جذور داعش: قراءة في تراث الوهابية وعلماء السعودية عرض لكتاب حسن فرحان المالكي
فئة : قراءات في كتب
جذور داعش: قراءة في تراث الوهابية وعلماء السعودية
عرض لكتاب حسن فرحان المالكي
لم يكن الأستاذ حسن فرحان المالكي ليعلم أنه بصدد تغيير كثير من قناعاته من خلال عمله في لجنة الرقابة على المطبوعات للكتب التي تدخل إلى المملكة العربية السعودية، والتي تتم قراءتها وفحصها من قبل اللجنة المختصة بذلك، وإبداء الرأي حول صلاحيتها بأن تُمنح ترخيص الدخول، وأنها لا تتعارض مع توجهات النظام الحاكم، ونخبته الوهابية المتشددة.
وهكذا ظل المالكي يقرأ، ويواجه أثناء قراءته لكتب غريبة عليه، ولا عهد له بها- أسئلة محيرة ومربكة؛ جعلته يعيد النظر في الكثير من معتقداته وقناعاته التي نشأ ودرج عليها.
تعود معرفتي بالأستاذ المالكي من خلال كتابه المهم "قراءة في كتب العقائد: المذهب الحنبلي نموذجًا" الذي أثار ضجة حينها، وأذكر أن الدكتور عبد الوهاب الديلمي في ذلك الوقت، كتب مقالاً انتقد فيه هذا الكتاب، وذكر أن مؤلفه شخصية وهمية. وللدكتور الديلمي كل الحق في الانتقاد، ولكن ما عساه أن ينتقد، والأستاذ المالكي كان يدلل على كل ما يورده نصوصًا موثقة تدل على تعصب أتباع هذا المذهب، وغلوهم في التكفير، ابتداءً من أئمة المذهب الكبار، مرورًا بابن تيمية الذي أفتى بأن الذي يتلفظ بالنية عند الصلاة يستتاب، وإلا فيقتل، وهذا حكم على معظم غالبية المنتمين للمذهب الشافعي بالقتل، ووصولاً إلى محمد بن عبد الوهاب الذي وسع مفهوم التكفير على الأمة العربية والإسلامية، حيث لم يبق مؤمن إلا من هو مقيم بنجد ممن اتبع دعوته.
لم يكن حكم الإعدام الذي يواجهه العلامة حسن فرحان المالكي ليأتي من فراغ؛ فقد عرى المالكي طبيعة النظام الذي قام عليه نظام الحكم في المملكة بالتعاون مع السلطة الدينية الوهابية.
ولكيلا يُرمى القول جزافًا؛ فلنأتي على كلام أحد علماء الوهابية الكبار، ليكون بمثابة تمهيد وتأكيد لما سيذكره المالكي في كتابه الأخير «جذور داعش».
يقول الشيخ سليمان بن سحمان المتوفى (سنة 1349هـ) في كتابه «الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق»، تحقيق عبد السلام بن حسين بن ناصر آل عبد الكريم، طبع على نفقة المحسنين، تحت إشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، عام 1414هـ: "وأما بلاد مصر وصعيدها وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية، والعبادات الوثنية، والدعاوى الفرعونية ما لا يتسع له كتاب، ولا يدنو له خطاب، لا سيما عند مشهد أحمد البدوي، وأمثالهم من المعتقدين والمعبودين، فقد جاوزوا ما ادعته الجاهلية لآلهتهم، وجمهورهم يرى له من تدبير الربوبية، والتصريف في الكون بالمشيئة والقدرة العامة ما لم ينقل مثله عن أحد بعد الفراعنة والنماردة...، وكذلك ما يفعل في بلدان اليمن جارٍ على تلك الطريق والسنن، ففي صنعاء، وبرع، والمخا، وغيرها من تلك البلاد ما ينزه العاقل عن ذكره ووصفه، ولا يمكن الوقوف على غاياته وكشفه، وناهيك بقوم استخفهم الشيطان، وعدلوا عن عبادة الرحمن إلى عبادة القبور والشياطين...، وفي حضرموت، والشحر، وعدن، ويافع يقول قائلهم: شي لله ياعيدروس، شي لله يا محيي النفوس، وفي أرض نجران من تلاعب الشيطان، وخلع ربقة الإيمان ما لا يخفى على أهل العلم بهذا الشأن...، وكذلك، حلب، ودمشق، وسائر بلاد الشام، فيها من تلك المشاهد والنصب والأعلام ما لا يجامع عليه أهل الإيمان والإسلام من أتباع سيد الأنام، وهي تقارب ما ذكرنا في الكفريات المصرية، والتلطف بتلك الأحوال الوثنية الشركية، وكذلك الموصل، وبلاد الأكراد ظهر فيها من أصناف الشرك، والفجور، والفساد، وفي العراق من ذلك بحره المحيط بسائر الخلجان، وعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثنًا بل ربًا مدبرًا وخالقًا ميسرًا، وأعادوا به المجوسية، وأحيوا به اللات والعزى، وما كان عليه أهل الجاهلية، وكذلك مشهد العباس، ومشهد علي، ومشهد أبي حنيفة، ومعروف الكرخي، والشيخ عبد القادر؛ فإنه افتتنوا بهذه المشاهد رافضتهم وسنيهم، وعدلوا عن أسنى المطالب والمقاصد، ولم يعرفوا ما وجب عليهم من حق الله الفرد الصمد الواحد.
وبالجملة، فهم شر تلك الأمصار، وأعظمهم نفورا عن الحق، واستكبارًا. والرافضة يصلون لتلك المشاهد، ويركعون ويسجدون لمن في تلك المعاهد، وقد صرفوا الأموال والنذور لسكان تلك الأجداث والقبور ما لا يحصل عشر معشاره للملك العلي الغفور ...، وكذلك جميع قرى الشط والمجرة على غاية من الجهل، والمعروف في القطيف، والبحرين من البدع الرافضية، والأحداث المجوسية، والمقامات الوثنية ما يضاد ويصادم أصول الملة الحنيفية...، فلما تفاقم هذا الخطب وعظم، وتلاطم موج الكفر والشرك في هذه الأمة وجسم، واندرست الرسالة المحمدية، وانمحت منها المعالم في جميع البرية، وطمست الآثار السلفية، وأقيمت البدع الرافضية، والأمور الشركية- تجرد الشيخ [يقصد محمد بن عبد الوهاب] للدعوة إلى الله، ورد هذا الناس إلى ما كان عليه سلفهم الصالح في باب العلم والإيمان". (ص 31- 33).
والآن لنأت على ذكر كتاب «جذور داعش»، للبحاثة المالكي، الصادر عن دار المحجة البيضاء، ويقع في 216 صفحة.
يحتوي الكتاب على تمهيد، وثلاثة أبواب؛ الباب الأول: عبارة عن بحوث تمهيدية أرى لزامًا تخطيها، والانتقال للباب الثاني، لاستعراض آراء مفتي المملكة العربية السعودية الأسبق، وهو الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
والشيخ محمد هو المفتي الأسبق للملكة العربية السعودية (1311- 1389هـ)، ويعد أول مفتي رسمي للمملكة، وقد جمع في يديه الإفتاء الرسمي والتمييز، والبت فيما يختلف فيه بين هيئة التمييز والقاضي، وتولى رئاسة المعاهد العلمية، والكليات الشرعية، ومدارس البنات، ومجلس القضاء الأعلى، وهيئة الأمر بالمعروف، والجامعة الإسلامية التي فتحت بمشورته وترأسها، ورابطة العالم الإسلامي، وهيئة كبار العلماء، ومكاتب الدعوة في الخارج.
طبعت فتاواه ورسائله في 13 جزءًا بجمع وترتيب محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ولكن بعد الحذف والإخفاء لبعضها، وطبعت على حساب الدولة بأمر من الملك فيصل.
ويذكر الأستاذ المالكي أن التعصب والغلو – ليس المذهبي فحسب، وإنما أيضًا القبلي والمناطقي يغلب على كثير من فتاواه وآرائه، وهذا الغلو، وخاصة المذهبي- بحسب المالكي- من مرجعيات الفكر المتطرف، وقد استقى أبو محمد عصام المقدسي في كتابه «الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية»، وكتابه «ملة إبراهيم» كثيرًا من الآراء والفتاوى للشيخ محمد بن إبراهيم.
يرى الشيخ محمد بن إبراهيم تكفير المسلمين وتضليلهم وتسفيههم، وحرمة الصلاة خلفهم، وأكل ذبائحهم، بل وبطردهم من البلاد، فيقول: "إسلام الأكثر اسمي؛ فإن أكثر المنتسبين إليه في هذا الوقت يقال لهم المسلمون اسمًا ضد اليهود والنصاري ...، فإنه إسلام الاسم، ولا حب ولا كرامة". فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، (1، ص 77). عن كتاب (جذور داعش، للمالكي، ص 52).
وفي فتوى أخرى له يقول فيها: "البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام". (6/ 188). (المصدر نفسه، نفس الصفحة).
أما الشيخ ابن باز، فعندما استنكر بعضهم مبالغة المتطرفين في تكفير من يقول الولاء للوطن، ووصم من يقول ذلك بالوثنية، دافع ابن باز عن هذا التطرف بقوله: "قد يكون وطنه غير إسلامي؛ فكيف يوالي وطنه؟" (مجموع فتاوى ابن باز 9/ 317). (المصدر نفسه، ص 131).
تكفير بلدان المسلمين وأنها ديار كفر
أفتت اللجنة الدائمة بأن كل دولة أو بلاد لا يقيم حكامها الشريعة، فهي دار كفر، ويجب على أهلها أن يهاجروا منها. (فتاوى اللجنة الدائمة، 12/ 51). (المصدر نفسه، ص 167).
تحريم أفلام الكرتون الإسلامية
أفتت اللجنة الدائمة بحرمة أفلام الكرتون الإسلامية، فكيف الحال بأفلام الكرتون غير الإسلامية؟! (الفتاوى الشرعية جمع الجريسي، ص 438). (المصدر نفسه، ص 178).
العامل في البنوك ملعون ولو كان حارسًا
أفتت اللجنة الدائمة بأن من عمل في البنوك الربوية، ولو كان سائقا أو حارسًا أو عامل شاي، فهو مشارك لهم، وتحت وعيد اللعن والطرد من رحمة الله. (المصدر نفسه، فتاوى اللجنة الدائمة، مجلد 15/ 38/ 42، الفتاوى الشرعية، جمع الجريسي، ص 1196). (المصدر نفسه، ص 179).
تأجير المحل للحلاقة أو التصوير حرام
وكذلك لا يجوز تأجير العقار للحلاقين الذين من مهنتهم حلق اللحى، وكذلك المصورين. (فتاوى اللجنة الدائمة 14/ 444). (المصدر نفسه، نفس الصفحة).
وكذلك المحلات التي تبيع الدخان والمجلات الخليعة. (فتاوى اللجنة الدائمة، 14/ 447). (المصدر نفسه، ص180).
مشاهدة المباريات الرياضية حرام
أفتت اللجنة الدائمة بحرمة مشاهدة المباريات الرياضية، بعد أن وضعت شروطًا صعبة من ستر العورات – يقصدون الفخذ، وهو محل خلاف بين الفقهاء-، وعدم وجود آلات اللهو، وألا تكون على عوض؛ أي جائزة. (15/ 238). (المصدر نفسه، ص 181).
لا يلزم علاج الزوجة
أفتت اللجنة بأنه لا يلزم الزوج بعلاج زوجته. (المصدر نفسه، 19/ 260). (المصدر نفسه، ص 181).
كما أفتت بتحريم البرنامج التلفزيوني "طاش ما طاش". (الفتاوى الشرعية جمع الجريسي، ص 1600، رقم الفتوى 21685، في 7 رمضان 1421هـ). (المصدر نفسه، ص 182- 183).
الشرك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ألف عام
أفتت اللجنة الدائمة بأن القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم محرمة، ومن وسائل الشرك. (9/ 82). (المصدر نفسه، ص 183).
ولننتقل إلى فتاوى الجبرين الذي أفتى بحرمة إهداء الزهور، وأنها من التقليد الأعمى للكفار. (اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين)، ص 58. (المصدر نفسه، ص 188).
وحرمة أداء التحية العسكرية. (الفتاوى الشرعية جمع الجريسي ص 361). (المصدر نفسه، نفس الصفحة).
وحرمة قص الشريط المعمول به عند افتتاح مشروع، أو تدشين مؤسسة أو مرفق عام، ويعده ابن جبرين بدعة وتقليد للكفار. (الفتاوى الشرعية جمع الجريسي ص420). (المصدر نفسه، ص 188).
أما الفوزان، فيرى أن الاغتيال والتخريب ليس حرامًا لذاته، وإنما لأنه يجر على المسلمين شرًا وتقتيلاً وتشريدًا. والمستحقين للقتل عند الفوزان هم المسلمون الذين ليسوا على وفاق مع مذهبه. (كلمات مضيئة لأصحاب الفضيلة العلماء في الإرهاب، جمع عمرو عبد المنعم سليم، ص 113، المصدر نفسه، ص 194).
أما الشيخ ابن عثيمين، فيرى أن من نادى بحرية الرأي والتفكير فهو كافر. (مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين. 3/ 99). (المصدر نفسه، ص 198).
وكذلك يحرم دراسة اللغة الإنجليزية، وينقل عن ابن تيمية في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم»، ص 203: "أن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، ولا يصح التكلم بغيره".
وينقل عن أحمد بن حنبل عندما سئل عن الدعاء بالفارسية فكرهه، وقال: لسان سوء، ولا يصح الحلف بها، ولا الصلاة، ولا سائر العبادات. (ص 240).
وينقل بسنده حديثًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول فيه: "من يحسن أن يتكلم العربية، فلا يتكلم العجمية؛ فإنه يورث النفاق". (ص 205. المصدر نفسه، ص 200- 201).
ويقول ابن عثيمين: "معلوم أن اعتياد التكلم بغير العربية حتى يكون عادة أمر غير مشروع؛ لأنه يورث محبة أهل تلك اللغة من الكفرة، وهو مخالف لعقيدة الولاء والبراء من الكفار. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد في العقل والدين والخلق". (ص 207).
والذي أراه أن الذي يعلم صبيه اللغة الإنجليزية منذ الصغر سوف يحاسب عليه يوم القيامة؛ لأنه يؤدي إلى محبة الطفل لهذه اللغة، ثم محبة من ينطق بها من الناس. هذا من أدخل أولاده منذ الصغر لتعلم اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات؛ فليتق الله من يريد جلب هذه اللغة إلى أبناء المسلمين، والله الله أن يضيع من يعول، وليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة". رواه مسلم. اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد. (شرح زاد المستقنع- كتاب النكاح، الشريط التسجيلي الثاني الوجه الثاني. المصدر نفسه، ص ص 200- 201
ختامًا:
هذه خلاصة أفكار المدرسة الوهابية السعودية، ليتبين للقارئ أن كثيرًا من كوارث الإرهاب والتطرف خرجت من عباءة هؤلاء الشيوخ المتشددين، وأنها نتيجة أفكارهم المسمومة التي تتعارض مع جوهر الدين وقيم المدنية والحضارة.
