تحيز المفاهيم والمصطلحات: من أجل بديل اجتهادي تطبيقي جديد
فئة : أبحاث محكمة
تحيز المفاهيم والمصطلحات: من أجل بديل اجتهادي تطبيقي جديد
(طه عبد الرحمن أنموذجًا)
لم يمنع دوران مقولة "لا مشاحة في الاصطلاح"([1]) على ألسن عموم المؤلفين المجتهدين من تخصيص مباحث في كتبهم لتحديد المفهوم ومعالجة المصطلح قبل طرق الموضوعات([2])؛ فابن حزم (ت456 هـ) مثلاً، قدم لكتابه "الإحكام في أصول الأحكام" بمبحث عن الألفاظ الدائرة بين أهل النظر، تناول فيه ما يزيد على ثمانين مصطلحًا أصوليًا؛ كالرسم، والحد، والاعتقاد، والبرهان، والدليل، والحجة، والدال، والاستدلال، والدلالة، والإقناع، والشغب، والتقليد، والإلهام، والنبوة، والصدق، والباطل، والنص، والتأويل، والعموم، والغرض، والجدل، والجدال، والاجتهاد، والرأي، والعناد، ودليل الخطاب، واللغة، والخلاف، والإشارة، والمجاز([3])...الخ. أما أبو الوليد الباجي (ت474 هـ)، فقد حدد في مقدمة كتابه "المنهاج في ترتيب الحجاج"، مدلولات سبع وثمانين مصطلحًا من الألفاظ الدائرة بين المتناظرين؛ كالحد، والعلم، والعلم الضروري، والعلم النظري، والجهل، والشك، والظن، والسهو، والعقل، والفقه، والجدل، والنظر، والاستدلال، والبيان، والنص، والظاهر، والعموم، والمجمل، والمفسَّر، والمحكم، ودليل الخطاب، ولحن الخطاب، وفحوى الخطاب، والحقيقة، والمجاز... وغيرها([4]). وتعبر هذه المجهودات الاصطلاحية عن مؤشرات الوعي المنهجي العميق عند أولئك المؤلفين، وحرصهم على تفادي اختلاط المفاهيم والمصطلحات والارتباك، بل والتحيز والانتقاء في حصر المدلولات. أما في الفلسفة الحديثة، فقد اعتنى المجتهدون بالمفاهيم والمصطلحات إلى درجة أصبحت فيها تلك المفاهيم تقترن أسماؤها بأسماء واضعيها، فيقال جوهر أرسطو، وكوجيطو ديكارت، والجزء الذي لا يتجزأ لـ"ليبنس"، وشرط الإمكان لكانط، وقوة "شيلينغ"، وديمومة "برغسون".([5])
* محمد همام باحث من المغرب
للاطلاع على البحث كاملا المرجو ضغط هنا
([1]) مقتضى هذه المقولة أن المعاني لما كانت تدرك في استقلال عن الألفاظ، فلا ضير أن تتوارد عليها مصطلحات متعددة ومتفاوتة في مدلولاتها اللغوية متى حصل إدراك هذه المعاني على الوجه الذي ينبغي (ينظر: فقه الفلسفة: 2ـ القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل: 231-232. وينظر: «في فقه المصطلح الفلسفي»، طه عبد الرحمن، مجلة المناظرة، السنة الرابعة، العدد السادس، رجب 1414 هـ/ دجنبر 1993 م: 74. وينظر حول هذه المقولة: «من بنود الاصطلاح في التراث الإسلامي»، محمد إقبال عروي، مجلة آفاق الثقافة والتراث، السنة السادسة، العددان 22-23، جمادى الآخرة 1419 هـ/ أكتوبر 1998 م: 19-20)
([2]) ينظر مجهود بعض الأصوليين في الاصطلاح بعامة في: مدخل إلى علم الاصطلاح، إدريس نقوري، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1997 م: 32-35، و: «عناية الأصوليين بالمصطلح»، عبد الرحمن الزخنيني، ضمن: الدراسات المصطلحية والعلوم الإسلامية: 2/ 445-455. وعن دراستهم لبعض المصطلحات بالتحديد دراسة معجمية وسياقية ودلالية ينظر: «مصطلح اللفظ عند الأصوليين»، عبد الحميد العلمي، ضمن: الدراسات المصطلحية والعلوم الإسلامية: 2/ 505-517. وينظر أيضا اهتمام إمام الحرمين الجويني بالبحث الاصطلاحي في "كافيته" في: نظرات في المصطلح والمنهج، الشاهد البوشيخي، الطبعة الأولى، جمادى الأولى 1423 هـ/ غشت 2002 م: 32-51. وينظر: «مبحث الحد عند الأصوليين، مظاهر النقلة المفهومية وآثار النقلة المصطلحية»، إدريس الفاسي الفهري، مجلة دراسات مصطلحية، فاس، العدد الأول، 1422 هـ/ 2001 م: 29-51
([3]) ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت: 1/ 37-50
([4]) ينظر: المنهاج في ترتيب الحجاج، أبو الوليد الباجي، تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1987 م: 10-14
([5]) ينظر: فقه الفلسفة: 2ـ القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل: 376