفتاح الهويَّات بعضها على بعض. إنَّ استلاب الهويَّات واستنزافها في معارك مضللة هو ما يشكّل العدو الحقيقي لها حين تفتقد إلى خارطة إيلاف واضحة.
وفي مناخ داخلي محكوم بتصارع الهويَّات تغدو الهويَّة الذاتيَّة هاجساً، تتصوَّر أنَّه بتواري رموزها يتسرَّب الاندثار لحضورها ويدبُّ الامحاء. والحقيقة أنَّه كلّما فتر التماسك بين الهويَّات، تعلّقت بتلابيب الذاتيَّة المضلّلة، لذلك كانت الهويَّات المنفتحة أوفر حظّاً في مجابهة هذا الوضع والتحاور مع المغاير، ومن ثمَّ التطوُّر. وكلّما انكمشت الهويَّات على ذاتها، حصل الضمور الذي يُخيّل في البدء أنَّه حفاظ على الكيان من التفسُّخ والانحلال. عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، في تناوله مسألة التقابس الحضاري بين الهويَّات، لخَّص رسالة المثقف الألماني التي حاول ترجمتها بكلّ يقين (وقد توقّف عن ذلك على مدى فترة طويلة جرَّاء ما حلَّ به من مرض عضال) في ملاءمة الجديد مع الجذور التاريخيَّة للأمَّة الجرمانيَّة، وهو ما تكفَّلت به مجموعة من المثقّفين في عصره بناءً على الأسس التاريخيَّة للهويَّة الألمانيَّة. لقد حاول ماكس فيبر، وإن نظر بانبهار إلى نموذج الدولة الديمقراطيَّة ذات الطابع الأنجلوسكسوني، التوسُّط بين ضرورة إعادة اكتشاف هويَّة شعبه والحاجة إلى تجنُّب أيّ نوع من الانعزال والانغلاق.[15]
لو تمعَّنّا مفهوم الهويَّة مليَّاً، فلن نظفر سوى بحزمة من المعاني والرموز التي يتشبَّث بها الأفراد وتستميت لأجلها الجماعات طلباً للتحقّق، ولكنَّ الهويَّة ما لم تتخذ مدلولاً معيشيَّاً تحتضن بموجبه الجماعات والأقوام بعضها بعضاً، فإنَّها تبقى «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً»؛ لذلك كان طريق الإيلاف هو آمنها لبلوغ تلك الغاية النبيلة.
[1] ـ انظر: إنزو باتشي، الإسلام في أوروبا... أنماط الاندماج، ترجمة: عزّ الدين عناية، كلمة، أبوظبي، 2010، ص 72
[2] - Enzo Colombo, Le società multiculturali, Roma, Carocci, 2002, p. 76
[3] ـ انظر مؤلفه: إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992، ص 6، 19، 20، 21
[4]ـ لعلَّ أبرزها انتفاضة الضواحي الباريسيَّة أواخر العام 2005
[5]ـ راجع كتاب: السوق الدينيَّة في الغرب، تأليف: دارن أ. شِرْكات ـ كريستوفر ج. إلّيسون- رودناي ستارك- لورانس ر. إياناكوني، ترجمة: عزّ الدين عناية، دار صفحات، دمشق، 2011
[6] ـ انظر مؤلفنا: الأديان الإبراهيميَّة... قضايا الراهن، دار توبقال، الدار البيضاء، 2014، ص 45
[7] ـ ثمَّة تعمّدٌ مقصود لمصادرة الهويَّات الأصليَّة للمهاجرين من خلال التضييق على استعادة عناصر تلك الهويَّات ولملمة تركيبتها المتشظيَّة. فالعراقيل، التي تنتصب أمام المسلم في إيطاليا للتمتّع على غرار الكاثوليكي بحق تلقين ابنه «ساعة الدين» في المدرسة العموميَّة، لا تزال قائمة. ثمَّة احتكار بما يشبه الاستئثار بالفضاء التعليمي والتربوي فضلاً عن الاجتماعي.
Farian Sabahi, Islam: l’identità inquieta dell’Europa. Viaggio tra i musulmani d’occidente, Il Saggiatore, Milano 2006, pp. 123 - 124
[8] ـ راجع بشأن ما تخفيه تلك الأحزمة و«المحميَّات» من ميزٍ مؤلفَ كريستوفر كالدوال:
Christopher Caldwell, L’ultima rivoluzione dell’Europa. L’immigrazione, l’islam e l’occidente, Garzanti, Milano 2009, pp. 135 e s.
[9] - Abram Kardiner, The concept of basic personality, structure as an operational tool in the social sciences, New York, 1945
Mikel Dufrenne, La personnalité de base. Un concept sociologique, PUF, Paris 1953, p. 8
[10] ـ يمكن مراجعة كتاب: «المسلمون الجدد...المهتدون إلى الإسلام» للإيطالي ستيفانو أليافي:
Stefano Allievi, I nuovi musulmani: i convertiti all`islam, Edizioni Lavoro, Roma 1999
[11] - Enzo Pace, Sociologia delle religioni, EDB, Bologna 2016, p. 188
[12] - P. Hammond – K. Warner, "Religion and Ethnicity in Late-Twentieth-Century America", in Annals (1993) 27, pp. 55- 66
[13]- Federico Cresti, Iniziativa coloniale e conflitto religioso in Algeria (1830 - 1839), p. 83
[14] ـ في ما رواه ابن حنبل في مسنده: «حدَّثنا يحيى بن إسحاق حدثنا يحيى بن أيوب حدثني أبو قبيل قال: كنّا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أيّ المدينتين تفتح أوَّلاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أوَّلاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أوَّلاً، يعني قسطنطينية». وهو ما يوحي بأنَّ الدور آتٍ على روما لا محالة.
[15] ـ سابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، علم الاجتماعي الديني... الإشكالات والسياقات، ترجمة: عزّ الدين عناية، كلمة، أبوظبي، 2011، ص 51