تقديم كتاب: التشريع الإسلامي روبرت جليف
فئة : قراءات في كتب
تقديم كتاب: التشريع الإسلامي
روبرت جليف
إن الأبحاث التي تشكل محتوى هذا الكتاب هي بمثابة أوراق علمية تمّ تقديمها في إطار ندوة تحت عنوان «التشريع الإسلامي: النظرية والتطبيق» في مدينة ماشبيرن هال، جامعة مانشيستر، خلال شهر حزيران/يونيو، عام (1995). كان هدف ذلك اللقاء العلمي هو توفير أرضية من أجل الباحثين الناشئين المتخصّصين في مجال دراسة التشريع الإسلامي من أجل تقديم أعمالهم. وقد تمّ، عن قصد، جعل مواضيع الندوة تكون واسعة التخصص ومجال الاهتمام. وعليه، فقد قدّمت أثناء اللقاء أوراق حول النظرية القانونية، والممارسة القانونية، والعلاقة بين النظرية والتطبيق في الشريعة الإسلامية. وعليه، فإن المجموعة المكونة لمحتوى هذا الكتاب هي عبارة عن مقالات وأبحاث تتناول كلّاً من القانون والشرع الإسلامي من خلال مقاربات مختلفة، وتدرس مجالات جغرافية وفترات زمنية متباينة. فالأبحاث متعددة المواضيع والمحتوى. وبناءً عليه، تبقى هذه المجموعة غير ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى من يبحث عن تحليل ودراسة متكاملين للنظرية والتطبيق فيما يخص التشريع الإسلامي[1]. مع ذلك، تتشكل المجموعة من عدد مهم من المواضيع التي تستحق الاطلاع والتعليق عليها بشكل عام.
أوّلاً، هناك بحث حثيث عن تعريف لمفهوم الاجتهاد ومعنى العدالة في العديد من الأوراق، كما أنّ هناك اعترافا بالحاجة إلى توضيح علاقة ذلك بالتطبيق القانوني خلال أزمنة محددة. وعلى الرغم من أن هناك الكثير ممّا يمكن إنجازه فيما يخص هذا التخصص، إلا أن بعض الأبحاث في هذا المؤلف جاءت لتدلّ على أن طبيعة الاجتهاد، وما يتعلق به من تطبيقات تفسيرية، سوف تشكّل موضوعاً أساسيّاً للأبحاث المستقبلية المتعلقة بالقانون/التشريع الإسلامي. إن أبحاثي، وأبحاث شومون، وجوكيش، وكرافيتز جميعها تعتمد فهم متشابه، لكنه مختلف، لمفهوم الاجتهاد خلال المرحلتين الحديثة والكلاسيكية.
إن الأوراق التي يتضمنها هذا الكتاب تعتمد على مؤلفات وكتب موضوعها: أصول الفقه، وفروع الفقه، ومجموعات (كتب) فتاوى. إن التصورات المختلفة التي يطرحها مختلف المشاركين لتدلّ على أنّ الاجتهاد، باعتباره كلمة زئبقية، لا يزال البحث عن وصف نهائي لعملياته في بدايته.
في بعض الأوراق، هناك تأكيد على قيمة مراجع الفتوى، وهي تُعتمد دليلاً على النشاط القضائي والقانوني في مراحل تاريخية جدّ محدّدة. خلال السنوات الأخيرة، ظهر مبحث يهتم بخلاصات الفتاوى وعلاقتها المفترضة بالظواهر التاريخية. يطرح هذا البحث أسئلة حول العلاقة بين الأدب والتاريخ وتأثير القيود العامة على أصحاب الفتاوى.
إن الدراسات الواردة في هذا المؤلَّف لتبرهن على أن العلاقة بين الفتوى والتاريخ، والفتوى وفروع الأدب، والفتاوى وأدب الأصول، معقّدة ويمكن دراستها من خلال وجهات نظر مختلفة. ويظهر على أنه ليس هناك اتفاق حول الطريقة الأفضل لوصف وتعريف تلك العلاقات. وهذه المواضيع تتم دراستها وإثارتها من طرف العديد من الأوراق، ولاسيما تلك التي ألفها كل من كيرميلي، وكابرا، وفاضل، وزومينيو.
وأخيراً، يتبيّن أنّ هناك وعيا واضحا فيما يخص مرونة وتغير القوانين بشكل يوازي اللحظة الزمنية والوضعية. يتناول هولاندر موضوع اللجوء إلى المحاكم الشرعية من طرف المجتمع اليهودي اليمني، ويتطرق ريتير إلى بحث موضوع دور القضاة في قضاء الشريعة الإسرائيلي. أمّا ميتشيل، فإنها تصف كيف أن جزءاً من تشريعات الدولة الحديثة (قانون الأسرة الجزائري لسنة 1984) تضمّ وتتبنّى مفاهيم كلاسيكية للتشريع، وتفعلها في وضع معاصر.
في هذه الأوراق، كما في أوراق أخرى يحتويها هذا المؤلَّف، هناك تقبّل لفكرة كون أن الشريعة، على الرغم من أنه تمّ النظر إليها كلاسيكياً بوصفها وحدة قواعد منظمة غير قابلة للتغيير، فإن أفكارا تتعلق بشرع الله وكيفية تطبيقه قد نمت وتطوّرت كردّ فعل موازٍ لسياقات عوامل خاصة، في المرحلة الحديثة بشكل خاص.
[1] - المترجم: نظراً لأن الأبحاث والمقالات المعروضة ضمن صفحات هذا الكتاب تحتوي على آراء ومواقف تعدّ، في بعض الأحيان، مردودة على أصحابها من طرف البعض من جمهور الدارسين والباحثين العرب والمسلمين، يجب أخذ التوجيهات المذكورة في المقدمة من طرف منسقي هذه الندوة والمؤلف في الاعتبار لدى تناول أيّ بحث من البحوث المترجمة. وعليه، فإن المواضيع المتضمنة في هذا الكتاب تكون قد تُرجمت، وذلك لرفع أيّ لبس لدى المتلقي، من أجل الاطلاع، والنقد، والاستفادة من تصوراتها (على أيّ نحو كان ذلك)، أكثر منها كونها نهائية؛ وهو الأمر الذي يعيه المنسقان «روبرت جليف ويوجينيا كيرميلي»، ويشيران إليه بشكل واضح ضمن هذه الفقرة من التقديم الضروري والعام للكتاب الذي يضمّ (11) بحث/ورقة تتعلق جميعها بالتشريع الإسلامي متناولاً من باب موضوع معيّن، من خلال وجهة نظر معينة، بناء على مقاربة محددة، ويسعى لتوضيح نقطة/فكرة مستقلة بذاتها وواضحة حسب كلّ مبحث. وعليه، فإن المواضيع والدراسات الواردة في هذا الكتاب هي بمثابة اجتهادات فحسب وليست، بأي شكل من الأشكال، نهائية؛ بل كما يقرّ بذلك المنسقان نفسيهما، هي مجرد محاولات في المجال قام بها أصحابها في إطار جهد أكاديمي ذي أوضاع وشروط خاصة. H