تقرير الندوة الحوارية التاسعة: كتاب "القمع المقدس" للدكتور حسن حماد
فئة : حوارات
تقرير الندوة الحوارية التاسعة:
كتاب "القمع المقدس" للدكتور حسن حماد
استقبلت مؤسسة مؤمنون بلاحدود يوم الجمعة 11أكتوبر عند الساعة الخامسة مساء بتوقيت المغرب، والسادسة مساء بتوقيت ألمانيا، على منصة زوم، الأكاديمي المصري الدكتور حسن حماد، لمناقشة كتابه "القمع المقدس" الصادر عن دار مؤمنون للنشر والتوزيع.
في بداية اللقاء، توجهت الدكتورة ميادة كيالي في كلمتها الترحيبية بالشكر الجزيل لأعضاء فريق مؤسسة مؤمنون بلاحدود كل باسمه، وأثنت على الجهود التي يبذلونها بتفان في المؤسسة، كما أشادت بجهود الدكتور حسام الدين درويش لإدارته الحكيمة في كلّ اللقاءات الحوارية التي تقدمها مؤسسة مؤمنون بلاحدود، عبر تقنية زوم. كما توجهت بالشكر لابنها فارس منصور الذي يشتغل بجهد على المادة الإعلامية في كل أنشطة المؤسسة، سواء في المعارض أو الندوات. ورحبت بعد ذلك بكل المتابعين الذين يتابعون اللقاءات الحوارية باستمرار، ويسهمون في إغنائها بمداخلاتهم.
وفي إطار كلمتها التقديمية، عرفت الدكتورة ميادة كيالي بموضوع اللقاء الحواري، وهو كتاب "القمع المقدس" الذي ينهض على مدخل وسبعة فصول وخاتمة عامة، حيث وقفت بالتعريف عند كل واحد منها، ثم عرفت بضيف اللقاء مؤلف الكتاب المذكور، وهو الأكاديمي المصري الدكتور حسن حماد.
ولمباشرة الحوار، أحالت الدكتورة ميادة الكلمة إلى الدكتور حسام الدين درويش الذي رحب بدوره بضيفه الكريم وبالمتابعين للقاء، ثم أشار إلى أهمية الكتاب الذي لقي رواجًا في معرض الرياض للكتاب بالمملكة العربية السعودية، وهنأه وهنأ مؤسسة مؤمنون بلا حدود على هذا الإنجاز العظيم.
في بداية حديثه عن الكتاب، أشار الدكتور حسام إلى أن الدكتورة ميادة أسرّت ببعض المعلومات عن مضامين الكتاب، وقال إن العنوان يبدو بسيطاً ومفهوماً قمع يتم باسم مقدس، وأن الكاتب فصل في المقدمة هذا القمع من حيث قوته وشموله ومن حيث راهنيته. ومن ثم، انطلق في طرح أسئلته على ضيفه الكريم الدكتور حسن حماد، وكان من ضمنها: ماذا يقول المؤلف عن هذا القمع المقدس في المقدمة؟ ما الخلاصة التي خلص إليها في المدخل من حيث معنى المقدس ودلالته في ديانات مختلفة؟ ما الوظيفة الإيجابية أو السلبية للمقدس؟ هل العلم يجيب عن كافة الأسئلة التي تؤرق الإنسان اليوم، وهل هو قاصر، وليس من دوره الإجابة عنها؟ ما علاقة الإيمان بالتعصب أو الانفتاح على الآخر؟ هل سلطة المقدس هي أقوى السلطات؟ هل الأبوية هي أبوية النص أم أبوية من هيمنوا على النص وادعوا أنهم يمتلكون حقيقته؟ هل الإنسان أمام خيارين الاتباع والاهتداء أم التمرد، وهل يمكن استبعاد هذين الخيارين؟ ما وجهة نظر المؤلف تجاه قمع المرأة، وهو قمع ثلاثي تعاني منه؛ القمع العام والقمع الفقهي، والقمع المستبطن؟ هل هناك علاقة بين إهداء الكتاب الذي يتحدث بكل سلبية عن الأبوية؟ وكيف يرى صورة الأبوة والأمومة؟ كيف تكون العلاقة مع المقدس سادية ومازوخية في نفس الوقت؟ ما الغاية من التحليل النقدي في استعارة الراعي والرعية؟
توجه الدكتور حسن حماد بالشكر الجزيل لسيدة دار مؤمنون بلاحدود الدكتورة ميادة كيالي، على دورها التنويري التثقيفي والتحريضي بالنسبة إلى الحرية، والذي تقوم به من خلال مؤسسة مؤمنون بلاحدود، كما توجه بالتحية إلى فريق العمل الذي يعمل بجانب الدكتورة ميادة. ولم يفته الثناء على دور الدكتور حسام في حواراته الرائعة ولقاءاته العميقة، ثم بدأ في الحديث عن القمع المقدس، وذكر أنه عنوان بسيط جدًّا، لكن يحمل دلالات مهمة؛ فمفهوم القمع مفهوم متسع جدًّا، وينتمي بشكل رئيس إلى أدبيات التحليل النفسي، حيث يتم أحيانا الخلط ما بين الكبت والقمع، والكلمة التي تشير إلى هذين المعنيين هي كلمة répression ، وهي كلمة يمكن ترجمتها إلى الكبت أو إلى القمع، لكن القمع المقصود هنا هو هذا الجدل ما بين السلطة الخارجية والسلطة الداخلية، أو السلطة التي تتحول إلى سلطة مستبطنة.
وأضاف مؤلف الكتاب، إن هذا القمع قمع مستحبّ ومرضي عنه؛ لأنه يمارس باسم الإله، وهذا ما قصده بكلمة المقدس. ففكرة المقدس ترتبط بالدنيا والآخرة في تجلياتها القديمة من خلال السحر والأسطورة، قبل أن تظهر الديانات المؤسساتية، كان المقدس واسعا جدًّا وهذا ما تناوله فرويد في كتابه الطوطم والتابو؛ فالطوطم كلمة تشير إلى كل ما هو محرم، والمحرم يتضمن المقدس والمدنس حتى في التراث الإسلامي، حيث تشير كلمة المحرم إلى المقدسات والمدنسات معا. وخلص المؤلف في مدخل كتابه، كما يقول، إلى أن أساس المقدس هو الدنيوي، ولكن يتم عزله وفصله وإحاطته بحالة من التحريم حتى يصبح مقدساً.
إن المقدس يضيف مؤلف الكتاب، في دلالته القديمة يحمل معنى مزدوجاً، فهو يعني المقدس، ويعني الملعون أيضا، ولذلك فكلمة تابو أو الحرام تشير إلى هذا المعنى المزدوج؛ فالمحرمات تحاط بهالة من التحريم، وكذلك المقدسات كما في أداء طقوس الحج، حيث تفرض قيود معينة على الأماكن المقدسة. ولهذا يشير المقدس إلى معنى إيجابي وآخر سلبي وهو الملعون؛ لأن كلمة المحرم ليست منفصلة عن كلمة المقدس. لقد لعب المقدس دورًا كبيرًا في حياة البشرية، خاصة من خلال مرحلة السحر، وهي مرحلة تمثل على المستوى الأنثروبولوجي ما يمثله العلم الآن بالنسبة إلى الإنسان.
إن المقدس يقدم إجابات نهائية وإجابات أشبه بالبديهيات التي تمارس سلطة لا محدودة على الإنسان، بينما الحقيقة التي يصل إليها العلم هي نسبية ومتغيرة، ولا يمكن فرضها على الآخرين بالعنف أو بالقوة؛ فليس الشك هو الذي يقتل، ولكنه اليقين يضيف الكاتب. فالإجابات المقدسة لا تناقش؛ لأنها لا تحمل شكًّا.
وفي علاقة الإيمان بالتعصب، يشير الدكتور حسن حماد إلى أن الإيمانات كلها ليست على درجة واحدة؛ فهناك إيمان يحمل قدرًا من التسامح، وهذا كان في عصر التنوير؛ أي أن يتحول الدين إلى مسألة داخلية وعلاقة مباشرة ما بين الإنسان والرب، ومن ثم يصبح أمرًا ذاتياً، شرط أن لا يُفرض هذا الإيمان على الآخر. فالإيمان كان بسيطاً عند الناس، يزورون الأضرحة، ولا يفرقون ما بين شيعة أو سنة؛ فالإيمان الشعبي هو إيمان بسيط، كما أن إيمان المتصوفة لا يحمل ضغينة أو إقصاء بالنسبة إلى الآخر؛ فهو إيمان بعيد عن التعصب والعنف والإرهاب، وتظهر خطورة الإيمان حين يتحول إلى دوغما، فبداية المأساة هي فكرة امتلاك الحقيقة المطلقة، عندما تظن جماعة أو أصحاب عقيدة أنهم أصحاب اليقين المطلق، وأنهم الأقرب إلى الله، وأنهم يمتلكون الإله، وهؤلاء يتحولون بالتأكيد إلى إرهابيين. وما يعنيه الكاتب في المقدس، يقول، هو الرغبة في السيطرة على عقل الإنسان ومشاعره وجسده.
إن المقدس هو سلطة مستبطنة يرضعها الإنسان منذ بداية حياته، وبالتالي تصبح جزءًا من كيانه؛ ففي الفصل الخاص ببنية المقدس، أشار الضيف في حديثه إلى أنه تكلم عن الأساس الجسماني للمقدس؛ ذلك أن المقدس هو جزء من بنية الجهاز العصبي والجسدي للإنسان، حيث فكرة عودة المكبوت، وعلى الرغم من تلقي ثقافات أخرى، تختزن الشخصية في قاعها هذا الميراث الذي تلقته في مراحل الطفولة، ولذلك فالمقدس سلطة جبارة ليس لها ظل خارجي مباشر، ولكنها موجودة في الأعماق، وتمارس باسم القدرة الإلهية. ومن ثم، فالمقدس سلطة مركزية في الديانات الإبراهيمية الثلاث.
في مسألة أبوية النص، ذكر المؤلف أن فكرة الأب لا توجد بشكل مباشر في الإسلام مثل ما هي موجودة في المسيحية. ويرى أن ما يطرحه في هذا الكتاب هو أن النص القرآني يحتل هذه السلطة، باعتبار أن النص القرآني حسب أهل السنة، نص قديم، وأنه كلام الله؛ ومن ثم يتحول إلى صفة من صفات الإله، ويحتل لدى التيار الأصولي قداسة مطلقة، وكل من ينطق به يصبح مقدساً. ومن هنا تأتي أبوية النص؛ فالمدونة الإسلامية لم تقتصر على النص المؤسس وهو القرآن، ولكن أضيفت لها المرويات، وبالتالي اتسعت هذه المدونة حتى أصبح البخاري مقدساً.
وأكد الكاتب أننا نحتاج إلى قراءة تاريخية للنص، وهذا هو الحل، ولا يمكن استبعاد الدين من حياة الإنسان، ولا سيما في العالم العربي؛ فالدين جزء رئيس من بنية الثقافة العربية، ولذلك اتسعت مساحة المقدس جدًّا، وامتدت إلى الشخصيات العادية والشخصيات المعاصرة، فالشيخ الشعراوي مثلا في مصر شخصية مقدسة وغيره كثير، ومن ثم حين تتسع مساحة المقدس في حياة الإنسان، فهي تغطي كل شيء، لتصبح قضية الإنسان المحورية.
وفي مسألة ردّه على قمع المرأة، ذكر المؤلف أن المرأة مهمة في المجتمع وليست كيانا هامشيا، فهي الأم والزوجة والصديقة، فهي تمثل العالم، ومن ثم فالسيطرة على جسد المرأة يؤدي إلى السيطرة على فكرها ومشاعرها، وبالتالي على المجتمع؛ فالمرأة تربي الأجيال، فإذا ربت الأم أبناءها على الحرية والاستقلالية والاعتزاز بالذات والتمرد على القيود والقمع، سيكونون بالتأكيد أحرارًا. أما التي تزرع في وجدان أبنائها الخوف والخضوع والاستسلام، فهي تنشئ بالتأكيد مجتمعاً قائماً على الإذعان والاستسلام. ولعل أخطر قمع تواجهه النساء هو القمع المستبطن، حيث يدافعن بأنفسهن عن هذا القمع، وهنا تكمن الخطورة من وجهة نظر الكاتب، والذي دعا إلى ضرورة الوعي بالقيود بوصفه منطلقا إلى الحرية.
وفي إطار الحديث عن الأبوة والأمومة، أشار المؤلف إلى أن المجتمع الذي نعيش فيه هو مجتمع أبوي ذكوري، وهو ما يجعل الأنثى غائبة، وللأنوثة معنى في هذا الوجود، فهي الجمال والرقة والحنان، فهي تعني الاحتواء وتعني الأرض. ومن ثم صرح بانحيازه للأنوثة كمعنى في مقابل الأبوية. صحيح أن فكرة الأب ضرورية، لكنه يمارس دوره على كل المستويات؛ الأسري والتعليمي والسياسي والديني.
وفي حديثه عن الألم المقدس، ذكر ضيف اللقاء أن جزءًا رئيساً من قمع الإنسان هو قمع الجسد، فسيطرة أي سلطة على الجسد هي مقدمة ضرورية للسيطرة على الإنسان، فالجسد المكشوف مسيطر عليه، والإنسان في التراث الديني في حالة من المرئية، فالله يرى كل حركاته وسكناته، فهو في حالة انكشاف كامل. وترتبط فكرة الألم المقدس بفكرة الروح والجسد في هذه الثنائية اللعينة التي سيطرت على التاريخ الإنساني. ومن ثم ينظر إلى الجسد على أنه رمز للخطيئة ورمز للعصيان والتمرد، ورمز للعبد، فالجسد مدانٌ وملعون، ولهذا يتم تقييده وقمعه وكبته. وعليه، يضيف المؤلف، أن السادية والمازوخية مرتبطتان ببعضهما؛ لأن الشخص السادي يمكن أن يتحول في لحظة ما إلى مازوخي.
تميز اللقاء بثراء فكري رصين، أبان عنه المؤلف من خلال إجاباته التي شدت انتباه المتابعين، وفتحت لهم شهية السؤال لمعرفة المزيد مما طرحه ضيف اللقاء في الكتاب، فكانت المداخلات غنية وجادة أسهمت في إغناء اللقاء وإثرائه. كان من المتدخلين في هذا اللقاء: دة. ميادة كيالي – د. عبد السلام شرماط – د. عبد العزيز موسى – السيدة فاطمة – د. عماد – السيدة ريم وغيرهم كثير من المتابعين.
في نهاية اللقاء، توجه الدكتور حسام بالشكر الجزيل لضيف اللقاء د. حسن حماد، ثم أعطى الكلمة للدكتورة ميادة التي ختمت بكملة مميزة تحدثت فيها عن القمع والحرية والإيمان، ووعدت المتابعين بلقاء جديد في نهاية شهر أكتوبر.