الوعي العلمي وزحزحة الدوغمائية الاعتقادية (قراءة في خطاب طه حسين النقدي)
فئة : مقالات
الوعي العلمي وزحزحة الدوغمائية الاعتقادية
(قراءة في خطاب طه حسين النقدي)
منذ قرابة قرن حينما نشر طه حسين كتابه الجريء (في الشعر الجاهلي) (1926 م) كان الفكر العربي أمام مفترق طرق: إمَّا أن يتخذ المنحى العلمي المنهجي في مساءلة معتقداته وموروثه، وإمَّا أن يستمرّ في اجترار أوهامه وجهالاته الراسخة، فكانت الغلبة للثاني، فبقي إزاء ذلك المشروع التنويري العلمي إمكانيَّة مهدورة غير متحققة.
وإذا كان من بداهات البحث العلمي والاشتراطات اللازمة له فصل الاعتقادي عن العلمي، فإنَّ هذه البداهة ظلّت غائبة أو مغيَّبة، فبدلاً من مُساءَلة الاعتقادي، ظلَّ الاعتقاديُّ راسخاً ومتحكماً، وعلى ضوء ذلك تأتي ضرورة مساءَلة الاعتقادي ونقده وتجاوزه مهما علا شأنه (اجتماعياً)؛ فالأوّل لا يمكن أن يكون معياراً للثاني، فحينما نجعل من الاعتقادي معياراً للعلمي بدلاً من أن يكون العلمي معياراً للحكم على الاعتقادي، فإننا نفرِّغ البحثَ العلميَّ من علميته، ليغدو أقرب إلى لاهوت دفاعي أو في أحسن الأحوال تلفيق وترقيع عقائدي.
وانطلاقاً من هذا التأسيس التصوري ينبني البحث على رصد العلاقة بين الخطاب العلمي والاعتقادي وموقع كلٍّ منهما من المنظومة السائدة والمهيمنة متخذين من خطاب طه حسين أنموذجاً تفسيرياً لتشخيص هذه العلاقة بأبعادها المعرفية والاجتماعية والسياسية؛ إذ يؤسس البحث افتراضه على أن مشروع طه حسين يمثّل خطاباً معرفياً ذا طبيعة اجتماعية، ومن هذا التأسيس كان اشتغال البحث على رصد التعالقات المعرفية بالسياقات الاجتماعية السياسية الحاملة لها.
- الحقيقة بين الإلزام الاجتماعي والمساءلة العلمية:
من مسعى تشخيص واقع البحث العلمي العربي ومآلاته، لا بدَّ لنا أن نمايز بين نمطين من إنتاج الحقيقة؛ إذ ثمة حقيقةٌ اجتماعيَّةٌ راسخةٌ بالإجماع، حيث تفرض سيادتها على أنماط إنتاج المعرفة وآلياتها وحدودها؛ فالحقيقة الاجتماعية هي الحقيقة التي جرى تمثُّلها اجتماعياً، وإعادة إنتاجها مؤسساتياً لغاية تخدم الفئات المهيمنة في المجتمع، ويمكن أن نمثِّل لها: بالحقائق الإيديولوجية التي تفرضها المنظومات السياسية المهيمنة، أو الاعتقادات الدينية الراسخة في مجتمع ما، أو التصورات العرقية أو التحيزات الجندرية وغيرها مما يدخل في باب الإجماع والقسر الاجتماعي، وعلى الطرف الآخر، فإنَّ الحقيقة العلميَّة هي المعرفة المنهجية، وقوامها الشك المنهجي، سواء من مبدأ التحقُّق (حسب التوجه التجريبي الوضعي) أم التكذيب (حسب مبدأ كارل بوبر)؛ فالمعرفة العلمية تكمن في قابليتها للبرهنة (الإثبات أو التكذيب)، فهي معرفة نقدية في وعيها لذاتها، والنقد يضمن انفتاحها وتعددها وتطورها، حيث يمكن الحديث عن تاريخية العلم بوصفها تاريخية أخطاء العلم حسب تعبير (غاستون باشلار)[1].
فالحقيقة الاجتماعية بذلك هي أقرب إلى مفهوم الإيديولوجيا: المعرفة الزائفة التي تخدم فئة معينة من المجتمع وتعكس مصالحه[2]، غير أنَّ افتراض الوعي الزائف في الحقيقة الاجتماعية لا يلغي أهميتها في إنتاج خطاب الحقيقة أو فاعليتها الاجتماعية؛ فالحقيقة كما يحيلنا ميشيل فوكو هي خطاب؛ أي جملة القواعد المنظمة التي تخضع لقوانين ناظمة ومتحكمة في حقبة تاريخية معينة.
- الدين بوصفه معياراً لخطاب الحقيقة:
إذا كانت الحضارة الإسلاميَّة ترتكز على محوريَّة (النص الديني)، فإن الحقيقة ضمن هذا السياق التاريخي لا تكتسب مشروعيتها في ذاتها أو برهانها إلا في مدى قربها أو بعدها عن تلك الحقيقة؛ فالنصُّ الديني بوصفه حقيقة اعتقادية راسخة اجتماعياً ليس حقيقة فحسب، بل هو معيار الحقيقة أو حقيقة الحقيقة، وشرطها اللازم وافتراضها الملازم، ولو عدنا إلى أبي حامد الغزالي في إحياء علوم الدين، فإننا نجده يؤسس خطابه على افتراض بداهي يرى فيه أن: "شرف العلوم من شرف المعلوم"، ولأن معرفة الله هي الأشرف، فإن العلوم الدينية هي الأقوم، وبها تُقاس مشروعية العلم، فكلُّ علمٍ هو وسيلة لغاية دينية، وما يخرج عن ذلك مذموم، لذلك كان تصنيفه للعلوم إما محمودة، وإما مذمومة، وإما مباحة[3]، وهي تصنيفات تُقاس بها العلوم على الفقه، فتُحدَّد المعرفة مفهوماً ومنطوقاً بالفقه، مما يجعل الغاية الدينية تحكم الغاية المعرفية وتؤطرها، ولا استقلالية للمعرفة العلمية عن الدينية، "فكل علم لا يؤدي إلى معرفة الباري جل جلاله فهو عديم الجدوى والفائدة، وقليل النفع والعائدة"[4].
ومن سياق هذا التداخل المعرفي بين الاعتقادي والعلمي، نلحظ التداخل المعجمي بين لفظتي العلم والمعرفة المختصة بالدين، فليس العلم في السياق التداولي العربي القديم دالاً على العلم بقوانين الطبيعة، بل مؤطَّراً بالمحدِّد الديني ووظيفته مرهونة به، فالعلم هنا بمعناه الديني "الحديث وما يتصل به من تفسير وفقه ... والعلوم المساعدة مثل علم اللغة والمغازي وأيام الناس"[5]. والعالم بذلك هو المُحدِّث والفقيه، والمُفسِّر. ضمن هذا التشخيص يغدو خطاب الحقيقة مستوعباً في الخطاب الديني ومختزلاً فيها، وإزاء ذلك لن تكون المعرفة مُساءَلةً نقديةٍ للاعتقادي، بل تفسيراً (علم التفسير) أو تبريراً (علم الكلام) أو إثباتاً وتقريظاً (علوم البلاغة الإعجاز).
وبينما أخذت العلوم ومناهجها تتشكّل ضمن مسار التطور الغربي ابتداء من عصر النهضة والإصلاح الديني ومروراً باللحظة الديكارتية الشكيَّة والمساءلة العقلية الاسبينوزية، ثم مع تشكل العلوم الفيلولوجية القائمة على التحقيق التاريخي بدلاً من التسليم الاعتقادي الإيماني، وليس انتهاءً بتوظيف العلوم الإنسانية المعاصرة في تحليل وتفسير وتأويل المقدس، فبينما أخذت تتشكّل هذه المعارف وتتراكم غربياً، ظلَّ الفكر العربي الإسلامي غارقاً في سباته الدوغمائي جاعلاً من المعرفة الدينية مقياساً للحقيقة، ولعلَّ هذا ما مهّد وساعد الحركات الإسلامية السياسة المعاصرة على التلاعب بالخطاب الديني وتجييشه وفق مصالحها السياسة، فغياب الوعي النقدي في التراث الإسلامي أدّى إلى تضخم الخطاب الإيديولوجي السياسي فيه، وعلى هذا النحو الذي أكده محمد أركون، فإن التراث الإسلامي لم يتعرض بعد لعملية النقد التاريخي، لذا هو قابل لأن يستخدم في سبيل العنف بكل سهولة. هذا في حين أنه يصعب على المجتمعات الأوربية المُعلمَنة أن تستخدم الدين المسيحي من أجل الحث على العنف وتبريره؛ فمادام الفكر الإسلامي لم يتعرض بعد للنقد العلمي، فلا حل له، ولا خلاص[6]. فالمشكلة داخلية أولاً والمرض مزمن داخلي على عكس ما يتوهم الأيديولوجيون العرب والأصوليون الإسلامويون في آن معاً.
ولو استعرنا عبارة كانط، فإن مجيء عصر النهضة العربية قد أيقظ الفكر العربي/الإسلامي من سباته الدوغمائي، فبدأنا نشهد مساءلات عدّة؛ إذ تشكّل خطابٌ تحرريٌّ متعددُ المواقع، ولعلّنا نمثّله بثلاثة كتب تأسيسية: تحرير المرأة لـ (قاسم أمين) 1889، والإسلام وأصول الحكم لـ (علي عبد الرازق) 1925، والشعر الجاهلي لـ (طه حسين) 1926، فمع تعدد واختلاف هذه الأطروحات، فإنها تعبّر عن تحولٍ عميق في الفكر والواقع العربيين إثر صعود الحركة التحررية الليبرالية؛ إذ لم يكن كتاب (في الشعر الجاهلي) مجرد صوت منفرد، بل كان صوتاً في مجموعة أصوات، وضمن تيار ليبرالي-تنويري عام، ومن هذا السياق كلي تتموضع المعركة التي أثيرت حول كتاب (في الشعر الجاهلي) بوصفها مُعبِّرةً عن حركة الفكر العربي، ومثالاً دالاً على التغيرات التي طرأت على المجتمع العربي معرفياً وسياسياً ومؤسساتياً.
- الوعي العلمي وزحزحة الدوغمائية الدينية:
إنَّ أهمية كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) وخطورته تتجاوز - فيما نذهب إليه- القضية الأدبية والنقدية التي أثارها، فهو إنْ ذهب للقول: "الكثرة المطلقة مما نسميه الشعر الجاهلي ليست من الشعر الجاهلي في شيء"[7]، فإنَّ هذا الافتراض ليس بالجديد على الفكر والنقد العربيين، فقد سبق إليه ابن سلام الجمحي (757-845) منذ قرون في كتابه (طبقات فحول الشعراء)، فما أثاره كتاب طه حسين يتجاوز موضوعه، وأهميته تكمن في التأسيس لعلمانية البحث العلمي في قضايا التراث والفكر الديني، وهو بذلك يعدُّ نقطةً بارزةً في مسار الفكر العربي، فمع كتاب (في الشعر الجاهلي) وبعد قرون من رسوخ الاعتقادي وهيمنته على العلمي نكون أمام مسارين فكريين: الأول فكر علمي نقدي منهجي، يسائِلُ الاعتقادي شكاً وتحليلاً ونقداً وتقييماً، فلا يسلّم إلا بما يقوده الفكر العلمي البرهاني من دلائل، ومسارٍ آخر يجعل من الاعتقادي دليلَ ذاته، فيسلّم به اعتقاداً لا برهاناً.
وعلى هذا النحو، فإن الغاية المعرفيَّة التي ينطلق منها طه حسين هي تمييز الخطاب العلمي من الخطاب الاعتقادي، وتحديد الصلة بينهما، فالعلمي مجاله الشك، وهو خاضع للتطوير والبحث المستمرين، ووسيلته المنهج العلمي، وغايته اليقين البرهاني، في حين أنَّ الخطاب الاعتقادي: مجاله التسليم، وهو خاضع لمبدأ سكوني لا تطوري، وغايته إيمانية تسليمية؛ فالفرق بينهما، "هو فرق بين مذهب الإيمان الذي يبعث على الاطمئنان والرضا، والشك الذي يبعث على القلق والاضطراب"[8]، في المذهب الاعتقادي نسلّم بما هو راسخ ومتوارث عن الأجداد، فـ "يدع كل شيء حيث تركه القدماء، لا يناله بتغيير ولا تبديل (...)، أما المذهب الثاني فينقلب العلم القديم رأساً على عقب"[9].
ومن هذا السياق المعرفي الشكي، فإنَّ الحقائق الدينية ليست ملزمة للخطاب العلمي، بل متمايزة عنه، فلا يلزم عن القصّ الديني التسليم به على أنه حقيقة موضوعية تاريخية لا تقبل الشك أو النكران، فإذا كانت التوراة تحدثنا عن إبراهيم أو إسماعيل، والقرآن أيضاً يحدثنا عنهما أيضاً، فإن ورودهما في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي. فمساءلة الاعتقادي إذن تشترط التحرر منه، وأوّل شروط هذا التحرر الأخذ بالمبدأ الديكارتي: "أن يتجرّد الباحث من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلواً تاما"[10]، ومن الواضح أن نزعة طه حسين هنا مغرقة بالوضعية أو العلموية، فافتراض التحرر الكلي من الشرط التاريخي أو الاجتماعي لاستدعاء التراث أمرٌ لا يمكن التسليم به في المنهجيات المعاصرة (التأويليات /الهرمينوطيقيا)، غير أن المسعى الدال لطه حسين في هذه العبارة الديكارتية هو قلب المنظومة الراسخة في المعرفة السائدة من افتراض هيمنة الاعتقادي على العلمي.
- في الشعر الجاهلي من الجامعة إلى البرلمان والقضاء:
إذا سلّمنا بالعلاقة بين خطاب المعرفة والسلطة، فإنَّ السلطة بدورها منشبكة ومتعالقة بالمؤسسة، فكلُّ معرفة خاضعةٌ لشروط الخطاب وقواعد الممارسة المؤسساتية، وعلى هذا نحو فإن خرق قواعد إنتاج الخطاب السلطوي سيواجه بقمع مؤسساتيٍّ، وعلى ضوء هذه الترابطات تُفسَّر قضايا التفكير المتواترة في الفكر العربي من تفكير شيخ الأزهر (محمد عبده) مروراً بـ (محمد أحمد خلف الله)، وليس انتهاءً بـ (نصر حامد أبو زيد).
وإذا كان طه حسين قد شكّل انقلاباً نوعياً على المستوى الخطابي في تراتبية العلاقة بين الاعتقادي والعلمي، فانزاح عن قواعد إنتاج الحقيقة في المنظومة المعرفية المهيمنة، فإنَّ هذا الانقلاب سيواجه على المستوى الواقعي قمعاً مؤسساتياً موازياً ومضاداً، إذ نُقلِت المعركة الفكرية إلى البرلمان ومجلس الوزراء، ومن ثم إلى القضاء، وكان حامل هذا القمع مؤسسة (الأزهر) إلى جانب القوى المحافظة برلمانياً، فانتقل النقد من حيز الخطاب المعرفي إلى حيز الصراع الجنائي القضائي والصراع البرلماني السياسي، وقد استمرَّ قضائياً من عام (1926) إلى عام (1932).
تحوّل الصراع الفكري إلى قضية جنائية تَرأَسها مؤسسة الأزهر عندما كلّف شيخ الأزهر ورئيس المعاهد الدينية لجنة من علماء الأزهر في فحص الكتاب ووضع تقرير عنه سنة (1344/شوال 26)، والواضح من تقرير اللجنة أنها حرّفت القضية المعرفية المنهجية من حيزها العلمي إلى حيز التكفير، فلم تقرأ خطاب طه حسين بدلالته المعرفية، بل قرأته بمنظورية اعتقادية، فصدّرت اللجنة توصياتها بضرورة مكافحة "الروح الإلحادية في التعليم، واقتلاع هذا الشر من أصله، وتطهر دور التعليم من (اللا دينية) التي يعمل بعض الأفراد على نشرها بتدبير وأحكام تحت ستار حرية الرأي" (المجلة المنار، ج2/130، مايو 1923). هنا تغيب لغة النقد المعرفي لتحضر لغة الاتهام والتكفير العقائدي، ومن هذا السياق الاتهامي انتقلت القضية إلى أروقة المحاكم حينما رفع (خليل حسنين) الطالب بالقسم العالي بالأزهر لنائب العمومي قضيةً يتهم فيها طه حسين أنَّه ألَّف كتاباً في الطعن الصريح في الدين الإسلامي، وهو ادّعاء قاصر ومبني على فهم مغلوط، فهو غياب وعي التمايز بين حدود الخطاب الديني والعلمي.
وإذا وسّعنا دائرة الصراع الإيديولوجي، فإنَّه يمكن القول: الصراع الذي أثاره طه حسين في الشعر الجاهلي يتجاوز صاحبه ويتجه صوب المؤسسة (الجامعية) التي ينتمي إليها، فالمعركة الفكرية التي أثارها الكتاب تشخّص "مسألة دخول الجامعة كمؤسسة تعليمية حديثة إلى الجهاز الثقافي العربي"[11]، وفي سياق ذلك نلحظ في بيان الأزهر التركيز النقد على المؤسسة التي مكّنت طه حسين من إنتاج خطابٍ منزاح عن شروط وقواعد إنتاج الخطاب الأزهري، ونجد أيضاً الدعاوي المتواترة بضرورة فصل طه حسين من عمله المؤسساتي بصفته مدرساً جامعياً.
وليس مستغرباً من هذا السياق أن تتزامن المساءلة البرلمانية لميزانية الجامعة مع المساءلة الفكرية لكتاب طه حسين وتكفيره من القوى المحافظة في البرلمان (عبد الخالق عطية، القاياتاي)، فطه حسين حسب زعمهم "وهو ابن الجامعة البكر التي كانت تنفق عليه من مال الأمة وما كان يظن أبداً أن يقابل هذا الإحسان بالعقوق"[12]. من هنا كان اقتراح بعض قوى البرلمان:
1- مصادرة كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي.
2- تكليف النيابة العامة بدعوى قضائية ضد طه حسين.
3- إلغاء وظيفته الجامعية.
الإلغاء هنا يتجاوز فكر طه حسين إلى الموقع المؤسساتي الذي يشغله، بل إلى المؤسسة ذاتها، وقد جاءت هذه الإدانة من موقع إدراك أن (الأزهر) الممثَّل للمؤسسة الدينية التقليدية لم يعد محتكراً لسلطة الخطاب الديني، إذ أصبحت الجامعة مزاحمة له، فلها خطابها ونظامها المؤسساتي الخاص.
وإنْ صدر قرار النيابة بتربئة طه حسين سنة (1927) جنائياً من تهمة الإساءة، فإنَّ التبرئة التاريخيَّة والفكريَّة ماتزال عالقة، وهي على ذمة التاريخ، فالمأساة التي واجهها طه حسين نجد صداها قديماً مع ابن رشد وحاضراً مع نصر حامد أبو زيد وآخرين.
كلُّ هذا يؤكد أن رهانات العلمنة ماتزال راهنة، وأنَّ الكفاح التنويري مازال طويلاً وشائكاً. فإذا كان الشك المنهجي الديكارتي قد أيقظ العقل الأوروبي من سباته العقائدي، فإنَّ الشك المنهجي العربي بقي إمكانيَّة مهدورة في السياق العربي، فلا نعجب بعد قرن من الزمن من واقع مؤسساتنا العلمية وأفرادها، فهم جزءٌ من هذا الفشل، وامتدادٌ عميقٌ له.
فهرست المصادر والمراجع:
- أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، (بيروت: دار القلم، الجزء الأول،دون تاريخ).
- أبو حامد الغزالي، معارج القدس، (بيروت: دار القلم، 1998).
- طه حسين، في الشعر الجاهلي، (بغداد: دار المدى، 2001).
- عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجيا، (بيروت: دار التنوير، 1983).
- محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي الإسلامي (جيل مسكويه والتوحيدي)، ترجمة هاشم صالح، (بيروت: دار الساقي، 1997).
- محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006).
- محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم (العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي)، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006).
- محمد كامل الخطيب، القديم والجديد، (دمشق: وزارة الثقافة، 1989).
[1] محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم (العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي)، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006). ص: 48
[2] عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجيا، (بيروت: دار التنوير، 1983). ص: 34
[3] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، (بيروت: دار القلم، الجزء الأول، دون تاريخ). ص: 34
[4] أبو حامد الغزالي، معارج القدس، (بيروت: دار القلم، 1998). ص: 163
[5] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006). ص: 64
[6] محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي الإسلامي (جيل مسكويه والتوحيدي)، ترجمة هاشم صالح، (بيروت: دار الساقي، 1997). ص: 34
[7] طه حسين، في الشعر الجاهلي، (بغداد: دار المدى، 2001). ص: 17
[8] طه حسين، المصدر السابق. ص: 17
[9] طه حسين، المصدر السابق. ص: 18
[10] طه حسين، المصدر السابق. ص: 19
[11] محمد كامل الخطيب، القديم والجديد، (دمشق: وزارة الثقافة، 1989). ص: 16
[12] نقلاً عن: محمد كامل الخطيب، المرجع السابق. ص: 144