جدليّة الدين والسلطة في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ
فئة : مقالات
جدليّة الدين والسلطة في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ
سفيان البراق
لقد جعلت رواية "أولاد حارتنا" من نجيب محفوظ (1911-2006) كاتباً يسعد بمكانةٍ بارزة في الخريطة الثقافية العربية، كما مكّنته من تصدّر المشهد الرّوائي العربي، لتضع على رأسه ورود الانتصار وتتوِّجه بجائزة نوبل للآداب سنة 1988م، دون أن ننسى طبعاً ثلاثيته الشّهيرة التي ساهمت في هذا التتويج: ما بين القصرين، قصر الشّوق، السكّرية التي صدرت ما بين 1956-1957م. ولا غرو إذا قلت إنّ رواية أولاد حارتنا لولا الحمأة التي أثارتها آنذاك ما كان نجيب محفوظ، ليظفر بجائزة نوبل التي ظفرت بقيمته الرّمزية.
لم تنشر هذه الرّواية لأول مرة بين دفّتي كتاب كما هو متعارف عليه، بل واظب صاحبها على نشر فصولها بشكل متسارع في أعداد صحيفة الأهرام سنة 1959م، وقد كان يشرف على الجريدة آنذاك الأستاذ حسنين هيكل الذي احتضن النص، وواظب على نشره قبل أن يثير اهتمام الناس، فيتبعه ضجيج عارم فيتوقف عن نشره. نجحت خطته قبل أن تتبنى دار الآداب اللبنانية العمل، وتنشره بشكل رسمي سنة 1962م في طبعته الأولى، ليعلن آنذاك عن حربٍ ضروس واجهها نجيب محفوظ ببسالة وجسارة، إذ ظل يدافع عن الرؤى والأفكار التي حاول الترويج لها عبر شخوص روايته. شنّ التيار السلفي في مصر آنذاك هجوماً شرساً عليه، حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة قتله، في تقييدٍ تام لحريّة الإبداع، ومحاولة تنفيذ الرّقابة على اختيارات نجيب محفوظ الفنيّة والفكرية، دون أن يحاولوا قراءة النّص بموضوعية بعيداً عن الخلفية والمرجعية؛ لأن قراءة جميع صنوف الإبداع، بما في ذلك الرّواية، تقتضي أساساً التمتع بهامش من حرية التفكير، والتوفر على آليات التحليل، وكذا امتلاك طرائق موضوعية في النقد والتأويل؛ لأن قراءة النصوص ومحاورتها تفترض التأني والتمعن والابتعاد عن القراءة الحرفية والسطحية. فالرواية هي جنسٌ تخييلي بامتياز، وداخل هذا التخييل يحاول الرّوائي رصد قضايا محيطه ومعالجتها في بنية سردية ووصفية مسترسلة، دون أن يحاول قصد فئة معينة أو شخص معين... إلخ. تميّزت هذه الرّواية بعدّة خواص هي التي دفعتها إلى المقدمة، ولعل أبرزها التمكّن البارع من حرفة السرد الرّوائي، دون التغاضي عن بهاء وصفاء لغتها التي ابتعدت عن التراكيب المُفتعلة والتزويق اللفظي دون أن يفرّط محفوظ في جمال الأسلوب وتدفّقه. كما تمكنّت أولاد حارتنا بجرأتها في اقتحام عوالمٍ لم يسبق تناولها بمثل هذه الجرأة، وهنا الحديث عن جدلية الدين والسلطة، وإشكالية الأسطورة والعلم، مستلهماً نجيب محفوظ التاريخ والدين والأسطورة لمعالجة هذه القضايا، معتمداً في ذلك على فضاءٍ روائي خصب، الذي استحضر فيه صاحب الرّواية خصوصية حارات مصر، والمهمّشين فيها، مرتكزاً في ذلك على "قصّة البشريّة إطاراً عامّاً للتعبير المجازي الرّمزي العميق عن مجموعة القيّم الماديّة والرّوحية التي حكمت مسيرتها في غضون الصّراع والمعاناة التي خاضتها هذه البشرية في سبيل إقرار العدل والحريّة والكرامة الإنسانية وانبعاث النّور والعجائب"([1])؛ وذلك لا يتأتى، في نظري، إلّا عبر خلق أبعاد إيحائية من الصعب فهم كنهها واكتشاف ما تنضح به بسهولة بالغة.
جاء تقسيمُ الرّواية كالتالي: وضع نجيب محفوظ افتتاحية للرواية، ثم أردفها بخمس قصصٍ توزّعت على النّحو التالي هي: أدهم، جبل، رفاعة، قاسم، والقصة الأخيرة التي سيموتُ فيها الجد الجبلاوي هي قصّة عرفة. هذه هي الشّخصيات المحورية التي أبدع محفوظ في رسم خطوطها ومساراتها التي تختلف وتتقاطع. كان الاهتمام برسم الشخصية في الرواية التقليدية مبالغاً فيه إلى حدّ ما: فالروائي يقوم بدراسة نفسية واجتماعية عميقة حتى يفهم الشخصية ويتماهى معها، ليتمكّن بعد ذلك من الكتابة عنها بانسيابية، دون إغفال الوصف المفرط لأدقّ تفاصيلها وهذه إحدى أبرز خصائص الرّواية التقليدية، بينما الرّواية الحديثة، التي برزت وانتشرت بعد الحرب العالمية الثانية، قطعت مع هذا الاختيار وحاولت التنقيص من قيمة رسم الشخصية، حيث لم تعد لها تلك المركزيّة ([2]).
1-شخوص الرّواية:
هناك من احتجّ على أولاد حارتنا ووصفها بعبارات قدحية، تطبعها الشوفينية والقراءة البعيدة عن الموضوعية، بأنّها رواية تمسّ المقدسات، وتسخر من رمزية الأنبياء والشخصيات الدينية المقدسة. وقد بنى حجّته على "التقارب الصّوتي لأسماء الشخصيات (أدهم / آدم - إدريس / إبليس)، أو تطابُق الحرف الأول بين اسمين (قدري/ قابيل - همام / هابيل)"([3]). إنّ هذا الادعاء الذي يدّعيه البعض نجده أقرب إلى الصّواب، إذا ما حاولنا مقارنتها بالسمات والخصائص التي قدّمها نجيب محفوظ لشخوص روايته، ونبدأ بالشّخصية المحورية:
- الجبلاوي: التي اتّسمت بعدة سمات نذكر منها: "يبدو بطوله وعرضه خلقاً فوق الآدميين كأنما من كوكب هبط، شيئاً خارقاً، قادرٌ على معرفة كل شيء، يستطيع أن يطّلع على كل صغيرة وكبيرة"([4]). يتّضح لنا بجلاء، أنّ هذه الصفات التي منحها صاحب الرواية للجبلاوي نجد فيها تقاطعاً كبيراً مع الصفات الإلهية، لتكون بذلك شخصية الجبلاوي "شخصيةً أسطورية نظراً للطابع الميتافيزيقي للصفات المُسندة إليه في الرّواية (...) نستطيعُ القول إنّ الجبلاوي هو الله ما دام هو الجبار، وليس كمثله شيء في الحارة التي وجد فيها منذ القِدم (...) علاوة على هذا نجد أنّ الرّواية أسندت إلى الجبلاوي أحكام بشرية مثل: التزوج، الإنجاب، الأكل والشرب والنوم..."([5]). من هنا يمكننا أنْ نستشفّ أنّ الجبلاوي ليس هو الله بحدّ ذاته، وإنما هو شخصية أسطورية متخيّلة ومبتكرة، ما دام أنّ الله لا يتقاسم مع الإنسان نفس الصّفات (الأكل، الشّرب، الإنجاب).
- إدريس: يلاحظ القارئ أنّ هناك تقاربا فونولوجيا بين شخصية إدريس وإبليس، وهذا قد لا يخفى على أحد، بصرف النّظر عن التطابق في الدلالات الرمزية التي قدّمها الكاتب للشّخصية، ولعل أبرزها: "إدريس ابنه هانم الذي خلق من لونٍ مضيء، وهو الابن الوحيد الذي لم يمتثل لأمر الجبلاوي القاضي بتعيين أدهم مديراً للوقف، ومن تم كان جزاؤه الطرد البيت"([6]). يحبل هذا المقتطف من الرواية عدّة دلالات: الأولى تتمثل في عدم امتثال إدريس للجبلاوي ومعارضته، ثم الدلالة الثانية هي أنه خُلق من "لون مضيء"، ثم الدلالة الثالثة، وهي الأقوى المتمثلة في الطرد من البيت الذي يرمز للجنة؛ وذلك يشي بعصيان إبليس لربّه، وكان جزاؤه الطرد من الجنّة.
من بين الدلالات الرمزية التي اعتمدها محفوظ في ابتداع شخوص نصّه، بغض النّظر عن التقارب الفونولوجي (آدم / أدهم)، نجدها مجسّدة في جريمة قتل قدري لـ همام، وهي أول جريمة ارتُكبت في الحارة، لتكون بذلك تلميحاً جلياً على أوّل جريمة اقترفت في الأرض، وهي التي نعرفها جميعا: قتل قابيل لأخيه هابيل.
ترمز شخصية جبل إلى "جبل الطور الذي كلّم فيه الله موسى". هذا الحسم بني على ما ورد في الرواية ونقرأ في هذا المضمار: "منذ عشرين عاماً رأت الهانم طفلاً عارياً يستحمُّ في حفرةٍ مملوءة بمياه الأمطار فمضت تتسلّى بمُشاهدته فمال قلبها الذي حرمه العقمُ من نِعم الأمومة إليه. أرسلت من حملهُ إليها، وهو يبكي خائفاً. وتحرّت عنه فعلمت أنه طفلٌ يتيم ترعاه بياعة دجاج. استدعت الهانم، وطلبت إليها أن تنزل لها عن الطّفل فرحّبت بذلك كلّ الترحيب"([7]). ما يمكن استخلاصه من هذا المقطع الذي ورد في الرّواية هو أنّ الحكاية الدينية للنبي موسى تقول إنّ زوجة فرعون قد عثرت عليه، وهو داخل صندوق ملقى في النهر، وقد نشأ في بيت فرعون إلى أن اشتدّ عوده وكبر. هذه من بين عدّة علامات تشي بأنّ جبل يرمز إلى قصّة النبي موسى.
في نهاية هذا الجزء المخصص لإبراز الدلالات الرمزية التي تحملها شخوص الرواية، ليست جميعها طبعا، بل اقتصرت على أهم شخوص الرواية، رغم أنّ جميع الشّخصيات كلها لعبت دوراً مهماً في تحريك الأحداث وإحداث انعطافاتها. الشخصية الأخيرة التي سأتحدث عنها بإيجاز هي شخصية قاسم التي تدل، بكل تفاصيلها، على حياة النبي محمد. فالقاسم في الرواية كان يتيماً وراعياً للغنم، ونشأ في كفالة عم زكرياء حتى بلغ سنّ الرّشد، وتزوج من امرأة أربعينية هي ست قمر، ثم التشابه في الاسم، فمعلوم أنّ النبي محمّد كان يلقب بأبي القاسم.
معلومٌ أيضا أنّ النبي محمد تزوج خديجة، وهو في الخامسة والعشرين، التي تبلغ أربعين سنة، التي افتتنت به بعدما اهتمّ بتجارتها واعتنى بأمورها، ورأت فيه شاباً بالمواصفات التي تتمناها([8])، وقد كان راعياً للغنم، وعاش في كنف عمه بعدما فقد ذويه وهو في مرحلة الصبا.
مثّلث شخصية عرفة التطلع الكبير الذي يراود محفوظ؛ الكاتب المتنوّر الحالم بمستقبلٍ أفضل بعيداً عن التشرذم والانحطاط، وقد ابتكر هذه الشخصية التي تحيل على العلم، وترمي إلى الانفلات من قبضة الأسطورة التي تمارس أكثر من حقها وتهيمن على عقل الإنسان في مختلف الحقب الزمنية، وكل ذلك قصد الارتماء في حضن العلم وضمان العدل والمساواة بعيداً عن بطش مستبدٍ غاشم يهضمُ الحُقوق. لقد مارس عرفة، بهمّة عالية، السحر، العلم فيما يبدو، مبذلاً قصارى جهده لتقديم العلاج للنّاس. نقرأ في هذا الصدد: "عنده العلم الساحر الذي يستطيع أن يحقق للحارة ما عجز عنه جبل ورفاعة مجتمعين. ولن يترك الحارة حتى يقضي السحر على الفتوات، ويطهِّر النُّفوس من عفاريتها ويجلب من الخير ما يعجزُ الواقف عن جزءٍ منه، ويصير هو قهر الغناء المنشود الذي كان يحلم به أدهم، صحيح أنه في زمنٍ قصير حقق قاسم العدل بغير هذا العلم السحري، ولكن سرعان ما انتهت التجربة في حين أنّ أثر العلم لا يزول (...) العدالة لا تبقى إلّا توفّر العلم الساحر"([9]).
تعدّدت شخوص الرواية واختلف وزنها وشكل حضورها، وقد "ألغى ملامح الشّخصيات الرّوائية فمن يجيء لا يختلف عمّن جاء"([10])، في قطعٍ واضح مع البنية الروائية التقليدية، ومحاولة تدشين عهد جديد في الرواية العربية.
2 – جدلية الدين والسّلطة في رواية أولاد حارتنا:
لقد حاول نجيب محفوظ رصد جدلية الدّين والسلطة، إلى جانب سؤال العدالة الذي كان حضوره مؤثراً، وهذا لا يخفى على القارئ، بيد أنّ جدلية الدين والسلطة طغت على النّص بشكل واضح، ونالت نصيب الأسد، كما حاول صاحب الرّواية تعقّب إشكالية الدين والعلم عبر شخصية "عرفة". وكأنّ نجيب محفوظ حاول التأكيد، عبر رصد الجدلية المذكورة آنفاً، على أنّ "التغيير هو التحرّر من السلطتين الدينية والسياسية وتحرير الإنسان والمجتمع منهما؛ فالدّين لا يقبلُ إلّا سلطة الضمير والعلم لا يقبلُ إلّا سلطة العقل"([11]).
لقد استلهم نجيب محفوظ الحسّ الأسطوري والملحمي في رواية أولاد حارتنا، وهذا يظهر بجلاءٍ كبير في النّص، وقد اتّضح ذلك بعد الدراسة التي شملت بعض شخصيات النّص. لكن صاحب الرّواية هو سليلُ الواقعية فما الذي دفعهُ إلى تبنّي الأسطورة وجردها، حتى يتمكّن من بناء شخوصه وأحداث روايته؟ لقد أجاب الناقد الفلسطيني عن هذا السؤال قائلاً: "سعى الرّوائي إلى غايتين: تأمّل الظّلم والعدالة في أصولهما الشفّافة الأولى، واشتقاق الأزمنة السّديمية اللاّحقة من الزمن الأصلي، فبعد أنْ غدا الحاضر ثقيلاً ومبهم الإجابة، أجبر السائل المغترب على ترحيل سؤاله إلى زمن البدء التماساً واستنكاراً للحاضر في آنٍ"([12]).
على الرغم من استحضار نجيب محفوظ للأسطورة واستلهامه لنَفَسِها الذي منح للرّواية نكهة خاصة، وفتح له أفقاً أرحب لمعالجة عدّة إشكاليات، كانت أبرزها جدليّة الدين والسلطة، إلّا أنّه كان ينفي حضور الأسطورة، بين الفينة والأخرى، كلّما سنحت له الفرصة، وخير مثالٍ على ذلك: "حين يلقي الأب بأبنائه خارجاً مانعاً عنهم غضبهُ الشّديد التوبة والغفران"([13]). ارتبطت الأسطورة في الرّواية بمفهوم الزمن، فصاحبها اختصّ في الرّواية تاريخية وتفنّن في تشييدها، وانفرد بتفرّده فيها، لذا فقد وارب الزمن في الرواية وجعله "متسيّباً بليداً، يضارعُ فيه الماضي الشّرير حاضراً أشدّ شرّاً وملامح البشرية غائمة متماثلة تشهدُ على بوادر الزمن الإنساني وفساده"([14]).
لقد جعل محفوظ الزمن مفتوحاً ومتقاطعاً، فباستلهامه للنّفَس الأسطوري واستحضار رمزية شخوص دينية مقدّسة، دارت حكاياتها في زمنٍ غابر، أعادها وسهر على توضيبها لتتماهى مع شخصيات حاضرة عاينها في مجتمعه المحلي، أو لجأ إلى التخييل، ليبني زمناً مخالفاً للزمن المتعارف عليه، ليكون بذلك قد دشّن عهداً جديداً في كيفية بناء الزمن الرّوائي؛ وذلك "في فضاءٍ سديمي لا بدء له ولا نهاية"([15]).
ظلّت الأسطورة والحكاية تحكم حياة الإنسان في حقبٍ متعددة، ولعلّ البداية الرّسمية للأسطورة نجدها متشكّلة بجلاءٍ كبير لدى الحضارات الشرقية القديمة (غلغامش)، ثم في بلاد الإغريق التي تبنّت هذا الشكل الحكائي، وحاولت نشره وتعميمه في مختلف الحضارات، وقد لقيّ إقبالاً واسعاً واهتماماً كبيراً، فبالرغم من عدم تقبّل العقل لهذه الحكايات الأسطورية، فإنّها تحمل قيما ومعانٍ رمزية تحتاج لتمعّن كبير لاستيعابها، كما أنها ترتبط بسياقٍ تاريخي محدد، وهذا ما يجعل قراءتها وفق العصر الآني صعباً، لذا يجب قراءتها وفق سياقها التاريخي.
على الرغم من التبرير الذي حاولتُ تقديمه ووصفي للرّواية بأنّها عمل تخييلي بُنيّ على أساس الأسطورة والحكاية والملحمة، بيد أنّ الأزهر، كأعلى مؤسسة دينية في مصر، اعترضت على مضمون الرّواية، وادّعت أنّ الرّواية، رغم رمزيّتها، كما وضّحت وسأوضح فيما بعد، أنّها تمسّ بصورةٍ مباشرة بالمُقدّسات. "كتب شيخها (=الأزهر) محمّد الغزالي تقريراً عن الرّواية وبعثهُ إلى جمال عبد النّاصر وبموجبه تمّ منع الرّواية"([16]). لقد كان اعتراض الأزهر مبنياً على أساس العاطفة والقراءة السطحية، ولم يكن محكوماً بأسس علمية منطقية وموضوعية، فالتقرير الذي كتبه شيخ الأزهر، يبيّن مدى عدم تمكّنه من حرفة النّقد الأدبي، فكان بالأحرى إحالة الرواية على لجنة علمية متمرّسة في النقد، وتحكمها الموضوعية فقط، وستكون لها، دون شك، قراءة مُغايرة.
وقف النّقاد العرب في موقع المدافع المستميت عن مضمون الرّواية والغايات التي ترنو إليها، كما أنّهم أبانوا عن موقفهم من رمزيّتها. ونجد في مقدمتهم النّاقد عمر فتال الذي وصفها بأنّها دشّنت مرحلة جديدة لرمزية النّص الروائي. نقرأ له في هذا المضمار: "إنّها رواية جاءت بعد قطيعة بين الكاتب، والإبداع على مُستوى الرّواية. وهي قطيعة دامت سبع سنوات؛ كما أنّها جاءت لتُدشّن مرحلة الرّمزية التي سيُبلي فيها نجيب محفوظ البلاء الحسن"([17]). كما نجدُ حكماً دينياً مرناً للأستاذ حسن حنفي على الرّواية وقد وصفها بأنّها "نموذج من الأدب شبيه بقصص الأنبياء للتعبير عن روح الإسلام، وهو روح العلم، في أسلوبٍ قصصيّ، ونقله من مدينة السماء إلى مدينة الأرض. فتطوّر الوحي من آدم إلى محمّد هو انتقالٌ من الدّين إلى العلم، ومن الخرافة إلى العقل ومن تدخُّل الإرادة الخارجية إلى الاعتماد على الإرادة الإنسانية، ومن قهر الطبيعة للإنسان إلى السيطرة عليها ومن حكم الله إلى حكم البشر، وختم النبوّة يعني استقلال الإنسان عقلاً وإرادةً"([18]).
المراجع:
كتب:
- درّاج، فيصل. الرّواية وتأويل التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2004
- عمري، سعيد. الرّواية من منظور نظريّة التلقي، مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة، كلية الآداب ظهر المهراز -فاس، الطبعة الأولى، 2009
دوريات:
- فرج، نبيل. رسالة القاهرة أولاد حارتنا، مجلة: الآداب، (لبنان، العدد 3-4، 1995).
- العاني، نزار خليل. فلسفة التاريخ في "أولاد حارتنا" "نجيب محفوظ" والبحث عن يوتوبيا، (مجلة: المعرفة، عدد 680، سوريا، 2020).
- حنفي، حسن. السقوط والخلاص: قراءة في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، مجلة: عالم الفكر، (الكويت، العدد 4-3، 1995).
- فتال، عمر. على هامش (أولاد حارتنا)، مجلة: فصول، (مصر، العدد 2، 1992).
[1] نبيل فرج، رسالة القاهرة أولاد حارتنا، مجلة: الآداب، (لبنان، العدد 3-4، 1995)، ص 113.
[2] انظر: السعيد الخيز، بناء الشخصيات في الرّواية المغربية، (مجلة: نُصوص من خارج اللغة، عدد مزدوج 16-17، المغرب، 2021).
[3] نزار خليل العاني، فلسفة التاريخ في "أولاد حارتنا" "نجيب محفوظ" والبحث عن يوتوبيا، (مجلة: المعرفة، عدد 680، سوريا، 2020)، ص 79
[4] سعيد عمري، الرّواية من منظور نظريّة التلقّي، مشروع البحث النقدي ونظرية الترجمة، كلية الآداب ظهر المهراز -فاس، ط 1، 2009، ص – ص 89 - 100
[5] المرجع نفسه، ص 89.
[6] الرّواية من منظور نظريّة التلقّي، المرجع نفسه، ص 92.
[7] نجيب محفوظ، أولاد حارتنا، دار الآداب، بيروت، ط 6، 1986، ص 131.
[8] أنظر: معروف الرصافي، الشّخصية المحمديّة، منشورات الجمل، ألمانيا، ط 1، 2008، ص – ص 354-355.
[9] حسن حنفي، السقوط والخلاص: قراءة في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، مجلة: عالم الفكر، (الكويت، العدد 4-3، 1995)، ص 306.
[10] فيصل درّاج، الرّواية وتأويل التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 2004، ص 177.
[11] حسن حنفي، السقوط والخلاص: قراءة في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، المرجع نفسه، ص 316.
[12] فيصل درّاج، الرّواية وتأويل التاريخ، المرجع نفسه، ص 178.
[13] المرجع نفسه، ص 179.
[14] المرجع نفسه، ص 176، بتصرف.
[15] المرجع نفسه، ص 176.
[16] سعيد عمري، الرّواية من منظور نظريّة التلقي، مرجع سابق، ص 57.
[17] عمر فتال، على هامش (أولاد حارتنا)، مجلة: فصول، (الكويت، العدد 2، 1992)، ص 353.
[18] حسن حنفي، السقوط والخلاص: قراءة في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، مرجع سابق، ص 285.