تقديم كتاب: "لبنات II قراءة في النصوص" لعبد المجيد الشرفي
فئة : قراءات في كتب
صدر عن دار الجنوب للنشر بتونس، الطبعة الأولى، 2011 كتاب "لبنات II قراءة في النصوص" لعبد المجيد الشرفي. وعبد المجيد الشرفي هو عميد سابق لكلية العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس (الجامعة التونسيّة)، وواحد من أبرز المفكّرين والباحثين في دراسة تاريخ الفكر الإسلامي والحضارة العربيّة. من أبرز مؤلفاته: "الإسلام والحداثة"، الطبعة الثانية، الدار التونسيّة للنشر، تونس (1991) و"الإسلام بين الرسالة والتاريخ"، الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت- لبنان (2001) و"الفكر الإسلامي في الردّ على النصارى"، الطبعة الثانية، دار المدار، بيروت- لبنان (2007) و"لبنات I في المنهج وتطبيقه"(وقد سبق لنا وأن قدّمنا هذا المؤلّف) إضافة إلى مؤلّفات أخرى، آخرها "مرجعيّات الإسلام السياسي"، الطبعة الأولى، دار التنوير للنشر، تونس- القاهرة- لبنان.
وكتاب "لبنات II قراءة في النصوص"الذي نقدّم للقرّاء يحتوي على إهداء وتقديم الطبعة الأولى وعدد من الفصول المنشورة في مجلاّت وكتب مختلفة تهتمّ بـ"قراءة النصوص الدينيّة والتراثيّة"، وقد قسّمها المؤلِّف قسميْن اثنيْن هما على التوالي:
القسم الأوّل: في قراءة النصوص الدينيّة
ويحتوي على خمسة مقالات هي:
1- في منهجيّة دراسة الأديان
2- التعبّد والبحث في قراءة القرآن
3- مجادلة السائد من الخطاب الديني
4- الشريعة وتحديث الفكر الديني
5- هل الفقه وأصوله قابلان للتجديد؟
القسم الثاني: قراءات في التراث
واحتوى أربعة مقالات:
1- المسيحيّة في تفسير الطبري
2- حداثة أبي حيّان
3- ابن رشد: انسجام فكر متعدّد المشارب
4- في ذكرى أبي الوليد
في مقدّمة الكتاب، بيّن المؤلّف ما تحظى به النصوص الدينيّة والتراثيّة من تأثير في السلوك الاجتماعي وتوجيهه، إذ هي "حاضرة بحرفيّتها أو بمدلولها في ثقافتنا"[1]. ومن هذا المنطلق، رأى أنّه لا بدّ من إعادة قراءتها قراءة نقديّة تنأى عن نزعة التمجيد والإعلاء، وتنبني على المساءلة المحرجة القادرة على استكشاف أبعادها وأغراضها المتنوّعة، حتّى يتمكّن القارئ من التخلّص من شتّى ضروب الاستلاب.
في القسم الأوّل من الكتاب "في قراءة النصوص الدينيّة"، اهتمّ المؤلِّف في الفصل الأوّل "في منهجيّة دراسة الأديان" بقضايا المنهج في دراسة الأديان. وقد قدّم قراءة لبعض النصوص الدينيّة والتراثيّة من خارج الثقافة العربيّة الإسلاميّة ومن داخلها (الكتاب المقدّس، صحيح البخاري، الكامل لابن الأثير، مناقب عمر بن الخطّاب لابن الجوزي، مخلاة لبهاء الدين العاملي). وقد هدف إلى تقديم كيفيّة مقاربة هذه النصوص انطلاقا من توظيف المناهج الحديثة المتبلورة منذ قرنين في علوم الإنسان والمجتمع.
في الفصل الثاني "التعبّد والبحث في قراءة القرآن"، عالج المؤلّف مسألة مهمّة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة تتمثّل في مشروعيّة البحث الحرّ في قراءة القرآن. وبيّن، في هذا السياق، أنماط التعامل مع القرآن، فحصرها في نمطيْن اثنيْن؛ نمط للتعبّد ونمط للبحث. فاقترح شروطا يقتضيها منهج قراءة الباحث المعاصر للقرآن، وهي في الجملة أربعة: الشرط الأوّل العدول عن المنهجيّة التقليديّة في التفسير[2]. والشرط الثاني التخلّص من وهم المعنى الواحد الأوحد للقرآن[3]، لأنّه "إذا كان القرآن صالحا لكلّ زمان ومكان فإنّ ذلك يعني في المقام الأوّل أنّه يخاطب المؤمنين على حسب مؤهّلاتهم وثقافاتهم، فلا يُعقل أن يتجمّد فهمُه وتتكلّس دلالاته في حدود ما استخلصه منه السلف و"علماء الأمّة" عبر العصور، وهم الذين لم يتوفّر لهم من المعارف ما توفّر لمعاصرينا، وما لا ينفكّ يتضاعف بفضل تقدّم التقنيات المذهل"[4]. أمّا الشرط الثالث، فيتمثّل في "فكّ الارتباط بين القراءة والتفسير من جهة، وعلم الكلام والفقه من جهة ثانية"[5]. أمّا الشرط الرابع، فمضمونه التخلّي عن "المنهج الخطّي الذي يُتابع ترتيب سور المصحف العثماني وترتيب الآيات في نطاق كلّ سورة"[6]. ثمّ بيّن بعد ذلك ماذا يمكن أن ينتج عنه هذا المنهج.
أمّا الفصل الثالث "مجادلة السائد من الخطاب الديني"، فمؤدّاه مشروعيّة مساءلة السائد، لا سيّما الخطاب الديني، مساءلة نقديّة تنبني على مراجعة المسلّمات، وهذه المشروعيّة مستمدّة من نسبيّة هذا الخطاب، باعتباره متأثّراً بظروف إنتاجه التاريخيّة من جهة، ومن طبيعة رسالة الإسلام. وقد سعى المؤلّف إلى التنبيه إلى طبيعة الطريقة التي ضُبِطت بها حجّتا النصّ والإجماع بما هي طريقة مكبّلة[7]. وعلّل توجّهه في مجادلة السائد بالنقائص العديدة التي وسمت القراءات المرتبطة بالقرآن، مثل اقتطاع الآيات القرآنيّة عن سياقها التاريخي، وتأثير القواعد الأصوليّة ومباحث علوم القرآن في تأويل الوحي رغم أنّها متأخّرة زمنيّا[8]... إضافة إلى أنّه لا يمكن الاطمئنان لمدوّنات الحديث النبوي لاعتبارات عديدة.
انتهى إلى نتيجتيْن أساسيّتيْن: أولاهما أنّ مشروعيّة مجادلة الخطاب الديني التي قدّم مرتبطة بظروف المجتمع. أمّا الثانية، فهي "أنّ مشروعيّة مجادلة السائد من الخطاب الإسلامي تستند إلى ركن متين يتمثّل في أنّ الرسالة المحمديّة لا تقتضي الفكر الذي استأثر بالنطق باسمها دون غيره".[9]
في الفصل الرابع "الشريعة وتحديث الفكر الديني"، وقف المؤلّف عند مفهوم "الشريعة" في الضمير الديني وبيّن مطاعنه وفعله السلبيّ في المجتمع الإسلامي. ثمّ بيّن ضرورة التحديث الديني بالنسبة إلى المسلمين، وشروط إمكانه والرسالة التي عليه أن ينجزها.
وواصل المؤلّف في الفصل الخامس "هل الفقه وأصوله قابلان للتجديد؟" الحديثَ عن تجديد الفكر الديني. وانطلق من عرض كتاب أحمد الخمليشي المعنون بـ"الفكر الفقهي ومنطلقات علم أصول الفقه". وثمّن ما يمكن تثمينه في هذا الكتاب لا سيّما الجرأة التي وسمت فكر أحمد الخمليشي في تعامله مع المسلّمات. وانتهى إلى الكشف عن قضيّتيْن مثّلتا مطعنا كبيرا في فكره، وهما القول بوجود نصوص قطعيّة لا يمكن الخروج عنها، والقول بشرعيّة الأحكام الوضعيّة.
في القسم الثاني من الكتاب "قراءات في التراث"، اهتمّ المؤلّف في الفصل الأوّل "المسيحيّة في تفسير الطبري" بآراء السلف الخاصّة بالنصارى، فاستعرض مواقف من النصراني عديدة شكّلتها البيئة الإسلاميّة التي ظهرت فيها، كما بيّن أنّ القصص القرآني لم يكن ذا صبغة تاريخيّة كما ادّعى البعض. أمّا الفصل الثاني من هذا القسم، فوسمه المؤلّف بـ"حداثة أبي حيّان"، وأشار منذ البدء إلى تاريخيّة الحداثة ومفهومها العميق، كما أشار إلى أهميّة مؤلّفات أبي حيّان التوحيدي ومكانتها في الموروث الثقافي العربي. ثمّ عرض بعض ما احتوى كتاب المقابسات، وبيّن رفض التوحيدي "التقوقع داخل حدود اللغة الواحدة والثقافة الواحدة"[10]، وانفتاح أفق فكره على كلّ الممكنات، ونزعة الإنسويّة التي ميّزت منهج تفكيره بما هو تفكير يرتكز على العقل الخلاّق، لينتهي إلى الإقرار بأنّ تلك القضايا والآراء التي طبعت فكر أبي حيّان التوحيدي، إنّما هي من جوهر الحداثة ومن مستلزماتها.
في الفصل الثالث "ابن رشد: انسجام فكر متعدّد المشارب"، استعرض بعض ما اتّسم به فكر ابن رشد من شمول في مستوى تعدّد الاختصاص، وقد أهّله ذلك ليكون مفكّرا مزدوج الثقافة، دينيّة وعلميّة- فلسفيّة[11] ومتميّزا بمنهج صارم. واستخلص في نهاية هذا الفصل أنّه لا بدّ من قراءة ابن رشد بحسب معياريْن مختلفيْن: إسهاماته الفكريّة وما بقي صالحا من تفكيره في عصرنا وفق قيمنا المعاصرة وطموحاتنا وظروفنا الخاصّة.
في الفصل الأخير "في ذكرى أبي الوليد"، واصل المؤلّف التركيز على إبراز عبقريّة ابن رشد مؤكّدا ضرورة فهم الأسس التي بنى عليها ابن رشد نقده تجاه الغزالي والمتكلّمين بصفة عامّة.
لعلّ أهمّ ما نؤكّده في نهاية هذا التقديم، أنّنا حاولنا تقديم فكرة للباحث واضحة تنير مواضيع هذا الكتاب وترغّب في قراءتها نظرا إلى قيمتها العلميّة.
[1] عبد المجيد الشرفي، لبنات II قراءة في النصوص، ط. 1، دار الجنوب للنشر، تونس، 2011، ص 9
[2] م. ن، ص 48
[3] م. ن، ص 50
[4] م. ن، ص 50
[5] م. ن، ص 51
[6] م. ن، ص 53
[7] م. ن، ص 68
[8] م. ن، ص ص 62- 64
[9] م. ن، ص 81
[10] م. ن، ص 189
[11] م. ن، ص 198