تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

فئة :  قراءات في كتب

تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

أندرو دسلر وإدوارد أ. بارسون

ترجمة عبد المقصود عبد الكريم

يعالج الكتاب مشكلة في غاية الأهمية، وهي تعني كل الناس على الأرض، كما تعني مختلف الكائنات، لسبب واحد وهو شرط الحياة والبقاء على قيدها، تصور معي بلدا ينفذ فيه الماء بشكل كامل لزمن طويل بفعل ارتفاع الحرارة إلى درجة غير طبيعية، ويقل فيه الهواء النقي للتنفس... الحل الوحيد الذي أمام أهل هذا البلد هو الهجرة إلى بلد آخر، لنتصور الجزء الكبير من الكرة الأرضية أصبح على هذه الحالة التي يستحيل العيش معها، فما هو الحل إذن؟ إذ ليس هناك كوكب آخر دون الأرض، لنعيش فيه. ومن البديهي أن تحتل قضية المناخ اليوم قضية كبرى، تناقش في مختلف أوراق المنظمات الدولية عبر العالم، على رأسها الأمم المتحدة.

فالمناخ إذن هو الشرط الأول في العيش على الأرض المُنَاخُ هو متوسط حالات الطقس على المدى الطويل، ويُحتسب عادةً على مدى 30 عاماً. من متغيرات علم الأرصاد الجوية التي تُقاس بشكل عام: درجة الحرارة ورطوبة الهواء والضغط الجوي والرياح والهطول المطري. بمعنى أوسع، المناخ هو حالة مكونات النظام المناخي، والتي تشمل المحيطات والجليد على الأرض.

التفكير في "المناخ مهم بالنسبة إلى القرارات طويلة المدى. إذا كنت تدير مرفقًا كهربيًّا، فعليك أن تهتم بالمناخ؛ لأنه لو ارتفع متوسط درجة حرارة الصيف، يشغل الناس المكيفات أكثر وقد تحتاج إلى بناء المزيد من المولدات لتلبية الاحتياجات الكهربية المطردة. وإذا كنت مسؤولًا في مدينة، فسوف تهتم بالمناخ لأن إمدادات المياه في المدن تأتي عادة من الخزانات التي تغذيها الأمطار أو الثلوج. التغير في متوسط درجة الحرارة أو توقيت سقوط الأمطار أو كميتها، يمكن أن يغير إمدادات المياه أو الاحتياجات إليها. وإذا تغير المناخ، فقد تحتاج المدينة إلى توسيع القدرة على تخزين المياه أو نقلها، أو العثور على إمدادات جديدة، أو تطوير سياسات للحد من استخدام المياه في أزمنة الجفاف. في القسم [نماذج المناخ ونماذج الطقس] فيما يلي، نعود إلى الفرق بين الطقس والمناخ، في مناقشة الاختلافات في إمكانية التنبؤ على أساسها"[1]

يشير تغير المناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية، بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تعمل مثل غطاء ملفوف حول الأرض، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. تشمل غازات الدفيئة الرئيسة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تأتي هذه من استخدام البنزين لقيادة السيارة أو الفحم لتدفئة مبنى، على سبيل المثال. يمكن أن يؤدي تطهير الأراضي وقطع الغابات أيضًا إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. تعدّ عمليات الزراعة والنفط والغاز من المصادر الرئيسة لانبعاثات غاز الميثان. تعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين القطاعات الرئيسة المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.[2]

فصول الكتاب

تغير المناخ العالمي، من بين أبرز القضايا التي ظهرت في العقود القليلة الماضية، وهو الأكثر خطورة، والأكثر صعوبة في المعالجة. إنه الأكثر خطورةً نتيجة شدة الأضرار التي قد يجلبها. لا تزال الكثير من أوجه المجتمع الإنساني ورفاهيته - أين نعيش، كيف نبني، كيف نتحرك، كيف نكسب قوت يومنا، وما نفعله للاستجمام — تعتمد على مجال حميد وضيق نسبيًّا من ظروف المناخ، حتى لو تقلص هذا الاعتماد وصار مبهمًا في المجتمعات الصناعية الحديثة بثرائها، وبما تستخدمه من تكنولوجيا. ويمكن رؤية هذا الاعتماد على المناخ في الأضرار الاقتصادية والمعاناة الإنسانية؛ نتيجة تغيرات المناخ في القرن الأخير.[3]

مختلف هذه القضايا والإشكالات حول المناخ التي يتداخل بشأنها ما هو له علاقة بالعلم وما يصب في حقل السياسات الكبرى، لمختلف الدول الكبرى وسياساتها في الاقتصاد المعتمد على الطاقة والمحروقات، تمت معالجتها تحت العناوين التالية: تغير المناخ العالمي. العلم والسياسة والعلم في السياسة. تغير المناخ الناجم عن الإنسان. سياسة تغير المناخ. حالة سياسة المناخ ومسار إلى الأمام.

الإنتاج والمناخ

بالعودة إلى النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من القرن العشرين، من الصعب أن نجد من يتوقع أن الاعتماد على الفحم والنفط والغاز كمصدر أساسي للطاقة عبر العالم، بشكل متزايد، سيتسبب في وضع ينذر بمخاطر كبيرة في أواخر القرن العشرين، ترتبط بأزمة مناخ عالمية، وهي أزمة لا تستثني أحدا دون آخر، فهي تستهدف الكرة الأرضية بأكملها، نتيجة ما يُطلق في الغلاف الجوي سنويا من بلايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من جراء احتراق الفحم والنفط والغاز. المشكلة اليوم مشكلة مركبة فالحضارة الحديثة أقامت مجمل مصادر طاقتها من الوقود الأحفوري هو وقود يُستعمل لإنتاج الطاقة الأحفورية. ويستخرج من المواد الأحفورية كالفحم الحجري، الفحم، الغاز الطبيعي، ومن النفط.

فحرق الوقود الأحفوري للحصول على طاقة "أساسٌ أكثر أهميةً لاقتصاديات العالم، وأقل قابلية للإصلاحات التكنولوجية من أسباب المشاكل البيئية الأخرى. يقدم الوقود الحفري 80٪ تقريبًا من إمدادات الطاقة في العالم، ولا يوجد بديل حديث متاح يمكن أن يحل مكان مصدر الطاقة الهائلة بسرعة أو بتكلفة زهيدة؛ وبالتالي، يحمل تغير المناخ أخطارًا أعلى من القضايا البيئية الأخرى، على مستوى شدة الأضرار المحتملة، إذا استمرت التغيرات على حالها، وعلى مستوى التكلفة الظاهرة وصعوبة خفض التغيرات. بهذا المعنى، تغير المناخ هو الأول ضمن جيل جديد من المشاكل البيئية الصعبة التي سيواجهها المجتمع في هذا القرن، والنطاق المتزايد من أنشطة الإنسان يضغط على العمليات على نطاق الكوكب".[4]

فتغير المناخ؛ إذن طرح صعب، وقد تحول إلى مواجهة ومناظرة بين ذوي المصالح وبين من يفكر في مصير العالم؛ فكل المناظرات السياسية، هي بالأساس جدل حول الفعل كيف نستجيب لتغير المناخ؟ هل الأخطار التي يفرضها تستدعي فعلًا، وإذا كانت تستدعي، فأي جهد — وأموال — نبذلها وعلى أي نوع من الفعل؟ المناظرات يصحبها كثير من أنواع الجدل المختلف، عما إن كان المناخ يتغير وكيف، وإن كانت أنشطة الإنسان مسئولة، ومدى ما يحدث وما إن كان يمكن أن يعتبر طبيعيًّا، وكيف يمكن أن يتغير المناخ في المستقبل، وما التأثيرات المحتملة للتغيرات، وما إن كانت تستدعي الاهتمام، وملاءمة الاستجابات المختلفة ومزاياها وعيوبها. ورغم تميز هذه المناقشات، فهي حين تقدم في المناظرة السياسية تستخدم كلها لصناعة حالة لما ينبغي علينا القيام به ولما لا ينبغي. تهدف إلى إقناع الآخرين بدعم مسار معين للعمل.[5]

الكتاب الذي نحن بصدده يقربنا أكثر من مختلف تلك المناظرات السياسية، جول موضوع تغيير المناخ، فهو يفيد القارئ ويقربه من الموضوع، أكثر ما يفيد الخبير في الموضوع والمتخصص في أزمة المناخ، فالقارئ عليه أن "يفهم ما هو معروف عن تغير المناخ، وبأي درجةٍ من الثقة يُعرَف، لتطوير رأي مستنير عما ينبغي القيام به بشأن هذه القضية...في ضوء المعرفة الحالية".[6]

السؤال هنا كيف بالإمكان الانتقال إلى مجال الطاقة المتجددة (النظيمة)، وهو خيار بدأ العالم يتجه نحوه ولكن بشكل بطيء، الطاقة المتجددة هي طاقة ناتجة عن مصادر طبيعية تتجدد بمعدل يفوق ما يتم استهلاكه. من بينها، أشعة الشمس والرياح.

[1] أندرو دسلر وإدوارد أ. بارسون، تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة، ترجمة عبد المقصود عبد الكريم، مؤسسة هنداوي، ط.1، 2024م، ص.32

[2]موقع: الأمم المتحدة، ما هو تغير المناخ؟ https://www.un.org/ar/climatechange/what-is-climate-change

[3] أندرو دسلر وإدوارد أ. بارسون، تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة، ترجمة عبد المقصود عبد الكريم، مؤسسة هنداوي، ط.1، 2024م، ص.15

[4] نفسه، ص.17

[5] نفسه، ص.53

[6] نفسه، ص.22