حاييم الزعفراني وإدمون عمران المليح: تجربتان متكاملتان
فئة : مقالات
حاييم الزعفراني وإدمون عمران المليح:
تجربتان متكاملتان
تقديم:
أن نتحدث عن فكر يهودي مغربي، معناه نتحدَّث عن أدب متنوّع شمل أشكالاً تعبيريَّة متنوعة حرصت على استحضار الذاكرة بكلّ تجلياتها الذاتيَّة الدينيَّة والفولكلوريَّة، وتلك خصوصيَّة أسهمت في إثراء هذا الفكر وإغنائه بسبب تداخل أشكاله المعرفية وتلاقحها في إطار شمولي، عبر نتاجات استحضرت الذاكرة والذات في إطار وطني بعيداً عن الغيرية. وإذا كان الأستاذ حاييم الزعفراني قد عني بالبحث في الفكر اليهودي انطلاقا من أشكال معرفية متنوعة، منها التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني؛ فإن الأستاذ إدمون عمران المليح قد انخرط في تجربة الكتابة انطلاقاً من الكتابة ذاتها، لا بوصفها وسيلة أو أداة، وإنَّما لأنها الفكر نفسه في زئبقيته وتشذُّرِه وانسيابيته، لذلك نبعت كتاباته من هويته المركبة؛ فهو مغربي يهودي، سياسي شيوعي سابق، مُناهِض للهيمنة الغربية، عاشقٌ للدارجة المغربية، يَكتُب بلُغةٍ فرنسية مُضَمَّخة بالدارجة، واختار فرنسا منفى له، قبل أن يعود ليستقرَّ ويموتَ في مسقط رأسه المغرب؛ إذ انفلت من مشاغل السياسة وأثقالها، وارتاد ساحة الكتابة التي منحته وجودا، وظل وفيا لعبارته الشهيرة: "ما دمت أقرأ وأكتب فأنا موجود"، ومن ثمة كان اهتمامه بتعدد الثقافات والهويات، والذي استثمره في كتابته التي اتسمت بالتنوع والتعدد.
لقد ساهم الأستاذان حاييم الزعفراني وإدمون عمران المليح بجهود علمية ومعرفية أثرت الثقافة المغربية؛ وذلك لما في هذه الأشكال المعرفية من تنوع وثراء. وإذا كان الزعفراني قد حاول، في كتاباته المتعددة استنطاق موروث ديني واجتماعي وأدبي وفكري لطائفة يهودية أقامت في بلاد المغرب زهاء ألفي سنة، فإن إدمون عمران المليح قد أضاف من خلال كتاباته ما تعلق بتاريخ النضال من أجل استقلال المغرب، وبالهوية الثقافية واللغة الأم والسيرة الذاتية، والتعريف بالطقوس والعادات المغربية، بالإضافة إلى التعايش والتسامح الدينيين في المغرب، وقضية الشعب الفلسطيني وموقفه من الصهيونية.
وقد شكل هذان العلمان، وفق ما تقدم، تجربتين متكاملتين أسهمتا في إثراء الفكر اليهودي المغربي، من خلال البحث في الذاكرة قصد إثبات الذات.
1- تجربة حاييم الزعفراني:
أ- المؤثرات الكبرى في حياة الزعفراني:
يعد المفكر والمؤرخ المغربي حاييم الزعفراني من أبرز أعلام يهود المغرب، حيث ساهم طيلة عقود من البحث في إحياء تراث ثقافي عريق لليهود المغاربة بعيدا عن النظرة الاستشراقية أو السياسية أو الاستعمارية الضيقة. فحفر في الملامح الحقيقية لليهود ووطنهم المغرب، والتي تفند الصورة الخاطئة التي رسخها الفكر الغربي من أن اليهود كانوا مضطهدين ومشتتين.
ولد حاييم الزعفراني في الصويرة سنة 1922م، واشتغل مدرّساً ثم مفتشاً لمادة اللغة العربية في المدارس اليهودية المغربية، درس في كلية الحقوق فحصل على الإجازة فيها، ثم على شهادة الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية، بعدها عمل أستاذاً جامعياً في باريس 8، وترأس شعبة اللغة العبرية والحضارة اليهودية التي أنشأها عام 1960. حصل على درجة أستاذ شرف بعد جهد طويل من العطاء والإشراف والتوجيه، كما ترأس وحدة بحث في المركز الوطني العلمي الفرنسي (CNRS)، وحاضر في جامعات أمريكية وأوروبية وآسيوية، كما شارك أيضا بعدد من البحوث في مختلف المؤتمرات واللقاءات العلمية، ما جعله يحصل على عضوية في أكاديمية المملكة المغربية.
وقد جمع الأستاذ حاييم الزّعفراني في تكوينه بين التعليم العصري الحديث، والثقافة التقليدية اليهودية والعربية الإسلامية، وقاده تكوينه هذا إلى تمثل لونيْن من الفكر، واللذين اختمرا في ذهنه دون أيّ حرج أو مشكلة، فتراه المفكر العقلاني المحض، وتراه الصوفي المحض، وكان نتيجة لهذه الثقافة الموروثة والمكتسبة المتعددة، أن انغرس في قلبه حبّ المغرب انغراساً لم يستطع الانفلات منه، بل بهذه الصفة أصبحت الحضارة المغربية الأندلسية جزءاً من مكوناته الفكرية والحياتية، فكرس لهذين حياته العلمية، بل والخاصة، ولم يعد يفصل بين الأمرين»[1].
لقد تنوعت الكتابة بتنوع الموضوعات التي تناولها الرّجل بالدرس، وهي موضوعات تصب في معظمها حول الطائفة اليهودية بالمغرب؛ إذ بدأ الكتابة منذ 1948م، غير أن حركة التأليف لم تنشط عنده إلا في أوائل الستينيات، حيث انشغل بالبحث في طرائق التعليم اليهودي في المغرب، وفي مطلع السبعينيات تعمّق في البحث، وانشغل بدراسة المجتمع اليهودي من نواحٍ شتى، محاولاً إحياء ذاكرة تراثية كوّنها اليهود في بلاد المغرب عبر قرون من الزمن، غير أنه حاول حصر بحثه في فترة امتدت ما بين أواخر القرن الخامس عشر الميلادي والقرن العشرين. وفي الثمانينيات اهتم الزّعفراني بالبحث في جانب آخر من المعرفة اليهودية، ويتعلق الأمر بالشعر اليهودي في المغرب، كما بحث في طبيعة العلاقات بين اليهود والمسلمين، متجاوزاً القرون الأربعة الأخيرة. وقد اختار الزعفراني اللغة الفرنسية وسيلة للكتابة، اللهم بعض المقالات التي صدرت له باللغة الإسبانية تارة أو الإنجليزية تارة أخرى.
ب- التنوع الفكري في تجربة حاييم الزعفراني:
تكشف كتابات حاييم الزعفراني عن انفتاح عميق على الثقافة اليهودية في الغرب الإسلامي في فترة شكلت التاريخ الحقيقي ليهود المغرب، وهي الفترة التي امتدت ما بين نهاية القرن الخامس وبداية القرن العشرين الميلاديين.
فقد خص حاييم الزعفراني هذه الفترة بالبحث والدراسة، انطلاقاً من أشكال فكرية عديدة، بوصفها جزءاً لا ينفصل عن المحيط الثقافي في الغرب الإسلامي، من أهمها: التعليم والقانون والأدب المكتوب والشفوي، والشعر والقبالة... وكلف نفسه مهمة علمية، وعلى نطاق واسع، أحيا فيها عالماً من حياة وثقافة الطائفة اليهودية المغربية، بدءاً من القرن الخامس عشر إلى بداية القرن العشرين[2]، كما أشاد الدارسون بكتابات الرجل، وعدّوها مساهمة في التراث الوطني المبعوث من النسيان والمؤدي إلى أفكار جديدة.[3]
ويجدر التنبيه إلى أنّ أبحاثه لم تخضع لتخصص علمي واحد، بل كانت تختلف بين هذا التخصص وذاك؛ فمن التربية والتعليم إلى القانون، ومن الأدب المكتوب والشفوي إلى القبالة والتفسير التوراتي، إيماناً منه أنّ هذه الأشكال الفكرية هي حجر الزاوية في بعث تراث فكري يهودي شامل، وإن كان يميل أكثر في البحث والدرس إلى الفكر التشريعي، إيماناً منه أنّ هذا الفكر هو المرآة التي تعكس حياة الجماعة اليهودية الخاصة منها والعامة، فقد كان يتعمق في شرح المفاهيم التشريعية، ويتلو الفكر التشريعي في الكتابة، الآداب ذات التعبير اللهجي المختلف، والتي قسّمها إلى أدب يهودي عربي، وأدب يهودي قشتالي، وأدب يهودي أمازيغي، وقد عمل على نشر هذه الأشكال من الآداب في مجلة الدراسات اليهودية، والمجلة الآسيوية، ومجلة الدراسات الإسلامية، ومجلة الغرب الإسلامي المتوسطي، يقول حاييم الزعفراني: "تلت دراساتنا في موضوع يهود المغرب التي بدأت بأبحاث في التعليم اليهودي التقليدي بأرض الإسلام، والأدب الشفاهي والمكتوب باليهودية العربية واليهودية الأمازيغية، مساهمة شاملة لمجموع الحياة الثقافية اليهودية بالمغرب ما بين القرن الخامس عشر وبداية القرن العشرين، وتشمل دراسة الفكر اليهودي ومختلف أشكاله التعبيرية".[4]
وعلى هذا الأساس، جاء مشروع الزعفراني مقسّماً إلى قسمين كبيرين:
أ- قسم يتعلق بدراسة التعليم اليهودي والأدب الشفاهي والمكتوب.
ب- قسم يشمل الفكر اليهودي ومختلف أشكاله التعبيرية، والذي حصره الزعفراني في القرون الأربعة الأخيرة.
وفيما بعد تخطى الزعفراني هذه القرون، ليضع بين أيدينا كتابات تضمنت مشاهد عامة من حياة اليهود في المغرب، مشاهد جمعت بين التاريخي والاجتماعي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. Mille ans de vie juive au Maroc; 1986
2. Les Juifs d’Andalousie et du Maghreb; 1996
3. Deux milles ans de vie juive au Maroc; 1998
لقد كان شغل الزعفراني الشاغل هو تحطيم أسطورة الشتات (الدياسبورا) في عالم الفكر اليهودي المغربي عامة، والأدبي والشعري خاصة؛ إذ كان همّه هو إعلان شمولية الفكر اليهودي ووضع مبدأ لوحدته العضوية، مؤكداً على الترابط الذي هيمن على علاقات الحياة الفكرية اليهودية في المغرب، والتي تعدّ جزءاً لا يتجزأ من الفكر اليهودي العام.
وتُعد أشكال المعرفة اليهودية، بما فيها الفكر التشريعي والشعر الديني والكتابات الباطنية (القبالة) والأدب الشعبي المنقول شفاهياً باللهجات المحلية، أسساً رئيسة لدراسة الكيان اليهودي؛ لذلك انصبّ اهتمام حاييم الزعفراني على البحث في حقيقة هذا الكيان، انطلاقاً من الأشكال المعرفية المذكورة، والتي يمكن إدراجها وفق الترتيب الآتي:
*ــ الأدب القانوني:
إذا كان بعض الدراسين قد أولوا عنايتهم لدراسة القانون اليهودي، وعرفوا ببعض جوانبه من قانون الأحوال الشخصية (الزواج ـ الطلاق ـ الإرث)، ومن علاقات مع المحيط الإسلامي على ضوء عدد كبير من التاقنوت (فتاوى)، وما يحدث في سلوك الفرد والجماعة[5]، فإن حاييم الزعفراني أولى اهتمامه بالفكر القانوني في دراسته الصادرة سنة 1972 بعنوان:
Les Juifs du Maroc études de tquanot et response, Paris, Geuthner, 1972
وهي دراسة تناول فيها أدب التاقنوت والمراسيم (الفتاوى الجماعية) بأهمية بالغة؛ فبعيداً عن الفكر الربي، يتضمن الأدب القانوني جوانب اجتماعية اقتصادية، تتجلى في العلاقة المباشرة بين الفرد والمجتمع، مما ساعد على معرفة مظاهر المجتمع اليهودي الخفية من تاريخه، والتي مضت في صمت عبر علاقات السفر والعلاقات الدبلوماسية الأجنبية والعلاقات التجارية.
وفي ما يتعلق بأدب "الرسبونسا" الأندلسي ــ المغاربي الذي ازدهر في العصر الوسيط، ذكر الزعفراني أنّ مهمة البحث فيه أصبحت سهلة بصدور كتابات وأبحاث تضمنت فتاوى الربيين من الأندلس والمغرب.
*- الشعر:
إذا كان الأدب القانوني مرآة تعكس الحياة الاجتماعية والاقتصادية أو بصفة عامة الوجود الاجتماعي، فإن الشعر يعد وسيلة تعبيرية أخرى عن الفكر والمعرفة، ولا سيما في جانب الحياة العاطفية الخاصة، حيث يعكس الشعر الأفراح والآلام، باعتبارها إحساسات تولدها مشاعر نفسية وجدانية.
والدراسة التي خصها الزعفراني في هذا المجال كانت بعنوان:
Poésie juive en occident Musulman, Paris, 1977
وهي من الدراسات التي عدّها الدارس موجهة لمجتمع مثقف، يملك وعياً شعرياً يتجسّد في مستويات مختلفة؛ أولها الوعي الشعري بموروث شعري، والإحساس بواجب الحفاظ عليه وتطويره.
*- الأدب القبالي:
يعد الأدب القبالي نوعاً آخر من أشكال المعرفة اليهودية، فإذا كانت معاناة الشطحات الصوفية منحصرة في نخبة ضئيلة جدّاً، فإن القبالة على العكس من ذلك؛ إذ كانت تعرف في بعض جوانبها، وفي بعض مظاهرها وطلسماتها التي تقارب السحر، اهتماماً واسعاً ونفوذاً شعبياً عظيماً، خصوصاً في الجنوب المغربي (سوس ـ تارودانت ـ تافيلالت ـ تخوم الصحراء...)، وتعد دراسة الزعفراني:
Kabbale, vie mystique et magie, Paris, maison neuve Larose, 1986/ 1996
دراسة مستفيضة، تفيد كل من رغب في معرفة الأدب القبالي.[6]
*ـ الأدب المكتوب والشفوي:
يتضمن الأدب المكتوب والشفوي موضوعات مختلفة، منها: القصص الموزونة المستوحاة من التوراة والأشعار الدينية وأناشيد الفلكلور.
ففي هذا اللون من الأدب، تذوب حدود الدين والفواصل الاجتماعية والثقافية، وبواسطته يتم الاتصال السهل بين الطبقات الشعبية، كما يتم فيه أيضاً الإبداع الفلكلوري المتبادل. وإذا كان الأدب المكتوب يقتصر على نخبة من المثقفين، فإن الأدب الشفوي حظي بمكانة مهمة في المجتمع اليهودي؛ إذ كان يعكس حقيقة هذا المجتمع من خلال أشعار طقوسية ومنظومات وحكايات توراتية وأغاني فلكلورية وحكم شعبية.
وقد وضع الزعفراني في هذا الشكل المعرفي كتاباً جامعاً للأدب اللهجي والشعبي بعنوان:
- Littératures dialectales et populaires juive en occident Musulman, Paris, Geuthner, 1980
2- تجربة إدمون عمران المليح
أ- المؤثرات الكبرى في حياة إدمون عمران المليح
إدموند عمران المالح أستاذ، سياسي، وكاتب يهودي مغربي، ولد عام 1917م بآسفي، في وسط أسروي جمع بين التجارة والتدين، وتعود أصوله إلى جذور أمازيغيَّة، وبالضبط قبيلة آيت باعمران جنوب الأطلس[7]، وعلى طريقة عدد من المفكرين اليهود، الذين أعلنوا تضامنهم مع القضيَّة الفلسطينيَّة، سار إدمون عمران المالح، حيث اختار البقاء في بلده المغرب في وقت كانت الحركة الصهيونيَّة تشجّع فيه اليهود على الهجرة، وأبان عن روحه الوطنيَّة من خلال انخراطه في مسار الكفاح الوطني قصد استقلال المغرب، وواجه كباقي المواطنين المغاربة آلة القمع الاستعماري، وبعد حصول المغرب على استقلاله، هاجر إدمون عمران المالح، لاعتبارات يتداخل فيها السياسي والإنساني، إلى فرنسا ليشتغل بالتعليم مدرّساً لمادة الفلسفة، كما عمل في مجال الصحافة، وعانق مخاطر الكتابة والمنفى، بعد أن تخلّى عن السياسة (بمعناها الحزبي)، مراهنا على العثور على مفتاحٍ يسعفه على إدراك معنى الحياة وتعقيداتها المتشابكة. فالكتابة عنده مغامرةٌ استكشافٌ لمعرفةٍ لامادية. وكانت الكتابة عنده، وقد بلغ سنّ النضج والكهولة، استمرارا لمعركته النضالية من أجل مغربٍ جديدٍ وفلسطين محرّرة، ولكن من موقعٍ آخر وبأدواتٍ مختلفة. يخاطبه محمد برّادة، لحظة رحيله، قائلا: "أنتَ هو أنتَ: المغربي الذي لا يجعل من اختلاف الديانة سببا للنزاع والمشادّة؛ لأن الأسبقية عندك هي للعدالة وقيم الحرية والحقّ والجمال، ومن ثم مساندتك غير المشروطة للفلسطينيين، وإدانتك سياسة إسرائيل ومرجعيتها الصهيونية". فقد شكلت هجرة المغاربة اليهود إلى إسرائيل بالنسبة إليه كارثةً في التاريخ اليهودي وجرحا لم يندملْ، وقد عبر عن كل هذا في رواياته[8]، وظلَّ على هذه الحال حتى عودته إلى المغرب عام 9199م، حيث أقام في مدينة الرباط حتى وفاته عام 2010م، ليدفن في مدينة الصويرة، مخلفاً عدَّة أعمال أدبيَّة، يمكن عرضها على الشكل التالي:
ü المجرى الثابت، عام 1980.
ü أيلان أو ليل الحكي، عام 1983.
ü ألف عام بيوم واحد، عام 1986.
ü عودة أبو الحكي، عام 1990.
ü أبو النور، عام 1995.
ü حقيبة سيدي معاشو، عام 1998.
ü المقهى الأزرق: زريريق، عام 1998.
ü كتاب الأم، عام 2004.
ب- الذاكرة واستعادة الذَّات في الكتابة عند المليح
يقول الحاج إدمون كما يسميه البعض: "من منّا لم يجرب ولو مرة واحدة في حياته الشعور بأنه مزدوج، ولو أجنبيا إن لم يكن غريبا على نفسه؟".
لقد كوَّن اليهود المغاربة في بلاد المهجر، ولاسيما فرنسا، طوائف اتَّسمت بالحيوية والنشاط، واستطاعت أن تندمج اجتماعياً واقتصادياً أفضل ممَّن هاجروا إلى إسرائيل، وفي مقابل ذلك ظلَّ الوسط العائلي اليهودي مرتبطاً باليهوديَّة بوصفها حقيقة ثابتة لا محيد عنها؛ فالذاكرة اليهوديَّة حاضرة في السلوك اليومي في الحاضر كما في المستقبل، وتجلى ذلك بامتياز في كتابات بعضهم، والتي عبروا من خلالها عن الوفاء للتراث العبراني والفكر اليهودي على شموله، «والأكثر من ذلك أنَّه يظلُّ موسوماً بأصوله المغاربيَّة ومفتخراً بمساهمة أجداده في الفكر الأندلسي والثقافة العربيَّة الأمازيغيَّة»[9]. ويُعَدُّ إدمون عمران واحداً من اليهود الذين حافظوا على ذاكرة أجدادهم التي تباهوا بها في كتاباتهم.
وإذا كانت الرواية تعيد فتح العلبة من أجل إعادة ترتيبها قصد إعطائها نظاماً يمنحها الوضوح ومقاومة النسيان، فإنَّ إدمون المليح ظلَّ يتنقل بين كلّ أطياف التعبيرات الأدبيَّة مشخّصاً فضاءات وموضوعات ظلت في طي النسيان، كأماكن طفولته الصويرة وآسفي وأصيلة، ولكن أيضاً عادات وتقاليد، كلمات وروائح، أساطير وقصص اليهوديَّة المغربيَّة من خلال تصويره لطقوسها وعاداتها وماضيها بالمغرب، إلى جانب تقديمه مناخ النضالات التي خاضها المغرب من أجل استقلاله.
لقد حاول إدمون الميح أن يكشف في كتاباته عن صور الاختلاف الثقافي، من قبيل محكيات الهويَّة والبدايات، واستلهام الماضي وتواريخ الكولونياليَّة (الحماية الفرنسيَّة والكفاح ضدّ الاستعمار) وما بعد الكولونياليَّة (سنوات الرصاص والجمر)، ولذك يحضر التخييل مشتبكاً بصور القوَّة، التي تطبعه بصور الازدواج والهجنة الثقافيَّة وجدليَّات القوَّة، وديناميات الرغبة والوعي المهجري وشتات المنفى، لتشكّل الكتابة عنده الأسس الرئيسة لكلّ مقاربة شاملة لا تغفل شيئاً عن الوجود اليهودي، عن اليهوديَّة المغربيَّة التي كانت تُعدّ إلى عهد قريب عاطلة عن أيّ ماضٍ، والتي شرعت في إعادة بناء ذاكرتها من خلال الإسهامات التي يجتهد أبناؤها في صياغتها عبر أشكال تعبيريَّة متعدّدة بما في ذلك الرواية التي كانت من اختيار المالح، غير أنَّ هذا الرجل لم يغيّب المشترك بين اليهود والمسلمين في أرض المغرب، ويظهر ذلك في تعليقه برفقة الطاهر بن جلون على كتاب حاييم الزعفراني الموسوم بـ:
Littératures dialectales et populaires juives en occident musulman.
في جريدة «Le monde» العدد 17 آذار/مارس 1980م، جاء فيه: «طيلة قرون، أنشد اليهود والمسلمون في المغرب القصائد نفسها، وغنّوا الأغنيات نفسها...، وجمع مؤلف الكتاب شهادات حول هذه الثقافة المشتركة...، حيث استبطن اليهود والعرب كلٌّ منهم الآخر، وأعطى كلٌّ ممَّا عنده لصاحبه، وساهموا جميعاً في صنع تاريخ مشترك، تاركين بذلك لأبنائهم ذاكرة وتراثاً فكرياً مشتركاً...»[10].
ومن هذا المنطلق، كان المليح ممَّن أدرجوا في كتاباتهم صور ذاكرة تجذَّرت في الرمزيَّة المغربيَّة بما يميزها من تعدُّد واختلاف من جهة، وتواصل واشتراك من جهة أخرى، حيث تصوّر مغرباً تعدَّدت وجوهه، وحاول رسمها في قالب ترافقه أصوات وأصداء استمدَّها من كتابات كتّاب آخرين مثل فرانز كافكا. ومن ثمَّة يعدّ المليح نفسه ناقلا للحكايات ومستعملاً لتعابير من أصول عربيَّة يهوديَّة أو أمازيغيَّة أو إنجليزيَّة أو إسبانيَّة؛ بمعنى أنَّ التعبير المحلي أوَّلاً ظلَّ حاضراً في كتاباته، ثم عزَّزه بكلمات لغويَّة أجنبيَّة أخرى، علماً أنَّ الرجل ظلَّ محافظاً بشكل كبير على لهجته المحليَّة/ المغربيَّة، وإن كانت كتابته باللغة الفرنسيَّة تدلُّ على انفتاحه على ذاكرات متعدّدة وثقافات تنبذ العنف وترفض التهميش والإقصاء، ليزاوج بين الارتماء في أحضان الذات والنبش في الأصول والبدايات، وبين الانشقاق والغوص في أعماق التعدُّد والاختلاف، حيث تتشظَّى الحكاية بين عنف الكتابة وعنف المتخيل في سيرورة ازدواج بين الداخل والخارج، بين الذات والآخر، بين الماضي والحاضر. وهذا ما يفرض على بلاغة النص حالة هجنة نصيَّة وثقافيَّة فاعلة في ديناميَّة السرد، تعبّر عن نفسها في خطاب سردي تعدُّدي منقوش بألسنة متنافسة ولغات متعدّدة: الفرنسيَّة، والعربيَّة، والأمازيغيَّة، والدارجة، والعبريَّة، ولهجات البحارة المختلطة برطانات مغربيَّة وبرتغاليَّة وإسبانيَّة، تهشم عبر هذا الاختلاط البارودي مركزيَّة الذات لفائدة مواقع سرديَّة متعدّدة[11].
وفي مجموع نصوص المليح الروائيَّة تؤدي الذات والذاكرة ثنائيَّة ديالكتيكيَّة، وتؤدي اللغة بينهما دور المروّد للأحداث، وهي «تنفخ في لهب الكتابة؛ هناك الذاكرة ضدّ النسيان، والنسيان كسبيل للتذكُّر، وهناك اللغة وفسحاتها وتلاوينها وتضاريسها، وهناك الشذريَّة التي توهم بأنَّ كلّ كتابة زائلة وساعية لاكتمالها، وهناك الاستطراد لتكسير أيّ هندسة أو سرد خطي، وهناك تبطين الحكاية والمحكيات لتوليد الالتباس والترميز وتعدُّد المنظورات...، والجمع بين هذه الخصائص يقوده إلى الحرص على نوع من «التفضية»؛ أي وضع جميع مكوّنات النص في فضاء مُتجاور، مثلما يفعل الرسام، محطماً التعاقبيَّة الزمنيَّة التي كانت تتحكَّم في النصوص التقليديَّة»[12].
فقارئ نصوص المليح يجد نفسه أمام فضاء واحد تلتقي فيه كلُّ عناصر التذكُّر وفق أساليب النسيان؛ إذ ينطلق من الذات التي تسترجع وجودها من فضائها الذي نمت فيه وترعرعت، والتقطت كلَّ جزيئات هذا الفضاء ليعيد المليح إنتاجه في فضاء جديد متحرّر من كلّ قيود، «ولعل ذلك ما يجعل نصوص المالح تنطلق غالباً من حاضر ما، هو حاضر الذات الكاتبة، لتستحضر وتحاور ماضياً ما، تلوّنه الذاكرة والوجدان، ثم يُلملم الخيوط ليقرأ مستقبل ذلك الماضي، وهو يفعل ذلك من دون موقف مسبق، أو تحيُّز إلى نموذج، أو إلى صورة. وما جدوى ذلك، وهو ينظر إلى عالمه وعالم الآخرين من منظور يستحضر اللَّامرئي وما هو مستمر داخل المنقطع، ويُحاور شعب «الموتى اللَّايُحصى»، بحسب تعبير جان جونييه، حيث لا ينفع زهو أو تبجُّح أو مباهاة بالكسب؟ لا أريد أن أسترسل في إعطاء أحكام واستخلاصات ربَّما تبدو تجريديَّة، طامسة لنصوصه المكتوبة بحرقة المواجع ورجع الذاكرة».[13]
3 ـ تجربتان متاكملتان:
كلّف حاييم الزعفراني نفسه مهمة البحث في الفكر اليهودي قبل التهجير من الأندلس وبعده، كما بحث في خصوصيات الطائفة اليهودية الاجتماعية والدينية والفكرية في فترة امتدت من القرن الخامس عشر إلى بداية القرن العشرين، وظل وفياً للمهمة التي ألقاها على عاتقه عقوداً من الزمن، متجاوزاً عقدة الآخر، دون الفصل بين الثقافات والديانات؛ وذلك في قوله: "ومع ذلك أصررنا على أن نظل نحن أوفياء لمهمتنا، لقناعتنا منذ أكثر من ثلاثين عاماً بضرورة عدم التخلي عما علمنا إياه التاريخ، وأنه لا بد من أن نحاول النظر إلى الأشياء من الداخل، وأن نتجاوز حواجز الغيرية، وأن نحتفظ دوماً بالمسافة الكافية التي تسمح لنا بالنظر والفهم. إنّ الذي يحقق المستقبل الأفضل والأحسن هو الذي يترك جذوره تمتد عميقاً في الماضي".[14] وكانت غاية الزعفراني هي حثّ بني جلدته على العودة إلى ماضي أجدادهم الفكري والتمسك به؛ لأنه هو حجر الزاوية في صناعة التاريخ أولاً، والحفاظ على الهوية الثقافية المعرضة للضياع ثانياً. إنه مشروع نهضوي يقوم على الرجوع إلى السلف اليهودي في الأندلس والمغرب، حيث درس أشكال الفكر اليهودي في الغرب الإسلامي في فترة بدأت بالهجرة وانتهت بالهجرة؛ الهجرة من الأندلس في اتجاه المغرب خلال القرن الخامس عشر، ثم الهجرة في اتجاه إسرائيل أو بعض الدول الأخرى خلال القرن العشرين؛ وتُعدّ هذه الفترة بالتحديد فترة تذكر يهود اليوم بالحنين إلى الوطن، حنين بعث على الشعور بالحزن والأسى عن فقدان وطن وجدوا فيه الأمن والحوار والتعايش، ولم يشعروا يوماً بأنهم أغراب، كما هو الشأن اليوم في بلدان أخرى، وهو شعور رفضه الزعفراني بالرجوع إلى ماضي الأجداد وبعثه قصد الاعتزاز به، رافضاً ما أسماه بالتاريخ المليء بالدموع، يقول الزعفراني: "يبقى من تاريخ يعود إلى ألفي سنة على أرض المغرب المعطاء، ذاكرة يهودية مغربية، يتردد صداها في روح المهاجرين، تدوّي في موسيقاهم وغنائهم، في فلكلورهم وشعائرهم، في احتفالهم بلالة ميمونة والهيلولا، وفي مزاراتهم الجماعية لقبور أوليائهم المحلّيين، مثل الربي عمرام بن ديوان في وزان، وموالين داد بسطات وغير هذين. والأمر أكثر عند المهاجرين الذين أقاموا في إسرائيل؛ فذاكرتهم تنبئ عن نفسها في حنينهم إلى الوطن وأسفهم الحزين وأزماتهم المريرة أو التي يثيرها الحنين الدفين، وفي كتاباتهم الغاضبة أو الهادئة. وتعبر هذه الذاكرة عن نفسها ببراعة في الخلق الأدبي العبري الناشئ لدى بعض الأدباء من أصل مغربي، وبالأخص في رهافة الشعراء الشباب الذين عبروا في آثارهم الأدبية الجيدة عن الروح المكلومة والثقافة المهمشة أو المهانة وقساوة العيش التي يعانيها شتات ثانٍ، هو الذي عرفنا منه، من قبل، على أرض المغرب المعطاء، الوجه الوضاء وحرارة العاطفة والأفراح والأحزان".[15]
صحيح أنّ يهوداً هاجروا إلى بلدان أخرى، وفضّلوا الاستقرار فيها، مثل فرنسا وكندا وأمريكا اللاتينية، غير أنّ نسبة أخرى فضّلت الوجهة نحو إسرائيل بفعل جهود الحركة الصهيونية ومنظمتها السرية، هذه الحركة التي سعت فيما بعد إلى طمس الهوية الثقافية ليهود المغرب والمشرق وتحويلهم إلى يهود غربيين، الأمر الذي ولّد المعاناة لديهم، وقد عبّر عن ذلك شباب من اليهود الذين أحسوا بالأسى والمعاناة من الحقد والتمييز العنصري. غير أنّ الزعفراني أمام هذه الملابسات فضّل أن يتجنب الخوض فيها، بوصفها تطرح قضايا معقدة انعكست بشكل سلبي على حياة اليهود الاجتماعية والثقافية، يقول: "ليس من مهمتنا أن نخوض في أمر الملف الكبير المتعلق بـ"إسرائيل الثانية" وعواقبها المعقدة التي لها الأثر الكبير على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وكلها ركام من المشاكل أزعج وأقلق الرأي العام في الشتات وفي إسرائيل، بعد أن زاغت عن أهدافها الحقيقية، وصارت موضوعاً للتوتر والمواجهات الداخلية بين الطوائف، وسوف ينحصر همّنا في القضايا التي تعترض اليهودي السفردي أو الشرقي واليهودي المغاربي خاصة، وهي قضايا الفكر والتعليم والتربية".[16]
ولأن الزعفراني رفض الخوض في ملف ذي عواقب معقدة، فإن إدمون عمران المليح كانت لديه من الجرأة ما جعله يثور على هذا اللون من السياسة الذي يزعج اليهود في بلدانهم الأصلية، ومنهم المغاربة اليهود، والمناداة بتحرير فلسطين، فهاجس الدفاع عن الوطن ورفض الاستعمار بكل أشكاله، تولد لديه مع نضاله ضد الاستعمار الفرنسي لبلده المغرب. هذا الوطن الذي سكن قلبه، فكتب عنه بلغة فرنسية ولكن بروح وعاطفة مغربيتين، كتب عن أجوائه وعاداته وطقوسه وشعائره، ولاسيَّما اليهوديَّة منها، وتلك ميزة امتاز بها المليح عن غيره من الكتَّاب الذين كانوا يتباهون باستعمال اللغة الفرنسية، حيث كان يكتب بعمق مغربي، فلغته لا تشبه لغة الفرنسيين؛ ذلك أنَّ الحضور الشعبي المغربي، وبالعاميَّة المبثوثة في النص الفرنسي أحياناً، كان وفيراً في أعماله[17]. ولعل روايته الأولى، "المجرى الثابت" تناولت موضوعات متنوعة تعلقت بالهوية والذاكرة والتاريخ، ومن ثم كشفت عن تألق كبير في الكتابة، وفي التعرُّف على أحوال المجتمع المغربي؛ فقد عبر المليح عن الذاكرة المُتحَرِّرة من القيود بلغة مُتميِّزة ممزوجة بالدارجة المغربية، مؤكدا أن اللغة الجميلة هي اللغةُ الدارجة، فكان يقول: أنا لا أكتب بالفرنسية، بل أكتب بالعربية، يقول محمد برادة: "عندما نشر سنة 1980 بالفرنسية "المجرى الثابت" le parcours immobile))، شعرت بفرحة كبيرة؛ لأن هذه السيرة الذاتية الشذرية، أكدت لدي ما أحسست عنده من رقة وقدرة على التعبير الأنيق والسخرية الموحية. كانت مفاجأة سارة؛ لأن إدمون عمران المليح الذي ارتبط اسمه بمرحلة نضال المغرب من أجل الاستقلال، وبمسؤوليته عن قيادة الحزب الشيوعي، ومشاركته في المقاومة السرية، استطاع أن يكسر تلك الشرنقة التي واكبت شبابه ليطل علينا عبر لغة أخرى، ومن خلال شكل تعبيري متحرر من القيود، مغامرا في متاهة الذات والوجود وتعاريج الذاكرة وأسئلتها المقلقة."[18]
والجدير بالإشارة هو أن المليح لم يكن مؤمنا بالمادية، رغم تأثره بالفيلسوف والتر بنيامين، وهو ماركسي؛ لأن كل ما هو مادي لا يكفي، لذلك جرب أشكالا روحية من خلال بعض الأبعاد الصوفية، سواء في اليهودية، أو المسيحية، أو الإسلام، بوصفها أبعادا روحية، أو نفسية، لا يمكن التعبيرُ عنها بالمقولات والمفاهيم المباشرة.
خاتمة:
إنّ ما قدمه كلّ من حاييم الزعفراني وإدمون عمران المليح من كتابات في الذاكرة والمجتمع والذات، يعد مخزوناً معرفيا يشي بالتنوع والثراء، ويحظى بالاهتمام والدرس؛ ذلك أنّ الرجلين كانا مكملين لبعضهما؛ فهما تجربتان متكاملتان. فإذا كان الزعفراني قد انكبّ على البحث منذ خمسة عقود من الزمن قصد بعث فكر يهودي ظل حبيساً لسنوات طوال، ومن خلاله حاول إثبات هوية يهودية انطلاقاً من كتابات خلفها يهود أسلاف، سواء تعلق الأمر بالتربية أو القانون أو الإبداع الشعري أو التفسير التلمودي أو النثر الفني أو الكتابات الصوفية والسحرية، فإن إدمون عمران المليح كان مكملا للمهمة بالخوض في الكتابة ثائرا على الذاكرة كي يستعيد الذات، ويثبت هويتها بعيدا عن كل الأوهام التي تصدى لها بمواقفه الثابتة، ولم يقبل يوما على نفسه الوقوع في شراك الإيديولوجيا المزيفة، فغادر السياسة ليعوضها بالكتابة عن الذات والذاكرة والتعايش وتخطي الغيرية، متفردا في كتاباته بالجرأة والإبداع والمواقف الثابتة. إنهما تجربتان متكاملتان بامتياز.
نخلص على ضوء ما تقدم، إلى أن اليهودي المشرقي والسفردي يمكن أن يعرّف نفسه، بصفته يهودياً، بالتعريف نفسه الذي عرّف به كافكا ذاته، وهو يضع نفسه مقابل يهود الغرب، يقول في إحدى رسائله إلى Milena):) ينبغي أن أكتسب كلَّ شيء ليس الحاضر والمستقبل وحسب، بل الماضي أيضاً؛ فهذا الشيء الذي يتلقى كلُّ الناس نصيبهم منه بالمجان، ينبغي عليَّ أنا أن أقتنيه، ولعلَّ هذه هي أصعب المهام، وإذا كانت الأرض تدور نحو اليمين، ولا أدري إذا كانت تفعل، فعليَّ أنا أن أدور نحو الشمال، لكي ألحق الماضي»[19].
نفهم من كلام كافكا أنَّ اليهودي بصورة عامَّة، والمغربي بصورة خاصَّة، يطمح إلى إعادة بناء الذات وإثبات الهويَّة والوعي بانتمائهما إلى طائفة عرقيَّة، انطلاقاً من بيئة تميزها عبر إبداع مكتوب أو شفهي، سواء باللغة العبريَّة أم باللهجات المحليَّة. لذا، ظلَّ صدى الذاكرة اليهوديَّة المغربيَّة يتردَّد في نفوس اليهود الذين غادروا بلاد المغرب، سواء في اتجاه إسرائيل أو في اتجاه دول غربيَّة مثل فرنسا أو كندا، وتجلت آثار ذاكرتهم في الموسيقى والغناء والأشعار والشعائر، يقول حاييم الزعفراني: «وتعبّر هذه الذاكرة عن نفسها ببراعة في الخلق الأدبي العبري الناشئ لدى بعض الأدباء من أصل مغربي؛ وبالأخص في رهافة الشعراء الشباب الذين عبَّروا في آثارهم الأدبيَّة الجيّدة عن الروح المكلومة والثقافة المهمَّشة أو المهانة وقساوة العيش التي يعانيها شتات «ثانٍ» هو الذي عرفنا منه من قبل على أرض المغرب المعطاء الوجه الوضَّاء وحرارة العاطفة والأفراح والأحزان»[20].
المراجع المعتمدة
*- المراجع العربية:
1- حاييم الزعفراني، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، مطبعة النجاح الجديدة، الجزء الأول.
2- يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، مرسم، الرباط، ج2
3- حاييم الزعفراني، ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب، ترجمة أحمد شحلان وعبد الغني أبو العزم، ط1، 1987
4- عبد السلام شرماط، يهود المغرب في كتابات حاييم الزعفراني، مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع، 2021
5ــ انظر مقالة خصصت كقراءة في هذه الدراسة في قسم الموروث الديني/ مقالات على موقع مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
6- معن البياري، إدمون المليح .. محمد برّادة، العربي الجديد، على الرابط:
https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D8%A5%D8%AF%D9%85%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%AD%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%D8%A8%D8%B1%D9%91%D8%A7%D8%AF%D8%A
7- المليح، إدمون عمران، هجرة الحكاية والاختلاف الثقافي، مجلة نزوى: goo.gl/nwq6kg
8- البياري، معن، إدمون عمران المالح، المغربي اليهودي غير المقروء عربيَّاً، قاب قوسين، صحيفة ثقافيَّة:
http://www.qabaqaosayn.com/node/275
9- محمد برادة، إدمون عمران المليح: من النضال السياسي إلى كتابة الذاكرة، على الرابط:
chromeextension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://www.palestinestudies.org/sites/default/files/mdf-articles/10819.pdf
*- المراجع الأجنبية
1- Salim Jay, Dictionnaire des écrivains marocains, Eddif, 2005
2- ARKOUN Med; Haïm Zaafrani; poesie juive en occident musulman; Geuthner; 1977; Hesperis; 1978; 262
3- LEVY Simon; mille ans de vie juive au Maroc; Hesperis; vol xxu; 1984
4- HAIM Zaafrani; les relations Judéo Musulmanes dans la littérature juridique; Actes du colloque international; octobre 1978
5- CHOURAQUI Andre; la condition juridique de la femme juive au Maroc; Paris; 1952
6- LAREDO Abraham, les taquanots des juifs expulses de castille au Maroc, casa, 1953
[1]- حاييم الزعفراني، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، مطبعة النجاح الجديدة، الجزء الأول، ص ص8-9
[2]- ARKOUN Med; Haïm Zaafrani; poesie juive en occident musulman; Geuthner; 1977; Hesperis; 1978; 262
[3]- LEVY Simon ; mille ans de vie juive au Maroc; Hesperis; vol xxu; 1984; p155
[4]- HAIM Zaafrani; les relations Judéo Musulmanes dans la littérature juridique; Actes du colloque international; octobre 1978; p 32
[5] - نذكر هذه من الكتابات:
- CHOURAQUI Andre; la condition juridique de la femme juive au Maroc; Paris; 1952
- LAREDO Abraham, les taquanots des juifs expulses de castille au Maroc, casa, 1953
[6]- انظر مقالة خصصت كقراءة في هذه الدراسة في قسم الموروث الديني/ مقالات على موقع مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.
[7]- Salim Jay, Dictionnaire des écrivains marocains, Eddif, 2005, p.176 - 179
[8]- معن البياري، إدمون المليح .. محمد برّادة، العربي الجديد، على الرابط:
[9] ـ الزعفراني، المرجع نفسه، ص 578
[10] ـ المرجع نفسه، ص 580
[11] ـ المليح، إدمون عمران، هجرة الحكاية والاختلاف الثقافي، مجلة نزوى: goo.gl/nwq6kg
[12] ـ المصدر نفسه.
[13] ـ المصدر نفسه.
[14]- حاييم الزعفراني، يهود الأندلس والمغرب، ص 597
[15] - المرجع نفسه، ص78
[16] - المرجع نفسه، ص 571
[17] ـ البياري، معن، إدمون عمران المالح، المغربي اليهودي غير المقروء عربيَّاً، قاب قوسين، صحيفة ثقافيَّة:
http://www.qabaqaosayn.com/node/275
[18]- محمد برادة، إدمون عمران المليح: من النضال السياسي إلى كتابة الذاكرة، على الرابط:
chromeextension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://www.palestinestudies.org/sites/default/files/mdf-articles/10819.pdf
[19] ـ انظر: الزعفراني، حاييم، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، مرسم، الرباط، ج2، ص 572
[20] ـ المرجع نفسه، ص 578