جدلية حقوق الإنسان العالمية والخصوصية وتصادم الحقوق
فئة : مقالات
جدلية حقوق الإنسان العالمية والخصوصية وتصادم الحقوق
عادل الغافري[1]
اختلف الباحثون في تعريفاتهم لحقوق الإنسان وفقا لرؤيتهم وتخصصاتهم، فنجد السيد فوده يعرفها بأنها: تلك الحقوق التي يتمتع بها الإنسان لمجرد كونه إنسانا أي بشرا، وهذه الحقوق يعترف بها للإنسان بصرف النظر عن جنسيته وديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، وهي حقوق يملكها الإنسان حتى قبل أن يكون عضوا في مجتمع معين؛ فهي تسبق الدولة وتسمو عليها: كما عرفها لياليفين: بأنها مطالب أخلاقية أصلية وغير قابلة للتصرف مكفولة لجميع بني البشر بفضل إنسانيتهم وحدها.
يمكن إعطاء تعريف محدد لحقوق الإنسان نظرا لشموليته وعالميته، وهو مستمد من تعريف الأمم المتحدة (حقوق الإنسان هي تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتها، والتي تكرس مبادئ وقيم العدالة والحرية والمساواة، والتي تهدف إلى ترقية وتنمية الإنسان وتكريمه، والتي بدونها لا يمكن أن يعيش كإنسان).
إن تعدد الأسس والمرجعيات الفكرية بالنسبة إلى حقوق الإنسان، تعطي منذ البداية انطباعا بالاختلاف حول الأساس الحقيقي للحق كفكرة لازمت الإنسان والمجتمعات، بالرغم من تباين السياقات والاعتبارات واختلاف المرجعيات؛ ذلك أنها وإن تنوعت، فهي لا تتناقض ولا تتعارض مع ثبوت هذا الحق للإنسان، وهي بذلك تسهم في توضيح صيرورة الحقوق لا التشكيك في حقيقتها، سواء تعلق الأمر بالمرجعيات الدينية أو النظرية أو القانونية.[2]
لذلك، فقد شغلت قضية حقوق الإنسان على مرّ العصور حيزا مهما من النقاشات الفكرية والسياسية والثقافية، سواء في إطارها القانوني أو الاجتماعي، باعتبار أن احترامها أصبح أحد المعايير التي يقاس من خلالها مدى تقدم الدول والأمم والشعوب والجماعات أو حتى الأفراد، فهناك تقريبا شبه إجماع على مسألة حقوق الإنسان، ولم يعد بإمكان أحد التنكر لها صراحة أو علنا، حتى من الناحية الشكلية أو النظرية [3]. ولقد تعاظم الاهتمام الدولي بمسألة حقوق الإنسان، خاصة في الفترة الأخيرة التي كثرت فيها انتهاكات هذه الحقوق؛ فبعدما كانت مجرد قضية داخلية تتكفل بها الدولة في حدود قوانينها وأنظمتها، أصبحت ذات قيمة عالمية تتجاوز كل الحدود الجغرافية والخلافات الإيديولوجية، ومن تم التمسك بها من طرف جميع البشر بغض النظر عن الجنس أو الديانة أو الأصل القومي أو العرقي أو الوضع الاقتصادي الاجتماعي أو أي وضع آخر[4].
فالنصوص الأساسية (المواثيق - المعاهدات - القرارات) لحقوق الإنسان، سواء منها ما هو صادر عن هيئات دولية كالأمم المتحدة أو المنظمات التابعة لها، أو عن هيئات إقليمية لميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان – الميثاق العربي لحقوق الإنسان-الميثاقان الإسلاميان.... تقدم هذه الحقوق على أنها حقوق شمولية للنوع البشري، وأنها على الرغم من تجذرها في الثقافات الخاصة أو المحلية، موجهة إلى كل البشر بغض النظر، عن اللون والجنس أو العرق أو اللغة أو الوطن.[5]
ومن هنا، ظهرت عالمية حقوق الإنسان في عالم يتميز باختلاف وتنوع ثقافيين، حيث برزت اتجاهات متباينة حول إشكالية العالمية والخصوصية الثقافية؛ أولها الاتجاه الذي يدعو إلى عالمية الحقوق وتوحيد تطبيقها على جميع الأسر البشرية دون استثناء أو تمييز، وثانيها الاتجاه المتمسك بالخصوصيات الثقافية، والذي يدعو إلى تطبيق حقوق الإنسان على نحو يتوافق ويضمن احترام الخصوصيات التي تميز كل الشعوب والمجتمعات، وأخيرا الاتجاه الذي ينادي بالتوفيق بين عالمية حقوق الإنسان والخصوصية الثقافية.[6]
وتتجلى أهمية الموضوع في أن جدلية حقوق الإنسان والخصوصية الثقافية لا تعاني من صراع في المفاهيم والرؤى بقدر ماتعاني من توظيفات سياسية، من قبل الفاعلين الدوليين كما المحليين، باسم العالمية تارة في أشكال انتقائية ومعايير مزدوجة وتدخل في شؤون الدولة الداخلية، وباسم الخصوصيات والتميز تارة أخرى، في شكل ذرائع تستخدم لانتهاك أم لانتقاص من حقوق الإنسان والمواطن.
إن الأهمية في اعتقادنا كذلك، تكمن في محاولة إيجاد نقاط التشابه والتقاطع بين المفهومين، بما يسمح بالممارسة والتمتع بحقوق الإنسان العالمية التي يعترف بها للإنسان لمجرد كونه إنسانا، من دون إهدار لمجموع القيم والمبادئ الثقافية والاجتماعية التي تمثل خصوصية الإنسان وتميزه عن أخيه الإنسان، والمستمدة أصلا من البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي يعيش فيها هذا الإنسان أو ذاك، والتي تختلف قليلا أو كثيرا عن غيرها من الهيئات ومن الثقافات.
تتجلى الإشكالية الرئيسة لهذا الموضوع، في أن الإقرار والاعتراف النظري الصريح بكونية هذه الحقوق، لا يحل مشكل الكونية من حيث دلالتها وبعدها المرجعيات؛ فعندما تنسب الكونية إلى الغرب والثقافة الغربية، باعتبارها نموذج كل ثقافة كونية، فإن الأمر يولد جدالا لاحد له، ويثير مآخذ من جانب الثقافات الأخرى المنافسة للثقافة الغربية، وهكذا تطرح من جديد صراعات حول المرجعية – فما المقصود بالكونية والثقافة الغربية؟ وهل الثقافات الأخرى لم تسهم في بلورة هذه الحقوق؟ وإذا كانت هذه المرجعيات الغربية شمولية وكونية حقا، فلماذا تتجه إلى طمس معالم الخصوصيات الثقافية في ميدان حقوق الإنسان ذاته؟ وتبعا لما سبق ذكره سنقسم هذا الموضوع إلى مطلبين المطلب الأول: حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، والمطلب الثاني: مبررات تصدي الخصوصية الثقافية لحقوق الإنسان.
المطلب الأول: حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية
إن تدبير التنازع بين عالمية وخصوصية حقوق الإنسان، لما أثارته من جدل أثناء المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد بفيينا سنة 1993، والذي أكد في تقريره الختامي على كون جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة، [7] فالعالمية تقاس بمدى ضمان حقوق الإنسان من طرف المنظومات القانونية الداخلية، أو بالتصديق أو عدمه على الآليات القانونية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكذا بالتحفظات أو عدمها تجاه بعض مقتضياتها، وقد شكلت قضية العالمية والخصوصية مثار جدل في مجتمعات العالم النامي، نظرا لكون إطلاق صبغة العالمية على مبادئ حقوق الإنسان المتضمنة في الشرعية الدولية لم تكن نتاج صياغة توافقية من قبل جميع الجماعات البشرية على قدم المساواة، بل كان للدول الغربية المصنعة الدور الرئيس في بلورتها، إلا أنه بالرغم من ذلك تبقى مسألة حقوق الإنسان عالمية بامتياز[8] وسأتطرق تباعا في التحليل والرصد لمجمل الإشكاليات من خلال خمسة فروع؛ الفرع الأول: جدلية حقوق الإنسان بين الخصوصية والكونية، والفرع الثاني: الصراع الداخلي والخارجي حول الكونية الفرع الثالث: الخصوصية أداة لتبرير التجاوزات والانتهاكات الفرع الرابع: النزعة العالمية والأيديولوجيا الكونية الفرع الخامس: من جدلية الكونية والخصوصية إلى جدلية تصادم الحقوق
الفرع الأول: جدلية حقوق الإنسان بين الخصوصية والكونية
إن الأدبيات التي تدافع عن معطى الخصوصية تنطلق من محاولات مقاومة عالمية حقوق الإنسان، من خلال التأكيد على الخصوصيات الوطنية والجهوية في أبعادها الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي بذلك تزكي طرح الخصوصية الثقافية التي تتميز بها كل حضارة على حدة بما يتناسب مع حركية تطور مجتمعاتها وشعوبها.
وفي مقابل ذلك، يذهب أنصار العالمية إلى التأكيد على عدم قابلية خضوع حقوق الإنسان لأي استثناء أيا كانت طبيعته، مما يطرح التساؤل حول ما إذا كانت جدلية العالمية والخصوصية إغناء لمسار حقوق الإنسان أم انتقاصا منه؟
إن مفهوم عالمية حقوق الإنسان في أبسط معانيه، يقتضي وجوب تطبيقها في كافة المجتمعات الإنسانية أيا كان موقعها، وأيا كانت التمايزات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تميز كل مجتمع عن الآخر؛ ذلك أن خطاب العالمية يرتكز على فكرة العمومية، ويطال الجميع بغض النظر عن أماكن تواجدهم، ويجد هذا الطرح تفسيره بوضوح في الصياغة المعتمدة داخل مواثيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان؛ فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يستعمل عبارات من قبيل: (الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، من حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم)[9]. وكذا استخدام عبارات عالمية ذات منحى عام ومجرد مثل الناس [10] الإنسان[11]، الأفراد[12] الأشخاص[13] الرجل والمرأة[14]، الأمومة والطفولة[15]؛ ذلك أن بلوغ الطابع العالمي للنص القانوني رهين باستخدام صياغات أكثر تجريدا.
وتكمن أحد مؤشرات عالمية حقوق الإنسان في الحركية الواسعة لمصادقة وانضمام عدد كبير من دول العالم إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بالرغم من عدم انسجام المجموعة الدولية[16]، ونظرا لارتكاز مبدأ العالمية على ضرورة الاحترام والاقتناع الدوليين بأن ثمة حقوقا يجب أن يتمتع بها الإنسان لكونه إنسانا بصرف النظر عن المعتقد أو الجنس أو اللغة أو العرق، ويمكن أن نستدل بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي حظيت بإجماع دولي كبير من خلال المصادقة عليها من طرف كل العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. وعليه، فالخطاب حول عالمية حقوق الإنسان وجد امتدادا له في العلاقات الدولية، خاصة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال تأكيد ميثاق الأمم المتحدة على مبادئ السلام والعدالة والتضامن الدولي واحترام الالتزامات الناتجة عن المعاهدات والإيمان بالقيم المتعلقة بالمساواة في الحقوق الأساسية للإنسان والأمم كبيرها وصغيرها، فضلا عن تزايد عدد الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان المبرمة في إطار هيئة الأمم المتحدة أو إحدى وكالاتها المتخصصة، كمنحى لتدويل حقوق الإنسان والتزام أعضاء المجموعة الدولية بمبادئها.[17]
ومنذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، توالت حركية تقنين معايير حقوق الإنسان، لتشمل العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب صدور العديد من الإعلانات والاتفاقيات ذات الصلة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لبلورة معالم القانون الدولي لحقوق الإنسان، المتسم بالعالمية التي لا تقبل التحلل من الالتزامات والحقوق الواردة به تحت دعوى خصوصية الواقع الثقافي والاجتماعي، ولكن هذا الطرح لا ينفي وجود تمايزات على مختلف المستويات بين شعوب العالم المخاطبة بأحكام المواثيق الدولية للإنسان.
إن قضية عالمية أو خصوصية مبادئ حقوق الإنسان ليست بالقضية التي تحسم بالترجيح النظري لأحد الطرحين، وإنما تتطلب تدبيرا توفيقيا، شاملا وموضوعيا للإشكالية من خلال التأكيد على عالمية حقوق الإنسان مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية والإقليمية بكل تجلياتها الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والدينية والسياسية، وهو السياق ذاته الذي اعتمدته ديباجة قرار الجمعية العامة القاضي بإحداث مجلس حقوق الإنسان، بتأكيدها على عالمية وترابط وتشابك حقوق الإنسان، وعدم قابليتها للتجزئة مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية والإقليمية بغض النظر عن الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية المختلفة للدول[18].
الفرع الثاني: الصراع الداخلي والخارجي حول الكونية
إن الإقرار والاعتراف النظري الصريح بكونية هذه الحقوق، على المستويات الثلاثة المذكورة في الفقرات السابقة [19] لا يحل مشكل الكونية من حيث دلالتها وبعدها المرجعيان، فعلى المستوى الأول النظري، نلاحظ أن القول بالخصوصية الثقافية، إنما هو محاولة لتبرير التعارضات التي يتم تسجيلها بصدد ممارسات اجتماعية، خاصة حول المرأة أو الطفل أو الإرث أو غير ذلك مما يستلزم حماية هذه الخصوصيات وتحصينها والدفاع عن وجاهتها؛ ومن بين نقط التعارض بين الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والمبادئ الشمولية وصاية الأب على ابنته في التزويج أو عدمه[20]، مما يتعارض مع بعض الحقوق والحريات التي تسندها شرعة حقوق الإنسان إلى المرأة، ومنها أيضا الحق في الاعتقاد الديني، حيث تحرم بعض الديانات كليا على المؤمن أن يتخلى عن دينه الأصلي ليعانق دينا آخر، مما يتعارض مع الحقوق العقدية للأفراد، وخاصة ما تعلق منها بحرية التفكير والضمير والمعتقد، والتي نصت على ها العديد من المواثيق الدولية خصوصا في النص النهائي الصادر عن ندوة هلنسكي المنعقدة سنة 1975، حيث ((تلزم الدول المشاركة باحترام حريات الفرد في ممارسة وتعليم الدين أو المعتقد وحقه في أن يتصرف وفق ما يمليه ضميره))[21].
لكن هذه الخصوصيات لا تقتصر على دول الجنوب وحدها، بل إن العديد من العادات والطقوس الاجتماعية في دول الغرب نفسها تقف حجر عثرة في سبيل تطبيق يومي لشرعة حقوق الإنسان؛ فبعض مظاهر العنصرية أو كراهية الأجانب في دول الغرب تتنافى كليا مع المبادئ الحقوقية الكونية، كوضعية الأكراد في تركيا والأتراك في ألمانيا مثلا، ومعاداة العرب في فرنسا، لذلك يمكن الجزم بأن هذه المسائل محسومة على المستوى النظري الخالص، لكنها ما تزال من الناحية تطرح عدة إشكالات، خاصة في العديد من المؤتمرات الدولية، فدول الجنوب تتجه، بدرجات متفاوتة إلى الربط بين الكونية والسيطرة، فالكونية المتمسك بها من طرف الدول الغربية، ماهي في نظر الكثيرين إلا قناع هيمنة وأداة سيطرة ووسيلة استلحاق سياسي واجتماعي وثقافي لدول الجنوب بدول الشمال، بل هي في بعض الأحيان أداة للتدخل في شؤون هذه البلدان لتوجيهها في المسار المطلوب. وربما حق التدخل الذي جرى حوله نقاش عالمي مؤخرا ما هو في النهاية إلا حصان طروادة الذي يعطي لدول الشمال بصورة استعمارية جديدة ملطفة للتدخل في شؤون الدول باسم تحقيق أهداف إنسانية أو باسم حماية حقوق الإنسان.
فمقولة حقوق الإنسان ذاتها قد استعملت مند البداية توظيفها السياسي بقوة في الغرب، كأداة إيديولوجية هجومية، سلطت لفترة طويلة على بلدان المعسكر الشرقي، وعلى الاتحاد السوفياتي، إذ شكلت رأس الرمح في الهجوم الإيديولوجي على هذا المعسكر. ولذلك فليس من المستبعد اليوم توظيفها واستثمارها لإحكام السيطرة على دول الجنوب، وبالمقابل يلاحظ أن دول الشمال تبلور خطابا هجوميا آخر، مفاده أن تمسك العديد من الدول المتأخرة بخصوصيتها الثقافية، ومقاومتها للنزعة الكونية لحقوق الإنسان، ليست في المدى الأقصى إلا وسيلة لإخفاء مظاهر انتهاكها المستمر لهذه الحقوق، وتبريرا ثقافيا لهذه الانتهاكات.[22]
الفرع الثالث: الخصوصية أداة لتبرير التجاوزات والانتهاكات
على الصعيد الدولي، تبين أن النقاشات في فيينا سنة 1993 أبرزت وجود نوع من التقابل الواضح بين عالمية حقوق الإنسان وخصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي في الكثير من البلدان، بل تبين أثناء أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي استغرقت ثلاث سنوات أن العديد من دول العالم الثالث، ومنها العديد من الدول العربية، كانت تميل إلى الدفاع عن الخصوصية ليس فقط من حيث هي واقع ثقافي واجتماعي وحضاري لا جدال فيه، بل كانت تعمد إلى استغلال هذا المعطى الثقافي (كقناع يخفي انتهاكات حقوق الإنسان في بلادها).[23]
كما أن صراعا حادّا كان قد حدث في المؤتمر العربي لحقوق الإنسان الذي عقد في القاهرة قبل ذلك في أبريل 1992 بمبادرة من اتحاد المحامين العرب والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، حضره ممثلون عن المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، إذ اتخذ أعضاء المؤتمر موقفا واضحا معارضا لاستغلال الدول العربية لمفهوم حقوق الخصوصية من أجل تقنيع وتبرير انتهاكات لحقوق الإنسان، أو لتحللها من الالتزامات الدولية في هذا الموضوع، بل لقد أشار المؤتمر إلى أن (الحكومات العربية تنظر إلى مفاهيم حقوق الإنسان على أنها إطار جديد لممارسة المعارضة السياسية).[24] وهكذا يبدو أن النقاش حول مسألة الكونية والخصوصية، لم يبق مجرد نقاش أكاديمي أو نظري خالص، بل أصبح نقاشا ذا أبعاد سياسية محلية (صراع سياسي وإيديولوجي بين النخبة الحاكمة والمعارضة) ودولية (بين دول الشمال ودول الجنوب في المنظمات الدولية) وما بينهما.
ولعل هذا ما يطرح دور الاجتهادات الإسلامية والعربية والإفريقية والآسيوية وغيرها في تكييف الشرعية العالمية مع التشريعات الوطنية، والحد من غلو الأولى أحيانا، وإضفاء شرعية ثقافية على ها أحيانا أخرى في إطار نوع من الحوار الدائم بين الثقافتين؛ وذلك لأن هذه القضايا ذات طبيعة خلافية وحضارية عميقة، لا يتيسر حلها على المدى القصير، بل يتطلب حلها اجتهادا وغربلة وتكييفات مستمرة.[25]
وسأكتفي في هذا القسم بملامسة بعض النقط التي يبدو فيها نوع من التعارض بين المنظومتين:
ورد في المادة الثانية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان[26]، أن لكل إنسان الحق دون تمييز، خصوصا من حيث القومية أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الاعتقاد السياسي.
ويقابلها في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان مادة ورد فيها:
(جميع الناس متساوين في أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة، أو الإقليم أو الجنس أو الانتماء السياسي، أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات).
ومن الواضح أن الإعلان الإسلامي يستثني الدين من هذه الاعتبارات؛ وذلك انطلاقا من النزوع الكوني والشمولي للإسلام نفسه من حيث هو دين بل آخر دين، يتوجه نحو كل المؤمنين بالله.
الفرع الرابع: النزعة العالمية والأيديولوجيا الكونية
في دول الغرب يعود الصراع بين القوى السياسية المختلفة في الداخل؛ فأول وثيقة لحقوق الإنسان في الغرب (الماغنا كارتا 1215م) جاءت نتيجة صراع سياسي داخلي في إنجلترا أدى إلى الحد من صلاحيات السلطة الملكية والاعتراف بالنبلاء، وقد أدى هذا الصراع السياسي الذي تولد عنه مفهوم حقوق الإنسان لأول مرة في التاريخ الأوروبي إلى الحد من امتيازات السلطة الملكية آنذاك، وفي الوقت الذي تطور فيه مفهوم حقوق الإنسان لصالح الشعوب الأوروبية، كان الاتجاه الفكري السائد يبرر إبادة الشعوب الأخرى، وخاصة المتخلفة والبدائية منها باسم الرسالة التحضيرية التي يمارسها الإنسان الأبيض عبر عمليات الاحتلال والاستعمار المباشر، مما جعل خطاب الحقوق مند البداية خطابا مزدوجا وثنائي المعايير.[27]
الكونية مجرد إيديولوجية للسوق، مرتبطة بتوسيع السوق الرأسمالية؛ فهي نزعة عالمية تسعى إلى استثمار ورقة حقوق الإنسان بشكل يخدم أغراضها الاقتصادية والإيديولوجية، فإلحاح الغرب على تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حق الشغل، حق الملكية، السكن.. يهدف إلى تحويل مواطني الجنوب إلى مستهلكين في سوق تتحكم فيه الشركات المتعددة الجنسيات، فإذا كانت منظمة التجارة العالمية استهدفت تكسير الحواجز الجمركية والقانونية، فإن إيديولوجية حقوق الإنسان ستكون هي الغطاء المناسب والحافز للبحث عن مستهلكين أكثر وكائنات اقتصادية.[28]
المادة 05 من الإعلان الإسلامي[29] أنّ لـ (الرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية).
المادة 16 من الإعلان العالمي[30] أن: (لكل رجل وامرأة بالغين الحق في الزواج وتشكيل العائلة، دونما تحديد عرقي أو قومي أو من حيث الجنسية أو الدين)
من القضايا التي تطرح بصددها العديد من التعارضات مسألة حق التربية والت على م، وهو حق يعترف به الإعلان العالمي مثلما يعترف به الإعلان الإسلامي، إلا أن الإعلان الأولي يعطي الأولوية للوالدين فيما يخص نوع الت على م والتربية المقدم للأبناء المادة 26 من الإعلان العالمي[31] في حين تنص المادة المماثلة من الإعلان الإسلامي على (حق الآباء) في اختيار نوع التربية التي يريدونها لأبنائهم.
وهناك العديد من القضايا التي يبدو فيها التعارض كمسألة الحاكمية أو الحق الإلهي في الحكم من المنظور الإسلامي في مقابل الشرعية الانتخابية والدستورية في النظام السياسي الحديث.
وقد صاحب ذلك تمييز واضح بين حقوق الإنسان في مجالها الغربي، وحقوق الإنسان في مجالها العالمي، بل إن فلسفة حقوق الإنسان في الغرب سارت جنبا إلى جنب مع عمليات استعمار الشعوب، ولاسيما عمليات إبادة الهنود الحمر في الأمريكيتين وشحن العبيد من إفريقيا إلى أمريكا الشمالية واستعمار البلدان الأخرى، والهيمنة على ها ونهب ثرواتها، وتذكر الباحثة السياسية، حنة أرندت في كتابها الإمبريالية بأن الدول الأوروبية لم تكن في القرن 19 قادرة على ضمان حقوق الإنسان لأفراد لا ينتمون إلى أوطانها، إذ لم تكن هذه الحقوق مضمونة إلا بالنسبة إلى المواطنين.[32]
أ- انتقاد الكونية لذاتها أم لتوظيفها؟
نرى أن معظم هذه الانتقادات لا يطعن في الطابع الكوني لهذه الحقوق، بقدر ما يوجه النقد، إلى التوظيفات والاستعمالات والاسثتمارت التي خضعت لها، سواء باستعمالها كأداة صراع سياسي داخلي، أو ضمن صراع سياسي دولي، أو بتوظيفها كإيديولوجيا توحيدية للسوق، أو كأداة للهيمنة السياسية على المستوى العالمي؛ ففي كل هذه المراحل نجد أن الأمر يتعلق بتوظيف مقولة حقوق الإنسان.
وباستثمار سمتها الكونية دون المجادلة في الكونية ذاتها، [33] اللهم إلا بالقول إنها كونية غربية أو مقاسة وفق مواصفات الغرب، فالكونية أمر لا جدال فيه ولا غبار عليه، وإن كان استعمالها محط نزاع وموطن نقاش|.
الفرع الخامس: من جدلية الكونية والخصوصية إلى جدلية تصادم الحقوق[34]
يقف سبيلا، وهو يناقش القضايا الفكرية التي تطرحها منظومة حقوق الإنسان، وما يعتبره ثغرات وحدودا لهذه المنظومة، على الجدل الذي تثيره بعض الإشكاليات الحقوقية، والذي يعود في بعض الحالات إلى تصادم واضح بين أكثر من حق، على النحو الذي يمكن استعراض بعض ملامحه على الشكل التالي:
-أ- في التصادم بين الحق في الحياة والحق في الأمن
ينطلق سبيلا من الإقرار بأن الحق في الحياة هو أساس كلّ حقوق الإنسان؛ فهو سابق على كل الحقوق الأخرى، وهو المطلب الأساسي الذي تشيد عليه بقية الحقوق، وهو ما يجعل منه السند المؤسس لها، إذ لا معنى ولا قيام للحقوق والحريات، ولا للحقوق الاجتماعية، ولا الحقوق الثقافية إلا على أساس الحفاظ على هذا الحق الأساسي وضمانته وحمايته، [35] حيث إن هذا الحق يتخذ أبعادا ثلاثة: حالة الفرد حياة الجماعة، وحياة النوع البشري ذاته، لذلك، وأمام ما يتهدد الحياة الفردية من مخاطر سعت القوانين الدولية إلى التنصيص على ضرورة الحق الفردي في الحياة، لكن الخلاف والاختلاف ظلا قائمين بصدد العديد من الحالات المخلة بهذا الحق كالإجهاض، والإعدام، والقتل الرحيم، والتعقيم[36].
وفي هذا السياق، يضع سبيلا ما تعرفه عقوبة الإعدام من نقاش داخل العديد من الدول، بالموازاة مع تطور وازدهار وتوسع ثقافة حقوق الإنسان في كافة المجتمعات، فإذا كانت هذه العقوبة قد ارتبطت بقانون القصاص (العين بالعين، والسن بالسن)، واستخدمت على وجه العموم لتحقيق جملة أهداف كترهيب وتخويف المجرمين وتحقيق إدانة فعلية للفعل الإجرامي، وإقصاء المجرم من دائرة المجتمع، بل من مسرح الحياة، وتحقيق الجزاء، فإنها ظلت مرافقة دائما بالجدل حول جدواها، وحول ما إذا كانت هي وسيلة العقاب الأكثر نجاعة.
إن الأساس الفكري لهذا النقاش، بالنسبة إلى سبيلا هو الصراع بين حقين؛ حق طبيعي هو حق الحياة، وحق اجتماعي هو الحق في الأمن؛ فالمجتمع المهدد يضحي بالحق الأول في سبيل إقرار الحق الثاني. لذلك، فالنقاش حول إلغاء الإعدام يدور في العمق حول كيفية ضمان الحق الثاني دون التفريط في الحق الأول، أو حول كيفية التوفيق بينهما لمصلحة الطرفين معا.[37]
ب- في التصادم بين حق الاختلاف ومبدأ المساواة
يرتبط حق الاختلاف بجملة من الحقوق الثقافية بلورتها في السنوات الأخيرة مجموعة من الهيئات الدولية (اليونسكو) أو الإقليمية (الإسيسكو- الأليسكو)، نجد من ضمنها حق التربية والتعليم، حق المشاركة في الحياة الثقافية إنتاجا واستهلاكا، الحق في الهوية الثقافية، الحقوق المادية والقانونية للفاعلين الثقافيين، حيث يقصد به الحق في ممارسة الفرد لاختلافه (دينيا، لغويا، وثقافيا)؛ أي تعبيره عن الآخرين.
وهنا يقدم سبيلا مجموعة من الملاحظات:
1-أن الحق في الاختلاف، في حد ذاته أكبر من مجرد من حق، إنه مبدأ وأساس لكل الحقوق الثقافية: الحق في اللغة، الحق في المعتقد، الحق في الطقوس الثقافية.
2-أن الحق في الاختلاف، إذا كان هو أساس الحقوق الثقافية، حيث يستند إلى خلفية أخلاقية قوامها المساواة والتسامح والحوار، فان وراءه كذلك خلفية فلسفية أخرى تضعه في تعارض، في الكثير من الأحيان، مع الروح العامة لحقوق الإنسان، فهو في الوقت الذي يضفي المشروعية على منظومة حقوق الإنسان برمتها، يعمل كذلك على تلغيم كل هذه المنظومة؛ وذلك باسم حقوق الإنسان.
ويوضح سبيلا أن هذا المبدأ سيف ذو حدين؛ فهو الأداة الفكرية لإضفاء المشروعية على وجود ثقافة الأقليات، لكن حيث إن كل هوية هي جماع لهويات متعددة، فإنه يتحول إلى أداة لإضفاء المشروعية على مالا نهاية له من الهويات الجزئية والفرعية، ومن ثم فهو أداة تفتيت وتذويب لانهائي للهويات.[38]
4- يدخل هذا الحق في تعارض مع المبدأ الذي يدعم حقوق الإنسان، ويسري في شرايينها وهو مبدأ المماثلة. إن الأساس حسب المبدأ العام الذي يحكم الحق في الاختلاف هو عدم المماثلة الذي ينتهي إلى إقرار حق الميز حتى ولو كان ذلك على حساب المساواة والمماثلة المجردة المنطلقة من الانتماء الإنساني المشترك.
4- إذا كان مبدأ الهوية هو أساس وحدة المجتمع، ووحدة السلطة، ووحدة الدولة، فإن مبدأ الاختلاف، بحمولته الفلسفية ذات الخلفية القائمة على قبول التمييز والتناقض، يشكل القاعدة الفكرية لتفكيك وتذويب كيان المجتمع الواحد والسلطة الواحدة، والدولة الواحدة.[39]
المطلب الثاني: مبررات تصدّي الخصوصية الثقافية لكونية حقوق الإنسان
إن التعارضات الموجودة بين الخصوصية الثقافية وكونية حقوق الإنسان ليست مجرد خلافات مفتعلة، أو صراعات يتم استغلالها سياسيا وإيديولوجيا، بل هي قضايا يبدو فيها نوع من التعارض القوي قد يتسع وقد يضيق بين مرجعتين مختلفتين؛ ففي مستوى أول تدخل مرجعية الخصوصية الثقافية في عملية مزايدة وتنافس لإثبات قدرتها وتفوقها في مجال التنصيص على حقوق الإنسان وممارسة نوع من الاجتهاد والتأويل والحفر في تراثها للتكيف مع السياق العالمي التي تفرضه هذه الأيديولوجيا والثقافة السياسية الجديدة، لكنها في مرحلة ثانية تجد مرجعية الخصوصية الثقافية نفسها مدعوة إلى تحصين نفسها والدفاع عن ذاتها تجاه حقوق الإنسان العالمية، فتنخرط في عملية غربلة للقيم العالمية وتسييج لذاتها في نوع من الدفاع عن الذات وترسيخ الخصوصية.
ويذهب بعض أنصار الخصوصية الثقافية إلى القول بأن الثقافات والحضارات الأخرى لم تسهم في بلورة وصياغة النموذج العالمي، وبالتالي فهي غير ملزمة بتسليم أمرها له بالمقارنة مع أهمية حفاظها على هويتها وخصوصيتها القومية والدينية والثقافية في مواجهة الغزو الثقافي والفكري [40]، وعليه تصدى أنصار الخصوصية الثقافية لكونية حقوق الإنسان، واستندوا في تبرير موقفهم لعدة مبررات، سنتطرق لها بالتحليل تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول: فرض المفهوم الغربي لحقوق الإنسان، الفرع الثاني: التذرع بحقوق الإنسان لانتهاك السيادة، الفرع الثالث: الانتقائية في تطبيق حقوق الإنسان، الفرع الرابع: التشكيك في مصداقية الدول الغربية وهيئة الأمم المتحدة، الفرع الخامس: محاولة التوفيق بين حقوق الإنسان العالمية والتنوع الثقافي وعالمية حقوق في إطار إعلان إلى ونسكو.
الفرع الأول: تعميم المفهوم الغربي لحقوق الإنسان
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خاليا من أية إشارة للخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب؛ فالإعلان، ما كان بإمكانه النص على ذلك، ولعل السبب في ذلك يعود إلى حدة النقاشات التي صاحبت الإعداد للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومحاولة كل طرف ترجيح وجهة نظره الخاصة، التي تعبر عن ثقافته المطالب بتضمين مبادئها مبادئ في الإعلان، ولعل السبب الثاني الذي حال دون الإشارة إلى الخصوصية الثقافية في الإعلان[41] هو حالة المجتمع الدولي في تلك الفترة.[42]
على هذا الأساس، تصدّى أنصار الخصوصية الثقافية للغرب، فدعوا إلى معارضة مبدأ عالمية الحقوق التي تتضمنها المواثيق الدولية، والتي عبرت بأن مفهوم حقوق الإنسان هو مفهوم غربي بامتياز، وأنه يمثل وحدة في منظومة ثقافية حضارية لا يمكن الفصل بين عناصرها، والنتيجة التي يخلص إليها أن تبني مفهوم حقوق الإنسان بمفهومه الغربي غير ممكن للثقافات الأخرى، ما لم تتخلّ هذه الثقافات عن ملامحها الخاصة، وتندمج اندماجا كاملا في منظومة الثقافة الغربية.[43]
إن الغرب يعتقد أن حدود الآفاق الإنسانية تنتهي عند حدود نظرته، كما أنه يظهر بوضوح شعور الغرب بتهديد دائم من طرف أي نظام اجتماعي وقيمي يختلف عنه، وعليه فالغرب له نظرة خاصة للحقوق، ويعتبر أن جميع الأفراد المنتمين إلى ثقافات أخرى والدين لهم نظرة مختلفة عنه حول محتوى حقوق الإنسان، هم بدائيون ومضطهدون يجب تحريرهم من هذه النظرة التسلطية وغير العادلة، فالغرب مثلا لهم نظرة خاصة للمرأة وحقوقها، وكل نظرة مخالفة لذلك يعتبرها اضطهادا لها. وعليه يعتقد أن القيمة المتعلقة بحقوق الإنسان هي قيم مطلقة، ولا يسمح بتوجيه أي نقد لمنطقة أو فلسفة في الحياة.
هكذا تم تأكيد أنصار الخصوصية الثقافية، أن الصفة الغربية لحقوق الإنسان لا تعني ضمنا أنه قد أنجز تقدّما أكثر في مجال حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، إذ إن الغرب لم يكن وظل كذلك مصدر العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، كما لا تعني أن التغريب الثقافي ضروري، أو أنه بالضرورة يساعد على تحقيق حقوق الإنسان، أو أن الغرب استحق ثناء خاصا، أو أنه يجب أن يشعر بفخر خاص لاكتشافه حقوق الإنسان أو اختراعها أو خلقها، بل على العكس تماما، فحقوق الإنسان وسيلة في يد الغرب لمحاولة فرض الثقافة الغربية على المجتمع الدولي تحت شعار العالمية؛ أي تحت شعار أن هذه الحقوق تنتمي إلى تراث مشترك للإنسانية جمعاء، وليس تراث حضارة واحدة، مخفيا وراء ذلك حقيقة رغبة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة على العالم.[44]
الفرع الثاني- انتهاك السيادة: حقوق الإنسان بين المجال المحفوظ للدولة والمجال الدولي
السيادة هي القدرة على الانفراد بإصدار القرار السيادي في داخل الدولة وخارجها، ومن ثم القدرة الفاعلة على الاحتكار الشرعي لأدوات القمع في الداخل وعلى رفض الامتثال لأية سلطة تأتيها من الخارج.[45]
إن صلة المظاهر الداخلية والخارجية للسيادة بمفهومها التقليدي تتمثل في مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى هو أكثر المبادئ رواجا وتأكيدا في إطار العلاقات الدولية، لما له من أهمية في حماية سيادة الدولة وسلامة أراضيها، [46]المادة 2/7: (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع).[47]
لكن في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بدأت تسود الكتابات القانونية والسياسية الدولية نزعة تؤكد على ضرورة تعديل المفهوم التقليدي لسيادة الدولة للتخلص، مما أسموه القيود التي يفرضها هذا المفهوم على قدرة المجتمع الدولي على تطوير العلاقات الدولية والدعوة إلى مفهوم جديد، وفي المقابل يعتبر أنصار الخصوصية الثقافية أن السيادة بالمعنى الذي يراه الغرب تقليديا، باتت تمثل خط الدفاع الأول والأخير في مواجهة الاختراق الخارجي والتطويع للتكييف القسري مع الأجندة الغربية لعالم ما بعد الحرب العالمية.
كما أن أنصار الخصوصية الثقافية يرون أن مفهوم السيادة من المفاهيم المستقرة في القانون الدولي مند مئات السنين، وما يجري الآن على صعيد البحث عن سبل تغيير هذا المفهوم، إنما يجري لإزالة المعوقات التي تحول دون تدخل الطول الكبرى في الشؤون الداخلية للدول ذات سيادة، إذ يتم هذا التدخل تحت مظلة القانون الدولي، وبصفة خاصة تحت اسم حماية حقوق الإنسان، حيث أصبحت اليوم حالة التدخل التي ترتكز على المصطلح المزعوم حماية حقوق الإنسان عبارة مطاطية تستخدم لإدانة سلوك طرف معين ولحشد التأكيد السياسي ضده.[48]
ومن جهة أخرى، يرى أنصار الخصوصية الثقافية أن تدويل حقوق الإنسان، وعدها من الالتزامات الدولية، وضع قيودا موضعية تمسّ سيادة الدولة المطلقة في إصدار القوانين وتطبيقاتها، وعليه فمن الضروري جعل هذه القيود في حدها الأدنى، أو على الأقل رسم خط أحمر أمام المصالح الحيوية للدول التي تسعي لانتهاك السيادة، حيث لا يمكن لها تجاوزه، ولقد حاول الفقه أن يضع معايير عامة لتحديد المجال المحفوظ لسيادة الدولة والمجال الدولي، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه المعايير ليست جامدة، وليست واردة على سبيل الحصر، وليست نهائية، إنما هي محاولات اجتهادية، [49]ويمكن الإشارة إلى معياريين رئيسين هما:
1- 1- معيار الالتزام الدولي
من المتفق عليه أن التزام دولة بموجب معاهدة يخرج المواضيع المتعاهد بشأنها من المجال المحفوظ للدولة، وقد نصت المادة 28 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أنه: لا يجوز لأي طرف أن يتذرع بقانونه الداخلي لتبرير عدم تنفيذه معاهدة، وكان معهد القانون الدولي في لاهاي قد اعتمد في سنة 1954 جاء في مادته الأولي: تعريفا للمجال المحجوز على الشكل التالي: هو - تلك الفعاليات والنشاطات التي تمارسها الدولة عندما لا تكون مرتبطة بالقانون الدولي، وأن اتساع هذا الميدان مربوط بالقانون الدولي وبقبول تطوره-[50].
يستنتج من هذا التعريف أن المجال المحفوظ للدولة يتقلص كلما ازدادت التزامات الدولة الدولية، سواء كانت اتفاقية أم عرفية، وكلما زاد التعاون الدولي بين الدول، أو بينها وبين المنظمات الدولية، أو بينها وبين باقي كيانات المجتمع الدولي، والتي تأتي في مقدمتها الشركات المتعددة الجنسيات.
2- 2- معيار الحقوق الأساسية: التي لا يجوز المساس بها
تعرف الحقوق الأساسية على أنها: الحقوق التي يكون التمتع بها ضروريا للتمتع بالحقوق الأخرى، وقد حاول المجتمع الدولي أن يميز بين نوعين من الحقوق: الحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف، حتى في حالات الحرب والطوارئ، والحقوق الأخرى الواردة في النصوص الدولية لحقوق الإنسان.
فالحقوق الأساسية هي ضرورية لكل إنسان في أي زمان ومكان، وهي حقوق لكل إنسان في أي زمان ومكان، وهي حقوق لا تتوقف ولا ترتبط بقبول الدول لها؛ لأنها لصيقة بالجماعة الإنسانية في مجموعها، وترتيبا على وجود مثل هذه الحقوق، فإن واضعي الاتفاقيات الدولية لدى إباحتهم التحلل من بعض الالتزامات الدولية الواردة فيها، أوردوا قيدا يتمثل في عدم التحلل من الالتزامات الدولية المتصلة بالحقوق الأساسية للإنسان.[51]
وليس هناك إجماع على الحقوق الأساسية، رغم ضيق القائمة التي تمثلها، ويرجع السبب في ذلك إلى اختلاف الخصوصيات الوطنية للدول بشأن هذه الحقوق، ومع ذلك هناك حد أدنى من هذه الحقوق، يعترف للإنسان المجرد من كل خصوصيات وعن كل تمييز لأي سبب كان.[52] وتخرج الحقوق الأساسية من المجال المحجوز للدولة، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في العديد من أحكامها.
ومن استقراء هذه الأحكام والآراء الاستشارية، يتضح أن الحقوق المتمثلة في الحق في الحياة، والسلامة الجسدية، وعدم الخضوع للتعذيب، والمعاملة المهينة، وتحريم العدوان، والتمييز العنصري، وإبادة الجنس البشري، من الحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها، وبالتالي فهي تخرج من المجال المحجوز للدولة، ولا يمكن للدولة أن تتذرع بالمادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة للتمسك باختصاصها الداخلي في مثل هذه الحقوق، كما أن هذه الحقوق تخرج من هذا المجال، كون قواعدها اليوم أصبحت قواعد آمرة، والالتزامات الناجمة عنها هي التزامات في مواجهة الكافة، [53]
ولكن يجب التنبه إلى أن هذه الحقوق الأساسية ليست جامدة، إنما تتطور بتطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما تجب الإشارة إلى أن بعض الفقهاء يتكلمون على أن كل حقوق الإنسان هي حقوق الإنسان؛ لأن القول بعكس ذلك، سوف يعطي مبررا لانتهاك بقية الحقوق، على اعتبار أنها ليست أساسية، من هنا تكمن الصعوبة في وضع قوائم خاصة بالحقوق الأساسية التي تخرج من المجال المحجوز للدولة. إن أمرا كهذا واحد من أهم الإشكاليات التي تثيرها مسألة العالمية والخصوصية في النصوص الوطنية لحقوق الإنسان؛ ذلك لأن هذه النصوص عادة ما تتمسك بخصوصيتها الوطنية من أجل تحديد هذه الحقوق.[54]
الفرع الثالث: الانتقائية في تطبيق حقوق الإنسان
فحقوق الإنسان غدت شعارا يرفع في جميع أنحاء العالم، ومن جميع الجهات والتيارات، ولكن لأغراض مختلفة وبمضامين متباينة؛ فتوظيف الإعلام الغربي لهذا الشعار ضد الجهات التي يضعها الغرب في موقع الخصم أو المنافس لنفوذه أو الرافض لهيمنته، ونحن نذكر كيف استعمل الغرب سلاح حقوق الإنسان ضد الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، وضد الدول التي كانت تشكل ما يسمي بالمعسكر الشيوعي، بل وضد جميع الدول التي كانت تتبني سياسة وتوجهات غير منسجمة مع مصالح الغرب، هذا في حين سكت الإعلام الغربي، ويسكت عن دول تنتهك فيها حقوق الإنسان انتهاكا صارخا، متكررا ومتعمدا، حتى صار ذلك الانتهاك ثابتا من ثوابت سياسة تلك الدول، مثل ما جرى ويجري من انتهاك يومي لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة من طرف أجهزة الدولة الإسرائيلية، العسكرية والمدنية، ومثل ما جرى ويجري في جنوب إفريقيا وفي دكتاتوريات في العالم الثالث حليفة للغرب عميلة له، ومثل ما جرى في البوسنة الهرسك، بل وفي الدول الأوروبية نفسها، حيث تتعرض الجاليات الأجنبية، والمنتمية منها إلى الجنوب خاصة، لصنوف من الاضطهاد والمضايقات والتمييز العنصري.[55]
يرى أنصار الخصوصية الثقافية أنه على الرغم من اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما، بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في فترة ما بعد الحرب الباردة؛ وذلك على صعيد الخطاب السياسي الرسمي، إلا أن الممارسات العملية تعكس في الواقع نوعا من الازدواجية في المعايير والانتقائية في التطبيق؛ فالسياسية الأمريكية خاصة والغربية عامة على استبعاد للتضحية بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في حالة تعارضها مع مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.[56] والملفت للانتباه هو أن كلا من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية كانوا يوجهون انتقاداتهم إلى الدول في العالم الثالث على استخدامها لقوانين الطوارئ في قمع المعارضة السياسية، معتبرة أن ذلك ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن عندما تعلق الأمر بأمن أوروبا وأمريكا أقدمت واشنطن ومن بعدها العواصم الأوروبية على فرض قوانين الطوارئ أكثر شدة وصرامة.
يظهر جليا إذن، أن ما تدعيه الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الغربية من أنها تتدخل لحماية حقوق الإنسان وإقامة أنظمة ديمقراطية، ليس فيه شيء من الصحة؛ لأنه لا يمكن فرض حقوق الإنسان، واحترام حقوق الإنسان بانتهاك حقوق أخرى، أكبر منها شأنا وأكثر منها أهمية، وما كانت أمريكا أو غيرها لترمي نفسها في ورطة كالتي هي فيها في العراق من أجل حماية حقوق الإنسان العراقي، وما كانت أمريكا لتفعل ذلك لولا مصالحها التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة.[57]
الفرع الرابع: التشكيك في مصداقية الدول الغربية وهيئة الأمم المتحدة
انعكس التفوق الأمريكي الماحق بشكل جليّ وسلبي على دور منظمة الأمم المتحدة، والتي لم يعتبرها كثير من صناع القرار في واشنطن إلا أداة توظف حين تخدم المصالح الأمريكية، ويتم استبعادها حين تتعارض مع مصالح القطب الأوحد في عالم ما بعد الحرب الباردة؛ فالسلوك الأمريكي داخل أروقة المنظمة الكونية تتميز بالانتقائية وازدواجية المعايير، ناهيك عن سياسة الكيل بمكيالين، وهي سياسة تضررت منها كثير من بلدان الجنوب؛ وفي مقدمتها الدول العربية نماذج: فلسطين، العراق، والسودان وليبيا خدمة للمصالح الأمريكية الكبرى، إما مباشرة أو عن طريق النيابة، حيث يتعلق الأمر بحليفها الاستراتيجي إسرائيل.[58]
فلا نعتقد جزما، أنه هناك دولة في الأمم المتحدة عانت من سلوكياتها هذه المنظمة العالمية، مثلما عانت من سلوك أبرز الأعضاء المؤسسين، وأحد أبرز الأعضاء داخل النادي المغلق للخمسة الكبار؛ أي المتعلق بمجلس الأمن، ألا وهي أمريكا فهي كثيرة الانتقاد لسلوك المنظمة العالمية ووكالتها المتخصصة، وهذا ليس بحديث العهد، بل رأيناها في سنة 1984 على عهد رولاند ريغان تعارض سياسة اليونسكو وتنسحب منها، هي التي لم تعد إليها إلا في أيلول –شتنبر 2003، كما فعلت في سبعينيات القرن الماضي على عهد جيمي كارتر، حينما انسحبت من منظمة العمل الدولية، بل وهي في نفس الوقت الدولة الأكثر انتقادا للمنظمة عن طريق سلطتيها التنفيذية والتشريعية.[59]
ففي ظل الهيمنة الأمريكية، تنظر هذه الأخيرة إلى المنظمة الدولية بكونها مجرد أداة يتم اللجوء إليها لتنفيذ الأغراض الأمريكية، بل منتدى لدعم سياساتها العالمية وهذا ما عبرت عنه السفيرة – الدائمة- سابقا لأمريكا في إدراج منظمة الأمم المتحدة مادلين أولبرايت حين عبرت قائلة: منذ يوم توقيع الميثاق، أصبح الأمريكيون، كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، ينظرون إلى الأمم المتحدة ليس كغاية في حد ذاتها، ولكن كأداة ضمن أدوات أخرى من أجل خدمة المصالح الأمريكية. أما لماذا يجري السعي للحصول على موافقة الأمم المتحدة في حالة ما بينهما يجري تجاهلها في حالة أخرى الحالة العراقية نموذج صارخ على ذلك بين شباط – فبراير-2003وشباط-فبراير 2004، فهو أحد المتناقضات التي تنغمس فيها الولايات المتحدة.[60]
الفرع الخامس: محاولة التوفيق الإنسان بين حقوق الإنسان العالمية والتنوع الثقافي في إطار إعلان اليونسكو العالمي.
ترتكز رؤية الإعلان العالمي لليونسكو للثقافة على أساس أن جميع الثقافات تشكل جزءا لا يتجزأ من التراث المشترك للإنسانية، وأن الخصوصية الثقافية لكل شعب تتجدد وتثري من خلال الاتصال بين الشعوب الأخرى، وأنها تتلاشى عندما تفرض عليها العزلة، كما ترتكز أيضا على احترام كل الثقافات على قدم المساواة والتأكيد على الطابع الأساسي والحيوي للخصوصية الثقافية للمجتمعات والشعوب، وعلاقة هذه الخصوصيات الثقافية بالثقافات الأخرى، وبالتعاون الدولي.
ولقد أكد الإعلان العالمي لليونسكو في المادة الأولى أن التنوع الثقافي هو تراث مشترك للإنسانية ينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل؛ لأن الثقافة تتخذ أشكالا متنوعة عبر الزمان والمكان، ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتآلف منها الإنسانية، وباعتبار التنوع الثقافي مصدرا للتبادل والتجديد والإبداع، فهو ضروري للجنس البشري كضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة إلى الكائنات الحية.[61]
وجاء في المادة الرابعة من الإعلان، تحت عنوان التنوع الثقافي وحقوق الإنسان، أن حقوق الإنسان بوصفها ضمانا للتنوع الثقافي، فإن الدفاع عن هذا الأخير واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان، فهو يفترض الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وخاصة حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وحقوق الشعوب الأصلية، فلا يجوز لأحد أن يستند إلى التنوع الثقافي، لكي ينتهك أحد من نطاق حقوق الإنسان التي يضمنها القانون الدولي.[62]
وأكدت المادة الخامسة من نفس الإعلان، أنه باعتبار الحقوق الثقافية إطارا ملائما للتنوع الثقافي وجزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي هي حقوق عالمية ومتلازمة ومتكافلة، فإن ازدهار التنوع المبدع يقتضي الإعمال الكامل للحقوق الثقافية، وبناء على ذلك ينبغي أن يتمتع كل شخص الحق في تعلم وتدريب جيدين يحترمان هويته الثقافية احتراما كاملا، وينبغي كذلك أن يتمتع كل شخص بالقدرة على المشاركة في الحياة الثقافية التي يختارها، وأن يمارس تقاليده الثقافية الخاصة، في الحدود التي تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية.[63]
ونصت كذلك المادة السادسة من الإعلان، أن التنوع الثقافي متاح للجميع إلى جانب كفالة التداول الحر للأفكار عن طريق الكلمة والصورة، وينبغي الحرص على تمكين كل الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها؛ ذلك أن حرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام والتعددية اللغوية والمساواة في فرض الوصول إلى أشكال التعبير الفني والمعارف العلمية والتكنولوجية، بما في ذلك المعارف في صورتها الرقمية وإتاحة لجميع الثقافات في أن تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر، فهي كلها ضمانات للتنوع الثقافي.[64]
وأن هذه المواد تؤكد أن الإعلان العالمي لليونسكو قد قام بمحاولة جادة ومهمة لإيجاد طريقة للتوفيق بين التنوع الثقافي وحقوق الإنسان العالمية، حيث أكد على عدم جواز استغلال هذا التنوع الثقافي كذريعة لانتهاك هذه الحقوق التي أقرتها مختلف إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان، كما أكد أيضا على أهمية التمسك بالتنوع الثقافي، خاصة في ظل تنامي تداعيات العولمة الثقافية التي تحاول أن تفرضها الثقافة بعد يوم، تبرز الحاجة للدفاع عن التنوع الثقافي الخلاق في العالم.
إذن، فالاعتراف بعالمية حقوق الإنسان لا يعني تجاهل الخصائص الدينية والتاريخية والإقليمية والوطنية في علاقاتها بحقوق الإنسان؛ لأن حالات التنوع الحقيقية تخدم فعلا عالمية حقوق الإنسان، فهي ليست مفروضة باعتبارها مرتبطة بحضارة معينة، إنما نابعة من الصفات الداخلة العميقة التي يشترك فيها كل الآدميين، وهي كرامتهم وشعورهم بالانتماء إلى الجنس البشري.
خاتمة:
إن مرتكز التكامل بين العالمية والخصوصية في ميدان حقوق الإنسان يفترض توافق كل النظم القانونية والحضارية في العالم، فضلا عن موضعة كافة الحقوق والحريات الأساسية في منزلة واحدة من حيث احترامها وتطبيقها، إلا أن هذا التوافق يصطدم بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية للدول والشعوب.
وعليه، ينبغي تدبير التنوع الثقافي والحضاري والإثني على نحو لا يحول دون تطور مبدأ التكامل بين مختلف الحقوق المقررة عالميا، كما أنه لا ينبغي أن يتخذ حجة لإجهاض حقوق الإنسان وعدم الارتقاء بها إلى مصاف العالمية، والملاحظ اليوم هو أنه من الصعب تبني خيار عزل عالمية حقوق الإنسان عن الأنساق الأخرى المتفاعلة معه، ثقافية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية أم استراتيجية، نظرا لكون مسار حقوق الإنسان كثقافة كونية غدت مؤهلة لاستيعابها من طرف مختلف دول العالم في تشريعاتها ومؤسساتها وممارساتها.
ويذهب أحد الباحثين إلى التأكيد أن عالمية حقوق الإنسان لا تتماشي مع مبدأ الخصوصية، اعتبارا لكون هوية الإنسان أيا كانت ديانته ومعتقداته وبيئته، لا تعرف الاختلاف من فضاء ثقافي إلى فضاء ثقافي آخر، الأمر الذي يبرر الأهمية الأساسية لمبدأ تكامل حقوق الإنسان، مهما اختلفت أبعادها ومراميها، لكونها مرتبطة فيما بينها بوحدة الغرض والمال الذي يجد ترجمته في عالمية حماية وصون الكرامة الإنسانية.[65]
المراجع المعتمدة
1- تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 – نحو الحرية في الوطن العربي- ص 70
2- محمد سبيلا، الأسس الفكرية لثقافة حقوق الإنسان، المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2010 ص 95
3- حسن طارق، حقوق الإنسان أفقا للتفكير من تأصيل الحرية إلى مأزق الهوية، دار توبقال، الطبعة الأولى 2018، ص59
4- محمد نور فرحات: مبادئ حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، المجلة العربية لحقوق الإنسان العدد 01، سنة 1994، ص 26
5- عبد العزيز لعروسي، حقوق الإنسان بالمغرب: ملاءمات دستورية وقانونية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، 2018، عدد 103
6- إدريس جردان، مبادئ أساسية في حقوق الإنسان (مع آخر المستجدات وفق دستور 2011) 2015
7- صوفي كهينة- روني ندير، حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية الثقافية، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق فرع القانون العام تخصص القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان 2013 -2014
8- معزوز علي، حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم تخصص: قانون جامعة مولود معمري – تيزي وزو – كلية الحقوق والعلوم السياسية 01/12/2016
9- دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان، اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، المملكة المغربية وزارة حقوق الإنسان، ووزارة التربية الوطنية، مطبعة المعارف الجديدة، د. ت. ط. ص 155
10-عافية قادة، التنوع الثقافي بين عالمية حقوق الإنسان وخصوصية المجتمعات، مركز جيل للبحث العلمي ص 6
11- نصر حامد أبو زيد، حقوق الإنسان بين العالمية والنسبية الثقافية: البحث عن حقوق الإنسان في الإسلام، الحق القديم: وثائق حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية، سلسلة مناظرات حقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مصر 2000
12- حسنة كجي، العلاقات الدولية الأسس المفاهيمية والفكرية الفاعلون والتفاعلات، الطبعة الأولى، 2019
13- محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، سلسلة الثقافة القومية 62 قضايا الفكر العربي 2 الطبعة الخامسة، مركز دراسات الوحدة العربية 2015
14- محمد الغربي، الوجيز في العلاقات الدولية المعاصرة مع دراسة تأصيلية مختصرة للقانون الدولي الإنساني، مطبعة إسبارطيل، الطبعة الرابعة 2017
[1] - باحث مغربي
[2] - إدريس جردان، مبادئ أساسية في حقوق الإنسان ) مع آخر المستجدات وفق دستور 2011( 2015ص 11
[3] - معزوز على، حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم تخصص: قانون جامعة مولود معمري –تيزي وزو –كلية الحقوق والعلوم السياسية 01/12/2016
[4] - صوفي كهينة- روني ندير، حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية الثقافية، رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق فرع القانون العام تخصص القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان 2013 -2014 ص6
[5] دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، المملكة المغربية وزارة حقوق الإنسان ووزارة التربية الوطنية، مطبعة المعارف الجديدة، د.ت. ط. ص 155
[6] صوفي كهينة –روني ندير حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية الثقافية، جامعة عبد الرحمان ميرة، بجاية السنة الجامعية 2013-2014 ص ص 6-7
[7] مقتطف من إعلان وبرنامج عمل فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد بفيينا خلال الفترة من 14 إلى 25 يونيو 1993، والذي أكد في تقريره الختامي )على كون جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة، ويجب على المجتمع الدولي أن يعامل حقوق الإنسان على نحو شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة، وعلى قدم المساواة، وبنفس القدر من التركيز، إلا أنه يجب أن نضع في الاعتبار أهمية الخاصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية، فإن من واجب الدول، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية (.
[8] تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 –نحو الحرية في الوطن العربي-ص 70
[9] ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
[10] مواد الإعلان 1-7
[11] مواد الإعلان 2-6-9-10
[12] مواد الإعلان 3-13-14-15-17-23-2-29
[13] مواد الإعلان -11-8-18-19-20-21-22-23-24-25-26-27
[14] المادة 16
[15] المادة20
[16] تستمد حقوق الإنسان عالميتها من المصادقة المكثفة على الاتفاقيات ذات الصلة، من طرف عدد كبير من دول العالم، بالرغم من تبلور هذه الاتفاقيات في سياق تاريخي متميز في العالم الغربي الذي تختلف ثقافته وتقاليده عن دول العالم السائرة في طريق النمو.
[17] عبد العزيز لعروسي حقوق الإنسان بالمغرب: ملاءمات دستورية وقانونية المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية 2018 عدد 103ص 183
.[18] -عبد العزيز لعروسي، المرجع السابق، ص 184
[19] إن الكونية والشمولية في مجال حقوق الإنسان لها مستويات:
أ-كونية وشمولية المضمون والمدلول ذاته المتمثل في الكرامة والقيمة، والمساواة، والعدل وغيرها من القيم المثالية السامية التي تقرها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وما يكرس ذلك هو هذا الجيل الثالث لحقوق الإنسان الذي يرتكز على الإنسانية برمتها، وعن التضامن والتنمية البشرية للاحتماء من مخاطر الطبيعة والحفاظ على حياة واستمرارية الكائنات واقتسام الخيرات.
ب-كونية مقصد الخطاب الحقوقي الإنساني نفسه، من حيث أن هذه الحقوق موجهة لكل الناس في كل بقاع العالم.
ج-اتخذ هذا الخطاب صبغة عالمية قانونية من حيث إن كل دول المعمور، إما قد صادقت أو هي في اتجاه المصادقة عليه، وهي ملزمة للدول والجماعات وليست مجرد شعارات.
[20]محمد نور فرحات، المرجع السابق، ص26
[21] مقتطف من النص الصادر عن ندوة هلنسكي في فاتح غشت 1975 المادة 7
[22] دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان المرجع السابق ص 160
[23]- محمد نور فرحات، المرجع السابق ص 25
[24] - محمد سبيلا، الأسس الفكرية لثقافة حقوق الإنسان، المركز الثقافي العربي الطبعة الأولي 2010 ص 95
[25] - حسن طارق، حقوق الإنسان أفقا للتفكير من تأصيل الحرية إلى مأزق الهوية، دار توبقال الطبعة الأولى، 2018، ص59
[26] المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
[27] - محمد سبيلا، المرجع السابق، ص 103
[28] - محمد جردان، المرجع السابق، ص 68
[29] المادة 5 من الإعلان الإسلامي
[30] المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
[31] المادة 26 من الإعلان العالمي
[32] دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص 167
[33] - محمد سبيلا، المرجع السابق، ص 104
[34] يتحدث محمد سبيلا عن تصادم الحقوق بمناسبة التطرق إلى التقابل بين الحق في الحميمية، وبين حق المطاردة، غير أنه يمكن الاحتفاظ بالمفهوم لمقاربة رؤيته للتقابل بين الحق في الاختلاف، وبين مبدأ المماثلة، وكدا للتقابل بين الحق في الحياة والحق في الأمن.
[35] - محمد سبيلا، المرجع السابق، ص166
[36] - حسن طارق، حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص60
[37] - حسن طارق، حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص 61
[38] - محمد سبيلا، المرجع السابق، ص 62
[39] - حسن طارق، حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص 62
[40] صوفي كهينة وروني ندير، المرجع السابق، ص 60
[41] عافية قادة، التنوع الثقافي بين عالمية حقوق الإنسان وخصوصية المجتمعات، مركز جيل للبحث العلمي، ص 6
[42] صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عقب الحرب العالمية الثانية، وكان للدول الظافرة في هذه الحرب دفة القيادة في العالم، فلا ريب إذن أن يصدر الإعلان معبرا عن الثقافة الغربية، ويهمل باقي الثقافات التي إما أنها كانت مستعمرة، فلم تشارك بالتالي في إعداد الإعلان، أو أن مشاركتها لم تكن فعالة لا بالشكل الذي يجب، فمندوبو الدول العربية والإسلامية الحاضرون آنذاك في إعداد الإعلان، حيث بموجب الفقرات من 13 إلى القرار 687 )1991- يكمن بإمكانهم تجسيد وجهة نظر الثقافة العربية الإسلامية في الإعلان؛ لأن العضوين العربيين اللذين كانا في لجنة الصياغة، وهما المصري محمود عزمي واللبناني شارل مالك، كان تكوينهما تكوينا غربيا تخرجا من الجامعات الغربية كما أن عدد دول أعضاء الأمم المتحدة عام 1948 كان متواضعا، ولم تشارك كثير من الدول الإفريقية والآسيوية ودول العالم الثالث التي لم تكن استقلت بعد، مما سمح للغرب بفرض مفاهيمه الخاصة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
[43] نصر حامد أبو زيد، حقوق الإنسان بين العالمية والنسبية الثقافية: البحث عن حقوق الإنسان في الإسلام، الحق القديم: وثائق حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية، سلسلة مناظرات حقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مصر 2000 ص84
[44] صوفي كهينة وروني ندير، المرجع السابق، ص 62
[45] - حسنة كجي، العلاقات الدولية الأسس المفاهيمية والفكرية الفاعلون والتفاعلات، الطبعة الأولى، 2019، ص 77
[46] - حسنة كجي، نفس المرجع، ص 79
[47] المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة
[48] صوفي كهينة وروني ندير، المرجع السابق، ص 63
[49] معزوز علي، المرجع السابق، ص 292
[50] معزوز علي، المرجع السابق، ص 292
[51] معزوز على، نفس المرجع، ص 294
[52] قرار محكمة العدل الدولية عام 1970 في قضية برشلونة تراكشن، الذي أوضحت فيه المحكمة أن بعض الالتزامات في حقوق الإنسان ذات طابع شامل عالمي وملزم بتطبيقه وينبثق عن قواعد آمرة، والتي تتجاوز الاختصاص الوطني، وجاء في هذا القرار: أن تمييزا جوهريا يجب أن يتم بين التزامات الدول تجاه المجموعة الدولية بأكملها، والالتزامات تجاه دولة أخرى في إطاري الحماية الدبلوماسية، فالالتزامات الأولى بطبيعتها تهم جميع الدول، نظرا لأهمية الحقوق موضوع البحث، حيث يجوز لجميع الدول بأن لها مصلحة قانونية لحماية هذه الحقوق، وأن هذه الالتزامات تعتبر في مواجهة الكافة، وتعتبر حقوقا أساسية للشخص الإنساني.
[53] يري محمد بجاوي، أن حقوق الإنسان التي تخرج من المجال المحجوز للدولة، هي أولا حقوق الشعوب، ويأتي على رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، ثم تأتي الحقوق المعتبرة أساسية، وخاصة الحقوق الأولية المرتبطة بالكرامة الإنسانية، والتي تولد مع الإنسان، حيت يقول:
( Il y a de droits de l’homme qui , par essence ,échappent à toute compétence de l’état et sont internationalement protégés
C’est le cas d’abord des droits des peuples, et notamment du droit à l’autodétermination, qui relève directement du droit international.
Ce sont ensuite les droits considères comme: fondamentaux: de l’homme et en particulier les droits primaires attaches a la dignité de la personne humaine et qui naissant avec l’homme, sont indépendants du temps et de l’espace).Mohamed Bedjaoui, la difficile avancée des droits de l’homme vers l’universalité, op.cit. p .45
[54] معزوز على نفس المرجع ص 296
[55] - محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، سلسلة الثقافة القومية 62 قضايا الفكر العربي 2 الطبعة الخامسة، مركز دراسات الوحدة العربية، 2015، ص 140
[56][56] صوفي كهينة وروني ندير، المرجع السابق، ص 64
[57] صوفي كهينة وروني ندير، المرجع السابق، ص 65
[58] - محمد الغربي الوجيز في العلاقات الدولية المعاصرة مع دراسة تأصيلية مختصرة للقانون الدولي الإنساني مطبعة اسبارطيل الطبعة الرابعة 2017 ص139
[59] - محمد الغربي المرجع السابق ص140
[60] مثال ذلك قرار تبناه مجلس الأمن في أيلول – شتنبر2002 مع تحفظ الولايات الأمريكية عليه، بأن تنهي إسرائيل حصارها لمقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رام الله، وتنسحب من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها بشكل غير شرعي مند آذار مارس 2002 بذريعة الدفاع عن النفس رفضت إسرائيل تنفيذ القرار، وكان المبرر الأمريكي هو أننا نتفهم أنه يجب على إسرائيل أن تحمي مواطنيها كما فعلت في الجنوب اللبناني، وعلى الجبهة الفلسطينية في صيف 2006 الذي ذكر كل العالم بالاجتياح الإسرائيلي لهذا البلد العربي في حزيران –يونيو 1982
[61] المادة الأولي من إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي المنعقد بباريس بتاريخ 30 نونبر 2001
[62] المادة الرابعة، الإعلان نفسه.
[63] المادة الخامسة، الإعلان نفسه
[64] المادة السادسة، الإعلان نفسه.
[65] - عبد العزيز لعروسي، المرجع السابق، ص 185