تعقيبات على كتاب: "القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة"
فئة : مقالات
ثمة حِمل زائد في كتاب (القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة)* لـ "حازم سليمان الحلي"؛ فالفهارس المُلحقة بالكتاب[1] (الكتاب الفعلي لا تتجاوز عدد صفحاته الـ 63 صفحة)، تُشعر المرء بأنه إزاءَ شروحات وتفصيلات وتعقيبات على (شاهنامة) الفردوسي الطويلة! أو أن الكاتب بصدد تحقيق كتاب من كتب التراث، كبيرة الحجم.
يبتدئ الكاتب مُؤلَّفَهُ بمقدمةٍ يُوضّح فيها أن ثمة اختلافا بين النحاة والمستشرقين في موضوع (القراءات)، لذا يأتي تأليفه لكتابه لتبيان موقف المستشرقين والنحاة من هذه القضية المهمة، مارًّا على ذكر أبرز المؤلفات في موضوعة القراءات، مشيراً إلى الثروة الثقافية التي تتضمنها موضوعة كموضوعة القراءات القرآنية.
أما الفصل الأول والموسوم بــــ (نشأة القراءات)؛ فقد ابتدأه بتعريف لعلم القراءات على النحو التالي:
"علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة، ولا بدّ فيها من التلقي والمشافهة، لأن في القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة".[2]
وقد نشأ الاختلاف في القراءات نظرًا لنزول القرآن بلهجة قريش، مما أشْكَلَ ذلك على سائر القبائل. وثمة روايات –بحسب الكاتب- تشير إلى قراءة الصحابة للقرآن قراءات مختلفة مع إقرار من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، "إلا أن هذه الروايات –يتابع الكاتب- بمجموعها يشوبها الغموض، فلم يتبين لنا بجلاء نص الآية التي اختلف في قراءاتها، ولا نوع الخلاف في قراءاتها، حتى رجحوا أن الخلاف بين القارئين لم يكن يعدو تلك النواحي الصوتية التي تفرّق بين اللهجات في النطق وطريقة الأداء، غير أننا نجد بعض المختلفين في القراءة من قبيلة واحدة، كالخلاف بين عمر بن الخطاب، وهشام بن حكيم بن حزام".[3]
أما أوجه الاختلاف في القراءات؛ فقد حصرها الكاتب -بعد أن استقاها من عدّة مراجع- بالآتي:
1.الاختلاف في حركات الكلمة أو في إعرابها، من غير تغيير معنى الكلمة وصورتها، نحو: {إِنْ يمسّكم قرح}، بضم القاف وفتحها.
2.الاختلاف في الحركات مع تغيير المعنى، لا الصورة، نحو: {وادَّكَرَ بعد أُمَّةٍ} بضم الهمزة وتشديد الميم.
3.الاختلاف في حروف الكلمة وتغيير المعنى مع بقاء الصورة، نحو قوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} قُرِئ "نُنشِزُها" بالزّاي المعجمة، وقُرِئ "نَنْشُزَها" بالرَّاء المهملة.
4.الاختلاف في الحروف بما يغيّر الصورة ولا يغيّر المعنى، نحو: {كالعهن المنفوش}، حيث قُرِئ كالصّوف المنفوش.
5.الاختلاف في الحروف بما يغيّر المعنى والصورة، نحو قوله تعالى: {وطلح منضود}، حيث قُرِئ ولطعٌ منضود.
6.الاختلاف في التقديم والتأخير، نحو قوله تعالى: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، حيث قُرِئ فيها: "وجاءت سكرة الحقِّ بالموت".
7.الاختلاف في الزيادة والنقصان، نحو: {وما عملته أيديهم}، فقد قُرِئ: "وما عَمِلَتْ أيديهم".
أما عن الأسباب التي أدَّت إلى اختلاف القراءات، فقد أجملها الكاتب في عدة نقاط، أبرزها:
1.اختلاف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
2.اختلاف تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لقراءة المسلمين.
3.اختلاف النزول.
4.اختلاف الرواية عن الصحابة.
5.اختلاف اللهجات.
6.عدم نقط المصاحف الأئمة التي وجّهها عثمان إلى الأقطار، وعدم شكلها.
وبناءً على هذه الأسباب، فقد تعدّد القرَّاء؛ فهناك القرَّاء السبعة الذين اختارهم ابن مجاهد، وغيرهم، حتى يصل العدد إلى 14 قارئًا.
أما الفصل الثاني، فقد خصّصه الكاتب للمستشرقين وموقفهم من القراءات القرآنية، مشيرًا إلى أنه يتوجب أخذ آراء المستشرقين من مسألة القراءات بنوعٍ من الحذر، لعدم تمكنهم ابتداءً من اللغة العربية وعلومها. فقد حاول البعض منهم "التدليل على أن الاختلاف في القراءات القرآنية، إنما كان عن هوًى من القُرَّاء، لا عن توثيق ودراية".[4]
وهنا عمد الكاتب إلى تفنيد آراء المستشرقين، مستحضراً آراء باحثين ودارسين سبقوه في تناول موضوعة القراءات القرآنية.
ثم ينتقل الكاتب –في الفصل الثالث- إلى تبيان وجهة نظر النحاة من مسألة القراءات القرآنية. وهنا يشير إلى أن "النحاة لم يختلفوا حول النص القرآني، لأنه أوثق النصوص العربية وأرقاها، غير أنهم اختلفوا واشتجرت آراؤهم في القراءات بين راغبٍ فيها يقبلها ويحتج بها، وراغبٍ عنها يرفضها، وإن كانت من القراءات السبع، متعصّبٍ للقاعدة التي قعَّدها؛ فإن اختلفت القراءة مع القاعدة، وصف القراءة بالقبح أو الخطأ أو الضعف أو اللحن أو الشذوذ". (ص34) مستعرضاً بعضاً من الأمثلة التي اختلف فيها البصريون (= أتباع مدرسة البصرة) عن الكوفيين (= أتباع مدرسة الكوفة).
وبذلك، اختلف النحاة العرب فيما بينهم، فيما يتعلق بمسألة القراءات القرآنية، فأولى أن يحدث اختلاف بين النحاة والمستشرقين.
*كتاب (القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة)، من تأليف الدكتور حازم سليمان الحلي، وصادر عن منشورات الجمل، بيروت- بغداد، ط1، 2014
[1]- أشيرُ هَهُنا إلى أن هناك ستة فهارس فنية مُلحقة بالكتاب: واحد للآيات، وثان للأحاديث، وثالث للشعر والرجز، ورابع للأعلام، وخامس للبلدان، وسادس للمصادر.
[2]- الحلي، حازم سليمان، القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة، منشورات الجمل، بيروت-بغداد، ط1، 2014، ص 9
[3]- المرجع السابق، ص 11
[4]- المرجع السابق، ص 25