الوحي الإسلامي: إشكالية التواصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة (قراءة في كتب المسلمين القدامى)
فئة : مقالات
الوحي الإسلامي([1]):
إشكالية التواصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة
(قراءة في كتب المسلمين القدامى)
مقدّمة
اتّفق دارسو الوحي الإسلامي على اعتباره جزءاً من الكلام الإلهي[2] وشكلاً من أشكال التّواصل (الرّؤيا، ...) بين عالميْ الغيب والشّهادة، فالله خاطب الأنبياء والرّسل بواسطة ملاك بلّغهم عقائد وشرائع أمرهم بنشرها بين أقوامهم.
وهو أمر من شأنه أنْ يؤدّي بنا إلى القول إنّ الوحي الإسلامي عملية تواصلية تقوم على أطراف ثلاثة - على أقل تقدير- هي: الله والملاك جبريل والرّسول محمّد ت11 هـ/632 م).
إنّ هذا التّصور يتطلّب منّا البحث في خصائص نظريات التّواصل ومفاهيمها ومستوياتها، على أنّ ذلك ليس بالأمر الهيّن[3]، فالبحث في خصائص التّواصل مبحث معقّد تتقاطع فيه حقول معرفيّة مختلفة، نذكر منها "فلسفة اللغة" و"التّداوليّة" و"فقه اللّغة" و"السّيميائيّات التّواصليّة"[4] و"عرقيّات التّواصل"[5] و"اللّسانيّات الإثنيّة" و"اللّسانيّات التّواصليّة"[6] ....
إنّ تعدّد المسالك وتداخل الحقول المعرفيّة يكشف عن صعوبة منهجيّة تتعلّق بالبحث في عمليّة التّواصل وطرق تحقّقها من جهة، ومن جهة أخرى يؤكّد أنّه لا يمكن بأيّة حال من الأحوال بلوغ الكلمة الفصل في شأنها.
1 ـ مفهوم التّواصل ومقتضياته
التّواصل عمليّة اجتماعيّة متطوّرة تطوّر المجتمع، فهي تتطلّب توفر قواسم مشتركة بين الأطراف المساهمة في الفعل التّواصليّ[7]، وهو ما يعني أنّ الاتّفاق بينهم ضرورة من ضروريات الوجود البشريّ وشكل من أشكال الوعي بشروط التّعايش الجماعي. على أنّ التّواصل ليس مجرّد شكل من أشكال التّعايش بين البشر[8] فحسب، وإنّما هو أيضاً محدّد من محدّدات العلاقة الّتي تربط بعضهم ببعض، فنحن أثناء التّواصل نكون إزاء خيارات متنوّعة في مستوى الدّال، وفي الآن نفسه نكون إزاء خيارات عديدة في مستوى مدلول ذلك الدّال، وهو ما يجعلنا نختار بعض الدّلالات ونستغني عن أخرى، على أنّ هذه الاختيارات تظلّ في قسم منها اختيارات مشروطة بالسّياقات الدّلالية المُتواضع عليها.
إنّ تواضع النّاس على استعمال دالّ معين للدلالة على شيء أو فكرة أو معنى يضمن للمجموعة المُستخدمة له حدّاً أدنى من التّواصل يَقِيهَا الفوضى وسوء الفهم، وفي المقابل كلّما غاب شرط من شروط التّواصل (الاشتراك في الوضع الثّقافيّ الاجتماعي، وَحدة الموضوع، وَحدة الفضاء والزّمان، الاشتراك في الصّفة، ...) استحال إقامة العقد التّواصليّ بين أطراف المجموعة، واستحال التعايش بينهم.
وفي هذا السياق نشير إلى أنّ التّواصل يكون أكثر نجاعة كلّما كان الدّالّ شفافاً خالياً من اللبس والتّداخل بغيره، وهو أمر لا يمكن الإقرار به بأيّة حال من الأحوال، فنحن أثناء محاولتنا تحديد دلالة دالّ معين نعمد إلى تعريفه باستخدام مجموعة أخرى من الدّوال، ومن شأن انفتاح هذا الدّال أو ذلك على غيره أنْ ينفي عنه صفة الشّفافيّة، ويجعل منه غير مستقلّ بذاته، وفي حاجة دائمة إلى غيره لحظة التّعريف بماهيّته، وتلك رؤية تعكس تصوّراً أشمل يؤكّد ترابط الأشياء في الوجود.
إنّ العيش ضمن مجموعة واعتماد لغة مشتركة دالّ على وعي الجماعة الإثنيّة بأنّ الاختلاف يؤدّي بالضّرورة إلى الفوضى وغياب التّواصل وانتفاء الوجود.
ويتجلّى الاتّفاق بين أفراد الجماعة في اعتماد قواسم مشتركة تكون حسيّة أو نفسيّة أو قوليّة، ذلك أنّ التّواصل لا يقوم على العناصر اللّغويّة شفويّة كانت أم مكتوبة فقط، وإنّما يقوم أيضاً على عناصر غير لغـويّة ـ غير منطوقة وغير مكتوبة ـ مثل الحركات الجسديّة والإشارات والإيماءات...[9]، وذلك بالنظر إلى اختلاف الأوضاع التّواصليّة والغايات الّتي من أجلها انعقدت.
وفي هذا البحث نحاول تبيّن الجوانب الأساسية للتّواصل بين عالم الشهادة وعالم الغيب في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة من خلال الوقوف على خصائص "الوحي" في المدوّنات القديمة الّتي عبّرت عن وعي أصحابها بالفوارق القائمة بين الأطراف المساهمة في "حدث الوحي".
2 ـ التّواصل بين عالم الغيب وعالم الشّهادة
أ: مفهوم الوحي في القرآن الكريم
ذُكر الجذر اللغوي (و، ح، ي) في "القرآن الكريم" ما يقارب الثّمانين مرّة في أشكال ثلاثة هي:
- الفعل الماضي (أوحينا، ...)[10].
- الفعل المضارع (نُوحيه، ...)[11].
- المصدر (وحيه، ...)[12].
وقد تعلّقت بهذه الأشكال جملة من المعاني المختلفة اختزلها "محمّد عابد الجابري" (ت2010) في "مدخل إلى القرآن الكريم" في "ثلاثة مستويات: [... مدار الأوّل] الإلهام والتّسخير سواء تعلّق الأمر بالجماد [...] أو بالحيوان [...] أو بالإنسان [... أمّا المستوى الثّاني فقوامه] الكلام من وراء حجاب [...] وهذا النّوع تعرّفه [كذا] اليهود، وقد عرفه عرب ما قبل الإسلام عن طريقهم، ويدخل في هذا من معهود العرب [كذا]، الكهانة والسّحر والعِرافة [...] أمّا المستوى الثّالث [...] فهو أنْ يبعث الله ملاكاً رسولاً، هو جبريل بالتحديد، ينقل كلام الله إلى الإنسان الّذي اختاره الله رسولاً إلى البشر، وهذا النّوع لم يكن للعرب عِلمٌ به"[13].
إنّ المعاني الّتي ذكرها محمد عابد الجابري (ت 2010 م) تؤكّد أنّ ثمّة اختلافاً واضحاً في تحديد "مفهوم الوحي"، فالطّرح الإسلاميّ مثّل تجاوزاً للتّصوّر الجاهليّ للعلاقة القائمة بين عالم الغيب وعالم الشّهادة وطرق الاتّصال بينهما. فلئن لم ينف العرب قدرة محمّد على الاتّصال بالغيب[14] فإنّهم استبعدوا أنْ يكون له القدرة على تلقّي الوحي بواسطة الكلام عن طريق ملاك[15].
ب: مراحل الوحي
إنّ متصفح أمّهات الكتب القديمة الّتي تناولت بالدّرس "الوحي الإسلامي" يلحظ تميّزها بين مراحل ثلاث هي: "التّنزيل" و"التّبليغ" و"التّدوين"، وذلك على النّحو الآتي:
ج: كيفية التّواصل بين عالم الغيب وعالم الشّهادة
إنّ وعي القدامى بالحدود الّتي تفصل بين الله والإنسان (الرّسول ..)، وما يترتّب على ذلك من أسئلة حول قدرة الإنسان على فهم معاني "كلام الله" جعلهم يسعون إلى تجاوز هذه المعضلة بتقديم قراءتين مختلفتين في مستوى الطّرح والمراحل والنّتائج.
القراءة الأولى: "أنّ رسول الله انخلع من صورة البشريّة إلى صورة الملائكة"[16].
القراءة الثّانية: "أنّ الملك انخلع إلى البشريّة حتّى يأخذ الرّسول منه"، و"الأوّل أصعب الحالين" في تصوّر بدر الدّين الزّركشيّ[17].
إنّ القراءتين لم تقدّما تعليلاً شافيّاً، بل لعلّهما زادتا المسألة تعقيداً، فالأولى عندما جعلت النّبيّ ينسلخ عن بشريّته ويتّخذ هيأة ملكيّة أفقدته جوهره، على أنّ الصّفة الجديدة، ونعني بها الملكيّة صفة مؤقتة تقتصر على لحظة تلقّي "كلام الله" لتعود إليه الصّفة البشريّة لحظة "التّبليغ"، وفي ذلك تجاهل لأمرين:
الأمر الأوّل: أنّ اتّصاف الرّسول بالملائكيّة ـ وإنْ كان ضامناً لتمثّل "كلام الله" تمثّلاً تاماً، وهو أمر يصعب القول به ـ لا يحلّ الإشكال الّذي يظلّ قائماً، إنْ لم نقل يزداد تعقيداً لحظة استرجاع الرّسول للصّفة البشريّة، إذ يفقد الصّفة الّتي بها تَعَقَّلَ "كلام الله" ومعانيه.
الأمر الثّاني: إنّ هذا الطّرح يؤكّد - بطريقة ضمنيّة - عجز البشر عن استيعاب "كلام الله" وتبيّن معانيه.
أمّا القراءة الثّانية القائلة باتّصاف جبريل بصفة البشر - وهو الموقف الّذي أقرّه الزّركشيّ (ت 794 هـ) والسّيوطي (ت 911 هـ) وأغلب دارسي "القرآن الكريم" ـ لحظة اتّصاله بالرّسول، فإنّ تحوّل جبريل من صفة إلى أخرى يوازيه تحوّل في دلالات دوال "كلام الله"، ذلك أنّ الذّات الّتي تلقّت "كلام الله" عن الذّات العليّة ليست هي الذّات الّتي نزلت به إلى الرّسول.
إنّ هاتين القراءتين تقدّمان صورة صادقة عن وعي القدامى بصلة الكلام بالذّات، فـ "القرآن الكريم كلام الله وكلامه صفته، وكما أنّه ليس له نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه"[18]، وهو إلى جانب ذلك مرتبط أشدّ الارتباط بطبيعة الظّروف الحافة بفعل الكلام وشروط التّواصل والقوانين المُتحكّمة في عملية التّلقّي وأدواته.
إنّ أبرز ما يلفت الانتباه في كتب القدامى في ما يتعلق بمسألة كيفية "نزول الوحي" من عالم الغيب إلى عالم الشّهادة أنّ أصحابها لم يشيروا من قريب أو بعيد إلى المرحلة الأولى، ونعني بها مرحلة تلقّي جبريل الوحي عن الله.
صمت القدامى يُوحي بأنّ لجبريل القدرة على إدراك معاني "كلام الله"، وهو رأي إنْ صحّ ألغى ما قيل من أنّ "كلام الله صفته".
3 ـ علاقة جبريل ومحمّد وقومه بالوحي
أ: دور جبريل ومحمّد في الوحي
في تقديرنا لم تستطع الكتب الإسلاميّة القديمة الّتي عالجت "حدث الوحي" تقديم تصوّر واضح في ما يتّصل بكيفية "نزول الوحي"، إذ اختلفت الآراء في تحديد "مفهوم نزول الوحي"، فـ "بدر الدّين الزّركشي" ذكر في "البرهان في علوم القرآن" أنّ أهل السنّة اتّفقوا على القول بـ"أنّ كلام الله مُنزّل، واختلفوا في معنى الإنزال، فقيل: معناه إظهار القرآن، وقيل إنّ الله أفهم كلامه جبريل وهو في السّماء وهو عال من المكان وعلّمه قراءته، ثمّ جبريل أَدَّاهُ في الأرض وهو يهبط في المكان" [19].
إنّ الآراء الّتي ذكرها بدر الدّين الزّركشي تقودنا إلى الإقرار بوجود اختلاف بين المسلمين في تحديد الطّريقة الّتي تمّ بها الوحي، فالمدوّنات الإسلاميّة القديمة ذكرت في هذا الشّأن مواقف ثلاثة نختزلها على النّحو الآتي:
الموقف الأوّل: المعنى من عند الله واللفظ من عند جبريل.
الموقف الثّاني: المعنى واللفظ من عند الله.
الموقف الثّالث: المعنى من عند الله واللفظ من عند الرّسول.
لقد جعل الموقف الأوّل الله يُفهِم كلامه جبريل، أي أنّ المعنى إلهي واللفظ من عند جبريل، ومن شأن هذا التصوّر أنْ يُحوّل عمليّة التّواصل بين الله وجبريل إلى عمليّة لا تتمّ بواسطة الكلام (اللفظ) وإنّما بطرق أخرى. أمّا أغلب المسلمين فتبنّوا الموقف الثّاني معتبرين "القرآن الكريم" وحياً إلهيّاً في لفظه ومعناه، نزل به جبريل إلى الرّسول محمّد.
قام هذا التّصوّر على تصوّر مخصوص للدور الذي نهض به جبريل، فهو القناة الواصلة بين طرفين مختلفين في الطّبيعة والجوهر، فالأوّل ونعني به الله كامل في ذاته وبذاته. أمّا الثّاني ونعني به الإنسان فهو ناقص في أصله، ومن شأن هذا التّباين أنْ يثير أسئلة عديدة حول عمليّة التّواصل الّتي تربط بينهما من خلال "التّنزيل"، فالتّواصل بين المخاطِب (الله) والمخاطَب (محمّد) ينتهي بمحاولة الثّاني فَهْمَ مدلولات الدّوال المُستخدمة من قبل الأوّل وفق التّجربة الذّاتيّة والمنظومة الثّقافيّة والفكريّة والدّينية الّتي نشأ فيها (الرّسول)، فالفَهْمُ يقوم أوّلاً وقبل كلّ شيء على ما ترسّخ في الذّاكرة وليس بالضّرورة هو تمثّل للمعطى أيْ الدّال على النّحو الّذي أراده الباثّ، وإنّما هو إنشاء لمجموعة من الاحتمالات الممكنة للمعطى، فالمُتقبل (محمّد) لحظة تلقّيه للدّال (اللفظ) يقوم بإعادة بنائه باختيار مدلولات معيّنة دون أخرى، على أنّ هذه المدلولات ليست بالضّرورة المدلولات نفسها الّتي قصد إليها الباثّ (الله)، ذلك أنّ الكلام في أبسط تعريفاته فعل ذاتيّ[20] يعتمد فيه المُتكلّم اللّغة المُتواضع عليها للتّعبير عن مشاعره ومواقفه وآرائه على النّحو الّذي يريده.
إنّ هذه المعطيات تجعلنا نتساءل: كيف تمّ التّواصل بين الله والنّبي محمّد وهما المختلفان في الصّفة والجوهر والطّبيعة والقدرات التّعبيريّة والتّبليغيّة؟ بمعنى أوضح كيف للإنسان نبيّاً كان أم مفسّراً أم ... أنْ يدرك معاني "كلام الله" دون أنْ يجعله امتداداً لمعان ودلالات ذاتيّة تعكس قدراته على الفهم من جهة، وتصوّراته لماهية الأشياء والوجود من جهة أخرى؟
إنّه لمن الصّعب الإقرار ـ بأيّة حال من الأحوال ـ بإمكانيّة إدراك الإنسان لمعاني "كلام الله"، بل حتّى وإنْ سلّمنا بقدرة النّبي على إدراك معاني "كلام الله" فأنّى له أنْ يُبلّغ ما وعاه، فاللّغة بما هي مخزون جماعيّ لا تقول شيئاً واحداً من خلال الدّالّ الواحد، بل هي تقول أشياء عديدة في الآن نفسه، ذلك أنّ البشر لا يستطيعون التّفكير خارج اللّغة.
ب: علاقة الوحي بالمرسل إليه (قوم محمـّد)
إنّ "كلام الله" ـ شأنه شأن أيّ كلام ـ يفقد شفافيّته شيئاً فشيئاً كلمّا تعدّدت طرق نقله وتكاثرت قنواته وتنوّعت، فيصبح كلاماً ملفوفاً بحجب كثيرة تجعل منه كلاماً قابلاً لأكثر من تفسير وتأويل، ذلك أنّ "التّنزيل" و"التّبليغ" مرحلتان يتمّ فيهما إعادة تشكيل معاني "كلام الله" وفق قدرة كلّ طرف من الأطراف المساهمة في الفعل التّواصليّ على الفهم والتّبليغ.
"كلام الله" ليس حدثاً دينيّاً يصل بين عالمين فحسب، وإنّما هو أيضاً فعل تواصليّ تتوفر فيه جميع مقوّمات التّواصـل وشروطـه (المُرسِل، الإرساليّة، القناة، المُتلقّي، ..) وداخل هذا الفعل التّواصليّ يتمّ بناء الدّلالات وإدراك ماهيّتها[21].
الله ـ وفق التّصوّر الإسلاميّ ـ أوحى إلى محمّد عبر ملاك اسمه جبريل نهض بدور الوسيط الّذي أَمَّنَ الاتّصال بين الله والرّسول، وقد ترتّب على ذلك وجود أربعة أطراف شاركت في "حدث الوحي"، وهي المُرسِلُ الله (المُوحِي/المُنَزِّلُ) والمُرسَلُ (المُنَزَّلُ/جبريل) والرّسول محمّد[22] (المُوحى إليه/المُنَزَّلُ عليه) والمرسل إليه عامة النّاس (المُنزّل لأجله)، والغاية من "نزول الوحي" هداية النّاس إلى الصّراط المستقيم، ولا يتسنّى ذلك لمحمّد ما لم يكن "الوحي" قادراً على استمالة المُخاطَبِين والتّأثير فيهم، وذلك بأنْ يكون خطاباً مفهوماً لديهم باعتماد دوالّ مألوفة في حيواتهم (عرب الجاهليّة).
إنّ العلاقة الرّابطة بين الأطراف المشاركة في "حدث الوحي" نهضت بدور مهمّ في تحديد دلالاته، فـ"لا سبيل البتّة للعقل البشريّ أنْ يتوسّط بين الخطاب الإلهيّ والخطابات البشريّة [لاحظ صيغة الجمع] دون أنْ يَضَعَ الأوّل في السّياقات الدّلاليّة والقوانين البلاغيّة والوسائل الاستنباطيّة والمبادئ المنطقيّة الّتي تتّصف بها الثانيّة"[23].
معنى ذلك أنّ "كلام الله" بنى معانيه من داخل المنظومة البشريّة المـُتقبّلة له، أيْ أنّ الله لحظة الوحي راعى السّياقات الدّلاليّة البشريّة وطرق إنتاجها لمدلولات الدّال[24].
ج: الوحي من الشفوي (القرآن الكريم) إلى المكتوب (المصحف)
دُوّن "الوحي الإلهي" في فترة متأخّرة (العقد الثّالث من الهجرة)[25] من الإسلام، وقد سبق ظهور "المصحف الإمام"[26] محاولات عديدة لتدوين بعض آي "القرآن الكريم" على الرّقاع وعسيب النّخيل....
على أنّ تدوين المسلمين للوحي الإلهي لم يطل جميع الأجزاء بل تعلّق ببعضه، وتعود أسباب ذلك عند أغلب الدّارسين إلى بدائيّة الأدوات المستعملة في الكتابة، وتردّي الخطّ (الرّسم) العربي[27] وعُجمة الحروف[28].
على أنّ للمسألة - في تقديرنا - سبباً آخر يتمثّل في وعي العرب بالفروق القائمة بين الشّفويّ والمكتوب، ففي الكتابة لا نهتمّ "بالمُتكلم من حيث هيأته وصوته وحركاته وإشاراته"[29]، وهي أركان رئيسة يرفد منها المعنى وتساهم في تحقيق التّواصل بين المُرسِل والمرسَل إليه، ففي المشافهة يكون المـُستمع عنصراً فاعلاً يتلقّى الرّسالة باعتماد أكثر من حاسة (السّمع، البصر) تساعده على تبيّن دلالات الرّسالة[30].
إنّنا نذهب هذا المذهب بالنّظر إلى أنّ العديد من النّصوص أشارت إلى معرفة العرب للكتابة منذ الجاهلية وعهد الرّسول والخلفاء الرّاشدين[31].
إنّ الانتقال من وضع المشافهة إلى الكتابة مهمّ جدّا "من حيث المعنى ومن حيث إنتاج المعنى وتلقِّيه، [.. فـ] هنالك جانب مهمّ في أيّ خطاب وهو جانب التلقّي، [فـ] نحن لا نعرف كيف استقبل الصّحابة النّطق بالقرآن لأوّل مرّة من قبل النّبي [...فحركة اليد والوجه...] حاملة لمعان لا يمكن أنْ تنقل كلّها"[32].
ويبدو أنّ القدامى كانوا على وعي تام بهذه المسألة، وآية ذلك أنّهم حاولوا من خلال قواعد التّجويد والضّبط والتّلاوة والتّرتيل مثل الوقف (الوقف اللازم، الوقف الممنوع، الوقف الجائز، ....) والتّفخيم والتّرقيق والمدّ والقصر والإدغام والإظهار والإخفاء والإبدال[33] المحافظة على البعد الشّفويّ لـ"الوحي الإلهي"، ذلك أنّ المشافهة أقدر من الكتابة على ملامسة معاني "كلام الله".
خاتمة
عالجنا في مقالنا إشكاليّة التّواصل بين عالم الغيب وعالم الشّهادة في تصوّر القدامى، فانطلقنا من "حدث الوحي" باعتباره حدثاً تواصليّاً قام بين الله والنّبي، وهو تصوّر دفعنا إلى السّؤال عن كيفية تعقّل الثّاني لمعاني الأوّل، والحال أنّ الثّقافة العربيّة الإسلاميّة خصّت الأوّل بالكمال ووسمت الثّاني بالنّقصان.
وقد حاولنا الإلمام بأبعاد هذه المسألة بالنّظر في بعدين هما: "مفهوم الوحي ومراحله" من جهة، و"دور النّبي وقومه" في تحديد معاني "كلام الله" من جهة أخرى.
وفي ما يتّصل بهذين البعدين انتهينا إلى أنّ الانتقال من مرحلة "التّنزيل" (القرآن الكريم) إلى مرحلة "التّدوين" (المصحف) هو انتقال من وضع يحاول فيه المتلقي استعادة "طريقة النّبي في الإلقاء [إلى وضع] لا يمكن أنْ تعاد"[34] فيه تلك الطّريقة، مما يجعل من الإحاطة بمعاني "كلام الله" أمراً محالاً، وهو ما أشار إليه الرّسول بقوله "يُحْشَرُ الْقُرْآنُ يَومَ الْقِيَامَةِ بِكْرًا"، وذهب عليّ بن أبي طالب (تـ 40 هـ/ 663 م) المذهب نفسه لمّا وصف الوحي بأنّه نصّ "حمّال أوجه"[35] و"خطّ مسطور بين الدّفتين لا ينطق بلسان [...] وإنّما تنطق عنه الرّجال."[36]
من هذا المنظور فإنّ الإنسان/ المتلقّي هو منْ يُؤسس معاني "كلام الله"، وذلك بوضعه ضمن سياقات دلاليّة بشريّة لحظة تأمّله ومحاولة فهمه، وما يترتّب على ذلك من إحداث تبدّلات وتغيّرات[37].
إنّ انفتاح "كلام الله" على وجوه التّأويل العديدة دالّ على أنّ "الوحي" كلام بشري في مستوى فهمه وتعقُّله، ذلك أنّ مدلول الرّسالة الإلهيّة يُحدّد وفقاً للمنظومة الثّقافيّة الّتي نشأ فيها محمّد.
وبناء على ذلك ذهبنا إلى القول إنّ الوحي لا يستمدّ مدلولاته إلاّ في إطار ثقافة المتلقي وواقعه، فهو عندما يتلقّى الوحي يعيد تشكيل دلالات "كلام الله" وفق تجربته الذّاتية وقدراته التعبيرية.
لم يكن الدّين الجديد (الإسلام) قطعاً تاماً مع الموجود (دين قريش)، فاعتماد الوحي الإسلامي النّظام اللّغوي الجاهلي طريقة للتّواصل أمر وطّد أركان الخطاب الإلهي في الفضاء الثّقافي الجاهلي، وهو ما قادنا إلى استنتاج أنّ الرّسالة الإلهيّة تتحدّد دلالاتها وفق المنظومة الّتي عاش فيها النّبي.
إنّ اعتبار الوحي خطاباً منطوقاً بلّغه الرّسول محمّد إلى أصحابه وقومه مشافهة لا يعني بالضّرورة أنّ دوره اقتصر على التّبليغ (نقل كلام الله إلى بني قومه)، فالرّسول لم ينهض بدور الوسيط بين الله والعباد فحسب، وإنّما كان أيضاً بتفاعله مع الوحي الإلهي قد ساعد أصحابه على ملامسة دائرة المعاني الممكنة لـ"كلام الله"، فطريقة النّبي في التّبليغ من شأنها أنْ تدفع بمتلقّي "الوحي" نحو فهم معين، هو امتداد لفهم المُبَلِّغ (محمّد) بشكل من الأشكال.
قائمة المصادر والمراجع المعتمدة في البحث
ـ أركون (محمد): نقد قضايا العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة، ط 1، بيروت، لبنان، 1998
ـ محمّد أركون في حوار أجراه معه الناصر الغيلاني، مجلة نزوى، سلطنة عمان، عـــ 26 ــدد، أبريل 2001
ـ الجابري (محمّد عابد): مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، بيروت لبنان، 2006
ـ دي سوسير (فردينان): دروس في الألسنية العامة، تعريب صالح القرمادي ومحمّد الشاوش ومحمّد عجينة، الدار العربية للكتاب، طرابلس- ليبيا/ تونس تونس، 1985
ـ السّجستانيّ (أبو بكر عبد الله) (تـ 316 هـ/929 م): كتاب المصاحف، تحقيق آرثر جفري Arthur Jeffery، دار الكتاب اللّبنانيّ، ط 1، بيروت لبنان.
ـ السعيد (لبيب): المجمع الصوتي الأول للقرآن، ط 2، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1978
ـ السيوطي (جلال الدين): الإتقان في علوم القرآن، دار التراث، ط 3، القاهرة مصر، 1985
ـ الشرفي (عبد المجيد): تنزيل القرآن الكريم وتأويله، تعريب حسناء التواتي، الحياة الثقافية، عــ 56 ــدد، 1990
ـ الزركشي (بدر الدين): البرهان في علوم القرآن، حقّقه محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث بالقاهرة مصر، (د ت).
ـ ابن أبي طالب (علي): نهج البلاغة، تقديم محمّد عبده، مراجعة وتحقيق علي أحمد حمّود، المكتبة العصرية، صيدا لبنان، 2005
- القرآن الكريم "مصحف الجمهورية التونسية"، برواية قالون عن نافع دار سيراس للنشر والطباعة، تونس، 1999
ـ ابن مجاهد (أحمد بن موسى) (ت 324 هـ/937 م): السّبعة في القراءات، تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، ط 2، القاهرة مصر، (د ت)، ص 25، ص 43، ص 47
ـ المسعودي (حمّادي): الوحي من التّنزيل إلى التّدوين، دار سحر وكلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان، ط 1، سلسلة بحوث جامعيّة، تونس 2005
ـ ابن منظور (جمال الدين): لسان العرب، دار صادر، ط 1، بيروت لبنان، 1997
ـ ابن هشام (عبد الملك): السّيرة النّبويّة، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، 1987
- Buyssens (Eric): Les langages et le discours, Essai de linguistique Fonctionnelle dans le cadre de la sémiologie, Bruxelles, 1943.
- Jakobson(Roman) (1982): Essais de linguistique générale, de Minuit, 1963.
- Paul (Zumthor): essai de poétique médiévale, Ed du seuil, Paris, 1972.
[1]- نشر هذا المقال في مجلة يتفكرون عدد 4
[2]ـ راجع التفاسير التي تعلقت بقوله تعالى في سورة الكهف 18/ 109 "قُل لَو كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا".
[3]ـ إن نظريات التواصل تتجاذبها علوم عديدة منها علم النّفس الإدراكيّ وعلم الاجتماع واللّسانيّات بمختلف مسالكها وفروعها.
[4]- Buyssens(Eric): Les langages et le discours ;Essai de linguistique Fonctionnelle dans le cadre de la sémiologie, Bruxelles, 1943.
[5]ـ يـُعتبر أغلب مُنظري هذا التوجّه من أصحاب الاتجاه الأنجلو سكسوني، ومن أبرزهم جون قامبرس John Jumpers الذي بيّن دور الأعمال غير اللغوية (غير المنطوقة) في عملية التواصل.
[6]ـ يُعدّ الألماني زيغفريت شميت Siegfried Schmidt أبرز رواد هذا التوجّه ومُنظريه.
[7]- Jakobson(Roman) (1982): Essais de linguistique générale, de Minuit, 1963.
[8]- ذكر ابن منظور (جمال الدين): لسان العرب، دار صادر، ط 1، بيروت لبنان، 1997، مادة (و، ص، ل)، "وَصَلَ الشَّيْءَ وَصْلاً وَصِلَةً وَالْوَصْلُ ضِدَّ الـْهِجْرَانِ (ابن سيده الأندلسي) وَالْوَصْلُ خِلاَفُ الْفَصْلِ [....] وَالتَّوَاصُلُ ضِدَّ التَّصَارُمِ".
[9]ـ نشير إلى أنّ المقاربات المعاصرة تفطّنت للدور المهم الذي تنهض به هذه العناصر، فهي عند بعض الدارسين لغة لها مقوماتها وآلياتها التي بها تنتج دلالاتها، راجع في ما يتصل بهذه المسألة:
Paul (Zumthor): essai de poétique médiévale, Editions du seuil, Paris, 1972.
[10]ـ اُنظر سورة النساء 4/163 وسورة المائدة 5/111
[11]ـ اُنظر سورة آل عمران 3/44 وسورة الأعراف 7/ 203 وسورة هود 11/49 وسورة يوسف 12/102 وسورة سبأ 34/51
[12]ـ اُنظر سورة الشورى 42/51 وسورة طه 20/114
[13]- راجع الجابري (محمّد عابد): مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، بيروت لبنان، 2006، ص 112 وص 113
[14]ـ نشير في ما يتعلق بهذه المسألة إلى أنّ قريشاً نعتت الرسول بالساحر وبالكاهن وبالشاعر وبالمجنون (على صلة بالجنّ) راجع سورة الحجر 15/6 وسورة الصافات37/36 وسورة الطور 52/31
[15]ـ اُنظر سورة النّجم 53/2-18
[16]ـ راجع الزركشي (بدر الدين): البرهان في علوم القرآن، حقّقه محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث بالقاهرة مصر، (د ت)، مج 1، ص 229، وراجع السيوطي (جلال الدين): الإتقان في علوم القرآن، دار التراث، ط 3، القاهرة مصر، 1985، ج 1، ص 43
[17]ـ راجع الزركشي (بدر الدين): البرهان في علوم القرآن، (سبق ذكره)، مج 1، ص 229
[18]ـ المصدر نفسه، مج 1، ص 9
[19]ـ راجع الزركشي (بدر الدين): البرهان في علوم القرآن، (سبق ذكره)، مج 1، ص 29
[20]- راجع دي سوسير (فردينان): دروس في الألسنية العامة، تعريب صالح القرمادي ومحمّد الشاوش ومحمّد عجينة، الدار العربية للكتاب، طرابلس- ليبيا/ تونس، 1985
[21] ـ يُعدّ زيغفريد شميث أهم من تناول هذه المسألة حسب عِلْمِنَا، وذلك ضمن توجهه "اللساني التواصلي".
[22]ـ نشير إلى أنّ محمّداً نهض بدورين مختلفين، فهو المرسل إليه لحظة تلقّيه الوحي عن جبريل، وهو مُرسل/ رسول لحظة تبليغه الوحي لعامة الناس.
[23]ـ راجع أركون(محمد): نقد قضايا العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة، ط 1، بيروت لبنان 1998، ص 9
[24]ـ نشير في ما يتصل بهذه المسألة إلى قضية "الأحرف السبعة" التي تناولها الزركشي بالتفصيل في البرهان في علوم القرآن، (سبق ذكره)، في فصل "معرفة على كم لغة نزل"، من ص 211 إلى ص 228
ويبدو من الضّروريّ في هذا المقام الإشارة إلى تمييز القدامى بين علم القراءة وعلم الرّواية من جهة، وتمييزهم بين القراءة والحرف من جهة أخرى، وللمزيد من التوسع يمكن الرجوع إلى ابن مجاهد (أحمد بن موسى) (ت 324 هـ/937 م): السّبعة في القراءات، تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، ط 2، القاهرة مصر، (د ت)، ص 25، ص 43، ص 47، ص 93
[25]ـ لقد تحدّث القدامى على مراحل عديدة مرّ بها تدوين "الوحي" بدءاً من الرسول وأبي بكر الصديق فعثمان بن عفّان وصولاً إلى الحجّاج بن يوسف.
[26]ـ لم يكن جمع الوحي وتدوينه بالمسألة السهلة، وذلك بالنظر إلى اختلاف المصاحف، راجع في ذلك السّجستانيّ (أبا بكر عبد الله) (تـ 316 هـ/929 م): كتاب المصاحف، تحقيق آثر جفريArthur Jeffery، دار الكتاب اللّبنانيّ، ط 1، بيروت لبنان، (د ت) "قصّة مصحف ابن مسعود (تـ 32هـ/ 654م)" من ص 54 إلى ص 82
[27]ـ راجع الشرفي (عبد المجيد): تنزيل القرآن الكريم وتأويله، تعريب حسناء التواتي، الحياة الثقافية، عدد56، 1990، ص 25
[28]- راجع السّجستانيّ (أبا بكر عبد الله): كتاب المصاحف، (سبق ذكره)، ص 111 الذي ذكر بعض الصعوبات المتعلّقة بهذه المسألة منها غياب علامات الإعراب ووضع النقاط على الحروف.
[29]- اُنظر المسعودي (حمّادي): الوحي من التّنزيل إلى التّدوين، دار سحر وكلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان، ط 1، سلسلة بحوث جامعيّة، تونس 2005، ص 17
[30] Paul(Zumthor): essai de poétique médiévale, (op cit), p 43.
[31]- راجع ما ذكره ابن هشام(عبد الملك): السّيرة النّبويّة، ط، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 198، ج 1، ص 370، ص 371، ص 372
[32]ـ راجع محمّد أركون في حوار أجراه معه الناصر الغيلاني، مجلة نزوى، سلطنة عمان، عـــ 26 دد، أبريل 2001، ص 168
[33]ـ راجع السعيد (لبيب): المجمع الصوتي الأول للقرآن، ط 2، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1978، ص 111
[34]ـ راجع محمّد أركون في الحوار الذي أجراه معه الناصر الغيلاني، (سبق ذكره)، ص 168
[35]ـ جعل أبو الدرداء- وهو أحد الصحابة- تعدد وجوه صرف اللفظ القرآني شرطاً من شروط التفقّه في القرآن الكريم بقوله "لا تفقّه حتّى ترى للقرآن وجوها".
[36]ـ راجع ابن أبي طالب (علي): نهج البلاغة، تقديم محمّد عبده، مراجعة وتحقيق علي أحمد حمّود، المكتبة العصرية، صيدا لبنان، 2005، ج 2، ص 187
[37]ـ لا نعني بالتغيير والتّبدل ما يمكن أنْ يعرفه الحرف من تحوّل، بل نقصد به ما يعتري فهم كل طرف من انزياح عن فهم الّذي قبله.