جنيالوجيا السرديات التأسيسية -يتبع-
فئة : أبحاث محكمة
جنيالوجيا السرديات التأسيسية[1]
-يتبع-
مدخل:
يشكل السرد العربي القديم أهمية كبيرة بالنسبة إلى الباحثين؛ لأنه يُعد مصدراً من مصادر الثقافة العربية التي تشرَّبت في مظانه وعبّر عنها ببنياته الفكرية والمعرفية، حتى غدا شاهداً على عصر الشفاهية العربية التي امتدت واتسعت عصوراً طويلة.
وفي الوقت نفسه كان السرد من بين أهم المكونات الثقافية بالنسبة إلى العرب، وعُد أساساً من أسس الحياة العربية جسّد كل بطولاتها، وأمجادها، وحياتها، وحروبها، وشخصياتها، وحتى قدراتها المعرفية والفكرية إلى حد ما، وهو إلى جانب الشعر؛ ركن من أركان الفعل الإبداعي العربي، ووسيلة من وسائله المعرفية والتواصلية.
لقد كان لظهور السردية، حقلاً من حقول الشعرية، الأثر الكبير في التوجه إلى التراث العربي قراءة وتصنيفاً، حتى أصبح لدينا ما يعرف اليوم بالسرد العربي القديم، ويراد به تلك الحكايات، والأساطير، والخرافات، والمنامات، والملح، والأسمار، والأمثال، والقصص العجائبية، والسير الشعبية، وأيام العرب، وقصص الأنبياء، وقصص الحيوان، والرحلات، والمغازي، والسيرة النبوية[2]، وهي بمجموعها تشكل تنويعات السرد العربي القديم، الذي شكل في الوقت نفسه تراثاً أدبياً وتاريخياً ومعرفياً ضخماً تتجه إليه أقلام الباحثين في كل مرة لدراسته من مناح مختلفة.
وما نحن بصدده الآن هو مراجعة ذلك التراث العربي للبحث عن مكونات الثقافة العربية، وفهم المناخات المعرفية السائدة التي تجلّت بلا شك في تلك المنظومة السردية الكبرى، إذ هناك العديد من الموضوعات والحكايات التي تضمنتها تلك السرديات ودارت في معان متعددة، وهي بلا شك بينة وواضحة للقارئ أو الدارس. ولكن ما نهتم به في مراجعتنا هذه هو البحث عن تلك المضمرات التي تسللت باللاوعي إلى داخل البنية الثقافية للنصوص الإبداعية، بوصفها نتاجات صيغت شفاهياً وحملت أفكار مجتمع، ومعتقداته، وأساطيره، وثقافاته، وسلوكياته، وعاداته، وأحلامه.. إلخ.
من هذا المنطلق، سنتوجه إلى السرد العربي القديم بحثاً عن تلك الأنساق المضمرة التي حملتها النصوص وركدتْ في الذاكرة الجماعية حتى أصبح من الصعب ملاحظتها وتشخصيها ووضع اليد عليها، ولكن ونحن نعيش عصر ما بعد الحداثة، أو بتعبير أدق فلسفة ما بعد الحداثة، فإنَّ من بين أهم مقولاتها هو تقويض تلك المركزيات ونبش الهوامش والمضمرات والبحث عن الأنساق الموجِهة للخطابات، وهو ما يقودنا بالضرورة إلى معرفة تلك المناخات الثقافية التي صيغت فيها تلك المرويات وتحكمت في تشكيل هوياتنا.
ومن جانب آخر، ستكون أداتنا النقدية في مراجعة ذلك الإرث السردي الكبير هو ما صاغته لنا النظرية النسوية في قراءة الخطابات الثقافية التي أنتجها العقل الذكوري، وهو ما اصطلح عليه بالجندر أو الجنوسة Gende، الذي صاغته الفلسفة النسوية وأدخلته إلى مجال النظرية الأدبية وأصبح أداة نقدية قادرة على مراجعة النصوص والخطابات الإبداعية وتفكيكها، وهي على تعددها وتنوعها يمكن لنا أن نستعين بجهود السابقين من الباحثين الذين بيَّنوا مظان ذلك السرد العربي القديم، مشيرين بأهمية إلى أنَّنا لسنا بصدد الدراسة النصّية التي تحتم علينا دراسة كل جملة من ذلك التراث ومراجعتها، وإنما بما يخدم بحثنا هذا، وفيما نتلمسه من أنساق تسهم في بلورة ثقافة الجندر.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] - مقتطف من كتاب جينالوجيا الاختلاف أنساق الجندر في سرديات الثقافة العربية، دار مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.
[2] - إبراهيم صحراوي، السرد العربي القديم، الأنواع والوظائف والبنيات، الدار العربية للعلوم ناشرون- منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2008: 37.