جدلية الدين والسياسة بين التنزيل والتأويل
فئة : أبحاث محكمة
جدلية الدين والسياسة بين التنزيل والتأويل
الملخص:
تحكمت المصالح السياسية في تأويل النص الديني، القرآني والحديثي؛ وذلك في سياق الصراع والتنافس المحتدمين حول السلطة في التاريخ الإسلامي المبكر، في ظل صمت النص الديني عن التفصيل في شؤون السياسة والدولة، وترك المسألة السياسية للعقل ومصالح الناس، فكل ما في القرآن من أمور السياسة والحكم لا يتجاوز مستوى الغايات والمقاصد والمبادئ العامة، وقد تجاوزت المسألة تأويل نص قائم إلى وضع نصوص تدعم شرعية سلطة قائمة، ونصوص مضادة تنزع عنها تلك الشرعية.
لقد أضحى تأويل النص الديني شأنا من شؤون الدولة، وأصبحت أمور الدين كلها ممأسسة بشكل ينسجم وطبيعة السلطة السياسية، ليتحول الدين بذلك إلى أداة براغماتية وآلية للاستعمال الإيديولوجي الذي بموجبه تتحقق شرعنة السلطة السياسية. واستمر التوظيف الإيديولوجي السياسي للإسلام في مجمل الدول العربية إلى الآن، وهذه الإشكالية لا تساعد على بناء مجال سياسي حديث، تحكمه المبادئ الديمقراطية وروابط المواطنة.
مقدمة
بوفاة الرسول (ص) انتقل المسلمون من مرحلة "النبوة" إلى مرحلة "الخلافة"، من الدعوة إلى الدولة، من الدين إلى السياسة، وسيتم تشكيل المجال السياسي العربي في خضم الدين، وعلى أساس مقولات دينية وتأويلات لتسويغ الفعل السياسي، لذلك فإن أكبر المتغيرات التي استجدت بفعل هذا الانتقال، هي التحول من مرحلة "التنزيل" إلى مرحلة "التأويل"، من مرحلة النص الأصلي الخام، النص القرآني والحديثي، إلى مرحلة تأويل هذه النصوص وفق خلفيات مختلفة ومتصارعة في كثير من الأحيان؛ وذلك لما استجد في حياة المسلمين بعد الرسول (ص) من صراعات زمن الخلافة الراشدة والملك الأموي والعباسي حول إشكالات سياسية تتبَرْقع بغطاء ديني.
هذا التحول الطارئ في التاريخ الإسلامي المبكر مهم للغاية في تحديد آليات وميكانيزمات اشتغال العقل السياسي العربي في بدايات تشكل الدولة في الفضاء الإسلامي؛ فكل فرد أو جماعة تؤوِّل القرآن بحسب مصالحها وأهدافها، وهنا ينتصب التأويل، باعتباره محددا بارزا في تشكيل المجال السياسي الإسلامي، فتصرفات الصحابة والتابعين السياسية مبنية على مضمون الحديث النبوي "أنتم أدرى بشؤون دنياكم"، مع إعمال واضح للبراغماتية السياسية التي اتخذت من النص الديني أساسا متينا لإضفاء المشروعية على الممارسة السياسية، لذلك كان باب الاجتهاد والتأويل مفتوحا على مصراعيه، وكل يؤصل لرأيه السياسي في القرآن، وفي السنة، وفي سيرة السلف الصالح، فصار التأويل في خدمة التسويغ والتبرير السياسيين.
لقد اهتم العديد من المفكرين المعاصرين بحيثيات نشأة الظاهرة القرآنية، النص/ الخطاب القرآني، باختلاف الاصطلاحات، وكل ما تعلق بهذا النص من اجتهادات وتأويلات، مركزين على جدلية الدين والسياسة في التاريخ الإسلامي المبكر، منذ عهد النبي إلى سياق الفتنة الكبرى، مرورا بمرحلة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية والصراع بين الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية، ومن هؤلاء المفكرين العرب نذكر: محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد أركون وهشام جعيط، وطيب تيزيني، وعبد الإله بلقزيز، وبنسالم حميش ونصر حامد أبو زيد وبرهان غليون وغيرهم، لذلك سينصب عملنا في هذا البحث حول جدلية الديني والسياسي في العقل الإسلامي التأسيسي، وكيف تضاربت التأويلات المتعددة حول النص المنزل لمجاراة منطق المصلحة السياسية للأفراد والدول والفرق والمذاهب، مستنيرين بمختلف ما أنتجه الفكر العربي المعاصر حول هذه الإشكالية.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا