تقرير: "الإسلام الحركي والدولة: أيّ ممكنات وآفاق في ضوء الحالة السورية؟"

فئة :  حوارات

تقرير: "الإسلام الحركي والدولة: أيّ ممكنات وآفاق في ضوء الحالة السورية؟"

تقرير: "الإسلام الحركي والدولة: أيّ ممكنات وآفاق في ضوء الحالة السورية؟" 

في إطار إطلاق الحوار الوطني في سوريا، وانتشار سلسلة من النقاشات حول شروطه ومآلاته في وسائل التواصل الاجتماعي، نظمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود ندوة حوارية يوم الجمعة 21 فبراير 2025 على منصة زوم، تحمل عنوان "الإسلام الحركي والدولة: أيّ ممكنات وآفاق في ضوء الحالة السورية؟" لفتح النقاش مجدّداً حول إمكانية تحول الإسلام الحركي إلى نموذج صالح لتسيير الدولة، ومدى إمكانية تعريف إعادة تعريف هذا التيار في سياق الدولة الحديثة.

كانت الندوة تحت إشراف وتنسيق: د. ميادة كيالي، بتأطير من د. أنس الطريقي، وأدار الحوار وسيره د حسام الدين درويش.

شارك فيها كلٌّ من:

أ. أحمد زغلول شلاطة، باحث مصري في شؤون الحركات الإسلامية

أ. محمد محفوظ، باحث ومفكر سعودي

أ. ساري حنفي، أكاديمي فلسطيني وأستاذ جامعي في علم الاجتماع بجامعة بيروت

أ. محمد أمير ناشر النعم، كاتب وباحث سوري

د. هاني نسيرة، كاتب وخبير سياسي مصري

وحضر اللقاء نخبة من المهتمين الذين أثروا اللقاء بتساؤلات تفاعل معها ضيوف الندوة.

افتتح د. حسام الدين درويش الحوار بإضاءات حول عنوان الندوة معلّلا سبب اختيار مصطلح الإسلام الحركي بكونه مصطلحاً أقل خلافية من جهة، وأكثر شمولية من جهة أخرى؛ إذ يعدّ مظلة تضم اختلافات هائلة: الإسلام السياسي أو التوجه الأيديولوجي الذي يسعى إلى قيادة الدولة، والتوجه الجهادي الذي يمكن أن يأخذ شكلاً إخوانيّاً أو سلفيّاً...إلخ، وهو ما يتماشى مع حرص المؤسسة على استعمال مصطلح شامل لكل هذه الأطياف في الورقة التأطيرية للندوة، ثم طرح السؤال المؤطر لحوار الندوة: "كيف سيتعامل الإسلام الحركي مع الدولة، رغم أنه في الأصل مضاد للدولة ولم يشارك في الأنشطة السياسية؟"

وقبل بدء المداخلات، قدمت د. ميادة كلمة تعريفية بهدف المؤسسة من تنظيم هذا اللقاء الحواري، الذي يأتي ضمن جهودها في تجسير الهوة بين الفكر والبحث العلمي من جهة، وبين المتلقي العادي من جهة أخرى، لتفعيل المعرفة، حيث تخدم الواقع وتساعد على فهم التحولات الكبرى، خاصة في المرحلة الراهنة التي تمرّ بها سوريا.

وقد ذكرت د. ميادة أن المؤسسة قدمت منذ سنوات جهوداً في شكل دراسات وأبحاث وندوات واستكتابات، قصد تقديم رؤية نقدية لموضوع الإسلام الحركي وظواهره وتحليل مدى قابلية هذه التيارات للتكيف مع الدولة الحديثة. وأكدت على حرص المؤسسة على فتح الحوار ليتسع لكل وجهات النظر المتنوعة، وضمان حرية النقاش في المواضيع الراهنة، حيث يتسع الفضاء للنقاش العلمي الرصين. كما أكدت على مبدأ الحياد الذي تنهجه المؤسسة وعدم الانحياز إلى الرؤى المسبقة.

في المداخلة الأولى، أشاد د. ساري حنفي باختيار مصطلح "الإسلام الحركي" عنواناً للندوة، مبدياً تبرّمه من مصطلح الإسلام السياسي، ومؤكداً أنه لا وجود لإيديولوجيا معزولة عن السياسة، خاصة وأن توظيف مصطلح الإسلام السياسي يتم غالبا في سياق التنقيص.

وتناول في حديثه الحالة السورية، مؤكداً أن الإسلام الحركي الذي يقود المرحلة الانتقالية في سوريا قد يصل إلى الديمقراطية إذا ربح "رهانين":

الرهان الأول: رهان الحريات؛ ليس فقط حرية الاعتقاد، بل حرية الوجود في الفضاء العام؛ أي عدم اهتمام الدولة بالأخلاق العمومية. فالدور الأساسي للدولة والمجتمع يقتصر على تحديد مفهوم العدل، (كالمساواة وعدم التمييز في توزيع الثروات). أما مفهوم الخير، فيترك للأفراد والجماعات، مع تدخل الدولة في حدود ضيقة.

الرهان الثاني: المواطنة، وتعني المساواة التامة بين جميع الناس. وأشار إلى أن القيادة الجديدة أظهرت التزاماً بهذا المبدأ، وتبقى ملتزمة به في خطوطه العريضة.

وعبّر د. ساري عن تفاؤله حيال مستقبل سوريا مؤكداً أن المؤشرات الكبرى التي يراها في سوريا مبشرة بالخير؛ وذلك لأن الإسلام الحركي عندما يصبح في السلطة يفهم السياق أفضل مما كان عليه، وهو خارجها. وأضاف قائلاً: إذا ما قارنّا بين أداء الإسلام الحركي وأداء القومية الحركية، بصفتهما حركتين سياسيتين بارزتين حكمتا سوريا، فإن أداء الإسلام الحركي هو أحسن بكثير من غيره.

وفي ختام حديثه، نبّه د. ساري إلى أن مشكلة من يستعملون مصطلح الإسلام السياسي هي عدم تعاملهم مع الحركات الإسلامية على أنها متغيرة، فيما هي محكومة بتغير البيئة المحيطة بها، مما يستدعي تناول الإسلام الحركي من منظور أوسع يحتوي كل الاستثناءات.

وركز د. محمد محفوظ في مداخلته على ضرورة التفريق بين الإسلام الحركي في طوره الدعوي والإسلام الحركي، عندما ينتقل إلى طور بناء الدولة وتدبير المجتمع. وتطرق إلى هيئة تحرير الشام في سوريا، مؤكداً أنها رغم تحولها السياسي العام، لا تزال تتبنى الفكر السلفي على المستوى الأيديولوجي. كما أوضح أن هذا الفكر لا يمكنه إدارة دولة ومجتمع، خاصة إذا كان مجتمعاً متعلّماً ومتنوعاً ومسيَّساً كالشعب السوري، الأمر الذي يستدعي مشروعاً سياسيّاً جديداً يحتوي هذا التنوع.

وإضافة إلى ما تقدم، أشار إلى التحديات الخارجية التي تواجهها الإدارة الجديدة، ومنها:

- الاحتلال الإسرائيلي الذي احتل 400 كيلومترا من جنوب سوريا؛

- السيطرة الأمريكية على دير الزور والحسكة والرقة؛

- الهيمنة التركية الناعمة على إدلب وحلب.

ومن ثمة، أشار إلى أن الدولة السورية لا يمكن أن تُبنى إلا في وسط سوريا، وأن هيئة تحرير الشام لن تستطيع بناء دولة العدالة والمواطنة والحرية دون بناء خطاب سياسي وفكري حقيقي يواجه هذه التحديات.

أما د. هاني نسيرة، فتحدث عن هيئة تحرير الشام بوصفها ذاهبة في اتجاه الدولة، مسلّطاً الضوء على تحولات رئيس حركة تحرير الشام أحمد الشرع، منذ سنوات، والتي كان يرصدها عن كثب، حيث تحول من دعم الجهاد إلى الإعلان عن حركته حركة وطنية سورية، وهي تحولات وصفها بالجريئة. وأضاف د. هاني أن الشرع كان جاهزاً للدولة قبل سقوط بشار الأسد، وأن هذه التحولات طبيعية، مثل تحول الكثير من الحركات الإسلامية عبر التاريخ من العنف إلى السلمية. وأكد أن هناك هواجس من أن تكون هذه التحولات أقنعة، لكنه دافع عن حق الشرع في الحصول على فرصة.

وذكر د. محمد أمير ناشر النعم في مداخلته، أن عدة أسباب تدعو إلى التفاؤل، وتطرد الخوف من اتجاه الإسلام الحركي وتجلب الاطمئنان. وهذه الأسباب هي:

- الرفض المجتمعي للسلفية الجهادية؛

- التحولات الهائلة التي تشهدها السعودية (معقل السلفية الأساسي)، خاصة الانكفاء عن دعم السلفية؛

- أداء هيئة تحرير الشام الذي وصفه بالبراغماتي، رغم وجود تباينات في تقبله.

كما نبّه إلى أن عدم وجود كتل متماسكة أو شخصيات شعبية منافسة داخل الحركة، إضافة إلى تمكن رئيس الهيئة من إمساك خيوط اللعبة، يمنع حدوث انقلاب عليه في المدى المنظور.

إضافة إلى ما سبق، دعا د. ناشر السوريين وهيئة تحرير الشام، في ختام مداخلته، إلى إعادة اكتشاف السلفية الشامية الإصلاحية، التي كانت أساس نهضة بلاد الشام على جميع الأصعدة؛ فهي سلفية مغايرة تماما للسلفية النجدية، وتتميز بتقبلها لثقافة "الالتباس"؛ أي التنوع الفكري والثقافي، وانفتاحها على العلوم الحديثة، ورفضها للتكفير والطائفية، واعترافها بالدولة الحديثة.

وتحدث د. أحمد زغلول شلاطة، في مداخلته، عن حالة الاحتفاء التي عرفتها جماعة الإخوان في الحالة السورية، ومناداتها بالعودة إلى القوة والاقتداء بمسار أبو محمد الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام).

وقدم د. أحمد مقارنة بين الإسلام الحركي الإخواني والسلفي الجهادي، مؤكداً أن الاختلافات بينهما عبر العقود (خاصة في الموقف من الدولة) خلخلت نسبيّاً. كما لاحظ أن جماعة الإخوان تورطت في العنف، ما أدى إلى إقصائها عن الحكم، بينما تحول الجولاني من زعيم جهادي إلى فاعل سياسي محلّي، بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على أراضٍ في سوريا.

وجواباً عن السؤال: "هل يمكن تكرار تجربة هيئة أحرار الشام في بلدان أخرى؟"

قال د. شلاطة إن لكلّ تجربة مقوماتها الداخلية، وأن الحالة السورية هي نتاج انهيار سياسي وأزمة هوية وسياق زمني ومجتمعي محددين، ساهما في صعود هيئة تحرير الشام، في صورة تعكس وجود نوع من التوافق المسبق للقوى الدولية الفاعلة، التي رأت في نموذج الجولاني، كشخص وفكر ومشروع تبلور عبر عقد من الزمان، البديل الواقعي الذي يجب تأهيله سياسيّاً بما يفي لمتطلبات المرحلة. وهذا ما تفتقده جماعة الإخوان المسلمين- حسب د. شلاطة- في الوقت الراهن في ظل جمود أدائها على مدار عقد ونصف، فلم تدفعها الأزمة السياسية التي تتعرض لها إلى تطوير سلوكها السياسي وطرح مشروع تتجاوز به أزماتها، وهو ما يجعل فرص حضورها السياسي ضعيفة جدّاً، ولا يضعها محلّ رهان سياسي محلّياً أو دولياً.

وخلص د. شلاطة في مداخلته إلى أن التحديات التي تواجهها الحركات الإسلامية بشكل عام، تتجلى في:

- مدى قدرتها على التعامل بفعالية مع منظومة الدولة الحديثة على مستوى التنظيم والإدارة، خاصة أن متطلبات الأمة التنظيمية والإدارية، تختلف عن متطلبات الدولة الوطنية.

- مدى قدرة المجتمعات على القبول بإدماج جماعة مسلحة متعددة الجنسيات، في مشهد سياسي محلي.

- سؤال المواطنة يمثل تحدّياً كبيراً أمامها، والذي سبب أزمة في التجربة المصرية وفي تجارب حركية في دول عربية أخرى.

بعد انتهاء جميع المداخلات، تقدم د. حسام الدين درويش بالشكر الجزيل لكل المتداخلين الذين أثروا الندوة بوجهات نظرهم المختلفة والمتعددة، ثم بدأ بطرح عدد من الأسئلة عليهم، تدور في مجملها حول "الديمقراطية" كمستقبل منشود؛ إذ كيف للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية أن يتم على يد رجل لا يقبل بهذه الكلمة ولا ينطقها؟ وهل الواقع يسمح ببناء دولة وطنية ديمقراطية؟ أم إننا بحاجة إلى تراكم تاريخي طويل؟

تفاعل المشاركون في الندوة مع تساؤلات د. درويش مؤكدين غياب مصطلح الديمقراطية عن خطاب الشرع، واستعاضته بعبارات أخرى لا تستوعب الديمقراطية، وكذا إصراره على استعمال مصطلحات إسلامية مثل الشورى. لكن د. ساري أشار إلى أن الشرع يطبّع شيئاً فشيئا مع المفاهيم الحديثة. وأضاف قائلاً: إن صلب المشكلة الحقيقية هو الانتقال من دولة صلبة إلى دولة رخوة بسبب التغييرات وتدخل القوى الأجنبية. لذلك يبقى الكلام عن الديمقراطية في الوقت الحالي رغبويّاً فقط، ويصعب تأسيس دولة ديمقراطية في ظل الشروط والإمكانات الحالية، مقترحاً الحديث عن "دولة الإنسان" كخطوة وسيطة في الانتقال بين المرحلتين: الاستبداد والديمقراطية.

وأوضح د. أنس الطريقي ضرورة التخلي عن المرجعيات الجاهزة لبناء توقعات متناسبة مع الواقع، فصيغ من قبيل: دولة المواطنة، دولة الديمقراطية...إلخ هي صيغ يتحقق من خلالها التعايش، ولكن الواقع يطرح علينا صيغا أخرى، وبالتالي ضرورة التواضع مع الواقع والإنصات إلى إمكانياته.

ولاحظ د. هاني نسيرة، أن حضور فكرة الوطن في خطاب الشرع، (التي طالما أقصيت من الخطاب الإسلامي) هو أمر مطمئن، كما أن للجماعة خبرة عملية يمكنهم توظيفها والاستفادة منها في إدارة الدولة.

بخلاف ذلك، أصرّ د. محفوظ على موقفه من الفكر السلفي وعدم صلاحيته لبناء الدولة، وعلّل ذلك بكون السلفية المدرسية لم تتكلم أصلاً عن بناء دولة المؤسسات، وأتباعها لم يكونوا فاعلين مدنيين لعقود، ولا يستطيع بناء الدولة غير الفاعل المدني؛ لأن الفعل السياسي هو فعل تجريبي تراكمي، ومن مجموع الأخطاء يمكن بناء دولة.

وقد تفاعلت نخبة من الحاضرات والحاضرين، مع وجهات النظر التي عبرت عن تنوع أثرى هذه الندوة، وأخذت مسألة المقارنة بين التجارب الإسلامية العربية؛ المصرية والتونسية والمغربية والسورية، حيّزاً لا بأس به من النقاش. كما تم طرح مسألة أدلبة سوريا بعد النجاح الذي حققته هيئة تحرير الشام في إدارة إدلب، إلا أن د. شلاطة أكد صعوبة تعميم نجاح إدارة منطقة ضيقة كإدلب، على منطقة كبيرة بحجم سوريا؛ فمنطق إدارة الدولة يختلف عن منطق إدارة الجماعات.

وفي ختام الندوة، أكدت د. ميادة كيالي على حرص مؤسسة مؤمنون بلا حدود على محاربة الأفكار الجاهزة، وفتح نقاشات جادة قائمة على النقد، وخلق فضاء يتسع للرأي والرأي الآخر، وأوضحت أن ما يميّز المؤسسة هو الإيمان بالحوار كسبيل وحيد لمقاربة الأفكار، حيث لا تُبنى المعرفة بالصمت، بل بالنقاش، ولا تتقدم إلا عندما نجرؤ على التفكير في الاحتمالات بدلاً من الاكتفاء بالمسلمات.

رابط اللقاء على يوتيوب:

https://www.youtube.com/watch?v=mCaUoXnzAWI&t=9s

رابط البرومو:

https://www.facebook.com/watch/?v=3888163288163235