تقرير حول الندوة الحوارية الرابعة عشرة: سوريا الحاضر والمستقبل: بين الآلام والآمال.

فئة :  حوارات

تقرير حول  الندوة الحوارية الرابعة عشرة:  سوريا الحاضر والمستقبل: بين الآلام والآمال.

تقرير حول  الندوة الحوارية الرابعة عشرة:  سوريا الحاضر والمستقبل: بين الآلام والآمال.

في إطار التحولات والتطورات السياسية التي تشهدها سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد، عقدت مؤسسة مؤمنون بلا حدود ندوة علمية يوم الجمعة 20 ديسمبر 2024 عند الساعة السادسة مساء بتوقيت المغرب وألمانيا، والتاسعة مساء بتوقيت الإمارات العربية المتحدة عبر منصة زوم zoom. أشرف على اللقاء وتنسيقه الدكتورة ميادة كيالي، وأدار الحوار الدكتور حسام الدين درويش.

شارك في الندوة نخبة من المفكرين والباحثين السوريين وغير السوريين، وهم: د. أحمد برقاوي، د. رضوان السيد، د. محمد حبش، د. نجيب عوض، دة. عفراء جلبي، أ. محمد العاني، د. عبد الله السيد ولد أباه.

في بداية اللقاء رحبت الدكتورة ميادة كيالي بالضيوف والمتابعين، وشكرت كل من لبّى الدعوة، مؤكدة أن هذه الندوة أتت في مرحلة مفصلية من تاريخ سوريا، انتهت فيها حقبة مظلمة من حكم الطغاة. وعلى الرغم من أن الحاضر مثقل بالأوجاع، فإن ثمة تطلعاً إلى مستقبل فيه أمل قائم على بناء سوريا، تقول: "نحن اليوم أمام مسؤولية تاريخية، كيف يمكننا أن نضمن ألا تُمارس السلطة في سوريا المستقبل كأداة قمع، سواء باسم الدولة أو باسم الدين؟ كيف نؤسس سلطة الحقوق والقانون التي تحترم كرامة الإنسان السوري؟ إنني، كسورية، أحمل حلماً كبيراً لدولة مدنية تعترف بالتنوع والتعددية كقوة لبنائها، دولة تحمي مواطنيها بقوانين عادلة وقضاء نزيه ومستقلّ، دولة تضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار".

وأكد الفيلسوف الدكتور أحمد برقاوي، عميد بيت الفلسفة في الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة، في كلمته على زوال الأسدية بوصفها ظاهرة استثنائية في تاريخ بلاد الشام؛ لأنها عبارة عن قيام سلطة تمتلك دولة، مميزاً بين دولة السلطة وسلطة الدولة؛ فالأولى تدمر فكرة الدولة عبر تدمير المؤسسات، بينما الثانية تبني مؤسسات لتسيير أمور المواطنين وشؤونهم. وبسقوط الأسدية، يرى المفكر برقاوي أن ثمة مشكلة في كيفية الانتقال من دولة السلطة إلى سلطة الدولة، يقول: "الآن، تحقق هذا الانتصار على دولة السلطة، والتي زالت بطريقة كوميدية؛ لأن العقل لم يكن يتخيّل أن يكون الانتصار على هذا النحو السريع، وعلى هذا النحو يعني غير المعقول. وهكذا وجدنا أنفسنا الآن أمام مشكلة في غاية كبيرة من الأهمية، كيف ننتقل من دولة السلطة إلى سلطة الدولة؛ للانتقال إلى سلطة الدولة، يجب أن تكون هناك دولة؛ الدولة كما تبين من خلال التاريخ المعاصر، أيّ دولة إيديولوجية هي محدودة الفاعلية، وهي استبدادية بالضرورة، بل أقول لكم إن الدولة الإيديولوجية ليست دولة، لماذا؟ لأنها لا تنتج إلا وعياً يجعل الآخرين جميعهم متشابهين، وبالتالي الدولة الإيديولوجية هي دولة القضاء على الاختلاف، والاختلاف هو الواقع الحقيقي، لا سيما إذا كان التنوع تنوّعاً طائفيّاً، تنوّعاً دينيّاً، تنوّعاً قوميّاً، تنوّعاً سياسيّاً إلى آخره، وبالتالي هو القضاء على السياسة، قضاء على المجتمع السياسي وقضاء على المجتمع المدني".

وفي تعليقه على مداخلة د. أحمد برقاوي، قال د. حسام الدين درويش: "ببساطة إن الخوف أو التخويف أو حتى الرعب، يعني كلمات أقوى من الخوف، هو الذي كان سائداً، لكن حتى بالنسبة إلى المستقبل الممكنات مفتوحة، والسؤال هو كيف ننتقل من هذه الحالة؟".

وقدم الدكتور رضوان السيد في كلمته توصيفاً عامّاً للمشهد السوري من خلال ثلاثة أمور؛ الأول يتعلق بسقوط حكم الأسد، والذي تبين أنه نظام ميّت، والأمر الثاني هو رغبة السوريين في العودة إلى بلدهم سوريا. أما الأمر الثالث، فهو انكشاف العذاب الهائل الذي تعرض له الشعب السوري في السجون على يد نظام فظيع لا يكاد العقل يتصوره. وفي توصيفه هذا، عبّر المتحدث عن تفاؤله بالأمور الثلاثة التي تحققت، والتي وصفها بالأمور العظيمة، وهو يعقد عزمه على همة الشعب السوري في بناء دولة مدنية، يقول: "أنتم دمشق وحلب إلى جانب الموصل، أقدم ثلاث مدن في العالم ما يزال فيها سكان، ما تزال مسكونة، لم تخرب كما خربت كل مدن بلاد الشام والعراق. فأنا معتمد على هذا المجتمع المدني الذي يسمّى مجتمعاً ساميّاً، وحتى على عكس أدونيس، حتى بالذات الذين خرجوا إلى المساجد، أو دخلوا منها ومن دون سلاح. هذه الرمزيات الآن، لا ينبغي أن نستغربها في سوريا. أنا لست خائفاً من الرمزيات، وأنا واثقٌ وشديدُ الثقة، بالمدينة السورية وبالمجتمع الشامي العظيم هذا، على أنه سيعمل أو سيقوم بدولة مدنية تكون نموذجاً لنا نحن أيضاً في لبنان، وشكراً".

بعد ذلك، أعطى د. حسام الدين درويش مدير حوار اللقاء، الكلمة للدكتور نجيب جورج عوض، الذي اعتبر رحيل نظام الأسد لحظة تاريخية مهمة جدّاً، مؤكداً على كلمة رحيل وليس سقوط؛ لأن هذا النظام، يقول المتدخل: "حسب اعتقادي، من أتى بحافظ الأسد، هو من أمر بشار الأسد بالخروج من سوريا. مراقبتي للأحداث في سوريا حالياً، تعنيني من زاوية الثورة، وأين هي الثورة في سوريا؟ أنا أعتقد حالياً أن الثورة في سوريا لم تنتصر بعد، وأنا خائف جدّاً من أن تهزم، هي لم تنهزم، لكنها لم تنتصر بعد، والخوف أنها تهزم. وأنا أعتقد أن يكون معطيان على الأرض في هذا؛ المعطى الأول هو غياب السياسة من المشهد السوري؛ إذ لا توجد سياسة على الإطلاق حالياً، وهذا السبب تاريخي؛ لأنه خلال الخمسين سنة الماضية، الأسد الأب والابن قتلا السياسة في سوريا، قتلاها عن بكرة أبيها، قتلاها فكراً ومفهوماً وممارسةً"، كما نبه د. نجيب إلى غياب السياسة في المشهد السوري، وعلى الرغم من أن سوريا تحررت، فهي لم تعش الحرية بعد. لقد تحررت سوريا من نظام بشع وبربري، ولكن السوريين هم في حاجة إلى وقت لتعلم شيء يعني الحرية، ومنها التعدد والتنوع والاختلاف، يقول د. نجيب عوض: "اليوم، يلزم أن يكون في سوريا تعدد، تنوع، اختلاف، ويلزم أن تكون أصوات متعددة في الساحة، وإلا سنعيد إنتاج نظام أحادي، وهذه المرة، هذا النظام الأحادي، هو صوت دوغمائي إيديولوجي فوق دولتي فوق مدني. ولهذا، لدينا مشكلة حقيقية اليوم، هي كيف نتيح لهذا الشعب السوري، لهذه الأجيال، أن تطور فهمها للحرية، وأن تعرف ما معنى أن تمارس الحرية في عمق الاختلاف". وخلص من قوله هذا إلى نتيجة تفيد أن الثورة السورية لم تنتصر بعد.

بعد ذلك، شكر مدير الحوار د. حسام الدين درويش ضيفه د. نجيب على كلمته، ثم علق قائلا: "دعني أقول وجهة نظر، ضروري حضورها ومناقشتها، وهي ببساطة تجعل من السوريين والسوريات مجرد دمى، تحركها أيد خارجية. ليست هناك فاعلية لا لشعب ولا لحراك، ولا لنصرة أو غيرها"، ثم أعطى الكلمة للدكتورة عفراء جلبي، وهي كاتبة وأكاديمية كندية سورية أو سورية كندية، وأستاذة مساعدة في قسم الثقافات والأديان بجامعة كونكورديا في منوتريال.

في بداية مداخلتها، باركت الدكتورة عفراء للسوريين والسوريات والعرب التحرر من عهد شمولي مرعب، والخروج من سجن صيدنايا الكبير، وهي تعبر عن اندهاشها بضبط النفس وحقن الدماء، والحرص على السلم الأهلي، تقول: "إننا نقف أمام مستحقات أخلاقية هائلة؛ أولا ندين بامتنان هائل لهؤلاء الشباب الصغار الذين استعادوا بأدنى درجات الأذى والمواجهة، بعد قصفهم بالبراميل، ورشّهم بالكيماوي، وقتل ذويهم وتهجيرهم، ورغم ذلك دخلوا إلى بقية الأراضي السورية، وهم يقولون: عدالة، لا انتقام، ويطلقون سراح عناصر الجيش، وهم يقولون لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، حتى لو عندنا اختلافات فكرية معهم، ومستقبل حافل قادم في حواراتنا بين بعضنا كسوريين، لكن علينا أن نتحلّى بشيء من الهدوء حالياً، والحياء أيضا تجاه ظاهرة حدثت أمام عيوننا". ودعت المتدخلة في كلمتها إلى التشبث بثقافة التراحم والعدل، والتمسك بالحوار قصد حفظ الكرامة رغم اختلاف وجهات النظر.

وبعد تعلقيه على أن السياسة هي خروج من حالة الحرب، رحب د. حسام الدين درويش بالدكتور محمد حبش، ثم ترك له الكلمة، ليعبر فيها الباحث السوري عن شكره وفرحه بعد يأس طويل، مؤكداً أن الثورة نجحت في معيارها الأخلاقي والقيمي، رغم شيطنة النظام للثورة بشكل مرعب، يقول د. حبش: "كان النظام يحدث العالم ويحذّره بأن هؤلاء الوحوش قادمون؛ الإيغور، الشيشان، الخراسانيون، كل الألقاب القاعدة، النصرة، وأنهم قادمون لقطع الرؤوس وتعليقها على أبواب المدن، وارتكاب مجازر سبايكر. وللأسف، كانت هذه الثورة توصف بأنها الإرهاب، وتصنف في الأمم المتحدة بأنها الإرهاب، فيما لم يصنف نظام الأسد بأنه نظام إرهابي، لم يصنف حزب الله بأنه حزب إرهابي، لم يصنف زينبيون وفاطميون الذين ارتكبوا أفظع المجازر"، لكن شاء القدر يضيف ضيف اللقاء، أن يتحقق هذا الانتصار الكبير، وبالتالي لا بد من تجنب تلك المعارك الفارغة؛ فاعتماد وجه إسلامي أو تحول إسلامي نحو القيم الإسلامية الصحيحة التي تحظى بالاعتدال، لا يعني على الإطلاق التحول إلى دولة ملالي. يقول د. محمد حبش: "أعتقد أن المرحلة ستكون امتداداً للمسلم الغاضب الذي رأى أنه انتهكت حقوقه خلال 54 سنة من دون انقطاع، خلال 14 عاماً من التوحش، أعتقد أنه يحتاج إلى هذه الفرصة ليلتقط الأنفاس، إذا رأيتموهم يملؤون ساحات الجامعات بالصلاة، فيجب أن تعلموا أنه قبل شهرين كان المصلي في الجامعة تكتب فيه التقارير، ويحال إلى التحقيق، وكان الذي يصلّي جماعة يكمل صلاته في صيدنايا، كان هذا يحصل في سوريا".

بعد ذلك، تسلم الكلمة الأستاذ محمد العاني الذي بنى مداخلته على بعض المعلومات والتحليلات، وقد أبدى اتفاقه مع د. نجيب عوض بخصوص قرار دولي في استسلام الأسد أو هروبه، ثم أضاف إن الإيرانيين لم تكن لهم القدرة على التدخل، ولا يمكن للعراق التدخل من دون إذن أمريكي، لذا كان الخلاص الوحيد للأسد هو روسيا، فثمة عوامل خارجية وداخلية تضافرت وأدت إلى انهيار النظام في سوريا. وبخصوص التخوف الإسلامي، ذكر المتدخل أن النظام ظن في بداية الأحداث، أنه انتصر في 2018-2019، فجمع كل الفصائل المقاتلة في إدلب، على أن هذه الفصائل ستتقاتل فيما بينها. وبعد أن عدّد أسماء الفصائل وتحولاتها، قال: "أنا أريد أن أقول لو كان هؤلاء هم القاعدة أو تنظيم داعش، لأريقت الدماء في شوارع دمشق في الأسبوع الأول. لذلك، ينبغي أن نعطيهم الفرصة أوّلاً، لا يمكن الحكم عليهم الآن من خلال أسبوع. المطالبة بحكومة مدنية مشروع، وانتخابات نزيهة يجب أن تتم، ولكن خلال أسبوع وقبل عودة المهجّرين قسراً، والكشف عن عشرات الآلاف من المفقودين، تكون هذه المطالبات غير منطقية وواقعية. لنلملم جراح الأمهات الثكالى، وليستتب الأمن، ويحصل المهجرون على وثائق تمكّنهم من العودة". ودعا الأستاذ العاني إلى ضرورة منح فرصة للثوار وهيئة تحرير الشام وللسوريين، مادام أن هؤلاء الثوار لم يفرضوا أحكاماً عرفية، ولم ترق الدماء في الشوارع، ولم يقوموا بعمليات تطهير.

كان آخر متدخل في هذا اللقاء، هو الدكتور عبد الله السيد ولد أباه، فيلسوف وباحث أكاديمي موريتاني، والذي أكد أن النظام السوري حوّل القمع إلى ظاهرة عادية، وأصبح جزءاً من تركيبة السلطة، ومن تركيبة علاقة الدولة بالمجتمع، يقول د. عبد الله السيد: "فالحقيقة التي لا مراء فيها، أن هذا المجتمع واجه شراسة النظام وتفاهته وقوته وبطشه، وأن ما حدث مؤخراً ليس سوى حصاد لهذه النتيجة. ومن الطبيعي أن تكون القوة المحاربة المنظمة هي التي تحصد هذه النتيجة، ولكن أنا مثل الأخ رضوان، عندي أملٌ كبيرٌ في هذا المجتمع المدني السوري، وفي هذه القوة السياسية السورية، أن تحوّل هذا المشروع إلى مشروع نموذج مدني ديمقراطي في المنطقة، ونموذج مدني ديمقراطي أيضا ضمن منظومة الأمن الإقليمي العربي".

شكر مدير الحوار جميع المتداخلين في هذه الندوة، وطرح عليهم سؤالا ثلاثي الأبعاد؛ يمكن اختزاله في الآتي:

1- هل ما حصل هو نتيجة لفاعلية ذوات السوريين، أم مجرد نتاج مؤسسات أو تنظيمات، الجولاني أو غيره، أو نتاج دولي لاتفاق دولي، والسوريون لا فضل لهم ولا دور؟

2- إذا كان ما حصل هو نتيجة اتفاق دولي، ما معنى الحديث عن دور السوريين في بناء مستقبلهم؟

3- ما هي الأولويات؟ هل يمكن الحديث الآن عن حقوق المرأة، وعن الدستور؟ هل يمكن الحديث عن شكل الدولة، مدنية أم علمانية؟ هل هناك أولويات أم يمكننا طرح كل هذه المسائل مع بعضها؟

تفاعل جميع المتداخلين مع هذا السؤال الثلاثي بأجوبة متنوعة لا تخلو من تفاؤل وأمل في بناء دولة مدنية من جهة، وحيطة وحذر في غياب فكر سياسي وحرية، وبالتالي انهزام الثورة من جهة أخرى، بينما حث آخرون على التسامح وتحييد السلاح، وذهب البعض إلى احتضان الإسلام الغاضب، وبناء حزب إسلامي ديمقراطي يتبنى المرجعية الإسلامية.

في ختام هذه الندوة، شكرت الدكتورة ميادة كيالي جميع المشاركين الذين يحرصون على بناء الوعي، وإنجاح هذا المرحلة لبناء سوريا، تقول في نهاية كلمتها: "إن سوريا اليوم تقف أمام لحظة فارقة تجمع بين الألم الناتج عن سنوات طويلة من الاستبداد والقهر، وبين الأمل الذي تولده الطموحات في مستقبل جديد، وأمام هذا المشهد نعتقد أن المسؤولية الفكرية هي أولى خطوات التغيير؛ لأن بناء سوريا المستقبل لا يبدأ فقط بإعادة إعمار المباني والبنية التحتية، بل يبدأ بإعادة بناء الوعي وتأسيس قيم جديدة للعدالة المساواة، واحترام الحقوق".

رابط اللقاء على يوتيوب:

https://www.youtube.com/watch?v=Eykh7HE6Zik&ab_channel=MominounWithoutBorders

رابط البرومو:

https:// www.facebook.com/watch/?v=1245601663812356