تقرير حول اللقاء الحواري الأول حوار د. منذر يونس في كتابه: " والعاديات ضبحا أم الغاديات صبحا..."


فئة :  حوارات

تقرير حول اللقاء الحواري الأول  حوار د. منذر يونس في كتابه: " والعاديات ضبحا أم الغاديات صبحا..."

تقرير حول اللقاء الحواري الأول

حوار د. منذر يونس في كتابه:

" والعاديات ضبحا أم الغاديات صبحا..."

استعادت مؤسسة مؤمنون بلاحدود نشاطها الثقافي، بعد سنواتٍ عجافٍ امتدت من وباء كورونا وتأثرت حتى اليوم بوباء العنف والقهر والظلم الذي أثر في المشهد الثقافي عمومًا، وساهم في إحباط التقدم نحو الأمام؛ وذلك بعرض إصدارات المؤسسة من خلال لقاءاتٍ حواريةٍ تستضيف فيها كبار المفكرين والمثقفين.

انطلق اللقاء الأول عبر منصة زوم، يوم الجمعة الموافق 28-06-2024، باستضافة الدكتور منذر يونس صاحب كتاب" والعاديات ضبحا أم الغاديات صبحا.." الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.

رحّبت الدكتورة ميادة كيالي مديرة مؤسسة مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، بالدكتور منذر يونس والدكتور حسام الدين درويش، كما رحبت بفريق مؤمنون بلا حدود وبكل المتابعين؛ وذلك بمناسبة انطلاقة هذه السلسلة من النشاطات والفعاليات الجديدة، التي تسعى مؤسسة مؤمنون بلا حدود إلى تنظيمها عبر تغطية حوارات مع مؤلفي آخر إصدارات المؤسسة، ومن خلال ندوات شهرية. وقد أكدت الدكتورة ميادة أن مؤسسة مؤمنون بلاحدود قد حازت على ثقةٍ واحترامٍ لافتين على الصعيدين العربي والغربي. كما رحبت بانضمام د. حسام الدين درويش إلى فريق مؤمنون بلا حدود، بشكل رسمي، حيث كان في البداية ضيفاً، ثم تحوّل إلى أحد العناصر الرئيسة في مؤمنون بلا حدود، وسيسهم في هذه الندوات والفعاليات، بجهوده وإمكاناته العلمية والعملية.

"العاديات ضبحا أم الغاديات صبحا"، هو عنوانٌ على هيئة سؤالٍ، يخلق لدى المتلقي العديد من الأسئلة؛ كيف، وهل يجوز، ولماذا تتزاحم تلك الأسئلة لفهم آليات هذه القراءة والمنهج المتبع؟ وإلى ماذا استند صاحبها؟ والسؤال الأهم: ما الهدف من هذه الدراسة؟

وللإجابة على مثل هذه الأسئلة، نقلت الدكتورة ميادة الكلمة للدكتور حسام الدين درويش، الذي شكر بدوره الدكتورة ميادة على كل الجهود التي تبذلها، كما رحّب بالمتابعين، ثم توجه إلى ضيف اللقاء بجملة من الأسئلة، كان منها: قصة الكتاب، وكيف ظهرت فكرته، وربطه بالسياق التاريخي، مع التشديد على أن الاختلاف في القراءات والتفسيرات الموجود مسبقًا، وكيف أن الوحدانية في المعنى أصبحت تشبه الوحدانية في الألوهية، كما تحدث عن وجود تعددية وقبول بمشروعية هذه التعددية، مع العلم أن اتجاهًا مهيمنًا في العالم الإسلامي المعاصر لا يصدق أصلًا أنه كان هناك في الماضي مثل هذه التعددية، فلا يقتصرون على عدم قبولها، بل إنهم ينكرونها. وبخصوص المسائل المتعلقة بالمرأة عمومًا، ذكر د. حسام أن المؤلف رجح أن التغيير كان بغرض الحد من حضور أو بروز الصورة الفاعلة والإيجابية للمرأة. وهذا يعني أنه عندما تناول اختلاف القراءات والجانب اللغوي فسر ذلك، أحيانًا، بمسائل غير لغويةٍ. وأقرّ المحاور في سؤال آخر أن الاتجاه المهيمن في كتاب الضيف، حتى في نهايته أو خاتمته، هو صيغة الترجيح والإقرار بأن أطروحته وآراءه هي تأويلٌ (مرجحٌ) بين تأويلاتٍ أخرى، أو مجرد احتمالٍ أكثر ترجيحًا من بقية الاحتمالات، ثم شدّد على أن هناك مشكلة في معرفة ماهية الكلمات، وكيفية قراءة الرسم العثماني بدقةٍ، وهذا يعني أنه لم يكن هناك لا اختلاف في القراءات ولا تعددية في المعاني؟ ثم سأل ضيفه على أيّ أساس رجح القراءة البديلة على القراءات المتوفرة؛ فعنوان الكتاب خلق لدى الناس رغبة في معرفة الأساس المعرفي واللغوي والتاريخي الذي سمح له بترجيح قراءته على القراءات التي كانت موجودة. ويجدر التنبيه إلى أن الدكتور حسام الدين درويش قد تعمق في طرح أسئلة وسمت بالجدية والاطلاع الواسع.

وقد تلقى د. منذر أسئلة محاوره بصدر رحب، وكانت ردوده هادئة، استهلها بتوجيه الشكر للدكتور حسام والدكتورة ميادة؛ وذلك على ما قدمته عن الكتاب موضوع النقاش، ومما جاء في ردّه عن فكرة الكتاب قوله: " طلب منّي بعض الطلاب المسلمين غير العرب تقديم مادّة خاصّة تساعدهم في فهم لغة القرآن. طلبوا هذا منّي بصفتي مدرّسا للغة العربيّة ومديرا لبرنامج اللغة العربيّة في الجامعة، وأذكر أنّه كان هناك طلاب من باكستان وأندونيسيا وتركيا والبوسنة. هناك طلاب كثيرون مثل هؤلاء الطلّاب في الجامعات الأمريكيّة من كلّ بلاد العالم تقريباً. عندما شكّلت أوّل صفّ كان هناك ستة طلاب. سألتهم ماذا يريدون منّي بالضبط، فقالوا إنّهم يقرؤون القرآن ويحفظونه بشكل جيد، ويقرؤون الترجمة الإنجليزية، ولكن لا يفهمون أبسط الكلمات، مثل "قُل، يوم، منه، لَم، الناس، شرّ، خير"؛ أي إنهم يحفظون من دون فهم كثير من الكلمات والتعابير. عندما قمت بتجميع مادّة الكتاب، قررت أن أستعمل السور القصيرة؛ أي سور جزء "عمّ"، كما تفضلت الدكتورة ميادة. اخترت جزء عمّ لعدة أسباب؛ أولًا، لأنها سور قصيرة وسهلة الحفظ، وثانيًا، هي ما يستعمل الطلاب الذين أدرّسهم أصلًا في صلواتهم؛ أي إنّهم يعرفون سوراً مثل الفاتحة، الناس، الفلق، والتوحيد، وغيرها من السور القصيرة. إضافةً إلى ذلك، كنت ولا زلت أحاول، منذ مدة، فهم كثير من أسرار الكلمات في هذه السور، مثل عبارة العاديات ضبحًا، أو كلمة كنود، أو كلمة إيلاف وغيرها".

من جهة أخرى، ذكر مؤلف الكتاب أن ثمة أخطاء أو جهلا في فهم بعض الكلمات أو النصوص، ولكنّه رجّح في حالات كثيرة أنّه كانت هناك أجندة معيّنة طبقها المفسّرون؛ إذ ذكر أن النازعات ربّما تشير إلى الموت أو النجوم أو النفس أو القِسِيّ أو الأوهاق أو السفُن أو الخيل، ولا يذكر المفسرون النساء كخيار محتمل من هذه الخيارات، في حين أنّه عند استعمال اسم الفاعل في صيغة جمع المؤنّث التي تنتهي ﺑ "ات" كما في مؤمنات وكاتبات وعاملات، يخطر على البال أن الحديث هو عن النساء. ومن ثم تساءل الكاتب، لماذا تمّ تجنّب الحديث عن النساء بالتحديد في هذا السياق؟ لم تكن لديه إجابة كافية شافية متأكّد من صحّتها؛ لأنه لا يملك أدلّة أثريّة أو نصوصا أو مخطوطات قديمة تدعم نظريّته. واستخلص أن أجندة المفسرين كانت ضد النساء أو تهدف إلى إبعاد النساء عن المجال العام. وقدم الكاتب مثالين اعتقد أنهما قريبان من اليقين، حيث أعاد قراءته لكلمة "مذءوماً" في سورة الأعراف (الآية 18) وكلمة "كبد" في سورة البلد؛ ففي الحالة الأولى "مذءوماً"، فقد حدث شيء ما للميم في مذموماً في سورة الأعراف، حيث اختفت أو مُحيت، وعندما تمّ نَسخ القرآن في وقت لاحق تمّ ملء الفراغ الذي تركته الميم بالهمزة؛ لأنّه ممكن إدخال الهمزة مثلها مثل النقط والحركات من دون التأثير على الرسم.

أمّا كلمة كبد، فكانت عنده شكوك في التفسير المتعارف عليه، وهو أنّها تعني المعاناة، ثمّ قارنت سياقها بسياق مشابه في سورة التين. تقول الآية التي تقع فيها كلمة كبد: لقد خلقنا الإنسان في كبد، وفي سورة التين هناك آية تقول لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. تشابه "لقد خلقنا الإنسان" في الحالتين حفّزه على دراسة المصادر القديمة لتفسير كلمة كبد، وإذا بالكثير من المفسّرين الأوائل الذين يذكرهم الطبري في تفسيره يقولون إنّ معنى في كبد منتصباً أو في أحسن صورة. هناك أمثلة أخرى في الكتاب على حالات يقرب فيها ترجيحه من اليقين، ويرجو من القارئ أن يدرسها ويبدي رأيه فيها. وأضاف الباحث أن ما تناوله في سورة الكافرون ليست فكرته، وإنما استقاها من الباحث الألماني جيرد بيون، الذي استبدل قراءة النفي بالقسم والتوكيد في "لا أعبد-لأعبد"، وتدعو قراءته إلى ضرورة النظر في هذه السورة من المنظور أو التفسير الإنساني الذي يقبل الآخر؛ ففهمه المختلف لسورة الكافرون واستنتاجاته المختلفة مهمّة جدّاً في حقل دراسة لغة القرآن، حيث بيّن كيف أن الألف أضيفت، وفي هذه الحالة حين تقول: لأقسم بهذا البلد، في سورة البلد، واضح أن لأقسم، لا يمكن أن تكون لا أقسم، فهذه اللام للتأكيد، وليس للنفي. لذلك، فوجود الألف هنا يرجح أنّها كانت إضافة.

انتهى الحوار بشكر د. حسام الدين درويش ضيفه، تاركا له المجال بكلمة ختامية، جاء فيها: "لماذا أكتب هذه الكلمات الآن؟ الجواب هو أنّني أرجو أن يقرأ الناس الكتاب ويفهموه قبل الحكم عليه، وأن يحاججونني بشكل علمي موضوعي، وسأكون مسروراً جدّاً وشاكراً لسعيهم إذا جاءوا بأدلّة علميّة موضوعيّة، لتفنيد ما جاء في الكتاب أو بعضه، فذلك مهمّ لأنّه ينقل النقاش إلى مرحلة أكثر تقدّماً. المهمّ ألا نكتفي بما هو موجود وهو غياب الفهم للكثير ممّا ورد في القرآن، وأنا على يقين من أنّ ذلك الفهم سيتحسّن إلى حدّ كبير، إذا فتحنا باب النقاش العلمي الموضوعي واجتمع ذلك الكمّ الهائل من المواهب والمعارف في مجتمعنا العربيّ لفهم أهمّ نصّ في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة".

تابع اللقاء حشد كبير من المهتمين من ذوي الاختصاص والباحثين، حيث أغنوا اللقاء بمساهماتهم وأسئلتهم الجادة، وممن تابع اللقاء نذكر: د. جوهر داود – د.عثمان صبيح – د.عبد السلام شرماط – د. صابر مولاي أحمد، وآخرون.

ختم اللقاء بإعلان الدكتورة ميادة كيالي عن عنوان الكتاب موضوع اللقاء الحواري الثاني، وهو كتاب "الكينونة والمعنى: مقاربات وإضاءات تحت مجهر الفلسفة الوجودية" للأستاذ أوس حسن؛ وذلك يوم الجمعة الموافق 05-07-2024 عند الساعة الخامسة بتوقيت المغرب.