الوقاية من الجهاد النِّسْوِي (féminin): صراع نَسَوي (féministe)
فئة : مقالات
أكيد أن الجهاد الإرهابي، ذلك الوجه السائد اليوم للتطرف العنيف، نتاج لعولمة الاعتقاد والفعل، وهي عولمة تيسرها فعالية الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي في نشر وهيمنة إسلام واحد ومبسط، وفي الاستقطاب والتعبئة والتجنيد. لكن رغم طابعه المعولم، يرتبط الجهاد بعوامل خاصة مثل المنطقة (الغرب، العالم العربي، جنوب الصحراء...) والجندر (النوع الاجتماعي). وفعلا، تقع بعض النساء في التطرف العنيف، حيث يشكلن حوالي 10٪ إلى 15٪ من مجموع الجهاديين. إنهن نساء يقطعن كل الروابط مع مجموعاتهن الأصلية، مع الأسرة، مع المجتمع ومع الدولة، بل ومع النظم القيمية الأصلية؛ وذلك من أجل الدفاع عن كيان إسلامي يطبق الشريعة تطبيقا تنفيذيا حرفيا لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتشددة. والمثير للانتباه هو أن النساء من بين ضحايا الجهادية، وهن بالخصوص ضحايا إرهابه الجنسي وكل أشكال العنف القائم على الجندر. فالجهادية أقصى (وأقسى) تعبير عن تقديس إسلامي للأبيسية (patriarcat).
من ثمة الأسئلة التالية: ما هي العوامل التي تدفع بعض النساء إلى الوقوع في التطرف العنيف والالتحاق بصفوف الجهاد الإرهابي؟ كيف تتأثر تلك العوامل بالأصل الجغرافي ـ الثقافي؟ ما هي الاختلافات بين الجهاديات المنحدرات من جنوب الصحراء، من المغرب العربي ومن الغرب؟ كيف تعبر تلك الاختلافات عن نفسها على مستوى عوامل الاستقطاب، وعلى مستوى الأدوار ثم على مستوى السياسات العمومية من أجل الوقاية من خطر الوقوع في التطرف العنيف؟ كيف القضاء على العمى الجندري الذي يكمن في عدم الوعي بضرورة إشراك النساء في الوقاية من التطرف؟ كيف يمكن التخلص من الاستلاب النِّسْوي الجهادي دون نَسَوية مدافعة عن المساواة في الحقوق بين النساء والرجال؛ أي دون مساواة جندرية.
عوامل الوقوع في التطرف العنيف
هناك عوامل مشتركة تدفع الرجال والنساء معا إلى التطرف العنيف من بينها الفقر، الأمية، البطالة، فشل الحكامة، الإقصاء والشعور بالحرمان، وهي كلها عوامل تنفر من المجتمع الأصلي، لأنها تشكل مميزاته الهيكلية. في مقابلها توجد عوامل مغرية تجلب الشخص للالتحاق بالتطرف العنيف، وهي أيضا مشتركة بين الجنسين؛ أي غير مُجَنْدَرة، على رأسها مكافحة الظلم الدولي الذي يتعرض إليه الإسلام والمسلمون، ، الشعور بهوية إسلامية فخورة، الفرصة للتكفير عن الذنوب، التحول من اللاوجود إلى البطولة، التجربة الرومانسية التي تنقد من الروتين والعبث، الحصول على راتب وعلى سكن، الحصول على شركاء جنسيين شرعيين، وجود قياديين كارزميين.
هناك عوامل مشتركة تدفع الرجال والنساء معا إلى التطرف العنيف من بينها الفقر، الأمية، البطالة، فشل الحكامة، الإقصاء والشعور بالحرمان
العوامل المنفرة الخاصة بالنساء
في صفوف جهاديات جنوب الصحراء يعم شعور بالأمن، حيث يتم تعنيف النساء من طرف جانحين، بل ومن طرف قوات الأمن نفسها، وهو العامل المؤدي بهن إلى الاحتماء بالمنظمات الجهادية التي تدعي تمكينهن من حقوقهن الشرعية ومن مكانة اجتماعية مرموقة من خلال إسنادهن أدوارا "نبيلة": مساندة معنوية للمجاهدين، أمومة، تكثير نسل المجهادين، تربية ناشئة جهادية، نقل السلاح بين الخلايا الجهادية، المشاركة في تنفيذ العمليات الإرهابية...
وتشترك الجهاديات المغاربيات وجنوب الصحراء في عامل منفر يكمن في الحدود المفروضة على تحركات المرأة وعلى استقلاليتها. ففي مجتمعاتهن، لا تتمكن المرأة من اتخاذ قرارات تخصها دون مراجعة الأب أو الزوج. وبالتالي تشكل الهجرة إلى التنظيم الجهادي قرارا فرديا يوقع قطيعة تحررية من قبضة وهيمنة رجال العائلة أو القبيلة، وهي بنى أولية لم تخترها المرأة. أما التنظيم الجهادي، فبنية ثانية يتم اختيارها بقرار. بالإضافة إلى ذلك العامل، تعاني النساء المغاربيات وجنوب الصحراء من خرق حقوقهن باستمرار ومن عدم المساواة في ولوج المحاكم.
أما بالنسبة إلى المرأة الغربية المعتنفة للإسلام، فإن العيش في مجتمع غير إسلامي لا يلزمها بواجباتها الشرعية (طاعة الزوج مثلا) ولا يمكنها من حقوقها الشرعية (النفقة) عامل أساسي ينفرها من ذلك المجتمع ويحثها على القطيعة وعلى الهجرة.
العوامل الجلابة الخاصة بالنساء
يكمن العامل الخاص بالجهاديات جنوب الصحراء في ضرورة الالتحاق برجالهن: أزواج أو آباء التحقوا أو ماتوا من أجل "بوكو حرام"، خصوصا ضمن "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد". ومن جهتها تعمل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على تطوير مفهوم "الأخوة النِّسْوية" التي تأمر النساء بمساندة أزواجهن وبتشجيعهن في مهامهم الجهادية. فبعض العبارات، مثل "الأخت الثمينة" و"أختي العزيزة" و"الأخت في الإسلام" تستعمل قصد خلق شعور بالانتماء وبضرورة التضامن النِّسْوي مع الرجال. وهو ما يجلب النساء ويقنعهن بالالتزام الجهادي عن طواعية.
من جهتهن، وفي إطار اعتناق إسلام وهابي راديكالي معولم، تشعر بعض النساء الغربيات بجاذبية كبيرة تجاه الرجال الجهاديين. فالعنف المرتبط بصورة الجهادي يحوله في نظرها إلى رجل حقيقي، إلى رجل فحل شجاع لا يخاف الموت، إلى رجل جاد وصادق يلبي حاجتها النفسية إلى سلطة تأمرها وتوجهها، وهي سلطة مفقودة في مجتمعها الأصلي. إلى جانب ذلك الرجل، تحقق الفتاة الغربية نفسها كمسلمة؛ أي كامرأة راضية ومستريحة. بناء هذه الصورة المثالية عن الرجل الجهادي (بفضل الدعاية الداعشية) عامل أساسي في اعتناق التطرف الجهادي من طرف الفتاة الغربية، وفي قبولها الخضوع الكلي والمطلق للرجل، عملا بمفهوم الطاعة للزوج كأحد واجبات المسلمة. في ذلك الخضوع، الجنسي أيضا، تكتشف تلك الفتاة معنى للحياة، وهو معنى مقدس يجعل من اللامساواة بين الجنسين شيئا طبيعيا وعاديا، بل شيئا طيبا يمكن المرأة من المكوث في البيت دون أن تكون مكلفة بكسب لقمة العيش، ساهرة فقط على راحة الزوج وعلى إنجاب أطفال وعلى تربيتهم تربية إسلامية جهادية. من خلال هذا الاختيار، يتبين أن أولئك الفتيات الغربيات يقعن في ضرب من الردة ضد النَّسَوِية المساواتية، وأنهن لا يعين مخاطر تلك الردة. إن العودة إلى الاستلاب النِّسْوي الأبيسي يبين مدى فعالية وقوة النداء الداعشي الموجه إلى الفتاة الغربية للدفاع عن إسلام مستضعف من خلال خدمة جهاديين "أبطال استشهاديين".
أما بالنسبة إلى الجهاديات المغاربيات، وخصوصا التونسيات منهن، فقد شكل "جهاد النكاح" سلاحا رمزيا قويا لجلبهن إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام". إنه سلاح استغل البؤس الجنسي الذي تعانين منه في المجتمع الأصلي. فلا هن يستطعن الزواج لأسباب اقتصادية اجتماعية، ولا هن قادرات على حياة جنسية قبل زوجية مُرْضية، ولا هن مجبرات بصرامة على إمساك جنسي حقيقي. وبالتالي تشكل الهجرة إلى الدولة الإسلامية فرصة مثلى لإرواء العطش الجنسي بشكل شرعي. وهن ينحدرن في معظم الحالات من أحياء شعبية هامشية في المدن الكبرى، ويستقطبن من طرف جمعيات شبه خيرية إسلاموية.
تشكل الهجرة إلى الدولة الإسلامية فرصة مثلى لإرواء العطش الجنسي بشكل شرعي
النَّسَوية، تطرف ـ مضاد، استراتيجي
كيف يمكن إشراك النساء في الوقاية من الوقوع في الجهاد الإرهابي؟ واضح أن النساء قابلات للمشاركة في مواجهة التطرف العنيف، لأنهن مستهدفات من طرف الجهاد الإرهابي الذي ينفي حقوقهن (في المساواة) ويشرعن كل أشكال العنف ضدهن في الفضاءين الخاص والعام ويهدد صحتهن وحياتهن. إن الجهاد الإرهابي مسؤول عن خطف واسترقاق واغتصاب وقتل النساء. وهو بالتالي يعوق كل برامج التنمية القائمة على عدم التمييز الجندري. رغم كل ذلك، لا ينبغي أن تكون مشاركة النساء في مواجهة التطرف العنيف جزءا من استراتيجيات مواجهة التطرف العنيف، وإنما بعدا أساسيا في أجندة مدنية استراتيجية للسلام. بتعبير آخر، يشكل حق النساء في المساواة والحرية والأمن والسلام هدفا في ذاته ولذاته، مستقلا عن مواجهة التطرف العنيف. لذلك السبب، يشكل تحقيقه أرضية موضوعية مستقلة تؤهل النساء لمقاومة خطر التطرف وخطر الانزلاق فيه وإليه. إن النَّسَوية في ذاتها جهادية مضادة وإرهاب مضاد لمجرد كونها دفاعا عن المساواة، عن امرأة غير تابعة وغير خاضعة للرجل. من ثم حتمية العمل مع الجمعيات النَّسَوية ودعم تلك الجمعيات من أجل بلورة برامج مستقلة عن الشبكة المضادة للإرهاب وخارج كل سيرورة عسكرية.
أيضا، لا بد من إنتاج فقه نَسَوي جديد بفضل اجتهاد جديد انطلاقا من قواعد اجتهاد جديدة من أجل تخطيء شامل للخطاب الجهادي القائل بالعنف وبدونية المرأة. ففي إطار مغالبة "علماء" التطرف المشرعن للعنف باسم آيات وأحاديث معينة، يقوم علماء الإسلام الوسطي المعتدل باتهامهم بعدم فهم النصوص المقدسة وبتأويلها تأويلا خاطئا وبتوظيفها في غير محلها، أي دون الأخذ بعين الاعتبار أسباب نزولها وخصوصية تلك الأسباب. بعبارة أخرى، يرى أولئك العلماء الوسطيين أن "جهاد الطلب" الهادف إلى أسلمة غير المسلمين بالقوة أصبح عبثا في الظرف التاريخي الراهن، وأن "جهاد الدفع" القاصد رد الاعتداء على الإسلام والمسلمين من مهام حكام المسلمين وليس مهمة تنظيمات سرية غير قانونية. لكن اجتهاد العلماء الوسطيين لا يطبق نفس المقاربة التاريخية على النصوص المقدَّسة والمقدِّسة لقوامة الرجل ودرجته الأعلى، فهم يستمرون في اعتبار تلك النصوص صالحة لكل زمان ومكان؛ وذلك تناقض بين الأخذ بخصوصية السبب في تأويل النصوص الجهادية وبين الأخذ بعموم اللفظ في تأويل النصوص القائمة على النوع الاجتماعي (التمييزية). إن تبني المقاربة السياقية للنصوص المقدسة لعامل رئيس في إقامة المساواة الجندرية، وهو ما يسهم، باسم الإسلام، في وقاية المرأة المسلمة من الوقوع في التطرف العنيف.