تقديم الذات الإنسانية عند إرفنج جوفمان (ما بين الفن المسرحي ونظام التفاعل الاجتماعي) دراسة تحليلية - سوسيولوجية
فئة : مقالات
تقديم الذات الإنسانية عند إرفنج جوفمان
(ما بين الفن المسرحي ونظام التفاعل الاجتماعي)
دراسة تحليلية - سوسيولوجية
"يعتقد جوفمان أن كل واحد منا يلعب أدواراً متعددة في الحياة اليومية، كل دور له سيناريو خاص وأسلوب في الأداء، ونحن نبدل هذه الأدوار بناءً على المواقف التي نواجهها."
"الحياة الاجتماعية تشبه المسرح. الناس هم الممثلون، ونحن نمثل أدوارنا أمام جمهور يتوقع منا أداءً معيناً."
"إن فهمنا للذات هو بناء اجتماعي، نصنعه من خلال التفاعل مع الآخرين ومن خلال الأدوار التي نؤديها في المجتمع." في كل مرة نتفاعل فيها مع الآخرين، نحن نقدم صورة عن أنفسنا، ونسعى لجعل هذه الصورة مقبولة وملائمة للسياق الاجتماعي."
"في نهاية المطاف، الأداء الذي نقدمه ليس فقط لتحسين صورتنا أمام الآخرين، ولكن أيضاً لتعزيز شعورنا بالهوية والذات."
إرفنج جوفمان (تقديم الذات في الحياة اليومية عام 1956)
هذه الاقتباسات تعبر عن مفهوم "العرض الذاتي" الذي طورّه جوفمان، حيث يرى أن الأفراد في الحياة اليومية يقدمون أنفسهم كما لو كانوا على خشبة المسرح، يلعبون أدواراً تتناسب مع التوقعات الاجتماعية والثقافية المحيطة بهم.
"إن الحياة الاجتماعية مماثلة للحياة المسرحية تضم فرقاً منظمة لدعم التصور الذاتي؛ فمثلما يعمل الفريق المسرحي على التعاون لتحقيق إقناع الجمهور الذي يشاهد العرض المسرحي الذي يقدمه الفريق. ففي كل مواقف الحياة الاجتماعية، ومنظماتها، تستطيع أن تنظر إلى الأعضاء المشاركين في هذه المواقف بأنهم يشبهون الفريق، ويهدفون إلى تحقيق أهداف مماثلة لأهدافه ففريق العاملين في مستشفى - مثلاً - يحاولون إقناع المرضى بأنهم قادرون على خدمتهم طبّياً. وأن احتمالات الشفاء عالية في هذا المستشفى وهذا ينطق على مناحي أدوار والعلاقات الاجتماعية" (الكاتب).
يرى إرفنج جوفمان Erving Goffman (1922-1982)([1]) الكثير من القواسم المشتركة بين العروض المسرحية، وبين "الأدوار" التي نؤديها جميعاً في أفعالنا وتفاعلاتنا اليومية. يُنظر إلى التفاعل كشيء هش للغاية، وما يحافظ عليه هو الأداءات الاجتماعية والأداءات الضعيفة أو الخلل الوظيفي يُنظر إليها، بوصفها تهديداً كبيراً للتفاعل الاجتماعي، تماماً مثلما تكون تهديداً للعروض المسرحية.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد لدى جوفمان في تشبيهاته بين المسرح والتفاعل الاجتماعي. ففي كل تفاعل اجتماعي، هناك منطقة أمامية، تقابلها خشبة المسرح في العرض المسرحي. والممثلون على المسرح وفي الحياة الاجتماعية يُنظر إليهم بوصفهم مهتمين بالمظاهر، وارتداء الأزياء واستخدام معدات التمثيل. علاوة على ذلك، هناك منطقة خلفية، مكان يمكن للممثلين أن يلجؤوا إليه لإعداد أنفسهم للأداء. وفي عالم المسرح، تكون منطقة الكواليس التي يتخلص فيها الممثل من الأدوار التي يلعبها، ويكون على طبيعته.
يُعرف الفن المسرحي([2]) في قاموس وبستر بأنه "فن التأليف المسرحي والتمثيل المسرحي"، ويشير مفهوم الفن المسرحي بحسب دائرة المعارف البريطانية لأحد الفنون الدرامية التي تقوم على تقديم العروض بشكل حي ومباشر، حيث يسبق هذه العروض تخطيط وتنظيم دقيق جدّاً لإيجاد شعور متماسك ومهم للعمل المسرحي والدراما، حتى إن كلمة مسرح تعود في أصلها إلى اللسان اليوناني (باليونانية: theatron)، ويعتبر الفن المسرحي أحد الفنون الدرامية التي تؤثر على الجماهير بشكل كبير؛ وذلك لأنها تجمع ما بين التمثيل والغناء والرقص، ويستخدم الجمهور أثناء رؤيته للعمل المسرحي حواسه كالسمع والبصر وغيرها. لذلك، فهي تترك انطباعا وتأثيرا كبيرين على المتلقي؛ إذ إن لكل عمل مسرحي رسالة يسعى إلى إيصالها للجمهور. وفي أول أعماله وأكثرها توثيقاً "تقديم الذات في الحياة اليومية The Presentation of Self in Everyday Life" 1956([3]) يتناول جوفمان المفهوم السوسيولوجي المألوف؛ أي "الدور"، ويضعه في موضعه الأصلي على خشبة المسرح عن طريق إحلال تحليل السلوك الإنساني في المكان المسرحي، يتناول جوفمان الموقف المسرحي للفاعلين على خشبة المسرح، ويطبق هذا العمل من التمثيل المسرحي على الحياة اليومية للمرأة والرجل العاديين اللذين يتصرفون ضمن أدوارهم في العالم الحقيقي.
ينظر جوفمان إلى الطرائق التي يقدم الأفراد من خلالها أنفسهم في الحياة اليومية ونشاطاتهم الموجهة نحو الآخرين. وبشكل محدد، يركز على إدارة الانطباع؛ أي الطرائق التي يوجه الفرد من خلالها ويضبط الانطباعات التي يشكلها الآخرون عنه. ويستخدم جوفمان مفهومين آخرين من مفاهيم الفن المسرحي، وهما الواجهة والمناطق الخلفية. وتشير الواجهة Front- stage إلى "ذلك الجزء من أداء الفرد الذي يعمل بصورة منتظمة ضمن طريقة عامة وثابتة من أجل تعريف الموقف لأولئك اللذين يشاهدون الأداء".
تتضمن الواجهة المشهد المسرحي (الأثاث والموضوعات التي يزود بها المشهد وخشبة المسرح وكل ما يستعان به في الإخراج المسرحي). و"الواجهة الشخصية" التي تشير إلى موضوعات "الأدوات المعبرة" مثل: إشارات الوظيفة أو الرتبة، والملابس، والجنس، والسن، والخصائص العرقية، والحجم، والمظهر الشكلي، وأنماط الكلام، وتعبيرات الوجه، والإيماءات الجسدية.
ويؤكد جوفمان أن المعايير التي تجعل المرأة ملتزمة للأخذ بعين الاعتبار الأمور التي تشوش الواجهة الشخصية، وتحافظ عليها (اللباس والظهور) هي أكثر تقييداً للمرأة من الرجل. وبعد كل ذلك، يقول جوفمان: "بالنسبة للمرأة، أن تظهر في مناسبة عامة بثوب بال يمكن أن يؤخذ علامة على سهولة المنال والتحرر من الأخلاق".
اسأل نفسك على سبيل المثال، متى آخر مرة حملت فيها محفظة جلدية للأوراق والوثائق تحتاج لها لحمل كتبك، وربما استخدمتها كذلك لتشكل انطباعاً لدى الشخص الذي سيقابلك من أجل العمل، أو عميد الكلية، أو أيضاً أستاذك في علم الاجتماع، وربما نتذكر أيضاً في ذلك كيف أوضحت كل جملة بعناية، وكيف استخدمت جوانب أخرى من واجهتك الشخصية مثل، ملابسك، والمظهر الخارجي، وتعبيرات الوجه وإيماءات الجسد، لتقديم نفسك بأفضل صورة. ومن ثم، فإن منطقة الواجهة، تتضمن أي شخص يلاحظ من قبل الجمهور بينما يكون الفاعل على المنصة الأمامية (الواجهة) التي وجدت من أجل الأداء الناجح. إن منطقة الواجهة تمثل المكان الذي ينفذ فيه الفاعل النص الحرفي لإدارة الانطباع بجدية، وفي منطقة الواجهة يتجنب الفاعل أي شيء غير ملائم بالنسبة إلى النص.
إن مثل هذا السلوك يستحضر في الذهن متغيرات النمط عند بارسونز، حيث يقوم الفاعل بعناية باختيارات ملائمة. إن الفاعلين لدى جوفمان لا يرتجلون عندما يكونون على منصة الواجهة. ومن ثم، فإن ما يحصل في منطقة الواجهة هو محاولة للتلاعب بالجمهور. وتصف مقالة في الصحيفة اللندنية الاهتمام بالنظام ذي النص المكتوب في بيع السيارات والتلاعب كما يحدث في صناعة المركبات. توضح المقالة أن الباعة يتعلمون نصًّا ينبغي عليهم أن يتبعوه تماماً كما أن الفاعل يتعلم دوراً في عملية الأداء. أحد أفضل النصوص التي تم اقتباسها حمل عنوان "العب دور هاريس": (التحدث إلى الزبون) السيد هاريس على الهاتف ويريد أن يعلم ما إذا كانت السيارة قد تم بيعها، هل أقول له: نعم؟
إن أداء منطقة الواجهة في المثال المبين أعلاه يمكن أن يكون بشكل أفضل، إذا رنّ الهاتف في لحظة ممارسة الاستراتيجية (مدعم للأداء)، وإذا تم إيصال النص بنبرة صوت مقنعة، (واجهة شخصية)، ومن ثم فإن الواجهة سوف تتضمن فرصة أفضل لتعريف الموقف للزبون، والذي سوف يجيب بعد ذلك بسرعة، نعم.
وبالمقابل، فإن منطقة الخلفية Back Region تمثل المكان الذي يغلق ويحجب عن الجمهور، حيث تمارس طرائق إدارة الانطباع. الكثير من أشكال المساعدة تعطى للفاعلين في منطقة المنصة الخلفية، مثلاً، التكيف مع العادات والتلقين، كما أنها تمثل المكان الذي يكون فيه المؤدي متحرراً من القيود، وكما يوضح جوفمان: "إنه يستطيع أن ينزع واجهته، وأن يحضر نصه بصوت مرتفع، وأن ينزع شخصيته المسرحية". إن المنصة الخلفية هي المنطقة التي لا ينخرط فيها الفاعل في عملية إدارة الانطباع، حيث يستطيع أن يكون ذاته الحقيقية.
وفي دراسة حول التفاعل الاجتماعي([4]) في مكان الغسالة الكهربائية استخدمت كينين Kenen مفهوم جوفمان حول منطقة الواجهة لتحلل بعض النشاطات التي كانت تلاحظها. لقد وجدت أن الزبائن قد انخرطوا بالعمل سرّاً في وضع منصة الواجهة، حيث حاولوا إخفاء بعض الموضوعات التي كانوا يغسلونها، وكما توضحها "الوسائد الرقيقة القديمة، والملابس التحتية المثقوبة، والأثواب المبقعة، وحتى مصمم شراشف الأسرة يستطيع أن يكشف الكثير عن عادات المرء وأذواقه للغريب، وربما تتعارض مع عملية تقديم الذات المقصودة"، بينما تبدو أماكن الغسالات الكهربائية وأماكن بيع السيارات بعيدة عن المسرح، تذكر أن الفن المسرحي لدى جوفمان قد اهتم بحياة الرجال والنساء العاديين كما يمارسون أدوارهم اليومية على منصة الحياة.
وبجذب انتباهنا إلى منطقة المنصة الخلفية، يساعدنا جوفمان في فهم كل العمل الخفي المتضمن في تحقيق تقديم ناجح للذات علانية أمام الناس. لقد أظهر لنا كيف يتدبر الأفراد في دراما الحياة اليومية، ليبدو بشكل جيد عندما يقدمون أنفسهم للآخرين في البيت والمدرسة والعمل والجوار في أماكن تفاعلية أخرى قصيرة المدى.
في هذا السياق، يستخدم راندال كولينز Randall Collins([5]) المفاهيم المسرحية لدى جوفمان ليحلل السياسات التنظيمية، والتي تتضمن في المستويات المتدنية تقديم واجهة موحدة للمشرف، التظاهر بالخضوع لمطالب المشرف، بينما يتم إعطاء العمال فترة استراحة والتي من خلالها تتم السيطرة على سير العمل. تلك المواجهات مع السلطة تمثل المنصة الأمامية (الواجهة) والعمال لوحدهم يمثلون المنصة الخلفية، ينخرطون بمحادثة حول أشياء مثل، كيف تم استغفال الرئيس، وكيف أن عضو الفريق كشف سره، كما تم تبادل النكات والحكايات النادرة، وخلق ثقافة محادثة كلية لعالم المنصة الخلفية.
وهنا، فإن كولينز، عالم الاجتماع، يطبق بوعي أفكار جوفمان على البناء التنظيمي، لكن كيف تم استخدامها من قبل غير علماء الاجتماع؟ في مقال صحفي حول المقولات المسجلة للنشر وغير المسجلة للسياسيين (ليست للنشر)، تكتب الصحافية: إن ما نصفه بأنه مسجل يميل غالباً ليكون معارضاً تماماً للمسجل، بل إنه الجزء الذي يمثل الخداع والتلفيق، والصور التي يأمل السياسيون بتوصيلها مع تفانينا وتشجيعنا السري. وبوجه عام يتم توصيلها. إن الجزء السري غير المسجل للنشر، هو الجزء الذي يمكن أن نجد فيه الواقع وما هو صحيح وموثوق، والذي يفترض السياسيون بوجه عام أن يبقى غامضاً ومظلماً للأبد. إن هذه الصحافية تنبه القارئ إلى نقطتين مهمتين ضمن الفن المسرحي: الأولى: إن ما هو مسجل للنشر بالنسبة للسياسي يمثل الواجهة، حيث تمت ممارسة حيل صغيرة ومخادعات كبيرة، الثانية: إن التسجيل الحقيقي، الواقعي يقع في المنطقة الخلفية، حيث تحدث السياسيون بصراحة ودون تحيز حول ما يفكرون به حقًّا. إن هذه الصحافية تنبهنا، نحن الجمهور، إلى المحاولة التي يقوم بها السياسيون لتعريف الموقف لنا من خلال أدائهم الذي يظهر في الواجهة.
الذي يحصل عندما تكون نشاطات الواجهة ونشاطات الخلفية غير متسقة تماماً هو أن الفاعل لا يستطيع أن يؤدي بشكل جيد، والأداء يكون أقل نجاحاً، بدرجات مختلفة. وفي بعض الحالات، يكون الشخص الأبله قاصراً عن الأداء، وبشكل خاص عندما يفشل الملقن بالتصرف بسرعة كافية لتزويده بالسطر الذي نسيه، أو عندما يتهشم أي جزء من عناصر الإخراج المسرحي أو ينزلق أي جزء من الزي على خشبة المسرح، مثل هذه الثغرات الثانوية يمكن تلافيها، حيث يتم استكمال الأداء، ولكن ما الذي يحصل عندما تصبح المنطقة الخلفية هي الواجهة. عندما يرى الجمهور فجأة جميع النشاط الذي تم إخفاؤه في المنطقة الخلفية حتى الآن. إن تحليل جوفمان للقدر المحتوم يلقي الضوء على هذه النقطة. في كتابه "طقوس التفاعل" يوضح بأنه في المواقف التي يكون فيها التنسيق والكتمان أموراً حيوية، فإن المدى الكلي من التعثرات الثانوية غير المتوقعة تفقد نوعيتها الاعتيادية القابلة للتصحيح وتصبح مهلكة وقاضية.
تساعدنا أفكار جوفمان المسرحية في اختبار المواقف الحياتية التي لا تحصى، عندما نستخدم كل ما هو متاح لنا في الواجهة والمنطقة الخلفية لخلق أفضل انطباعات ممكنة حول أنفسنا. إن سؤاله الأساسي لنا هو "ألسنا جميعاً نتظاهر كفنانين بعد كل ذلك؟". ليس هناك شك بأننا نستخدم إدارة الانطباع في حياتنا اليومية عندما ننجح مثلاً في التمثيل لمقابلة من أجل العمل، وعندما نمتع (بطعام شهي أو شراب) جماعة من الغرباء في جمع اجتماعي. وعندما نقنع الشخص الذي نحب أن يكون قريننا / قرينتنا، وعندما نفعل أفضل ما لدينا لنكون "صخرة منيعة" بالنسبة إلى أعضاء العائلة الآخرين في جنازة قريب حميم، في كل من تلك الأمثلة نريد أن نكون الشخص الذي يعرّف الموقف للأفراد الحاضرين. إن أفكار جوفمان تظهر كيف يكون هذا ممكناً.
وهكذا ينظر جوفمان إلى الذات([6]) ليس كملكية للممثل بل بالأحرى على أنها نتاج التفاعل الدرامي بين الممثل والجمهور. الذات هي تأثير درامي ناشئ... من مشهد يتم تقديمه؛ لأن الذات هي نتاج تفاعل درامي، فهي عرضة للتشويش أثناء الأداء. يهتم التمثيل المسرحي عند جوفمان بالعمليات التي يتم من خلالها منع مثل هذه الاضطرابات أو التعامل معها. رغم أن الجزء الأكبر من نقاشه يركز على هذه الحالات الدرامية الطارئة، أشار جوفمان إلى أن معظم العروض ناجحة. والنتيجة هي أنه في الظروف العادية، يتم منح الذات المؤكدة للفاعلين، و"تبدو" كأنها تنبثق من الفاعل.
افترض جوفمان أنه عندما يتفاعل الأفراد، فإنهم يريدون تقديم شعور معين بالذات يقبله الآخرون. ومع ذلك، حتى عندما يقدمون تلك الذات، يدرك الفاعلون أن أفراد الجمهور يمكن أن يؤثروا على أدائهم. لهذا السبب، يتناغم الفاعلون مع الحاجة للهيمنة على الجمهور، وخاصة مع تلك العناصر التي قد تكون مدمرة. يأمل الفاعلون أن يكون الشعور بالذات الذي يقدمونه للجمهور قوياً بما يكفي للجمهور لتعريف الفاعلين كما يريد الفاعلون منهم. يأمل الفاعلون أيضاً أن يتسبب ذلك في أن يتصرف الجمهور طوعاً كما يريد الفاعلون منهم. وصف جوفمان هذا الاهتمام المركزي بأنه "إدارة الانطباع". يتضمن هذا الأمر تقنيات يستخدمها الممثلون للحفاظ على انطباعات معينة في مواجهة المشكلات التي من المحتمل أن يواجهوها والطرائق التي يستخدمونها للتعامل مع هذه المشكلات.
على الرغم من أن جوفمان اقترب من الواجهة والجوانب الأخرى لنظامه كتفاعلي رمزي، فإنه ناقش طابعها البنيوي. على سبيل المثال، زعم أن الواجهات تميل إلى أن تصبح مؤسسية، وهكذا تنشأ "التمثلات الجماعية" حول ما يجب أن يحدث في جبهة معينة. في كثير من الأحيان عندما يقوم الممثلون بأدوار محددة، يجدون واجهات معينة تم إنشاؤها بالفعل لمثل هذه العروض. النتيجة، كما قال جوفمان، هي أن الواجهات تميل إلى أن تُختار لا أن تُنشأ. تنقل هذه الفكرة صورة بنيوية أكثر بكثير مما نتلقاه من معظم التفاعليين الرمزيين.
في كتابه "الوصمة" 1963 يميز جوفمان بين الناس الذين هم "عرضة للخزي"؛ أي "الذين لديهم وصمة يخفونها، ولكنها قد تكتشف في أي لحظة"، والناس "المخزيين" الذين لديهم وصمة يستطيع الآخرين مشاهدتها أوتوماتيكياً. إن الناس من الجماعة الأولى يجب أن يسيطروا على المعلومات التي يريد الآخرين معرفتها عنهم، بينما الناس من الجماعة الثانية عليهم أن يديروا التوترات التي تنشأ، عندما يتفاعل الناس (العاديين) مع الأفراد الموصومين، مما يشير إلى علاقة التدني التي تجرد الفرد من أهلية القبول الاجتماعي الكامل، كما حاول جوفمان التركيز في هذا المجال بصفة أساسية على المشاكل الناجمة عن وصم الأفراد والجماعات، وعلى آليات التكيف التي يستخدمونها لمجابهة هذه المشاكل. والوصمة، التي يُوصم بها الفرد، قد تكون جسمية (العدوى بأمراض جنسية)، أو وثائقية (صحيفة حالة جنائية)، أو قرينية (صحبة سيئة)، سواء كانت منسوبة أو مكتسبة.
إن الوصمة هي العملية التي تنسب الأخطاء والآثام الدالة على الانحطاط الخلقي إلى أشخاص في المجتمع، فتصفهم بصفات بغيضة أو سمات تجلب لهم العار أو تثير الشائعات. وتشير الوصمة إلى أكثر من مجرد الفعل الرسمي من جانب المجتمع تجاه العضو، الذي أساء التصرف أو كشف عن أي اختلاف ملحوظ عن بقية الأعضاء. وقد ذهب جورج هربرت ميد إلى أن الوصمة الاجتماعية تزداد بناءً على حجم العقوبات المفروضة على مخالفي القانون ونوعها. فأكد أن العقوبات الصارمة المرتبطة بالمتابعة والمقاضاة، مسألة تتعارض مع إعادة تكييف المنحرف، كما أن الإجراءات التي تُتخذ نحو مخالفي القانون، تؤدي إلى تدمير التفاعل بينهم وبين المجتمع، ما يخلق روح العداوة عند المنحرف. وينطوي توجه ميد هذا على أن نظام العقوبات الصارمة هو نظام فاشل تماماً، وأن فشله لا يقتصر على عجزه عن ردع الانحراف فقط، وإنما يمتد إلى تكوين فئة إجرامية.
إن تجربة الوصمة تختلف بناءً على إمكانية إخفاء السمة الموصومة. فالأشخاص الذين لا يتمتعون بالسمعة الطيبة هم الأفراد الذين لديهم وصمة عار مرئية بشكل أساسي مثل: العرق- الانتماء العرقي أو الجنس أو الإعاقة الجسدية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأشخاص الذين لا يتمتعون بالسمعة الطيبة هم الأفراد الذين لديهم وصمة عار يمكن إخفاؤها بشكل أساسي مثل المرض العقلي أو الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أو وضع الأقلية الجنسية. وبالتالي، تشير هذه المصطلحات إلى الوضوح البصري للسمات الموصومة.
قد تؤثر الوصمة على سلوك أولئك الذين وصموا. غالباً ما يبدأ أولئك الذين تم تصنيفهم في قوالب نمطية في التصرف بالطرائق التي يتوقعها منهم من وصمهم. لا يغير هذا سلوكهم فحسب، بل يشكل أيضاً عواطفهم ومعتقداتهم. غالباً ما يواجه أعضاء المجموعات الاجتماعية الموصومة تحيزاً يسبب الاكتئاب (أي التحيز). تضع هذه الوصمات الهوية الاجتماعية للشخص في مواقف مهددة، مثل انخفاض احترام الذات. وبسبب هذا، أصبحت نظريات الهوية محل بحث كبير. يمكن أن تسير نظريات تهديد الهوية جنبًا إلى جنب مع نظرية الوصم.
يبدأ أعضاء المجموعات التي تعاني من وصمة العار في إدراك أنهم لا يعاملون بنفس الطريقة ويدركون أنهم يتعرضون للتمييز على الأرجح. وقد أظهرت الدراسات أن "أغلب الأطفال في سن العاشرة يدركون الصور النمطية الثقافية للمجموعات المختلفة في المجتمع، والأطفال الذين ينتمون إلى مجموعات تعاني من وصمة العار يدركون الأنماط الثقافية في سن أصغر. فعلى سبيل المثال، قد يخضع بعض الأفراد لجراحة تجميلية، ومع ذلك، فإنهم لا يزالون يخاطرون بالكشف عن أنفسهم كأشخاص كانوا يعانون من وصمة العار سابقاً. يمكنهم أيضاً بذل جهود خاصة للتعويض عن وصمة العار الخاصة بهم، مثل لفت الانتباه إلى منطقة أخرى من الجسم أو إلى مهارة مثيرة للإعجاب. يمكنهم أيضاً استخدام وصمة العار الخاصة بهم كذريعة لعدم نجاحهم، ويمكنهم اعتبارها تجربة تعليمية، أو يمكنهم استخدامها لانتقاد "الطبيعيين". ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الاختباء إلى مزيد من العزلة والاكتئاب والقلق، وعندما يخرجون في الأماكن العامة، يمكنهم بدورهم الشعور بمزيد من الخجل والخوف من إظهار الغضب أو المشاعر السلبية الأخرى.
ويمكن للأفراد الذين يعانون من وصمة العار أن يلجؤوا أيضاً إلى أشخاص آخرين يعانون من وصمة العار أو أشخاص متعاطفين للحصول على الدعم والتغلب على هذه المشكلة. يمكنهم تكوين أو الانضمام إلى مجموعات المساعدة الذاتية أو النوادي أو الجمعيات الوطنية أو مجموعات أخرى للشعور بالانتماء. قد ينتجون أيضاً مؤتمرات أو مجلات خاصة بهم لرفع معنوياتهم.
خلاصة القول، تركز نظرية الوصمة التي وضعها إرفنج جوفمان على الآثار الاجتماعية المترتبة على وصم الأفراد بالانحراف أو الوصم في المجتمع. ويتعمق جوفمان في كيفية تمييز الأفراد بالصور النمطية السلبية، مما يؤدي إلى استبعادهم وتهميشهم. كما يسلط جوفمان الضوء على عملية وصم الأفراد بوصفهم منتهكي القواعد، وهو ما قد يؤدي إلى استيعاب الهوية المنحرفة. وتؤكد هذه النظرية على أهمية التفاعلات الرمزية في تشكيل تصورات الأفراد لأنفسهم وللآخرين، وخاصة في سياق المعايير والتوقعات الاجتماعية.
وهكذا تُعد نظرية الوصمة التي وضعها جوفمان في عام 1963 مساهمة كبيرة في علم اجتماع الانحراف. وتركز على فهم كيفية إدراك الأفراد ذوي السمات الموصومة ومعاملتهم اجتماعياً. ويستمد مفهوم جوفمان للوصمة جذوره من علم الاجتماع، ويؤكد على الطبيعة التفاعلية للوصمة، وهي تختلف عن الاستخدامات النفسية والعامية الأكثر حداثة للمصطلح. وتستكشف النظرية العلاقة بين الوصمة والهوية، بناءً على التقاليد النظرية لميد وكولي. ويستمر عمل جوفمان في التأثير على علم النفس الاجتماعي وعلم اجتماع الانحراف، حيث يشكل أكثر من نصف قرن من البحث العلمي.
وفيما يتعلق بالتحليل المسرحي عند جوفمان نجد أنه يتفق مع جذوره التفاعلية الرمزية، فهو يركز على الفاعلين والفعل والتفاعل. وبالعمل في ميدان التفاعلية الرمزية التقليدية نفسه، وجد جوفمان في المسرح استعارة ممتازة لتسليط الضوء على العمليات الاجتماعية صغيرة النطاق في حياتنا الاجتماعية؛ أي (المنمنمات([7]) الاجتماعية). وقد لخص جوفمان فكرته عن الحياة الاجتماعية بوصفها عملية تمثيل، حيث إن الذات لا فحوى لها غير ما هو متوقع منها في مواقف مختلفة، ونحن لدينا من الذوات بقدر ما هنالك من مناسبات ومواقف مختلفة. وكثيراً ما يصنف منظور جوفمان بالمنظور المسرحي، وهو مصطلح يستخدمه بنفسه؛ فالأدوار أي التوقعات التي تكون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف معينة هي بمنزلة نصوص مكتوبة نقوم بتمثيلها، وبالتالي فقد أهتم جوفمان بتوضيح الأساليب التي نسلكها لكي نؤدي أدوارنا، ولذا يرى جوفمان جميع الأفعال بهذا المعنى بينما يرى كثير من منظري التفاعلية الرمزية أن التفسيرات لا تناسب إلا المواقف التي وضعت فيها، وليس بمقدورنا أن نضع تعميمات عن الحياة الاجتماعية، والمجتمع بصفته محادثة ظاهرة تتغير باستمرار، وبالتالي لا يمكن وضع تعميمات مجردة ووفقا لجوفمان وأتباعه من التفاعليين الرمزيين، فالتنشئة الاجتماعية هي عادةً النجاح في تنمية الطاقات لدى الأفراد الناجمة عن ردود أفعال الآخرين، وإن كان معظم منظري نظرية الفعل لا يوافقون على ذلك التفسير. ومع هذا فنظرية التسمية Labelling هي النظرية التي انبثقت عن التفاعلية الرمزية، وإن كانت هي أقل اهتماماً بالطرائق التي تجعل الأفراد قادرين على التأثير في تفسيرات الآخرين عن أنفسهم أكثر من أنماط التفاعل، ونظرية التسمية هي أساساً تهتم في الواقع بأن الناس في بعض الأحيان يكونوا ضحايا Victims وغالباً عاجزين عن هذه التفسيرات من الآخرين. وعند هذا الحد، فإن هوياتهم الاجتماعية تكون مفروضة عليهم وحتى ضد إرادتهم، وبالتالي لماذا يحدث هذا؟ ولماذا نجد أنفسنا في مواقف اجتماعية لا تستطيع فيها أن تؤثر في تفسيرات الآخرين.
المراجع المعتمدة:
- إرفنغ غوفمان: تقديم الذات في الحياة اليومية، دار معنى للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 2021
- رث والاس، ألسون وولف: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع – تمدد آفاق النظرية الكلاسيكية، ترجمة: محمد عبد الكريم الحوراني، دار مجدلاوي، عمان، ط1 (العربية)، 2011-2012
- جورج ريتزر، جيفري ستيبنسكي: النظريات الحديثة في علم الاجتماع، دققه وراجعه علمياً: ذيب محمد الدوسري وآخرون، مكتبة جرير والجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية، الرياض، ط1، 2021
- عبد العزيز الغريب: نظريات علم الاجتماع – تصنيفاتها، اتجاهاتها، وبعض نماذجها التطبيقية من النظرية الوضعية إلى ما بعد الحداثة، دار الزهراء، الرياض، ط1، 2012
- حسام الدين فياض: سوسيولوجيا العلاقات الاجتماعية، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب: الرابع، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2023
- حسام الدين فياض: تمظهرات السلوك الإنساني في المجتمع المعاصر، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب: السادس، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2024
- مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية: مفهوم الذات في علم النفس، 4 ديسمبر 2023 https://2u.pw/ENCMNMgE
- يريه جراح: تعرف على الفن المسرحي وتاريخه، موقع فنون، 29 نوفمبر 2021 https://2u.pw/GHPDkQRz
- طاهر البني: المنمنمات (فن)، الموسوعة العربية، المجلد التاسع عشر، دمشق، 1998.https://arab-ency.com.sy/ency/details/10622/19
- Saul McLeod: Self-Concept in Psychology: Definition & Examples, Simply Psychology, Updated on December 20, 2023 https://www.simplypsychology.org/self-concept.html
- Kendra Cherry: What Is Self-Concept? (The Fundamental "Who Am I?" Question), Verywell Mind, Updated on July 29, 2024 https://www.verywellmind.com/what-is-self-concept-2795865
([1]) إرفنج جوفمان Erving Goffman هو عالم اجتماع وعالم نفس اجتماعي وكاتب ولد في كندا، ويعتبره البعض "أكثر علماء الاجتماع الأمريكيين تأثيراً في القرن العشرين". احتل في عام 2007 المرتبة السادسة في دليل التايمز للتعليم العالي بين مؤلفي الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، بعد أنتوني جيدنز وبيير بورديو وميشال فوكو، وتقدم على يورغن هابرماس.
حقق غوفمان تقدما كبيراً في دراسة التفاعل المباشر وجهاً لوجه، ووضع "النموذج المسرحي" للتفاعل الإنساني، وطور العديد من المفاهيم التي كان لها تأثير هائل بشكل خاص في مجال علم الاجتماع الجزئي للحياة اليومية. اهتمت العديد من أعماله بتنظيم السلوك اليومي، وهو مفهوم أطلق عليه اسم "ترتيب التفاعل". ساهم أيضاً في المفهوم الاجتماعي للتأطير (تحليل الإطار)، وفي نظرية الألعاب (مفهوم التفاعل الاستراتيجي)، وفي دراسة التفاعلات واللسانيات. وقال فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، إنه يجب النظر إلى فعل التحدث كفعل اجتماعي وليس بناءً لغوياً. استخدم غوفمان من المنظور المنهجي في الغالب مقاربات نوعية، على وجه التحديد الإثنوغرافية، واشتهرت بذلك دراسته للجوانب الاجتماعية للاضطراب النفسي، وبشكل خاص عمل المؤسسات المتكاملة. بشكل عام، تأخذ مساهماته قيمتها لكونها محاولة لإنشاء نظرية تشكل جسراً يربط بين الوكالة والبناء - لتعميم البناء الاجتماعي، والتفاعل الرمزي، وتحليل المحادثة، والدراسات الإثنوغرافية ودراسة أهمية التفاعلات الفردية. امتد تأثيره إلى ما هو أبعد من علم الاجتماع: على سبيل المثال، قدم عمله افتراضات الكثير من الأبحاث الحالية عن اللغة والتفاعل الاجتماعي في مجال التواصل.
([2]) إرفنغ غوفمان: تقديم الذات في الحياة اليومية، دار معنى للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 2021
([3]) المسرح من الفنون الدرامية المهمة والقديمة التي تهتم بالأداء والعروض الحية على خشبة المسرح، وكلمة مسرح Theater مشتقة من الكلمة اليونانية theaomai التي تعني الرؤية، وهذا دليل على أهمية الأداء في الفنون المسرحية، ولكن هذا ليس كل شيء فالمسرح فن أدبي يهتم بالمضمون والعنصر الفكري الذي يقدمه للجمهور، ولكن لا يكتفي فن المسرح بأحد العنصرين، الأداء والفكرة بل يجب أن يجتمعا معاً ليشكلا عملًا فنياً مهماً، ومع أن المسرح يُدرس على أنه فن أدبي، إلا أنه يجب أن يولي اهتماماً كبيراً بالحركة والغناء والرقص ليترك الأثر المطلوب لدى المشاهد، والفن المسرحي قديم جداً وكان وسيلة تعبيرية للبشر منذ آلاف السنين، وجمع بين الترفيه والتعليم ليقدم قيمة كبيرة للمجتمع.
- تاريخياً: وُجدَ المسرح منذ القدم ويمكن القول إن تاريخه يعود إلى آلاف السنين، وعلى الرغم من أن الجذور التاريخية للمسرح الذي نعرفه اليوم تعود إلى العصر اليوناني إلا أنه أقدم من ذلك، ويمكن أن يتجلى في الطقوس القبلية والدينية التي كانت موجود قبل ذلك بكثير، وعلى هذا فإن أصل المسرح يعود إلى 8500 سنة قبل الميلاد، في حين أن أول مسرح حقيقي بالمفهوم الذي نعرفه اليوم وُجدَ في أوروبا ويعود تاريخه إلى 600 سنة قبل الميلاد وهي فترة العصر الروماني المشهور بمدرجاته الواسعة التي كانت تُقام فيها المسرحيات والعروض الحية والاحتفالات.
لم يقتصر وجود المسرح على اليونانيين فحسب بل وُجدَت دلائل لوجوده عند المصريين القدماء، وحتى الإغريق كان لهم دوراً أساسياً في تشكيل مفهوم المسرح. أما من الناحية العلمية، فتشير التسجيلات إلى أن المسرح بدأ بمهرجان ديني أُقيمَ لتكريم الإله ديونيسوس واتخذ حينها شكل الرقص والغناء، ومع هذا ما زال اليونانيون هم الأكثر تأثيراً في المسرح وما زالت أقنعتهم تُستخدم إلى اليوم وهي رمز للمسرح، وكانت تستخدم هذه الأقنعة لنقل المشاعر للمشاهدين التي كانت غالباً حزينة؛ لأنهم فضلوا الدراما التراجيدية (المأساة)، وحتى الرومان استوحوا مسرحياتهم من اليونانيين ولكنهم فضلوا الكوميديا (الملهاة) على التراجيديا، ويعود عمر المسرح الروماني إلى 300 سنة قبل الميلاد، وشيّدوا حوالي 125 مسرحاً.
تراجع الفن المسرحي مع قدوم الدين المسيحي بسبب محاربته له، ولكن بعد حوالي 1000 عام استعاد المسرح مساره الصحيح وعاد إلى المجتمع، وعاد الممثلون المحترفون للعمل وفُتحت المسارح، وتشكّل المسرح بالمفهوم المعروف والمشاهَد اليوم في القرن الخامس عشر في إنجلترا، وهنا لا بد من ذكر فضل بعض الأدباء والشعراء أمثال شكسبير، الذي شكلت كتاباته المسرحية وأشعاره مادة دسمة ومهمة للأعمال المسرحية حينها وما زالت إلى اليوم، ومع هذا مرّ المسرح بانتكاسات وعقبات عدة، لحين سمح للنساء بالتمثيل على المسرح، وشكّلت الطبقة المتوسطة حينها السواد الأعظم من الجمهور والمشاهدين، وبهذه الأثناء دخلت أساليب جديدة على المسرح طوّرت منه ونوّعت من موضوعاته وأثرت بأزيائه وتفاصيله وطورتها. انظر: ميريه جراح: تعرف على الفن المسرحي وتاريخه، موقع فنون، 29 نوفمبر 2021. https://2u.pw/GHPDkQRz
([4]) يُنظر إلى التفاعل الاجتماعي بأنه السلوك الارتباطي الذي يقوم بين فرد وآخر، أو مجموعة من الأفراد في مواقف اجتماعية مختلفة؛ أي إن التفاعل الاجتماعي في أوسع معانيه هو تأثر الشخص بأعمال وأفعال وآراء غيره وتأثيره فيهم، بمعنى أن هناك تأثيراً أو تأثراً وفعلاً في أي موقف إنساني. ومن أهم مظاهر التفاعل الاجتماعي تقديم الذات والآخرين، وإعادة التقويم المستمر، ويلاحظ أن التأثير في التفاعل الاجتماعي يتوقف على شخصية الفرد ومكانته الاجتماعية، كما يلاحظ أن الشبكة الاجتماعية للفرد تتكون من الأشخاص الذين له معهم اتصال ورابطة اجتماعية، وبينه وبينهم تفاعل اجتماعي. يعتبر التفاعل الاجتماعي مهمة الأسرة والمدرسة، كما غيرها من مؤسسات التطبيع الاجتماعي. على اعتبار أن التفاعل الاجتماعي ذلك السلوك الارتباطي الذي يقوم به فرد وآخر، أو بين مجموعة من الأفراد في مواقف اجتماعية متعددة. أي إن التفاعل الاجتماعي في أوسع معانيه هو تأثير الشخص بأعمال غيره وأفعاله وآرائه، وتأثيره فيهم، بمعنى أن هناك تأثراً، أو تأثيراً، وفعلاً، وانفعالاً في أي موقف إنساني. يشير مفهوم التفاعل بمعناه اللغوي إلى التأثير (تفاعل، يتفاعل، تفاعلاً)، أي أثر كل منهما في الآخر مثال تفاعلت المادتان الكيماويتان فنتج عن ذلك مادة جديدة. ويقال تفاعل مع الحدث أي تأثر به، أثار الحدث مشاعره فدفعه إلى سلوك ما.
أما اصطلاحاً، يفُعرّف التفاعل الاجتماعي بأنه "مجموع العمليات المتبادلة بين طرفين اجتماعيين في موقف أو وسط اجتماعي معين، بحيث يكون سلوك أي منهما منبهاً أو مثيراً لسلوك الطرف الآخر ويجري هذا التفاعل عادةً عبر وسيط معين ويتم خلال ذلك تبادل رسائل معينة ترتبط بغاية أو هدف، وتتخذ عمليات التفاعل الاجتماعي أشكالاً ومظاهر مختلفة إلى علاقات اجتماعية معينة". ونظراً لأن التفاعل الاجتماعي وسيلة اتصال بين الأفراد والجماعات فإنه بلا شك ينتج عنه مجموعة من التوقعات الاجتماعية المرتبطة بموقف معين.
لذا يمكننا القول أيضاً إنه "عدة منبهات اجتماعية متفاعلة تقدمها البيئة الاجتماعية لأبنائها، وتؤدي هذه المنبهات إلى استثارة استجابات اجتماعية لدى المشاركين في هذا الموقف"، أو هو العملية الاجتماعية الأساسية التي تعبر عن ذاتها في الاتصال، وفي العلاقة المتبادلة بين فردين، أو أكثر، أو بين جماعات. ويعد التفاعل بين الأشخاص سلوكاً اجتماعياً؛ لأن الناس يتبادلون المعاني ويمارسون التأثير المتبادل على سلوك بعضهم البعض، وتوقعاتهم، وفكرهم، من خلال اللغة، والرموز، والإشارات. وهو التأثير المتبادل بين سلوك الأفراد والجماعات من خلال عملية الاتصال. التأثير المتبادل بين القوى الاجتماعية، والثقافة ذاتها هي نتاج للتفاعل الاجتماعي. انظر حسام الدين فياض: سوسيولوجيا العلاقات الاجتماعية، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب: الرابع، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2023، ص ص(66-67)
([5]) راندال كولينز (ولد في 29 يوليو 1941) هو عالم اجتماع أمريكي كان مؤثراً في كل من التدريس والكتابة. لقد قام بالتدريس في العديد من الجامعات المرموقة في جميع أنحاء العالم وقد تُرجمت أعماله الأكاديمية إلى لغات مختلفة. كولينز هو حالياً أستاذ علم الاجتماع دوروثي سوين توماس الفخري في جامعة بنسلفانيا، وهو من كبار منظري الاجتماع المعاصرين الذين تشمل مجالات خبرتهم علم الاجتماع التاريخي الكلي للتغيير السياسي والاقتصادي، وعلم الاجتماع الجزئي، بما في ذلك التفاعل وجهاً لوجه، وعلم اجتماع المثقفين والصراع الاجتماعي.
تشمل منشورات كولينز علم اجتماع الفلسفات: نظرية عالمية للتغيير الفكري (1998)، والتي تحلل شبكة الفلاسفة والرياضيين لأكثر من ألفي عام في كل من المجتمعات الآسيوية والغربية. تتضمن أبحاثه الحالية أنماط العنف الكلية بما في ذلك الحرب المعاصرة، بالإضافة إلى حلول للعنف الذي تمارسه الشرطة. يعد أحد أبرز منظري الصراع غير الماركسيين في الولايات المتحدة، وشغل منصب رئيس الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع من عام 2010 إلى عام 2011
([6]) مفهوم الذات: مفهوم الذات في أبسط صوره هو مجموعة من المعتقدات التي يحملها الفرد عن نفسه ومن استجابات الآخرين، فهو يجسد إجابة السؤال "من أنا؟" فإذا كنت تريد العثور على مفهومك الذاتي، فاذكر الأشياء التي تصفك كفرد ما هي صفاتك؟ ماذا تريد؟ ما هو شعورك عن نفسك؟
تصورنا لذاتنا مهم لأنه يؤثر على دوافعنا ومواقفنا وسلوكياتنا، كما أنه يؤثر أيضاً على ما نشعر به تجاه الشخص الذي نعتقد أننا نحن عليه، بما في ذلك ما إذا كنا أكفاء أو نتمتع بقيمة ذاتية. يميل مفهوم الذات إلى أن يكون أكثر مرونة عندما يكون أصغر سناً وما زلنا نمر بمرحلة اكتشاف الذات وتكوين الهوية، مع تقدمنا في العمر ومعرفة من نحن وما هو مهم بالنسبة لنا تصبح هذه التصورات الذاتية أكثر تفصيلاً وتنظيماً. ويعتقد (1959) Carl Rogers أحد مؤسسي علم النفس الإنساني أن مفهوم الذات يتكون من ثلاثة مكونات مختلفة: وجهة نظرك عن نفسك (الصورة الذاتية)، مقدار القيمة التي تضعها على نفسك احترام الذات أو تقدير الذات (ما تتمنى أن تكون عليه حقاً الذات المثالية). لمزيد من القراءة والاطلاع حول "مفهوم الذات" انظر:
- المقال الثامن بعنوان: "دور التصورات الاجتماعية في بناء السلوك الإنساني" من كتاب حسام الدين فياض: تمظهرات السلوك الإنساني في المجتمع المعاصر، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب: السادس، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2024، ص(134-146).
- Saul McLeod: Self-Concept in Psychology: Definition & Examples, Simply Psychology, Updated on December 20, 2023 https://www.simplypsychology.org/self-concept.html
- Kendra Cherry: What Is Self-Concept? (The Fundamental "Who Am I?" Question), Verywell Mind, Updated on July 29, 2024 https://www.verywellmind.com/what-is-self-concept-2795865
([7]) يمكن تعريف المنمنمات عبارة عن رسومات صغيرة توضيحية، وتعني كلمة منمنمة هو الشيء المزخرف أو المزركش بشكل ما، وهي التصوير الدقيق للغاية ويكون فيه التركيز على تفاصيل لا يلاحظها البعض، هذه الرسومات الدقيقة تستخدم من أجل تزيين المخطوطات أو الصفحات ذات القيمة الكبيرة.
- ما هو فن المنمنماتminiature art ؟ هو أحد الفنون التقليدية في البلدان الإسلامية، وبعض البلدان الآسيوية والأوروبية، والمنمنمة هي صورة فنية صغيرة الحجم، رسمت في كتاب من أجل توضيح المضمون الأدبي أو العلمي أو الاجتماعي أو غير ذلك من الموضوعات التي حفلت بها الكتب والمخطوطات في العصور الوسطى، وتعد المنمنمات صوراً تسجيلية للحياة والبيئة والعادات والمعتقدات والطقوس والأحداث التاريخية والعمارة والزي والفنون، فضلاً عن قيمتها الفنية التي تطورت عبر التاريخ. ويشبه تصوير المنمنمات التصوير بألوان الغواش، ويمكن استعمال الألوان المائية في تصويرها، ويعد ورق (رق الغزال) المعروف باسم "برجامين" من أفضل السطوح المناسبة لرسم المنمنمات إضافة إلى العاج وبعض أنواع الألواح الخشبية والورقية الناعمة والزجاج، وهي تُرسم بخطوط ناعمة خفيفة ثم تكسوها الظلال والألوان المائية والمذهبة. طاهر البني: المنمنمات (فن)، الموسوعة العربية، المجلد التاسع عشر، دمشق، 1998، ص(749). https://arab-ency.com.sy/ency/details/10622/19