«تقنية المسيطر العلمي الإلكتروني المبرمج» وبرامج السيطرة على العقول البشرية
فئة : أبحاث محكمة
«تقنية المسيطر العلمي الإلكتروني المبرمج»
وبرامج السيطرة على العقول البشرية
تمهيد عام:
قد يتساءل البعض عن علاقة تقنية "المسيطر العلمي الإلكتروني المبرمج"، بالبرامج التي تقوم بها بعض أجهزة الاستخبارات في دول كثيرة، وليس الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وسوف نقوم في هذه الورقة البحثيّة بتناول بعض البرامج التي قامت بها الاستخبارات المركزية الأمريكية من أجل تقريب الرؤية لفهم القارئ الكريم في موضوع السيطرة الإلكترونية المبرمجة للعقل البشري في أنحاء كثيرة من العالم، والتي بدأت العمل بها كثير من الشركات والهيئات العلمية المتخصصة - حسب اعتقادي- في مطلع هذا القرن على وجه التحديد التي تتوغل في إحكام السيطرة على العقول البشرية وتوجيهها بحسب الأجندة المحددة مسبقاً.
هنا عدة إيضاحات لابد منها؛ أولاً: الفضائح الشنيعة التي تطل علينا من آن لآخر بدعوى التجارب التي تجريها المخابرات المركزية الأمريكية على أفراد ومواطنين صالحين، وثانياً: التطور الرهيب الذي حدث في العلوم البيولوجية، وخاصة هندسة الجينوم البشري، ومدى التَّحكم في الجينات لدى الكائنات الحيّة والبشريّة معاً، وهو الأمر الذي يحير العقول! ثالثاً: السحر الذي وصف أنه سوف ينقلب على الساحر ويقصد به التطور الحاصل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تطورت بشكل يثير الريبة حول مدى تحكم الروبوتات في الجنس البشري.
هذه التطورات الرهيبة دفعت العديد من الباحثين(*) في عصرنا هذا إلى أن يعكفوا على دراسة آلية العقل البشري في ارسال تعليماته إلى باقي أعضاء الجسم في محاولة لإيجاد أو خلق تطبيق وسيط بين العقل البشري والحاسب الآلي، يُمكنه من التحكم بالأشياء عن بعد مستغلين في ذلك المعطيات التي ينقلها العقل إلى باقي الأعضاء عن طريق الملايين من الخلايا العصبية وإمكانية إعادة توجيهها إلى خارج الجسم، ويتم ذلك عن طريق تبادل الرسائل بين العقل البشري وجهاز الكمبيوتر الذي يصدر أوامر إلى الدماغ متمثلة في إشارات أو شحنات كهربائية.
لم يتوقف الباحثون في مجال محاكاة العقل للحواسيب على مجرد الأبحاث والتجارب، بل تعدوا ذلك إلى مرحلة التطبيقات العملية، حيث بادرت إحدى الشركات العاملة في مجال البايوتكنولوجي في تصميم جهاز يساعد على نقل الأوامر الدماغية إلى الحاسب يسمى بـ (*)Brain Gate أو بوابة الدماغ، وهو عبارة عن شريحة إلكترونية في حجم حبة الأسبرين تحتوي على توصيلات مايكروسكوبية يتم زرعها في الجزء الخاص بالحركة في الدماغ عن طريق عملية جراحية، وبمقدور تلك الشريحة قراءة الأوامر الصادرة عن الدماغ وإرسالها على هيئة بيانات إلى حاسب متصل بها بعد ترجمتها إلى أوامر للتحكم في الحاسب مثل تحريك الفأرة أو أجزاء من ذراع آلي.
والجدير بالذكر، أن الرغبة في السيطرة على أفكار الآخرين والتحكم في سلوكياتهم وأفعالهم أكثر المطالب إلحاحاً منذ بزوغ فجر الإنسانية، بيد أن قلة نادرة من الناس فقط تدرك أن تقنيات السيطرة على العقل وجدت مع فجر الحضارة نفسها، وبقدر إدراكنا لما وهبنا إيَّاه الله من عقول متنوعة وطرائق تفكير مختلفة، ندرك – في الوقت نفسه- تلك الشهوة العارمة للسيطرة على عقول الآخرين وطرائق تفكيرهم، بصرف النظر عن الدافع أو الفائدة المبتغاة؛ ربما يكون السبب نابعاً من رغبتنا في فهم الطريقة التي يفكَّر فيها الآخرون، وما إذا كانت تتفق مع طريقتنا أو تختلف عنها، وقد يُعزى الأمر أيضاً إلى معرفة ما يحيكه الأعداء ضدنا([1]).
وجد التحكم في العقل والسيطرة عليه منذ عهد القدماء المصريين (الفراعنة) وفرسان الهيكل، مروراً بالتلاعب واسع الانتشار بالعقل. والتعذيب الذي مارسته السلطات السياسية والدينية في العصور المظلمة والعصور الوسطى حتى الحرب العالمية الثانية، والإبادة النازية في معسكرات السجون المكتظة، وبرامج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الحديثة في خمسينيات القرن الماضي للسيطرة على العقل (التي رُفعت عنها اليوم السرية)، وبرنامج الصدمة، ثم ادعاءات اليوم التي أفضت إلى مطاردات أجهزة التواصل الإلكترونية والموجات الكهرومغناطيسية والبرمجة اللغوية العصبية ... منذ هذا وذاك، كنا ضحايا لأولئك الذين اقتحموا خصوصية عقولنا، محاولين إعادة صياغة أفكارنا ومعتقداتنا الحقيقية بدافع الرغبة في إعادة تشكيل عقولنا وقولبتها في أسلحة حرب وقتل ودمار، مستخدمين مختلف الوسائل الظاهرة والخفية، عازفين على وتر الشعائر الدينية والتقاليد الاجتماعية ومعتمدين أحياناً الفساد والتعذيب والتمثيل بالأجساد، وامتهان الكرامة([2]). إذن، ما معنى فكرة تقنية المسيطر العلمي الإلكتروني المبرمج؟ وما مفهوم السيطرة على العقول البشريّة؟ ماهي الأدوار، والوظائف، والمخاطر التي مرت بها فكرة السيطرة على العقول البشرية ومستقبلها؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في هذه الورقة البحثية.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
(*) وفي خطوة عملية نحو تحقيق ذلك أجرى الباحثون تجربة على مجموعة من القردة حيث تم زرع شرائح الكترونية في أدمغتهم وذراع آلية مثبتة في أجسامهم على أن تتلقى تلك الشرائح الأوامر القادمة من المخ عن طريق موجات كهربائية تحملها الخلايا العصبية لترجمتها وإرسالها إلى الذراع الآلية المثبتة في القرود والتي مكنتهم بالفعل من تحريك الذراع الآلية بفارق في السرعة عن الأخرى ولم تتوقف التجربة عند ذلك، بل مع مرور الوقت استطاعت القردة أن تختار بين تحريك الذراع الآلية وذراعها، الشيء الذي يفسر مقدرتها على توجيه الأوامر الآتية من الدماغ إلى خارج الجسم حسب رغبتها.
(*) صرح بذلك الدكتور جون دوناو المسؤول عن مشروع تطوير Brain Gate بشركة سايبر كينيتكي.
[1] ماري د. جونز ولاري فلاكسمان: حروب العقل (تاريخ سيطرة الحكومات والإعلام والجمعيات السرية على العقل ومراقبته وإدارة شؤون الناس)، ترجمة: نور الدائم بابكر أحمد، مكتبة العبيكان، الرياض، 2012م، ص9
[2] المرجع السابق، ص10