تقرير حول اللقاء الحواري الثالث عشر، حول كتاب: "ما بعد الإسلام السياسي" مع المؤلف: الباحث محمد محفوظ
فئة : حوارات
تقرير حول اللقاء الحواري الثالث عشر، حول كتاب: "ما بعد الإسلام السياسي"
مع المؤلف: الباحث محمد محفوظ
عقدت مؤسسة مؤمنون بلا حدود لقاءً حواريّاً مع الكاتب السعودي الدكتور محمد محفوظ، يوم الجمعة الموافق 22-11-2024، عبر تقنية زوم؛ وذلك لمناقشة كتابه "ما بعد الإسلام السياسي".
في بداية اللقاء، قدمت الدكتورة ميادة كيالي كلمة رحبت فيها بالمتابعين، وعرفت بضيف اللقاء د. محمد محفوظ؛ فهو باحثٌ وأكاديمي سعودي مختصّ في الفكر السياسي والاجتماعي. له إسهامات بارزة في دراسة التحولات الفكرية والسياسية في العالم العربي والإسلامي، كما نوّهت بدور مؤسسة مؤمنون بلا حدود في تعميق الفهم النقدي للحركات الإسلامية من خلال إنجاز مشاريع بحثية ودراسات عميقة حول قضايا الإسلام السياسي والتطرف الديني. وفي إطار الكلمة نفسها، قدمت دة. ميادة للكتاب موضوع النقاش، والموسوم ب "ما بعد الإسلام السياسي"، وهو كتاب ربط فيه صاحبه د. محمد محفوظ منطلق مرحلة الإسلام السياسي بالثورة الإيرانية التي أرست نظام الجمهورية الإسلامية عام 1979. ويتألف الكتاب تقول الدكتورة ميادة: "من مقدمة وثلاثة فصول رئيسة وخاتمة. تسلط المقدمة الفلسفية الضوء على العلاقة بين الإنسان والأيديولوجيا، وتوضح أن الإنسان ليس خادماً للأيديولوجيا، بل على العكس؛ إذ يجب أن تكون الأيديولوجيا في خدمة الإنسان لتعزيز تطوره المادي والمعنوي. وتناقش المقدمة أيضاً، الآثار السلبية للأيديولوجيات التي تسيطر على الفرد، وتؤكد أهمية تحرير الإنسان من قيودها بما يخدم استقراره ورفاهيته. وعناوين الفصول الثلاثة للكتاب، هي: 1- العرب ودولة الإنسان؛ 2- الحرية أولاً ودائماً؛ 3- الطريق الجديد. ويطرح الكتاب عمليّاً ثلاثة محاور رئيسة للمستقبل: 1-التخفيف من الطابع السياسي للإسلام: من خلال تقليص السعي للوصول إلى السلطة، والتركيز بدلاً من ذلك على التأثير الاجتماعي والتنمية. 2- بناء دولة الإنسان: عبر الالتزام برؤية دستورية وقانونية تحترم التنوع الثقافي والاجتماعي، وتشجع على دولة مدنية تضمن الحقوق والحريات. 3- الاهتمام بمشروعات التنمية: بدلاً من سياسات الهدم والتركيز على الوصول إلى السلطة، يجب أن تكون الأولوية لمشاريع البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي".
من جهة أخرى، رحب محاور اللقاء الدكتور حسام الدين درويش بالمتابعين، وبضيفه مُهنئاً إيّاه على كتابه الذي ظهر ضمن القائمة الطويلة للكتب المرشحة للفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب، ثم شرع المحاور في طرح أسئلة تعلقت بمضامين الكتاب الأساسية، ومنها: ما الشكل الأمثل الذي ينظّر له الكتاب، انطلاقاً من أطروحتيْ "ما بعد الإسلام السياسي" والارتباط الموجود بين الإسلام والديمقراطية؟ كيف تتم الدعوة إلى انفتاح السلطات السياسية على التيارات الإسلامية السياسية، وفسح المجال لممارسة نشاطها علناً؟ كيف سيسهم ذلك في استقرار الحياة السياسية والاجتماعية، وتهذيب نزعات التيارات الإسلامية؟ كيف يتم تبنّي العلمانية والتأسيس لها من منظور إسلامي، وكيف يتم تبنّي أو الدفاع عن الإسلام والتأسيس له من منظور علماني؟ ما التمايز القائم بين المنطق المعياري المبدئي للدعوة، والمنطق البراجماتي الواقعي للسياسة، وكيف يمكن الفصل بينهما؟
لقد جاءت أسئلة المحاور د. حسام الدين درويش متعددة ومتنوعة، شملت إضافة إلى ما تقدم، الثنائيات الإيديولوجية، وما تعلق بالنقد المزدوج تجاه الاستبداد من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى، وكذلك ثنائية التشابه والاختلاف بين الأوضاع في البلدان العربية المختلفة، ثم تشديد الكاتب على الترابط العضوي بين مفاهيم المواطنة والمواطن والوطنية، ثم موقف الكاتب من الإيديولوجيا بوصفها مفيدة؛ لأنها تخدم الإنسان، وأسئلة أخرى تعلقت بما طرحه الكتاب من أفكار ومفاهيم.
ولعل أول ما أشار إليه ضيف اللقاء د. محمد محفوظ، في ردّه عن الأسئلة، هو أنه يتحدث عن المجال العربي، وعن تجربة الربيع العربي وتداعياتها على الصعيد السياسي. ومما جاء في ردّه: "أردت أن أقول إن النزعات الإيديولوجية هي نزعات مشظية لأيّ مجتمع من المجتمعات، وكلّما خففنا من النزعة الإيديولوجية، استطعنا أن نصل إلى جوامع مشتركة على المستوى الفكري والمعرفي والاجتماعي والسياسي. لذلك، لو تأملنا كثيراً في هذه النقطة، فنحن في حاجة إلى فك الارتباط بين ظاهرة العلمانية والاستبداد؛ لأن العلمانية في التجربة العربية المعاصرة ارتبطت بالاستبداد؛ فالتجربة ذات أفق سياسي محدود وضيق؛ لأنه بالاستبداد غابت الكثير من القوى الاجتماعية الحقيقية وتداعيات غياب الحرية في الواقع العربي، وبالذات في الأنظمة والحكومات التي التزمت بأفكار علمانية، ووصلت إلى نتيجة نهائية، ولأن أغلب الحضور من تونس، فالمثال القريب إلى الذهن هو التجربة التونسية في ما قبل الربيع العربي؛ أنا لا أتحدث عن التجربة على الخيار العلماني، أنا أتحدث عن ارتباط هذا الخيار بقيمة الاستبداد، بنظرية الاستبداد. أنا أعتقد أن التجربة العلمانية في تونس، وهي أنجح تجربة في العالم العربي، ويكفيها إنجازاً وفخراً أنها أسست دولة في تونس، بينما كل التجارب العلمانية في العالم العربي لم تنتج دولة، أنتجت سلطة، وبون شاسع بين السلطة والدولة؛ السلطة، المواطن العربي لا يعرف منها إلا الأجهزة الرقابية".
وذكّر ضيف اللقاء، أن الدول العربية تأسست في الغالب على بنية عصبوية ضيقة ومغلقة، لذلك فهي لا تنتج ديمقراطية، ولا إسلاماً متسامحاً مع الديمقراطية، وبالتالي لم يتحقق بناء نموذج إيجابي بين الديمقراطية والإسلام. لذلك، يضيف الكاتب، أن أفضل طريقة لسيادة الخيار العلماني في العالم العربي هو فسح المجال للإسلاميين، مؤكداً على تبني المنطق النسبي في النظر إلى الأمور، بوصفه بداية للخيار العلماني.
وفي حديثه عن الربيع العربي، قال د. محمد محفوظ: "أنا أرى أن ما وصل إليه الربيع العربي، إنما يعود إلى مشكلتين أساسيتين؛ استمرار الاستبداد السياسي، حيث استطاع المستبد السياسي العربي أن يعاود حكم العالم العربي بعد فترة زمنية وجيزة التي حكم فيها الإسلاميون، وأحمّل الإسلاميين مسؤولية عدم إدارة الحكم الذي وصلوا إليه، وسمحوا لغير الإسلاميين أن يعودوا إلى الحكم، وأنا لا أتحدث من ناحية إيديولوجية، وإنما أتحدث أنهم سمحوا باستمرار ظاهرة الاستبداد السياسي". وأضاف مؤكداً، في حديثه عن الدولة، أنه في كثير من التجارب العربية المعاصرة، توجد سلطات ناجزة، ودولة لم تكتمل بعد. وبخصوص مفاهيم المواطنة والمواطن والوطنية، أشار الكاتب د. محمد محفوظ، إلى أن مفهوم المواطنة يختلف جذريّاً عن مفهوم الوطنية، يقول: "نحن جميعا وطنيون؛ لأننا نعتز بأوطاننا ومساقط رؤوسنا، ولكن هذه الوطنية إذا لم يبن عليها مشروع مواطنة، فنحن سنعيش الإشكاليات التي يعيشها العالم العربي اليوم، هذه نقطة أولى. النقطة الثانية التي أودّ قولها من مصلحتنا كمجتمعات عربية أن نعيد الاعتبار لمفهوم الوطنية والمواطنة في التجربة المعاصرة"، ثم أضاف ضيف اللقاء، أن مؤسسة الدولة في العالم العربي لم تنتج مشروعاً وطنيّاً؛ إذ لا يوجد أي مشروع وطني لأيّ حكومة عربية، بل لا بد من مشروع اندماجي ما دام المجتمع العربي هو مجتمع متنوع ومتعدد؛ بمعنى اندماج المجتمع في رؤية وطنية واحدة. وعلى المجتمع العربي أن يدار بنفس إيجابي، ويأخذ بعين الاعتبار مفهوم الشراكة السياسية؛ إذ يفتح المجال للجميع، ولمن يملك القدرة على تقديم شيء لهذا المجتمع.
وفي حديثه عن الفقه، ميّز ضيف اللقاء بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، مبرزاً أن منهج الفقه لا يقود إلى منهج الحق والباطل، بل يجب الاعتماد على ثنائية الخطأ والصح، ليكون الاختلاف ليس على قاعدة الحق والباطل، وإنما على قاعدة الصح والخطأ؛ وذلك قصد تجنب الإشكاليات السياسية والاجتماعية التي تتعلق بالأمن الاجتماعي. ولتوضيح ذلك أكثر، قال د. محمد محفوظ: "حينما ننظر إلى تجربة الفقهاء الذين أنتجوا تكفيراً، لم يلتزموا بمنهج الفقه، هم صحيح فقهاء، ولكن حينما تحدثوا عن التكفير، لم يتحدثوا عن التكفير بمنهج فقهي، وإنما تحدثوا عن التكفير بمنهج مغاير للفقه. لذلك، أعود وأكرر أهمية الالتزام جميعاً بالمنهج الفقهي الذي يعتمد على ثنائية الخطأ والصواب، وأهم شيء أن نبتعد عن ثنائية الحق والباطل". وأما الدين، فنظر إليه ضيف اللقاء، على أنه مجموعة من القيم المتعالية على كل زمان ومكان، بينما النمط الديني أو التدين، فقط يكون منسجماً مع قيم الدين، وقد يكون مناقضاً لها. لذلك، فالعنف الديني لا يستند على رؤية دينية صحيحة، وأن الدين بريء من هذا التوجه. ومن ثم، سمى الكاتب هذا التصرف نمطا من أنماط الدين، وليس هو الدين، يقول: "حينما أستخدم أنماط التدين للهروب من فكرة التكفير، لا أستطيع ولا أمتلك الجرأة المعرفية، ولا العلمية أن أصف شخصاً من الأشخاص بأنه كافر والعياذ بالله كافر".
وفي انتقال الإسلام السياسي من الأصولية إلى المدنية، ذكر الكاتب محمد محفوظ، أنه بعد تجربة الربيع العربي، ستكون مرحلة المصالحة بين الدين والتنمية، يقول ضيف اللقاء: "حينما أتحدث عن التحول المدني بهذا المعنى، بعيداً عن المضاربات الإيديولوجية في صناعة الدول، ينبغي الاهتمام ببناء الإنسان، وأن الدولة الأساسية عليها أن تهتم ببناء الإنسان بالدرجة الأولى. لذلك، سميتها دولة الإنسان لتجاوز الانتماءات الإيديولوجية المختلفة، فحينما نتمكن من بناء دولة الإنسان، سنتمكن من مشروعات تنموية حقيقية، نستفيد من كل الفرص، ونستفيد من كل الإمكانات المتاحة في الواقع العربي. ومن هذه الإمكانات الوازع الديني حينما نستثمره، وندخله في مشروعات تنموية حقيقية".
لم يتوقف اللقاء عند أسئلة المحاور د. حسام الدين درويش، وإنما تفاعل بعض المتابعين مع اللقاء، وطرحوا أسئلة أعاد د. حسام درويش ديباجتها، وطرحها بصيغة مكثفة على ضيفه الذي تفاعل معها بردّ إيجابي أسهم في إثراء اللقاء. وكان من المتفاعلين؛ الأستاذ عبد العزيز موسى، والدكتور أحمد صابر، والدكتورة ميادة كيالي وغيرهم كثير...
ختمت اللقاء الدكتورة ميادة كيالي، بردّها على قول ضيف اللقاء: إن الإيمان هو الحل، "نحن، يا دكتور محمد، نحتاج إلى إيمان بلا حدود"، ثم توجهت بالشكر الجزيل لضيف اللقاء د. محمد محفوظ، ومحاوره د. حسام الدين درويش.
رابط اللقاء على يوتيوب:
https://www.youtube.com/watch?v=tQjydyxVKOE&ab_channel=MominounWithoutBorders
رابط البرومو:
https://fb.watch/wSyXjVXodr/