حدس المفرد بين التجربة الفلسفية والتجربة الدينية قراءة في «أحاديث» شلايرماخر
فئة : أبحاث محكمة
حدس المفرد بين التجربة الفلسفية والتجربة الدينية
قراءة في «أحاديث» شلايرماخر
«الابتداء من الوسط أمر لا مناص منه»
(شلايرماخر)[1]
قد يكون حديث دلتاي، في نص من آخر نصوصه، عن «فينومينولوجيا الدين» عند سلفه وقدوته الكبرى فريدريش شلايرماخر، وهو نص حرر عام 1911 ونشر بعد وفاته فيما نشر من تراثه[2]، غير ذي موضوع أو غير محمول على محمل الجد كثيراً: يستوي في ذلك قرّاء أعماله من معاصريه، ومن معاصرينا. فلا هؤلاء ولا أولئك من الذين يستسيغون هذا الحديث أصلاً؛ أعني تخصيص التجربة الدينية لرائد من رواد فلسفة الدين واللاهوت في العصر الحديث باسم فلسفي، إما إنه من شأن غريمه الأشهر في برلين -هيغل[3] بنحو أو بآخر؛ وإما إنه في غير أوانه، كأن يكون مأخوذاً مثلاً من قراءة العمل الكبير لإدموند هوسرل- (المباحث المنطقية)[4]؛ وفي أفضل الأحوال هو سابق على ظهور هذا الضرب من «الفينومينولوجيا» (الدينية) ببضعة سنين ومنبئ بحدوثها، كمدرسة من مدارس فلسفة الدين أو كمنهج، في أعمال فلاسفة أمثال غيراردوس فان در لوف Gerardus van der Leeuw، وويليام جيمس، ومارتن هايدغر، وغيرهم؛ أو أعمال لاهوتيين مرموقين، أمثال رودولف أوتو، وأرنست ترولتش، ورودولف بولتمان، وباول تيلتش، أو مؤرخي الأديان أمثال مرتشيا إلياده...
أياً كان الأمر، وحصل التردد في تقدير هذه الملحوظة العابرة لدلتاي، فإن قراءة التجربة الدينية لم تعد منذ كتاب (في الدين: أحاديث إلى المثقفين من بين منكريه) (1799) والسياق الذي أحاط به، وبتكوينه وتلقيه في الأوساط الفلسفية واللاهوتية لذلك الزمان، مستقلة عن ضرب ما من الفينومينولوجيا كنظرة خاصة، وكحساسية فلسفية، وكذائقة في تصور المعاني والمفاهيم وبسطها للتأمل والاعتبار. وليس أدل على ذلك مما اصطنع الباحثون في فلسفة الدين من التقريبات: كالأمر في إدراج التجربة الدينية في قالب «الوصف المتين» (thick description) -بعبارة غيرتز الشهيرة- حيث تأخذ موضوع وصفها لا كموضوع لشعور عابر، وإنما بأبعاده كلها، بنحو هو أقرب إلى التجارب الصوفية والباطنية التي نجدها في مختلف التقاليد التوحيدية[5]؛ أو في نقل مفاهيمها وطرائق عملها وتطبيقها على الظاهرات الدينية بناء على ضرب من المضاهاة بين هذه وتلك[6]، أو في استصلاح المنهج الفينومينولوجي لإعادة تأسيس البرهان الأنتولوجي على وجود الله مثلاً[7]، وغير ذلك من وسائط التقريب التي دأب عليها منظرو فلسفة الدين منذ أوائل القرن العشرين. وفي كل الأحوال، فإن ما نقترحه في هذا المقام من قراءة لهذه التجربة التي تعبر عنها أعمال شلايرماخر الأولى، وفي طليعتها كتابه الشهير في الدين، في سياق مركب من عناصر مختلفة، لا يخرج عن مناخ مشترك هو ضرب من الفينومينولوجيا العفوية التي تنطق عن التجربة الدينية كما بدأت تتشكل صيغتها الفلسفية في العالم الحديث، وتكتب كما تكتب سائر التجارب الفلسفية بناءً على مرجعية الذات المفردة كحامل للخطاب وكموضوع له في الآن نفسه. فالذات (Subjekt) والفرد (Individuum) والفردانية (Individualität)، والشخص (Person) والشخصية (Persönlichkeit)، وسائر المعاني التي من هذه المصفوفة المفهومية، كالجزئي (Einzelne) والخصوصي (Eigentümliche)، تتكافل وتتألف لتشكل بلاغة خاصة بالخطاب الفلسفي في الدين، ونبرة مسايرة للنفس الرومنطيقي السائد -في طوره المبكر-المفعم بالإحساس المفرط بالذات ككيان مفرد، وبالكون كأفق لهذا الكيان، بل بالدين عينه كإفراد وتشخص (Individuation) لتجربة الإيمان تفيض عن مجرد التدبير العقلي لديانة رسمية قائمة بعينها، وتتصل بقطاعات الحياة والفكر نظراً وعملاً. وأما تفصيل ذلك، فيقتضي فحصاً لثلاث فرضيات عمل تشكل بالتوالي لحظات هذه القراءة التي لا تنظر في كتاب (الأحاديث) حصراً، أعني من طريق شرحه كنص، قدر نظرها في مقوماته الفلسفية التي جازف الفيلسوف الشاب بطرحها أمام الجمع الفكري الذي ينتسب إليه - جمع الرومنطيقيين أولاً، ثم فلاسفة الدين ورجال اللاهوت ثانياً، ومن تبقى من مخاطَبيه من الفلاسفة في المقام الأخير: 1) أن «حدس المفرد» -كعنوان لهذا المقام- متصلٌ بالسياق الذي مكن له في النصوص والمحاولات الأولى، الدائرة بالجملة على فكرة الحس المدني وروح الجماعة (Geselligkeit)، وأن كيان الفرد لا ينفصل عن البنية الإيتيقية للكيان الجمعي: آداب المعاشرات كآية من آيات الزمن الرومنطيقي؛ 2) أنه محصل من افتراض ضرورة العودة إلى ما قبل الموقف الترانسندنتالي في النظر والعمل - الرجوع من كانط إلى سبينوزا؛ ونعني بذلك أنه ليس بنية صورية ذات مفعول قانوني تشريعي، وإنما الحدس خبرة وتجربة وحياة بلا وسائط، أو هو «مبدأ التشخص» (principium individuationis) بامتياز؛ 3) أن البنية الحدسية للكيان الفردي، في صلب التجربة الدينية تحديداً، هي في حقيقتها القصوى بنية أفلاطونية أبلغ الدلائل عليها الحركة الجدلية -السابقة لأوانها- بين قوسين وجوديين: قوس الصعود وقوس الهبوط، جوهر الرؤية الصوفية للكون؛ وأنها بذلك تخترق فلسفة شلايرماخر برمتها، وتنتظم أجزاؤها وأقسامها كلها. بهذه الفرضيات، وبمصاديقها الموضوعية في النصوص والشهادات، يحق لنا أن نعلل أنفسنا بأن ما جاء به دلتاي في نصه المذكور ليس «زلة قلم» (lapsus calami) ولا «إسقاطاً» (accomodatio) بلغة تأويليي عصر التنوير[8]، وإنما هي ماهية التجربة الدينية بعينها: أنها تجربة ظهور في المقام الأول والأخير.
الفرد والجماعة: من «تدبير المتوحد» إلى «آداب المعاشرات»
لو شاء المرء أن يبحث عن «مبدأ المبادئ» (بتعبير هوسرل) الذي تقوم عليه فلسفة شلايرماخر برمتها، وتبتدئ به قبل أي شيء آخر، لوجده في تصريحه لصديقه كارل غوستاف فون برينكمان في رسالة بتاريخ 14-12-1803 مفاده أن «الانطلاق من الفردانية (Das Ausgehen der Individualität) يبقى حتما هو وجهة النظر العليا، من أجل أنه ينطوي على العمومية وعلى الهوية في الآن نفسه»[9]. صحيح أن هذا الاعتراف قد جاء في سياق قريب من نشر كتاب (المعالم الكبرى لنقد نظرية الأخلاق الراهنة)[10] في العام نفسه، وأنه بذلك يصدق على المجال الأخلاقي في المقام الأول، ويعلن على الملأ خروجه عن سنة المدرسة الترانسندنتالية ومعلمها الأكبر -كانط- (دون أن ننسى وريثه فيشته)، ومخالفة فيلسوف برلين الآخر -هيغل- في أمر ليس من اليسير عليه أن يساوم فيه؛ إلا أنه اعتراف يكاد يصدق على فلسفته كلها، سابقها -فيما سلف من الكتابات والانشغالات الأولى، وما غلب عليها من قضايا متفرقة وأغراض- ولاحقها، فيما سيدون فيلسوفنا من مصنفات ونصوص، ويقدم من دروس في فنون التأويلية والأخلاق والجدلية لا تخرج جميعها عن تدبر مكانة الفرد ودلالة الفردانية في سيرورات الفهم والتفاهم، وفي بنيات التواصل والفعل، وفي مسارات المعرفة والإدراك[11]؛ ذلك هو التحدي الأكبر الذي نهض له الراعي والفيلسوف الشاب: أن ما لا يمكن قوله (Individuum est ineffabile) -بمقتضى القاعدة الكلاسيكية المعروفة- أو يعسر النطق عن حقيقته عسراً شديداً، هو مناط الخطاب الفلسفي ومادته، من أجل أنه سمة الوجود الأخص، بما فيه من أعيان الموجودات، لا من الكليات والمقولات والأحكام العامة المجردة. ولعل ملاك الأمر في هذا التحدي مخالفته الصارخة لما عمد إليه معاصروه من أساطين المثالية -هيغل، فيشته، شيلنغ- من ضرب آخر من التحدي الفلسفي الذي أفضى إلى ما سماه كزافييه تيليات «مهرجان المطلقات» (‘festival des absolus’) وكأننا في «استعراض» تتبارى فيه العقول وتستظهر قدراتها على «الحدس الفكري»، حيث إن «الفلاسفة الذين يرفعون هذا التحدي، إنما يغنمون وعياً جديداً بقدرات العقل»[12]...
وأما ما يشهد على هذا النفور من روح الأنساق المثالية ومطلقاتها، فنجده في التجربة التي زاول من خلالها شلايرماخر، في فترة تكوينه الأولى وفي ما كتب من نصوص في عهد هاله (1789-1791)، ثم في شلوبيتن ببروسيا الشرقية (1791-1793)، أبحاثاً ذات طابع عملي عموماً: سواء أكان ذلك في ما كتب ونقل تحت تأثير معلمه التنويري المرموق إبرهارد (Eberhard)، منازع كانط الشهير، من نصوص حول أرسطو وكتاب (الأخلاق إلى نيقوماخوس) بالأخص، تركيزاً على مسألة الصداقة وما تفترضه من فضائل التعايش والاجتماع المدني، مع تعليقات مختصرة على كتاب (ما بعد الطبيعة)[13]؛ أو في عنايته بالمشكل الأخلاقي في فلسفة كانط العملية ومفاهيمها الكبرى - الحرية الترانسندنتالية، القانون الأخلاقي، الشعور...[14] وفي كل الأحوال، فإن استئناف القول العملي، من خلال نظرية الفضائل التي تكمل بها السيرة الإنسانية (أرسطو)، أو من خلال نظرية الواجب الأخلاقي والقانون الذي يفرض شريعته على الذوات العاقلة (كانط)، يعني، فيما يعنيه، نزع السحر (الذي وقع فيه أمثال فيشته) عن الأخلاق الترانسندنتالية وبنيتها الصورية ورطانتها القانونية- القضائية، وميتافيزيقا واجب الوجود التي تستند إليها، من أجل أخلاق عيانية محايثة للأفعال البشرية، أخلاق للجمع البشري، تقتضي المحسوس من وجود الأفراد والذوات، ولا تقف عند الشكل المعقول لذوات كلية اعتبارية. وحتى بعد أن نشر أستاذ كونيغسبرغ في أخريات حياته ما استدرك به شيئاً من هذا النقص في فلسفته، في كتاب (الأنثروبولوجيا من وجهة نظر براغماتية) (1798)[15]، حيث صار السؤال الأخلاقي يؤخذ في سياق أعم متصل بالسؤال عن الإنسان بعامة -في ظاهره وباطنه- وفي مختلف أصناف السير التي ينتحلها، فإنه لم يفعل فيما أتى به إلا أن جاء بقول متهافت، من قبل عدم دراية فيلسوف كونيغسبرغ بتصاريف الحياة وأحوال المعيش الإنساني[16].
لا أرسطو ولا كانط بقادرين إذاً على الإيفاء بالمطلوب من الموازنة بين الجزئي والمفرد من جهة، وبين الكلي والمقولي من جهة ثانية: فالأول «يجوز أن نقول عنه إن الأشجار قد أخفت عنه الغابة، كما أخفى الجزئي الكلي، والفردي المطلق، والخارجيُّ الداخليَّ (...) ولذلك هو بداية الانحطاط في الفلسفة»[17]؛ أما الثاني، فقال عنه ساخراً إن «مؤرخاً أصيلاً لن يتوانى عن القول إنه يفضّل إحصاء حبات الجلبان عن التفرغ لـلفلسفة الترانسندنتالية»[18]... بل لم تفرز هذه الفلسفة غير «مثالية انبثقت منها نظريتان متباينتان. نظرية فيشته التي، بفعل انتظامها الجملي وروحها، لا إمكان فيها لأية فيزياء؛ ونظرية شيلنغ، التي لا إمكان فيها، بالمثل، لأية أخلاق»[19]. وفي كل الأحوال، فإن الفيلسوف الشاب في موقف لا يحسد عليه: أن يختار ويحسم أمره بين 1) أصحاب الأنساق الكبرى - أرسطو، كانط، فيشته، شيلنغ... إلى حد هيغل(!) الذي لا يسميه- من الذين لم يبلغوا فض الإشكال المزمن بين الطبيعة والحرية، بين الفرد والجمع، بين الفيزياء والأخلاق[20]، وهو الذي تبين مبكراً أن فكرة «النسق» نفسها في الفلسفة غير ذات جدوى، وأن الحقيقة تؤخذ بالإنصات للشهود والأطراف المعنية لا بالتجريد والتعميم[21]، ولا بالتسنين الميتافيزيقي الغامض؛ 2) وبين أصحابه من المقربين إليه: إما من أكابر الفلاسفة الذين يقومون منه مقام نفسه -أفلاطون «الإلهي»، سبينوزا «القديس المنبوذ»...- أو من رفاقه المعاصرين له -من الأدباء: فريدريش شليغل (F. Schlegel)، يوهان لودفغ تيك، (J.L. Tieck) نوفاليس (Novalis)، ومن الفلاسفة يعقوبي (Jacobi)...- الذين وجد عندهم ومعهم شكل العشرة والصحبة الذي يسعى إليه: التفلسف المشترك (symphilosophein)، والصداقة، والحوار... أي التفكير على جهة الحديث والإنصات والمحاورة بناءً على نظرية في التفاعل (Wechselwirkung) ذات مدى شمولي هي نظرية في التواصل الكوني وفي التواصل البشري، وفي التناسب بينهما[22]، وعلى نظرية في الخطاب يتبوأ فيها السامع مكانة مهمة[23]، ويُتوجه فيها إلى الفرد كما يُتوجه إلى الكل في «سرد» مطابق في ماهيته للحوار «الذي له مفعول وبائي» (épidémique) كما قال[24]، والذي يختلط فيه السمع بالهزل والظرف (Witz) حتى في أخطر المسائل[25]، ولا يكون فيه «السارد مستبدّاً»[26]؛ أي فارضاً لمنطق خطابه على سامعيه بالقهر، وغير ذلك من الحدوس والشذرات التي تنبئ بفلسفة «متواضعة» (بالمعنى النبيل للعبارة) في التواصل والفهم والانتباه الشديد إلى حضور الغير ولزومه في كل هذه المقامات والأوضاع، تدرك حدودها، وتخاطب المعنيين بالإنصات، على شاكلة المواعظ التي يلقي لها الحاضرون من الرعايا السمع، بصفتهم أفرادا، كما دأب شلايرماخر على ذلك في سيرته الأولى مع الإخوان المورافيين.
هذه السبيل الأولى هي التي نقترح أن نسميها «سبيل الحدس»؛ أعني أن عمل شلايرماخر فيها لاستظهار الكيان الفردي واستحقاقه للوجود وللتدبير، لم يكن بواسطة استدلالية من مذهب أو من مقالة فلسفية، وإنما عمد إلى التأمل في بدايات الفكر بواسطة أوضاع عيانية مباشرة (مستقلة عن التأثيرات الفلسفية ومبنية على قدرته على أن يكون مفكراً بنفسه Selbsdenker) نتطرق إليها تباعاً من خلال ثلاثة أضرب من الحديث: حديث الحياة، حديث النفس، وحديث الجمع.
1) حديث الحياة
فأما «حديث الحياة»، فيمكن لنا أن نعده موضع البدء للنظر في معاني الوجود المفرد في فلسفة شلايرماخر في فترة 1792-1993، حينما حرر نصاً بعنوان: (في قيمة الحياة)[27]، قبل أعوام من صياغة نظرته إلى الدين في كتابه الشهير، ومن انخراطه العلني في الحراك الرومنطيقي المتزامن مع التزاماته اللاهوتية العقائدية. لم يعرف الباحثون هذا النص إلا بما كتب عنه دلتاي من نبذة يسيرة في سيرة الفيلسوف التي نشرها عام 1870[28]، ولم ينتبهوا إليه إلا في دراسات متأخرة[29]. منطلقه الشعور بما هو آية على وحدة النفس البشرية، ورهانه السؤال عن صلة هذا الوجود الذي للنفس بجماع الحياة، وعن نمط الذاتية الذي يفترضه هذا السؤال بماهي «فرد» لا وزن له في الآن الحاضر من سير الزمان، ولذا يتخذ طريق «الاستسلام التقي»، و«السكينة المتعقلة»، في حال من الانفعال السلبي... خطاب الفيلسوف في هذا النص مكتوبٌ بضمير المتكلم لا ليروي سيرة حياة ماضية، إذ لايزال في ريعان الحداثة، وإنما لينطق عن معنى التناهي الذي حدس به مبكراً؛ أي التقيد بما هو أعلى منه والفقر إليه، ومحاسبة النفس، والتحوط من الشكوك، ومراعاة الوجود لأجل الغير، وعدم الرضى بمجرد الوجود، والسعي إلى مصير أعلى، وإقرار وحدة النفس باجتماع ملكتي «المعرفة» و«الشوق» (Erkennen und Begehren) فيها، لا بمفاهيم مجردة (كانط)، ولا بحساب قوى النفس (ابرهارد)، وإنما بسبيل «الشعور» الذي لا تدركه «اللغة المسننة للميتافيزيقا»[30]، والذي هو متقدم على الملكتين المذكورتين، يختلط فيه «الشهوة» و«الغضب» (Lust und Unlust)؛ هو موضع الفرد ودليل الفردانية قبل المعرفة الموضوعية وتشكيلاتها المتعارفة في الوعي المدرك. ولكن الشعور لا يقف عند هذه الدائرة الموحدة الاصلية، بل يتعلق بما يشده إلى «حس الجميل» (Sinn fürs Schöne)؛ وإلى الإقبال على الغير بما فيه من «حس المعاشرة» (Sinn fürs gesellige)، واعتراف بقيمة الجمع في ضرب من الأخلاق العيانية التي عمادها «الصداقة» (Philia)، و«المروءة» (Menschenliebe)، والأفق الإنساني بعامة[31]. ولذلك، اجتمع لشلايرماخر مبكراً ما يعسر أن يجتمع عند غيره: الحس الحديث بفردانية الذات وباستقلالها بذاتها بإزاء الحياة والعالم من جهة، واستعادة منظومة الفضائل العملية لأرسطو من جهة أخرى؛ الأمر الذي تأوله دلتاي على أنه مخالف مخالفة صريحة لموقف كانط، ورأى فيه الخطة الأولى للكتاب الذي سينشر هذه المعاني لجمهور القراء: (أحاديث النفس)[32].
2) حديث النفس
أما المقام الذي نجعله تحت عنوان «حديث النفس»، فيمكن أن نقبل عليه من حيث شئنا: إما باعتبار النص الدال عليه -أي كتاب: (أحاديث النفس) المنشور عام 1800[33]، والذي عرف أربع نشرات في حياة مؤلفه إلى غاية عام 1829- وثيقة شاهدة على تصور الفيلسوف للتجربة الفكرية للذات المفردة التي تحدث ذاتها؛ أي نصّاً مكتفياً بنفسه إلى حدّ مّا، ومنبئ بتحول عن الأغراض السابقة، وهو وثيقة تمثل حلقة من التاريخ الطويل لكتابة الذات والسرد الفلسفي للترجمة الذاتية من أوغسطين إلى مونتاني وصولاً إلى روسو[34]؛ وهو ما نجد له حتماً نظائر كثيرة في التراث الإسلامي من ابن سينا والغزالي والسهروردي إلى ابن باجه وابن طفيل وابن عربي... وإما باعتبار اتصاله بنص قريب منه في الزمان مشاكل له إلى حد كبير؛ هو كتاب (الأحاديث في الدين) المنشور قبله بعام واحد، وهو الرأي الذي يرجحه دلتاي[35] بناء على تصريح شلايرماخر في بعض خطراته: «إن حدس الذات وحدس الكون مفهومان معكوسان؛ لذلك فإن كل تأمل هو لانهائي»[36]؛ وذلك على أساس التكامل بين التجربة الذاتية الأفقية في سياق فلسفي صرف في الكتاب الأول، وبين التجربة العمودية المتعالية للكون في سياق التجربة الدينية كما يبسطها الكتاب الثاني. ولكن الرهان في كليهما هو نفسه: «الفردانية» وكيفيات التعبير عنها؛ ذلك ما يبينه دلتاي بقوله: «إن حدس الذات يستظهر في الفردانية (Individualität) التعبير عن اللامتناهي والمرآة [العاكسة له]. إلا أن حدس الكون سرعان ما يسعي الى تذويب ملامح شخصيتنا في اللامتناهي، وبذلك إلى 'محو الفردانية' (‘die Individualität vernichten’)»؛ ليقتبس بعد ذلك من قول شلايرماخر في يوميات دونها عام 1801 قولا يستفاد منه الأخذ بوحدة هذين المسارين - مسار الفردانية بوصفها «شخصية» (Persönlichkeit)، ومسار «التصوف الحق» الذي سيتبعه الكتاب في الدين[37]. لاشك أن قراءة دلتاي جديرة بالاهتمام -بعد قرن ونصف من نشر (حياة شلايرماخر)- من حيث تجعل القرابة بين النصين منعقدة على أساس منزلة الفردانية في السياقين الفلسفي والديني، على الرغم من الفوارق التي بينهما؛ ولكنا نظن أنه بغض النظر عن التضاد الظاهري على الأقل في المضمون بين العملين، أن كتاب 1800 يستنقذ الذاتية الفردية من التجربة الصوفية للذوبان في اللامتناهي أو في الكون، ليحولها إلى المحور الأفقي للوعي بالذات كمحور أخلاقي في منحى فلسفي مهادن للغة فيشته وبلاغتها الترانسندنتالية[38]. لهذا العمل إذاً الفضل في الإعداد للسياق الأخلاقي الذي هو محور رئيس من محاور الفردانية كما سيظهر قريباً في عمل 1803 الشهير. لذلك ليس من المستغرب أن يصوب النظر في مسألة الفردانية عند شلايرماخر غالب الأحيان على كتاباته الأخلاقية[39] التي يبتدئ بها التئام النسق الفلسفي وتآلف أجزائه وانتظامها؛ في هذا النص المفعم بتجربة اكتشاف أدبية الطابع، وبتلقائية شبيهة بفينومينولوجيا عفوية للوعي بالذات، يقوم فيها الفرد بنفسه تلقاء العالم، يواجه الزمان، ويرتد إلى باطنه آية للألوهية، مستكشفاً في روحه مرعى للحرية والأبدية لا يتناهى: «انبثق هذا الكشف الجليل من باطن نفسي، ولم يكن حاصلاً عن درس من دروس الفضيلة، ولا عن نسق لحكيم من الحكماء؛ هي بارقة فورية توجت أبحاثي المطولة، التي لم يكن ليرضيها شيء: كان ذلك عملاً من أعمال الحرية ذاتها، انحلت به شكوكي (...). أما ما يسميه الناس وعيا، فقد تبدلت عندي طبيعته؛ ولست محتاجا الى مثل هذه التنبيهات. (...) ففي وسط سكينة هادئة، وبساطة مساوية لنفسها دوماً، أجدني أحمل في نفسي، بغير انقطاع، وعي الإنسانية بأسرها»[40]؛ لاشك أن هذا الوعي المباشر بالذات ليس من سنخ الهيئة الترانسندنتالية للأنا (كانط)، قدر كونه من الروح الذي هو فعلٌ (فيشته)، ومن الفعل الذي هو مناط الشعور وعلامة حرية الذوات في عالم صار «جمعاً أبديّاً للأرواح»؛ الأمر الذي يبلغ أقصى تحققه المثالي في صيرورة التشخص التي محلّها الإنسانية، ثم الوعي المفرد، كما وصفها في الفصل الثاني[41]. إن الثمن الذي يتعين بذله للاضطلاع بهذا المنقلب الفلسفي لا يعدو التحلل من وزر النزعة الكلية الأخلاقية، والاستعداد لتفكر الخصوصية التي من شأن الأفراد ضمن أفق أخلاق فعل وذوات فاعلة عيانية في مساق التجربة الفعلية. تتحقق سيرورة التشخص، كما يبين ذلك الفصل المشار إليه [42]، في الإنسانية أولا ثم في الوعي الفردي؛ وذلك بناء على أسبقية الوعي بالذات بالنظر إلى تجربة الغير، وعلى تجربة الحرية التي يتطابق فيها «الوعي الذاتي» و«وعي الإنسانية»، ويتحد فيها «الفعل» «بالتأمل». كل ذلك بناء على حركة أولى تقرر فيها «الانقلاب» إلى النفس -على شاكلة أفلاطونية- أي استيعاب التقابل بين الداخل والخارج في باطن الذات، ثم استظهار هذا الباطن في الإنسانية جمعاء، بوصفها من تجليات الكون المتناهية أو من تحديداته، وبوصفها عنصر التشخص أو التفرد الأقصى: «ذلك هو السبيل الذي يبلغ به الإنسان شيئاً فشيئاً معرفة نفسه: ولو أن الجميع ليسوا بقادرين على بلوغ هذا الهدف أصلاً. - فإن حدث لأحدهم، وقد أنكر العزلة المخزية لحياة شهوانية شبيهة بحياة الأجلاف، أن وجد الوعي العام بالإنسانية، وسجد في حضرة الواجب، لم يمكنه أن يرتفع فوراً إلى طور من النماء العقلي والأخلاقي من رتبة أعلى، ولا أن يتأمل الطبيعة ويفهمها، وهي التي، من حيث استُكملت بالحرية، صارت متحدة بها. فالسواد الأعظم من الناس يتأرجحون في وسط غامض، ويستظهرون الأجزاء الجوهرية من الإنسانية؛ ولكن منهم من لم يدرك ما تكون به خاصة الكيان الفردي، مثل معدن، لم يجد مستقراً ولا مكاناً ليتبلور ويتخذ شكلاً محدداً، فلا يظهر إلا على شاكلة كتلة خشنة»[43]. هذه اللغة الحدسية التي تحتفظ بشيء من «الحلولية» المعممة لكتاب (الأحاديث في الدين)، والتي سرعان ما ستنقلب إلى تهمة ضده، على الرغم من الفوارق بين التجربتين، هي التي يبحث من خلالها شلايرماخر عن القبض على جوهر الفردانية، من بعد ما تبين له أنها ليست من شأن المفهوم، ولا آلياته التجريدية: فتارة تظهر له من خلال «الشعور بالحرية»، ومن خلال «وعي أخلاقي أعلى»[44]، وطوراً من خلال آيات الفردانية في الفعل وعلاقتها بتجليات الطبيعة وحدودها[45]. وفي كل الأحوال، لا تدرك الفردانية إلا بالوسائط والمداورات، والفحص والتجريب، حيث لا يتيسر الإقبال عليها في حقيقتها ولا توجد خالصة إلا قليلاً: «على أن الإنسان إنما يبلغ معرفة تامة بفردانيته بعسر وعلى مدى من الوقت طويل، وهو لا يجرؤ على سبر غورها، ويفضل أن يتجه بنظراته إلى الميدان المشترك للإنسانية، الذي هو جزء منه، منذ زمن طويل بمحبة وعرفان. وهو على الأرجح مرتاب في أمر انفصاله من جديد، من حيث هو كائن فردي، إلى حد معلوم عن الجماعة، وفيما يعمد إليه من المخاطرة، إذ يخلط الإحساسي بالروحاني، بالوقوع مرة أخرى في الحدود السابقة المخزية، المقيدة بدائرة ضيقة من الشخصية الخارجية»[46]. يبقى أنه وراء هذه الطريقة الشبيهة بآداب الاعترافات، التي تمتزج بالأغراض البيوغرافية في تجارب ونصوص شهيرة، ثمة موقف فلسفي ابتدأ يكتسب من المتانة ما يجعله في مستوى التحدي الذي رفعه: صياغة تصور عن الفردانية يتجاوز قصور التصورات الفلسفية السابقة، ويرقى إلى رتبة المبدأ الصوري النوعي، لا الأنتولوجي (يعقوبي)، ولا الكمي (لايبنتس)[47]؛ الذي يتجاوز شكلانية الذات الترانسندنتالية، ويجمعها بالبعد الفردي في كيان واحد، وينخرط بها في مساق ديناميكي من الصيرورة المستمرة، حيث تكشف الذات نفسها فرداً، وتشهد على وجودها في هذه الصيرورة «التي تصير بها دوماً أكثر مما هي عليه»[48].
3) حديث الجمع
لاشك أن شلايرماخر كان مدركاً في هذه السنوات الأولى من إنتاجه الفلسفي لما يمكن أن يفضي إليه تصوره لـلفرد ولـلفردانية من الغلو والإفراط الذي يزيد عن حدود التوازن الهش الذي بلغه في كتاب 1800 بين الفرد والإنسانية، وفي كتاب 1799 بين الفرد والكون من جهة، وبين الفرد والجماعة من جهة ثانية. ولعل «حديث الجمع» الذي نبلغه في هذا الطور الثالث هو الضامن للتحوط من كل إفراط؛ أي من النزعة الفردية (individualisme) التي شاعت في زمانه في أدبيات بعينها، والتي قد تكون تحولت الى تهمة يؤاخذ بها هو نفسه من حيث لم يقصد. فقد حرر شلايرماخر نصّاً يدخل في هذا الباب، ويسد هذه الحاجة عام 1799 في قواعد السلوك المدني وآداب المعاشرات[49]، على عادة عصره في الكتابة في هذا الغرض، مستجيباً إلى مطلبين اثنين: نقد مقالة كنيغه (Knigge) ذائعة الصيت في هذا الخصوص بوصفها وثيقة مرجعية في الآداب والأعراف والمرعيات السائدة[50]؛ وصياغة تصور للسلوك المدني؛ أي للسيرة المناسبة للحياة بمقتضى الجمع - الكيان الجماعي كنظام للتعايش بين الناس- في السياق الرومنطيقي الذي استحدث لهذه المسالة شكلاً طريفاً التمس كل الوسائل الممكنة للتعبير عنه بلفظة جامعة - Geselligkeit - وفك سننه واستنباط دلالته[51]. يشهد هذا النص على أن شلايرماخر ليس المفكر الديني للرومنطيقية فحسب، وإنما هو مفكرها الأخلاقي أيضاً: أخلاق الفرد وأخلاق الجماعة يؤخذان في اتصالهما بالعمل والمراس، لا بشكلانية الأوامر والنواهي؛ أي بفن المعاشرة المدنية، الذي اكتشفه بادئ الأمر لدى مخالطته لرواد الصالونات النسائية لمجتمع الصفوة في الحاضرة البرلينية -بقيادة السيدة هنرييت هرتس (Henriette Herz) زوجة صديق كانط والطبيب الشهير، ودوروتيا مندلسون (Dorothea Mendelssohn) ابنة الفيلسوف اليهودي الشهير وزوجة شليغل[52]- حيث بدأت ملامح تحرر النساء واليهود تظهر، وتشكلت النخبة من المثقفين والفنانين والأطباء وأصحاب الوظائف العليا، والشبيبة من طلبة العلم، واجتمع هؤلاء على المسامرة والحديث؛ وظهرت الحاجة الى شيء من التقعيد النحوي لحسن المعاشرة وفضائلها الشكلية التي تتقوم بها من الرفق والتودد وحسن التقدير، فضلاً عن «تأويلية أخلاقية» (Hermeneutica moralis) كالتي صاغها غ.ف. ماير[53]، وارتبط ذلك كله بنقد الأنثروبولوجيا الفلسفية في بواكيرها الأولى كما وضعها كريستيان غارفه (Chr. Garve) أحد أعلام الفلسفة الشعبية[54]، أو كانط في عمله الشهير تحت عنوان «براغماتي» صريح. أما كنيغه، فإليه يرجع الفضل في تحرير قواعد الحياة الخاصة والجماعية من نواميس البلاط وتعميمها على جميع الفئات والطبقات من الناس في ضرب من تصور «المجال العام» الخاص بالمجتمع الجديد، وهو لا يبعد في بعض ما ينادي به عن دعاوى كانط الأخلاقية -التي بقيت فاعلة في نظريته الأنثربولوجية- في سياق التنوير الألماني (Aufklärung) من ضرورة الاستقلال بالنفس، والتزام قيم الصدق والمروءة والأمانة، والإدانة الشديدة للكذب على النفس وعلى الغير سواء بسواء، واحترام الوقت، والإيفاء بالوعد، وتحري النظام والانضباط بصرامة، وسائر ما يقتضيه الجد في العمل واستحقاق الفضل، واجتناب التظاهر والرياء، وطلب الكمال، والعناية بالمظهر اجتنابا للسخرية، والصمت في مواضع الصمت، والحكم على الناس بما يفعلون لا بما يقولون...[55] والحق أن شلايرماخر لا يشكك في هذه الفضائل العملية، التي ترد عند كنيغه بنحو عشوائي (rhapsodique) دون ضبط نسقي، والتي يجد أصولها عند أرسطو وكانط بمقادير متفاوتة، ولكنه يتناولها من خلال المقابلة بين الفرد والجماعة؛ أي من خلال ضرورة حل توسطي تكسب به آداب المعاشرات متانة فلسفية في سياق ما انشغل به في ذلك الوقت من الكتابة في الدين والابتداء بقراءة أفلاطون وترجمته، وما سماه في رسالة إلى هنرييت هرتس البحث في «فن الحياة الكريمة» (die gute Lebensart)[56] - يقصد بذلك نص 1799 الذي نحن بسبيله، وهي المقابلة عينها بين ما هو أخلاقي وما هو اجتماعي، وما تقتضيه من الجمع والتوحيد. فنراه مثلاً، يتخذ من التعارض التقليدي بين الفرنسيين -الميالين إلى تفضيل القواعد والشكليات المصطنعة بالتواطؤ- والألمان -الذين يفضلون الفطرة والمشاعر الطبيعية والتصرفات العفوية- ليؤلف بين المزاجين؛ فالأصل في الأشياء عنده التوسط، أو اتباع المواضع الوسطى بين مختلف الدوائر التي يتكون منها المجتمع، ووسيلته المفضلة لذلك هي الجمع بين «الروح» و«الحرف» (Geist/Buchstabe) -كثنائية متواترة في السياق الديني بوجه خاص- على مثال «التفاعل المتبادل»[57] الذي يضمن التوازن بين الجماعة وبين الأفراد، حيث لا يمكن أن تتحقق فردانية الأفراد إلا في سياق جمعي، ولا يتحقق للجماعة كيانها إلا بآلية تواصلية كلية، كالشأن في التجربة الدينية (المبنية من جانبها على تجربة الجماعة المورافية) تضمن صلابة الوجود الفردي ولا تستوعبه أو تلغيه، بل لا تقوم السياسة المدنية في المنظور الرومنطيقي إلا على هذا التوازن الصعب[58]. ولعل من أفضال هذا النص غير المكتمل أن شلايرماخر يسعى من خلاله إلى التوسط بين الأشكال القصوى للحياة الجماعية: العائلة التي تقتصر على عدد محدود من الأشخاص؛ والعمل الذي يجمع الأشخاص على غرض مشترك يطلبونه لا غير - إن آداب المعاشرات هي جمع بين الجزئي والكلي، بين الفردي والجماعي، في كيان متشخص عياني لا في بنية مجردة تعلو على مكوناتها. لذلك، أمكن لشلايرماخر صياغة قوانين ثلاثة تنتظم هذا الضرب من الوجود الإنساني: قانون صوري بمقتضاه يكون «التفاعل المتبادل» (Wechselwirkung) أو «الجمع» (Gemeinschaft) هو المتحكم في كل شيء؛ قانون مادي عليه يقوم التواصل الشامل بين الأفكار، وهي الغائية الأخلاقية القصوى للاجتماع التي أنموذجها هو الحوار؛ وقانون كمي يقضي بتقييد المدار العام للكيان الجماعي، حيث لا يقوم مجتمع ما دون التقيد المتبادل الذي يفرضه الأشخاص بعضهم على بعض، بالموازنة بين ما يلقون من حتمية التحديد ومن حرية الاجتماع في الآن نفسه، بما يجعلهم يتطلعون تلقاء الأفق الكلي للإنسانية[59].
من دين العقل إلى ديانة الفرد
«لقد كان كانط (...) يستولي عليه حنق شديد حينما يتم تشبيهه بسبينوزا، فهو يريد أن يُرى (وقد كان يُرى فعلاً) على أنه فيلسوفٌ مسيحيٌّ، شأنه شأن لايبنتس. ومهما بلغ من التقوى، فقد كان من المحال عنده أن يقبل بهذه الفكرة التي مفادها أنه يجوز لنا بل يجب علينا أن نضع الله فوق الأفكار، وأنه يجوز لنا أن نبحث عن الله وأن نجده في عالمنا» (شستوف)[60].
قد تبينا فيما سبق، أن محاولات شلايرماخر الأولى لمقاربة مسألة الفرد والفردانية انخرطت كلها تقريباً في ضرب من الفينومينولوجيا المباشرة للوعي بالذات أو للشعور بالنفس[61]: ولعلها لذلك، ترددت بين أسلوب الترجمة الذاتية في مخاطبة النفس ومناجاتها، وكتابة سيرتها وتقصي عالمها الداخلي، وبين التطلع التدريجي إلى الأفق الإنساني كعالم مأهول بالأنفس والأشياء والطبائع؛ أي بالجمع والكثرة، وكسياق للقاء والتعايش.
أما السبيل الثانية، فهي مرافقة للسابقة ومداخلة لها من حيث ترتيب الأغراض أو من حيث الزمان؛ هي «سبيل المناظرة» (Auseinandersetzung)، كما نقترح أن نسميها، لكونها لا تقف عند التعويل على النفس، في استنطاق التجربة الباطنية وكتابتها، وإنما تعمد إلى قراءة النصوص، قراءة تحددت بها خيارات شلايرماخر الفلسفية منذ وقت مبكر، وضبطت استراتيجية تأويلية استند إليها في الفترة التي سبقت تحرير كتاب (في الدين) مباشرة، وشكلت السداة العميقة التي صنعت منها أفكاره ومواقفه، وصيغت بطريق التعبير والتصريح أحياناً، والإشارة والتعريض أحياناً أخرى. إن هذه القراءات هي التي تشكل منها مفهوم «الفرد» و«الفردانية» في السياق الديني، وشكلت دعامة كتاب 1799، هذا «البيان الديني للرومنطيقية»[62]، أو «هذه الثورة المقدسة»[63] بعبارة أخرى.
1) كانط أم سبينوزا؟ وساطة يعقوبي
لا نشك أن قارئ كتاب (في الدين)[64] يفاجئه، منذ الحديث الثاني، المقطع الذي يرد فيه ذكر اسم سبينوزا ذكراً خاطفاً: «فلتضحوا معي بوقار بخصلة من شعرنا لأرواح القديس المنبوذ سبينوزا ! إن روح العالم (Weltgeist) الأسمى قد كان يتخلل كيانه، وأما اللامتناهي، فقد كان بدؤه ومنتهاه، والكون عشقه الأوحد والأبدي، كانت صورته تنعكس في العالم الأبدي، بشيء من براءة مقدسة وتواضع جم، وكان يرى في نفسه مرآة له هي الأحب إليه؛ كان مغموراً بالدين وبالروح القدس، ولذلك بقي هاهنا وحده، في مقام أعلى لا يبلغه أحد، سيّداً في فنه، متطلعاً من عليائه في حشد من الرعاع، بلا أتباع ولا حقوق مدنية»[65]. هذا الاستطراد المختصر الذي لا يعقبه شرح ولا تعليل لهذا الثناء بحق مؤلف كتاب (الأخلاق) الهولندي المرتاب في أمره دوماً، كان شائعاً في الأوساط الرومنطيقية - عند شليغل ونوفاليس مثلاً[66] - وفي المدرسة المثالية -عند شيلنغ بوجه خاص[67] - ولعله يثبت استقرار مؤلف كتاب 1799 على ما دأب عليه في السنين السابقة من الانكباب على قراءة فيلسوف أمستردام والتعليق عليه في نصوص ترجع كلها على الأرجح إلى عامي 1793-1794: «المذهب السبينوزي»، «العرض المختصر للنسق السبينوزي»، و«في الرسائل ليعقوبي، وفي كتاب المذهب الواقعي الذي لم يتعرض فيه لسبينوزا، وفي فلسفته هو بالأخص»[68]؛ وتكشف مرجعه في قراءة سبينوزا: فريدريش يعقوبي.
اقترنت صورة فريدريش هاينريش يعقوبي (1743-1819) بالتشغيب الذي أحدثه في سياق ما عرف «بالخصومة حول الحلولية» (Pantheismusstreit) طيلة أعوام 1785-1789، حينما لفت انتباه معاصريه، من خلال نشر كتاب له بعنوان: (رسائل إلى السيد موسى مندلسون بخصوص مذهب سبينوزا)[69]، إلى أهمية الفيلسوف الهولندي الذي شكل حضوره في السياق الألماني الحديث لغزاً محيراً[70]؛ وذلك في نطاق الصراع ضد التنوير ونمط العقلانية المشتق منه، ومنافحته عن موقف «حلولي» (panthéiste) و«إيماني» (fidéiste) ضد كانط ومن يدور في فلكه -إبرهارد، راينهولد، مندلسون- حيث ورط الأخير في هذه الخصومة حين كشف أن عقيدة ليسنغ التي شهد بها قبل موته هي عقيدة المؤمنين بإله سبينوزا: En kai pan = «الواحد أو الكل»[71]، وأن مشروع التنوير لإقامة توافق نهائي بين نظام الملة المسيحية، وبين العقل باطل من أساسه، وصرح أن العقلانية مفضية لامحالة إلى «الإلحاد» في شكله السبينوزي... وغير ذلك من التناقضات التي تلاعب بها يعقوبي، داعياً إلى الديانة الحقيقية، التي جوهرها الإيمان لا العقل، وإلى ما تقتضيه من «قفزة قاتلة» (salto mortale)، أو من كشف نوراني باطني، لا من استدلال عقلي وحجاج بغير طائل. الأمر الذي أدى إلى توريط كانط بدوره في هذه الخصومة بعد طول تردد، حيث نشر مقالته الشهيرة عام 1786[72]. إن ما يهم شلايرماخر في هذا التنازع بين «عماليق» عصره هو تحديد موقفه تحديداً دقيقاً من كانط ويعقوبي ومن خلالهما، أو من خلال الخلاف بينهما، تحديد موقفه من التنوير بين الخط «الجذري» (ذي المنحى السبينوزي) والخط «العقلاني» المعتدل (كانط/مندلسون). أما ما يهمنا نحن في هذا المقام، فهو التنبيه على انعكاس هذه «الحدوس» الأولية على بنية الخطاب في كتاب 1799 وقراراته الفلسفية الكبرى، من جهة الخلفية النقدية التي يستند إليها دون أن يسمي أصحابها، ومن جهة مضمونه الفلسفي، ولاسيما مكانة الفرد من التجربة الدينية التي يصفها في «الحديث الثاني» بالأخص، ويربطها بالجماعة وبالتعدد التاريخي في الحديثين الأخيرين.
اعتنى شلايرماخر مبكراً بموقف يعقوبي[73]، وتلقى منه معرفته عن سبينوزا من خلال ما سجله من تلخيص لتعليقاته[74] اعتماداً على كتابي (الرسائل)، المشار إليه، و(ديفيد هيوم)[75]، حيث استفاد منه، فضلاً عن الموقف من كانط والتنوير، القول بنظرية في الوعي المباشر بالوجود، وفي أسبقية الواقعة الأصلية للوحي التي تتقدم على كل استدلال، وكل معرفة، وأن الإنسان لا يقوم بذاته، ولا يستمد العقل ولا النور ولا الإرادة منها -وكأنه يحدس بفكرة «الفقر» أو «الافتقار» إلى المتعالي كصيغة أولية من صيغ مفهوم Abhängigkeit (الاعتماد/الارتهان) الذي أقر به شلايرماخر، والذي سينقده هيغل بشدة[76] - كما اعتقد التنويريون، وإنما هو محتاج إلى مقام يكون شرطاً لذلك كله، وسابقاً على كل علم وكل عمل: مقام «الإيمان»، كيقين مباشر غير محتاج إلى تحقيق، يكون بما سماها «قفزة قاتلة»؛ والذي كان وسيلته لمقارعة نقد كانط، ودعوته إلى الانخراط في المعركة حول الحلولية دونما أي أمل في تنازل ممكن منه، ولبيان وجاهة موقف سبينوزا الميتافيزيقي، أو ما سماه «الفكرة المطلقة» عنده، أي الجوهر بوصفه «الوعي المحض المباشر المطلق في الوجود الكلي»[77]؛ وما يتعلق به من مفهوم «للشعور» (Gefühl): لذلك، فإن فردانية يعقوبي، ذات الطابع الأنتولوجي أو الميتافيزيقي، لا يأخذها شلايرماخر على علاتها: فهو ينكر أولاً مطابقة يعقوبي بين «الشعور بالوجود»، وبين مقالة كانط في «التعقل الترانسندنتالي» (transzendentale Apperzeption) - جوهر نظريته في «الأنا» أو في «الوعي» في كتاب (نقد العقل المحض)، لامتناع الأخذ بجوهرية الأنا عند كانط، وأن تحليل مفهوم «الشخص» و«الشخصية» عند سبينوزا يكشف أن آراء يعقوبي لا تصمد على محك النقد الكانطي للسيكولوجيا العقلانية، حيث لا يستقيم الأخذ بمفهوم «جوهراني» لـلفرد، وأن الأشياء المفردة لا تُتناول من جانب التصورات الوثوقية، سواء أكانت من فلسفة سبينوزا في الجوهر أم من فلسفة لايبنتس في المونادولوجيا[78]؛ وهو في المقام الثاني يستخلص من فلسفة يعقوبي فلسفة في الشعور هي العلاقة المباشرة بالوجود، أو بما يسميه «الواقع»، على جهة متقدمة على المعرفة الموضوعية، أو على جهة «انفعالية» أصلانية سابقة، كما يقول الفينومينولوجيون، على القول الحملي؛ وهو ثالثاً وأخيراً، لا يملك إلا أن يستأثر لنفسه بفكرة يعقوبي عن عدم قيمومة الذات بذاتها وتقيدها بأمر معطى مستقل عنها هو الذي يحدد مكانتها في الوجود بما هو وضع عياني، ليربطها، في الكتابات اللاحقة، بماهية الشعور الديني وبأساس العقيدة.
2) الحدس و«مبدأ التشخص» – الكون والتاريخ
ولكن المسألة لا تقف عند تحديد الموقف من هذه الذاتية «العبقرية» الخارقة ليعقوبي التي لا تفضي إلى أي انتظام عقلاني أو أخلاقي ممكن، وإنما هي تتصل بالأخص بالرهانات الأخلاقية التي تحضر في التجربة الدينية حضوراً لافتاً للنظر: لمثل ذلك تكون المقايسة بين مواقف سبينوزا وكانط[79] أمراً ملحوظاً في النصوص المشار إليها؛ وتكون الفلسفة الترنسدنتالية بوجهيها النظري والعملي وبعلميها الكبيرين -كانط وفيشته- عرضة دائمة لسهام النقد في أعمال شلايرماخر من المقالة المبكرة «في الخير الأسمى» (1789) إلى كتاب 1803: (المعالم الكبرى لنقد نظرية الأخلاق الراهنة)[80]؛ ذلك أن عدم إيلاء الفرد المكانة التي يستحق في الفلسفة الترانسندنتالية أقنع شلايرماخر منذ وقت مبكر بأن الحل الميتافيزيقي لفكرته عن الفردانية ينبغي البحث عنه عند سبينوزا، إذ لا ننسى أن نص التنويه بالفيلسوف الهولندي في كتاب 1799 -المذكور أعلاه- مسبوق بإشارة نقدية إلى ما سماه «المثالية المكتملة والمستديرة» التي هي آية على «غلبة النظر»، (Triumph der Spekulation) وقد صار شأنه مختزلاً شأن العمل في «رتابة بائسة»؛ لا يدرك «الطبيعة اللامتناهية والحية التي رمزها التنوع والتفرد»، ويفقد كل شيء في «التماثل (Gleichförmigkeit) الذي يميز المفهوم الكلي»[81] -والمقصود هو فيشته دون شك الذي لا يخفى عداؤه لسبينوزا (بعد أن اتبعه في فترة شبابه)[82]- حيث يظهر أن عجز المقولات الصورية عن قول المفرد والتعبير عن كيانه قد أثبت لمؤلف كتاب (الأحاديث) بطلان الفلسفة العملية لكانط كما اشتغل عليها في نصوصه الأولى[83]، رغم ميله الظاهر في البدء إليها بالقياس إلى فلسفة لايبنتس (الرسالة إلى برينكمان بتاريخ 3-2-1790)[84]، وتفوق وجهة نظر سبينوزا عليها إن قورنت بموقف لايبنتس أيضاً الذي حاول يعقوبي إقناعه به؛ أي إن المونادة هي التعبير الحقيقي عن ضعف فكرة التشخص/التفرد عند مؤلف كتاب (الأخلاق)[85]. لذلك، فإن كتاب (الأحاديث في الدين)، ولاسيما نواته الصلبة أي الحديث الثاني، يتعين أن يقرأ على قاعدة هذه المناظرة السرية مع سبينوزا، حيث يلزم أن يؤخذ «حدس الكون» -عماد التجربة الدينية- متصلاً بهذه «المصفوفة السبينوزية»[86]، وحيث تكون كل فردانية جزئية تعبيراً عن الكون بأسره أو عن فردانيته، من حيث هو في نشاط دائم، على شبه بميتافيزيقا الجوهر المطلق الذي لا يتناهى عند سبينوزا، وأنه مناط التعبير عن كل شيء، وعلى شاكلة الكوناتوس (conatus) بوصفه شوق المفردات والمتناهيات إلى الوجود، أو هو فعل الله على جهة التناهي، وأخيراً على نحو الوجود الذي للجوهر الواحد بوصفه الضامن لا لفردانيات جزئية مشتتة، وإنما لفردانية ميتافيزيقية شاملة. على أن نص (الأحاديث) لا يستأنف هذه التعاليم السبينوزية حرفياً، حيث يجتنب الوقوع في شبهات الواقعية الحتمية أحياناً، وفي شبهات الحلولية أحياناً أخرى (من تلك التي أثارتها الخصومة الشهيرة ليعقوبي)، بل في مظنة التصوف الذي لا يمتاز فيه شيء عن شيء كما يتهم به بعضهم سبينوزا، وإنما يحتفظ بروحها ويقلبها إلى سياق المسألة الدينية ومقوماتها على درجتين اثنتين:
- أ) التجربة الحدسية للكون - وذلك بتعريف الدين على أنه أخذ «كل أمر مفرد (Einzelne) على أنه جزء من كل، وكل أمر محدود (Beschränkte) على أنه تمثيل للامتناهي»[87]: هذه البنية التناسبية هي المحصل الموضوعي من التجربة «الذاتية» التي وصفها «الحديث الأول» على منوال السيرة التي ينطق بها المتكلم من موقع إنسانيته، ويخاطب بها رفاقه من المثقفين المنكرين للدين[88]؛ وهي كذلك البنية التي تستخلص من تجريد الدين من المواقف والتأويلات الفلسفية: الميتافيزيقا والأخلاق[89]، الفلسفة الترانسندنتالية، المثالية[90] (إرث كانط وفيشته بوجه عام)، وكذلك من سائر الآثار والشواهد المادية الدالة عليه: «الصحف الأولى (Urkunden) للدين»، و«الأنساق والتعليقات والدفاعات -منذ الأشعار الرائعة للإغريق إلى الكتب المقدسة للمسيحيين»[91]، وأحياناً من اجتماع الاثنين: «الكتب المقدسة [التي] لا تنبئ حتماً بغير ميتافيزيقا وأخلاق، وترجع طوعاً في آخر المطاف الى ما كانت قد أنبأت به...»[92]، أو التي لا تعدو أن تكون «ضريحاً للدين، نصباً يشهد أن روحاً عظيماً قد كان ههنا، وأنه لم يعد قائماً»[93]؛ فضلاً عن الاستبعاد المبكر لما سماه «أنساق اللاهوت»[94] وما يتصل بها من مجادلات عند «علماء الرسوم من المتكلمين» (Buchstabentheologen)[95]، وللتأويل الفلسفي للدين بقيوده النسقية، ولاسيما فيما راج من «مسيحية عقلانية»[96]؛ ولكن كل هذه التجريدات لا تجعل الدين قائماً بنفسه بغير أي لاحق يلحقه: فإن «الدين لا يظهر محضاً أبداً» كالأمر في «عالم الأجسام، حيث لا نجد أي مادة أولى بوصفها نتاجاً محضاً للطبيعة»[97]، بل إنما بلوغ هذا الوضع الذي يحدس فيه الدين كما هو لا يكون إلا بضرب من القياس، لا بالتحليل، على ما يكون في «الشؤون الروحية، حيث لا يمكن لكم أن تخلقوا الأصلاني (das Ursprüngliche) إلا بخلق أصلي في أنفسكم، وذلك في اللحظة التي أنشأتموه فيها»[98]... إن استفساح شلايرماخر لهذا الفضاء «الأصلي» وما تبعه من إجراءات تكاد تكون من جنس «الإيبوخيه (épochè) الفينومينولوجي» -الذي يستبعد ويعطل كل الشواهد والعناصر «الخارجية» و«المفارقة» التي تدخل في تشكيل الوعي كما استبعد الميتافيزيقا والأخلاق من قبل[99] - كان قد سبقه في «الحديث الأول» بإقرار الأولية لتجربة خاصة سماها «الضرورة الباطنية» («الرسالة الإلهية التي تحدد مكانتي في الكون، وتجعل مني الكائن الذي أنا إياه»، حسب قوله)[100]، وما يحكمها من أنموذج طبيعي -«الطبيعة الروحية»- بحسب ثنائية القبض والبسط في تفسير سبينوزي صميم لاجتماع الجهد (conatus) والشوق (الرغبة) والموازنة بينهما في تشكيل كيان «الذات الباطنة الخاصة»[101]... الأمر الذي يجعل حضور البعد الفردي في هذا المقام قصوياً إلى أبعد الحدود، أعني مبنياً على اختزال الوسائط أو على الاقتصاد فيها بقدر معلوم: فمن وجه، يكون «كل فرد، وإن ليس له أن يكون غير ما يجب أن يكون عليه، يعرف كل واحد من الآخرين بنفس القدر من الوضوح الذي يعرف به نفسه، ويفهم حق الفهم كافة التمثيلات الجزئية للإنسانية»؛ ومن وجه ثان، يتخصص الفرد بالامتياز والندرة، وهي سمة «أولئك الذين يجدون أنفسهم على الحواف القصوى لهذه السلسلة الكبرى، وهم من الطبائع الشديدة، المنطوية كل الانطواء على أنفسها، الميالة إلى التوحد»[102]: هؤلاء يضطلعون بدور توسطي يربط الألوهية بالناس، وأولئك بدور تواصلي يقتضيه نظام الكون على حالته الأولى، حيث شفافية الفهم، التي لا يشوبها شيء، في «...زمان قالت عنه النبوة الأولى، إنه لا يُحتاج فيه لأحد أن يتعلم، من أجل أن الجميع يلقون تعليمهم من الله»[103]. وفي كل الأحوال لا تفضي هذه الجدلية الطبيعية (المستوحاة من فيزياء الرومنطيقيين) أو هذا التاريخ الطبيعي للدين، إلى مساومة أو تنازل، وإنما تدفع بالأمر إلى الحد الأقصى؛ أي إلى التصوف، إلى «هذا الحس الصوفي والخلاق الذي يفتح كل باطن على وجود خارجي»[104]، إلى «رهبانية عليا»[105]... إن هذه القاعدة الصوفية لا تنفصل عن البنية البلاغية للكتاب التي يتلمسها القارئ من أوله إلى آخره[106] من حيث هي من طرائق إقناع المخاطبين بأن «ماهية [الدين] لا هي في الفكر ولا في العمل، إنما هي في الحدس والشعور»[107]، وأن غرضه «أن يحدس بالمفرد، في تسليم هادئ»[108]، وأنه إن كان «العمل من جنس الفن، والنظر من جنس العلم، [فإن] الدين هو حس وتذوق للامتناهي»[109]؛ أي إنه ينبغي الابتداء بالحدس (Anschauung) الذي «يتعين على كل شيء أن يصدر [منه]»[110]، وأن مناط هذا الحدس هو «الكون» (Universum)، وغير ذلك من التمحلات والتأولات ليس إلا «أساطير باطلة»: فإذا كان «حدس الكون» هو ركن هذا الحديث، فذلك لا يكون إلا بشرط أن نتمثل الحدس كعملية «انفعالية» (بناء على «تأثير المحدوس به على الحادس»)، مساوقة «لفاعلية» الكون ونشاطه وفردانيته، لا للكليات التي تصطنعها الأساطير، وأنها غير راجعة الى تجريدات الأنساق والمفاهيم، ولامتناهية في امتدادها[111]؛ على أنه ليس من جنس مجرد الحدس الحسي (كانط)، ولا العقلي (فيشته - شيلنغ)، بل إنما يؤخذ متصلاً بالشعور، ويخالطه أحياناً إحساس غامض هو أشبه بالتحديس والإنذار (Ahndung)[112]، أو هو أحياناً «حدس مندهش باللامتناهي»[113]... فإذا هو بين طرفين أقصيين: اللاتناهي (Unendlichkeit) الذي يختلف به عن الحدس الميتافيزيقي الذي مناطه «الطبيعة المتناهية للانسان»؛ والفردانية التي تشكل بخصوصيتها مادته أو «ذخيرته» الأنتولوجية، وتجعل الحدس، كالشأن عند الأفلاطونيين والمتصوفة، أشبه بالبارقة والخطفة (Anblick)، التي إنما تبصر بموضوعها على حين غفلة، وتسترق السمع اليه، وترقبه خلسة. أليس هذا الضرب من الحدس معاودة «للعلم الحضوري» (scientia intuitiva) السبينوزي على نطاق كوني أوسع؟ أليس هذا الحدس الذي لا يذكر فيه اسم الله، ويسكت فيه عن «الألوهية والخلود»، مدعاة للتسليم بفكرة كون سديمي، يغمره «عماء سرمدي» (Chaos)[114]؟ يتساءل شلايرماخر: «أليس ذلك، الذي حدسُ هذا الكون له هو حدس الواحد والكل، وإن لم تكن له فكرة عن الله، هو الأحق بالدين من أعلم المشركين؟ أليست مكانة سبينوزا أعلى من روماني تقي، كما هي مكانة لوكرتس من الوثنيين؟»[115].
والحق أن أفق الحدس في هذا «الحديث الثاني» موزع بالقسط بين محورين: المحور الكوسمولوجي الذي يجعل الفردانية سمة وجود للكون، ويستمد منها مبدأ الدين وعلة كيانه؛ والمحور الأنثربولوجي الذي ينعطف نحو «الإنسانية اللامتناهية»[116]، التي تنعكس صورتها في كل فرد، وتتردد بين اقتضاء الوساطة والوسطاء لتستمر ويتصل به الدين، وبين الاستغناء عنها، حتى إن كل فرد هو الإنسانية بعينها: «فأنتم بأعيانكم خلاصة (Compendium) الإنسانية، وشخصيتكم تحيط بمعنى ما بالطبيعة البشرية كلها، التي هي في جميع تجلياتها ليست شيئاً غير أناكم الخاص، المتكثر، المتميز بوضوح، والمؤبد في تبدلاته كلها. إن من وجد الدين عنده سبيل الأوبة إلى نفسه، ولقي اللامتناهي ههنا أيضاً، إنما كمل الدين عنده من هذه الجهة، وهو ليس محتاجاً إلي وسيط من أجل أي حدس بالإنسانية، بل له أن يكون هو عينه وسيطا عند الأكثرين»[117].
- ب) التجربة التاريخية والنبوءة[118]: هاهنا يطرح السؤال: كيف لفلسفة في الحدس أن تتفق مع فلسفة في التاريخ أو في الزمان التاريخي؟ وما مكانة الفرد في سياق الكثرة والتعدد؛ أي في منظومة الأشكال التاريخية والثقافية التي يحمل اللاهوت لواءها وينتظمها فلسفياً القول في الأخلاق؟ قد يكون الموقف الأنسب قلب زاوية النظر السبينوزية التي كنا بسبيلها؛ أعني تحويل وجهة نظر الأبدية (sub specie aeterni)، التي هي موشور كتابة نص (الأخلاق) على المنوال الهندسي المعروف (more geometrico)، إلى وجهة نظر الزمانية والتاريخية: «وأما التاريخ بالمعنى الأخص، فهو الغرض الأسمى للدين، إذ يبتدئ وينتهي معه -ذلك أن النبوءة في نظره هي من التاريخ، وكلاهما لا يمكن فصله عن الآخر- بل إن كل تاريخ حق قد كانت له ابتداءً غاية دينية، حيثما كان وأنه انطلق من أفكار دينية. كذلك تجد الحدوس الأعلى والأسمى للدين مكانها في ميدانه»[119]. وقد سبقت الإشارة إلى أن «كل عمل من أعمال الروح البشري يجوز أن نفحصه ونعرفه من وجهتي نظر اثنتين؛ فإن أخذناه من جهة مركزه بناء على ماهيته الذاتية، وجدنا أنه نتاج للطبيعة البشرية (...)، وإن أخذنا [هذا النتاج] من جهة أطرافه، بحسب طلعته وهيئته المحددتين، اللذين هما له هنا أو هناك، كان حينها محصولا من محصولات الزمان والتاريخ»[120]. فلسفة التاريخ في كتاب 1799 هي من جهة فلسفة في «روح العالم» (Weltgeist) أي في الحياة الكلية للكون الأكبر؛ ومن جهة ثانية هي فلسفة في الحساب والعقاب، في التوبة والتطهر، تدل عليها رمزية «النيميسيس» (Nemesis) -هذه الآلهة الإغريقية «التي توزع القصاص والعقوبات بين المجرمين الذين يجاوزون حدود الآلهة»[121]- وكأن «تاريخ العالم هو يوم حساب العالم» بعبارة شيلر التي التقطها هيغل[122]. في هذا التصور المبكر للتاريخ، نجد جمعاً متواتراً بين البعد الكلي للزمن التاريخي وتصعيده في التجربة الروحية للبشرية بمراقيها ومعارجها نحو الأفق الأعلى للكون وللألوهية، وبين البعد الفردي الذي تمثله وساطة «الأولياء» (heilige Männern)[123]، و«الأنبياء» (Propheten) حيناً[124]، ووساطة «المتنبئين» و«الرائين» (Seher) أحياناً أخرى[125]، وحتى فئة «النابغين» (Virtuosen) في الدين من طبقة الأفذاذ والعارفين[126]، حيث يصير الفرد، مشخصاً في واحد من هذه النماذج أو في غيرها، هو منبع التاريخ، وهو الشاهد عليه، كما هو الشأن في التجربة التي يمثلها دين بعينه وأصحابه من القائمين عليه: «وإني أرجوكم قبل كلّ شيءٍ ألاّ تذهل أبصاركم عن الفرق الذي تتشكل منـه ماهية دين بعينه مادام هـذا الدين صورةً وتمثيلاً للدّين بعامة، وما يميّز وحدته بوصفه مدرسة، ويضمن تماسكه بما هـو كذلك. إن أصحاب الدين هـم تاريخيّون برمتهم: وليس ذلك بـأقل ما يستحقون من المديح، وإنما هـو أيضاً مصدر لمغالط كثيرة. فاللحظة التي يتشبّعون فيها هم أنفسهم بالحدس، الذي يجعلون منه نقطةً مركزيةً لدينهم، هي عندهم مقدسةٌ على الدوام، وهي إنّما تتبدى لهم بوصفها تأثيراً مباشراً من الألوهية، وهم لا يتحدّثون إطلاقاً عما هو خصوصي عندهم في الدين، وعن الشكل الذي اتخذه لديهم، ولا يشيرون إليه أصلاً»[127].
3) الأفلاطونية والتصوف: قوس الصعود وقوس الهبوط
يبقى أن النظرة إلى التاريخ في سياق كتاب 1799 نظرة صوفية أبرز الأمارات عليها تصورها للزمان على شاكلة الماهية، أو المثل الكلي الذي يتحرك به الكون بأسره، وما توليه من مكانة إلى الوسطاء بأصنافهم، ولاسيما إلى الأنبياء منهم، حملة الوحي والقول الثقيل. هي نظرة أفلاطونية صيغت بلمحات وإشارات، وهي صوفية من أجل أنها قامت على استبعاد الأشكال الطبيعية والفنية من الدين كأشكال هي أدنى وجاهة من «الدين الحق» الذي يتطابق فيه الفرد مع الكون تطابقاً حدسياً حضورياً كالشأن في التصوف الشرقي: «أن نجد على طريق الحدس الذاتي الأكثر زهدا الكون؛ ذلك ما كان شأن التصوف الشرقي القديم الذي وصل بجرأة مدهشة، بين اللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر بنحو مباشر، ووجد كل شيء على حافة العدم»[128]؛ وكالشأن في سائر الفضاءات السابقة على التوحيد -مصر ويونان وروما و«الوثنية القديمة» عموماً[129]- المتسامحة مع الكثرة والتعدد، مع حديث الأساطير وحكايات الآلهة والأرباب، ومع الأنموذج الأعلى لهذا «الشرك» (Polytheismus) «أفلاطون الإلهي» الذي رفع «التصوف الأقدس إلى ذروة سنام الألوهية والإنسانية»[130]. يكرر شلايرماخر في نهاية «الحديث الثالث» ما كان قد نطق به في بداية «الحديث الثاني» من تحية إجلال إلى سبينوزا: «فلتسمحوا لي أن أشكر للآلهة المجهولة عندي على ما أحاطته به، هو ودينه، من الرعاية بكل حرص وتفان. وإنه ليدهشني أجمل نسيان للذات في كل ما تنطق به الحمية المقدسة على لسانه ضدها، شأنه شأن ملك عادل لا يخشى شيئاً ولو كان ذلك في أمه وقلبها العطوف [إن تكلمت في الفن بما يخالفه]...»[131] إن نقد الدين الطبيعي، وكذا نقد «الدين الفني» (Kunstreligion) يتماشى والفكرة الأولى القائلة إن ديناً على مقاس الفلسفة أمر باطل أصلاً، بل إن «فلسفة للدين» بحصر المعنى لا مساغ لها ولا وجود[132] اللهم إلا ما كان من إدراجها تحت منظومة المعارف التي يضبطها (علم الأخلاق) على شاكلة فلسفة في الثقافة أو في التاريخ، حيث تتمثل في «العرض النقدي للأشكال التاريخية التي يظهر من خلالها الدين في الطبيعة البشرية؛ فهي ليست تاريخاً، من أجل أن غرضها ليس سرد وجود مختلف الأديان، وإنما أن تصوب النظر إلى الكيفية التي يجسد بها كل واحد منها، كل على طريقته، ماهية كل دين، بل وأن تحكم على دين ما إن كان يستحق اسمه أم لا»[133].
على أن الرهان الأقصى، إنما هو الموافقة بين هذه الأفلاطونية التي لا تستبقي من الزمن التاريخي غير ما يبقى في النفس من آثار وظلال، غير زمانية مثالية لا سبيل لها لتفكر الحدث إلا بطريق المعجزة[134]، وبين الواقع التاريخي الفعلي للدين، على نحو التعدد والكثرة في الأديان الوضعية أولاً، وفي الكنائس ضمن الدين المسيحي ثانياً. ولقد تدبر شلايرماخر هذه التاريخية الجذرية للظاهرة الدينية على النحو «المثالي» الذي لا تزال ذكراه فاعلة في نفسه؛ نعني ذكرى «روح الجماعة» (Geselligkeit) في حياته السابقة مع المورافيين التي يذوب فيها الفرد في ضرب مدهش من انتظام الهيئات الرهبانية، ومن المناخ التواصلي الروحاني، الذي تغمره إيقاعات التراتيل والأصوات و«الموسيقى المقدسة»، وتسترجع به روح الشعور الديني الحي: «بهذا النحو ينتظم تواصل متبادل، وبه أيضاً يكون الحديث والإنصات لازمين لكل أحد. ولكن التواصل الديني لا ينبغي البحث عنه في الكتب، مثلما يمكن أن يكون الحال مع سائر المفاهيم والمعارف»[135]. وكأننا نرجع الى ما ابتدأنا به من أحاديث الحياة والنفس والجمع في النصوص الأولى، وما انقلبت إليه في التجربة الدينية بحركاتها النموذجية الأفلاطونية بين قوسين اثنين[136]: «قوس الصعود» (transascendance) الذي ينطلق من الحدس الفردي للكون، ليبلغ قيام الجمع في هيئات ذات انتظام روحي شديد الضبط والإحكام؛ و«قوس الهبوط» (transdescendance) الذي يبتدئ من هيئات هذا الانتظام الجماعي إلى التشكل التاريخي للمؤسسة الكنسية الذي تمثل «الأديان» الوضعية آية عليه لا سبيل إلى نكرانها بأي وجه. إن هاتين الحركتين الفينومينولوجيتين، من حيث ترددهما بين النفس كمركز لحدس الكون الأكبر والآفاق كدلائل على فعل الزمان في الأنفس بالتكثر والاختلاف والانشقاق والتشيع، هما خلاصة الديناميكية الخاصة بكتاب 1799 التي تتأكد لنا في ختام هذه القراءة كمساهمة كبرى في تأسيس فينومينولوجيا الدين من حيث لم تقصد، بما تيسر لها من شرائط كل فينومينولوجيا ممكنة: الحدس، والاستحضار، والشهادة على الوجود، والعيان بالتئام العناصر والأشياء بعد طول افتراق، والاجتماع والتواصل والوحدة، واستدارة الزمان كيوم خلق الله الأرض ومن عليها.
[1]- « Das Anfang aus der Mitte ist unvermeidlich. » Schleiermacher, Dialektik, Kritische gesamtausgabe (=KGA) II/10, 1, § 62, p. 186
[2]- W. Dilthey, « Das Problem der Religion (1911) », in Die geistige Welt. Gesammelte Schriften V, 1927, pp. 288-305 (=GS) ; « Le problème de la religion », in Le monde de l’esprit I, tr. M. Remy, Paris, Aubier, 1947, pp. 290-307
[3]- R. Crouter, « Hegel and Schleiermacher at Berlin : A Many-Sided Debate », Journal of the American Academy of Religion, Vol. 48, No. 1 (Mar. 1980), pp. 19-43 ; repr. in Schleiermacher Between Enlightenment and Romanticism, Cambridge: Cambridge UP, Chap. 3, pp. 70ff.
[4]- في قراءة ديلتاي لعمدة أعمال هوسرل، وتأثره به منذ صدوره، راجع عملنا: معرفة المعروف. تحولات التأويلية من شلايرماخر إلى ديلتاي، بيروت-الرباط، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، 2017، ص 221-227
[5]- K.E. Randell, Philosophy of Religion: A Contemporary Introduction, London, Routledge, 1999, pp. 215-235
[6]- J. D. Dadosky, The Structure of religious Knowing. Encountering the Sacred in Eliade and Lorengan, Albany, SUNY Press, 2004, pp. 3-16.
[7]- انظر: جوزيف سايفرت، الله كبرهان على وجود الله: إعادة تأسيس فينومينولوجي للبرهان الأنطولوجي، ترجمة حميد لشهب، الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 2001
[8]- جان غرايش، الكوجيتو التأويلي: التأويلية الفلسفية والإرث الديكارتي، ترجمة فتحي إنقزّو، بيروت– الرباط، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، 2020، ص 142
[9]- KGA, V/7, p. 158, in : A. Arndt, Friedrich Schleiermacher als Philosoph, Berlin-Boston, W. de Gruyter, 2013, p. 3
[10]- F. Schleiermacher, Grundlinien einer Kritik der bisherigen Sittenlehre (1803), KGA I/4: Schriften aus der Stolper Zeit (1802-1804), 2002, 1-358
[11]- في وحدة هذه الدوائر الثلاث: التأويلية والأخلاق والجدلية، راجع:
C. Berner, La philosophie de Schleiermacher: Herméneutique, dialectique, éthique, Paris, Cerf, 1995
[12]- J. Greisch, Du « non autre » au « tout autre ». Dieu et l’absolu dans les théologies philosophiques de la modernité, Paris, PUF, 2012, p. 251
أما عبارة تيليات فيقتبسها غرايش في الموضع المشار إليه من كتابه حول شيلنغ:
X. Tilliette, l’Absolu et la philosophie. Essai sur Schelling, Paris, PUF, 1987, p. 23
[13]- KGA I/1, pp. 1-80, 165-172 ; D. Thouard, Schleiermacher: Communauté, individualité, communication, Paris, Vrin, 2007, pp. 37-47
[14]- KGA, I/1, pp. 127-134; D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., pp. 47-52
[15]- إيمانويل كانط، الأنثروبولوجيا من وجهة نظر براغماتية، ترجمة فتحي إنقزو، الكويت، صوفيا، 2021
[16]- حرر شلايرماخر مراجعة لهذا الكتاب في دورية الأثينيوم التي أسسها الأخوان شليغل:
F. Schleiermacher, « Anthropologie v. Immanuel Kant. Königsb. 98. », Athenaeum, II (1799), pp. 300-306 ; KGA I/4, pp. 27ff.
[17]- F. Schleiermacher, « Choix de fragments sur la critique et l’herméneutique (1796-1803) », in D. Thouard (ed.), Critique et herméneutique dans le premier romantisme allemand, PU du Septentrion, 1996, p. 285 (N. 205).
[18]- Ibid., p. 284 (N. 64).
[19]- Ibid., p. 284-285 (N. 149).
[20]- وهو عين الإشكال الذي سيخصص له مختلف محاولاته لصياغة الجدلية منذ 1811. بخصوص مكانة الجدلية ومحاورها العامة، راجع:
F. Schleiermacher, Dialectique, tr. Chr. Berner & D. Thouard, Paris, Cerf, 1997, pp. 7-30 ; Chr. Berner, La philosophie de Schleiermacher, pp. 83-177
[21]- ولكنه سيتراجع عن هذا الموقف إلى حد ما ابتداء من صياغة النظرية الأخلاقية في كتاب 1803: المعالم الكبرى لنقد نظرية الأخلاق الراهنة، حيث يتحدث في الباب الثالث عن «فكرة النسق» من حيث هي مطابقة «لمقتضى العقل»؛ راجع حول موقفه الأول – الموافق لموقف رفيقه شليغل وللرومنطيقيين بوجه عام – رسالة شلايرماخر الى والده بتاريخ 23-12-1789:
KGA V/1, Briefwechsel 1774-1796, p. 183
[22]- Critique et herméneutique, op. cit., p. 282 (N. 146).
[23]- Ibidem. (N. 147).
[24]- Ibidem. (N. 150).
[25]- Ibidem. (N. 158).
[26]- Ibidem. (163).
[27]- F. Schleiermacher, « Über den Wert des Lebens (1792-93) », KGA I/1, pp. 391-471
[28]- W. Dilthey, Leben Schleiermachers (1870), GS XIII, M. Redeker (ed.), 1966, pp. 142-144. 551ff.
[29]- D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., pp. 79-84
[30]- KGA I/1, p. 410 (« Chiffersprache der Metaphysik »).
[31]- Ibid., p. 416
[32]- W. Dilthey, GS XIII, p. 144
[33]- F. Schleiermacher, Monologen. Eine Neujahrsgabe (Berlin: 1800), KGA I/3 ; Monologues, tr. L. Segond, Genève & Bale, H. Georg, 1837 ; Schleiermacher’s Soliloquies, tr. H.L. Friess, Open Court Publishing, 1926 ; Wipf and Stock Publishers, 2002
[34]- في الخلفية الدينية لكتابة الذات وللسيرة الذاتية عند الأعلام المذكورين بشكل خاص، راجع تحليلات هانز روبرت ياوس في كتابه:
H. R. Jauss, Aesthetic Experience and Literary Hermeneutics, tr. M. Schaw, University of Minnesuta, 1982, pp. 142-151
[35]- W. Dilthey, GS XIII, pp. 330-332
[36]- « Selbsanschauung und Anschauung des Universums sind Wechselbegriffe ; darum ist jede Reflexion unendlich. » Gedanken III, 34, KGA I/2, 127 ; Dilthey, GS XIII, p. 330 ; Thouard, Schleiermacher, op. cit., p. 110, n.2
[37]- Dilthey, GS XIII, p. 330
[38]- ولذلك، يمكن أن يقرأ كتاب 1800 بوصفه نظيراً موازياً لكتاب فيشته: غاية الإنسان الصادر في العام نفسه (Die Bestimmung des Menschen, 1800)؛ اُنظر: فيشته وغاية الإنسان، ترجمة فوقية حسين محمود، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية (د.ت.).
[39]- R. Stadler, « Aspects du principe d’individuation chez Schleiermacher », Archives de Philosophie, T. 32 (1969), pp. 91-112 ; F.C. Beiser, « Schleiermacher’s Ethik », in J. Mariña (ed.), The Cambridge Companion to Friedrich Schleiermacher, pp. 53ff. ; D. Thouard, « L’éthique de l’individualité chez Schleiermacher », Archives de Philosophie, T. 77, 2 (2014), pp. 281-299 ; Chr. Berner, Schleiermacher, op. cit., pp. 179-265
[40]- Monologues, p. 48
[41]- Ibid., pp. 51 ff.
[42]- Ibid., pp. 43-79
[43]- Ibid., pp. 50-51
[44]- Ibid., p. 51
[45]- Ibid., pp. 52-53
[46]- Ibid., p. 53
[47]- D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., pp. 151-153
[48]- Monologues, op. cit.
[49]- F. Schleiermacher, Versuch einer Theorie des geselligen Betragens, in KGA I/2, pp. 165-184
[50]- البارون أدولف فون كنيغه (1752-1796): وضع مصنفها عنوانه: في معاشرة الناس (1788):
A.von Knigge, Vom Umgang mit den Menschen, G. Ueding (ed.), Fankfurt, Insel, 1977
[51]- Th. Neumann (ed.), Quellen zur Geschichte Thüringens: Geselliges Leben, Thüringen, 2004
[52]- بخصوص دور الصالونات والمجالس في تكوين مناخ اجتماعي جديد في ألمانيا، راجع:
P. Seibert (ed.), Der Literarische Salon, J.B. Metzler, 1993
[53]- G. F. Meyer, Versuch einer allgemeinen Auslegungskunst (1757), A. Bühler & L.C. Madonna (eds.), Hamburg, Meiner, 1996, § 253
راجع: جان غرايش، الكوجيتو التأويلي، مرجع مذكور، ص 139 وما يليها.
[54]- Chr. Garve, « Über das bürgerliche Air », in Versuche über verschiedene Gegenstände aus der Moral, der Literatur und dem gesellschaftlichen Leben, 3 Vol., Breslau, W.G. Korn, 1792-1797 ; D. Thouard, « Avec condescendance: Philosophie populaire et tradition rhétorique (J. A. Ernesti et Chr. Garve) », in Ph. Beck & D. Thouard (eds.), Popularité de la philosophie, Paris, ENS Editions, 1995, pp. 95-123
[55]- D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., pp. 61-62
[56]- KGA V/3, p. 10, in A. Arndt, Friedrich Schleiermacher als Philosoph, Berlin-Boston: W. de Gruyter, 2013, p. 53
[57]- F. Schleiermacher, « Choix de fragments », in Critique et herméneutique, op. cit., p. 282 (N. 146).
[58]- حول التصورات السياسية لشلايرماخر:
F. Schleiermacher, Conférences sur l’éthique, la politique et l’esthétique (1814-1833), tr. J.M. Tétaz, Labor & Fides, 2011
[59]- بخصوص جملة المعاني التي انشغل بها هذا النص، راجع:
A. Arndt, Friedrich Schleiermacher als Philosoph, op. cit., pp. 51-63 ; M. Ohst (ed.), Schleiermacher Handbuch, Tübingen, Mohr Siebeck, 2017, pp. 87ff. ; D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., pp. 53-74 ; W.H. Pleger, Schleiermachers Philosophie, Berlin-New Yorck, W. de Gruyter, 1988, pp. 57-66 ; M. R. Robinson, Redeeming Relationschip, Relationschips that Redeem: Free Sociability and the Completion of Humanity in the Thought of Friedrich Schleiermacher, Tübingen, Mohr Siebeck, 2018, pp. 51 ff.
[60]- L. Chestov, Athènes et Jérusalem: Un essai de philosophie religieuse, [1938] trad. B. de Schloezer, Paris, Aubier, 1993, p. 25
[61]- راجع بخصوص هذه «الفينومينولوجيا» في نصوص شلايرماخر:
R. R. Williams, « Immediacy and Determinacy in Schleiermacher’s Phenomenology of Self-Consciousness », in Selge (ed.), Internationaler Schleiermacher-Kongress 1984, Berlin, W. de Gruyter, 1985, pp. 211-221
[62]- جورج غوسدورف، أصول التأويلية، بيروت – الرباط، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، 2018، ص 481
[63]- K. Nowak, Schleiermacher und die Frühromantik, Weimar, Böhlau, 1986, p. 207-209
[64]- F.D.E. Schleiermacher, Über die Religion: Reden an die Gebildeten unter ihren Verächtern, Berlin, Unger, 1799
شلايرماخر، في الدين: أحاديث إلى المثقفين من بين منكريه، ترجمة وتقديم فتحي إنقزّو، الكويت، صوفيا، 2021
[65]- في الدين، ص ص 150-151
[66]- F. Schlegel, Gespräch über die Poesie (1800), Entretien sur la poésie, in Ph. Lacoue-Labarthe & J. L. Nancy (eds.), L’absolu littéraire, Paris, Seuil, 1978, pp. 289-340 ; Novalis, Encyclopédie, tr. M. de Gandillac, Paris, Minuit, 1966, passim.
[67]- T. Pincard, German Philosophy 1760-1860: the Legacy of Idealism, Cambridge, Cambridge UP, 2002, pp. 172-173
[68]- F. Schleiermacher, « Spinozismus (Vermutlich 1793/94) », « Kurze Darstellung des Spinozistischen Systems (Vermutlich 1793/94) », « Über dasjenige in Jacobis Briefen und Realismus, was den Spinoza nicht betrifft, und besonders über seine eigene Philosophie (Vermutlich 1793/94) », KGA I/1, pp. 511-558, 559-582, 583-597
بخصوص العلاقة بين شلايرماخر وسبينوزا في الأعمال الأولى بوجه خاص:
J.-A. Lamm, « Schleiermacher’s Post-kantian Spinozism: The early Essays on Spinoza, 1793-94”, The Journal of Religion, Vol. 74, N° 4 (October 1994), pp. 476-505; Id. Living God: The Schleiermacher’s Theological Appropriation of Spinoza, Penn State UP, 1996; G. Meckenstock, Deterministische Ethik und kritische Theologie. Die Auseinandersetzung des frühen Schleiermacher mit Kant und Spinoza (1789-1794), Berlin, W. de Gruyter, 1988; J. Mariña, The Transformation of the Self in the Thought of Friedrich Schleiermacher, Oxford, Oxford UP, 2008, pp.44-75, 76-108
[69]- F. Jacobi, Briefen an den Herrn Moses Mendelssohn ; Concerning the Doctrine of Spinoza in Letters to Herr Moses Mendelssohn, in G. di Giovanni (ed.), The main Philosophical Writings and the Novel Allwill – Friedrich Heinrich Jacobi, Mc-Gill-Queen’s UP, 1994, pp. 173-251
[70]- حول حضور سبينوزا وتقبله في الفلسفة الألمانية الحديثة:
D. Bell, Spinoza in Germany from 1670 to the Age of Goethe, London, 1984 ; S. Zac, Spinoza en Allemagne, Paris, Klinsieck, 1989 ; J. M. Vaysse, Totalité et subjectivité. Spinoza dans l’idéalisme allemand, Paris, Vrin, 1994 ; A. Tozel, P.-F. Moreau & J. Salem (eds.), Spinoza au XIX° siècle, Paris, Publications de la Sorbonne, 2007 ; E. Förster & Y. Y. Melamed (eds.), Spinoza and German Idealism, Cambridge: Cambridge UP, 2012.
[71]- حول دلالة السبينوزية في خلفية هذه الخصومة وحيثياتها التاريخية والفلسفية:
P.H. Tavoillot, Le crépuscule des Lumières: Les documents de la « querelle du panthéisme » (1780-1789), Paris, Cerf, 1995 ; F. Beiser, The Fate of Reason. German Philosophy from Kant to Fichte, Harvard UP, 1987 ; O. Boehm, Kant’s Critique of Spinoza, Oxford, Oxford UP, 2014, pp. 190-235
[72]- E. Kant, « Was heiβt: sich im Denken orientiren ? », AK VIII, pp. 133-147 = Qu’est-ce que s’orienter dans la pensée ?, Paris, Gallimard-La Pléiade, 1985, Vol.II, pp.521-545.
[73] راجع مثلاً الرسالة بتاريخ 14-8-1787: KGA V/1, 87
[74]- P.H. Tavoillot, Le crépuscule des Lumières, op. cit., pp. 99-111
[75]- H. Jacobi, David Hume, tr. L. Guillermit, in Le réalisme de Jacobi, Aix-en-Province, Presses Universitaires, 1982 ; rééd. David Hume et la croyance. Idéalisme et réalisme, Paris, Vrin, 2000 ; David Hume on Faith, or Idealism and Realism. A Dialogue, in G. di Giovanni (ed.), The main Philosophical Writings, op. cit., pp. 537ff.
[76]- نجد صياغة نسقية لهذا المفهوم في كتاب تعاليم العقيدة (Glaubenslehre)؛ وأما في فصوص الحكم للشيخ الأكبر («فص حكمة نورية في كلمة يوسفية»)، فتوجد صياغة واضحة لما يقرب من هذا المعنى: «فما أوجد الحق الظلال وجعلها ساجدة متفيئة عن اليمين والشمال إلا دلائل لك عليك وعليه، لتعرف من أنت وما نسبتك إليه حتى تعلم من أين أو من أي حقيقة إلهية اتصف ما سوى الله بالفقر الكلي إلى الله، وبالفقر النسبي بافتقار بعضه إلى بعض، وحتى تعلم من أين أو من أي حقيقة اتصف الحق بالغناء عن الناس والغناء عن العالمين، واتصف العالم بالغناء أي بغناء بعضه عن بعض من وجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به، فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقاراً ذاتياً». ابن عربي، فصوص الحكم، تحقيق أبو العلا عفيفي، بيروت، دار الكتاب العربي، ص 105. راجع في هذا المعنى:
J. Greisch, « L’intuition de l’univers et le ‘sentiment d’absolue dépendance’ », in Le buisson ardent et les lumières de la raison: L’invention de la philosophie de la religion, T. 1 Héritages et héritiers du XIX° siècle, Paris, Cerf, 2002, pp. 73-119.
[77]- D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., pp. 87-89
[78]- لا يتسع المقام لتحليل قراءة لايبنتس، التي نعلم أن شلايرماخر خصص له نصا عامي 1797-1798:
J. Mariña, The Transformation of the Self, op. cit., pp. 109ff.
[79]- لتفصيل القول في العلاقة بين كانط وسبينوزا، يكفي أن نحيل القارئ على دراسة: أشرف منصور، سبينوزا ونقد العقل الخالص، القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2013؛ وعلى كتاب Boehm المشار إليه أعلاه؛ وكذلك أيضاً:
B. Lord, Kant and Spinozism, Palgrave, 2011, pp. 20-55
[80]- J. Mariña, « Individuality and Subjectivity in the Ethics of Kant and Schleiermacher », in I. Dalferth (ed.), The Unique, the Singular, and the Individual: The debate about the Non-Comparable, Tübingen, Mohr Siebeck.
[81]- في الدين، ص 150
[82]- Spinoza and German Idealism, op. cit., pp. 100-120 ; 121-135 ; R. Lauth, « Spinoza vu par Fichte », Archives de Philosophie, Vol. 41, No. 1 (1978), pp. 27-48 ; K. Hammacher, « Spinoza et Fichte », in A. Tozel, P.-F. Moreau & J. Salem (eds.), Spinoza au XIX° siècle, Paris, Pub. de la Sorbonne, pp. 87-98
[83]- J. Mariña, « Schleiermacher on the Philosopher’s Stone: The Shaping of Schleiermacher’s Early Ethics by the Kantian Legacy », The Journal of Religion, Vol. 79, No. 2 (Apr. 1999), pp. 193-215 ; rep. in The Transformation of the Self, pp. 16-42
[84]- KGA V/1, p. 191
[85]- «لا أظن أن لايبنتس يصلح أكثر من سبينوزا فيما يخص مبدأ التشخص (principium individui» (KGA I/1, p. 547)
[86]- D. Thouard, « L’éthique de l’individualité chez Schleiermacher », pp.284, 286
[87]- في الدين، ص 151
[88]- «فإني أحدثكم بصفتي إنساناً عن الأسرار المقدسة للإنسانية بحسب نظري، وعمّا كان يعتمل نفسي حينما كنت أسعى في طلب المجهول بحماسة (Schwärmerei) الشباب؛ وعما هو، منذ أيقنت أني أفكر وأحيا، الدافع الأعمق لوجودي، والذي سيبقى أبد الدّهر عندي هو الأسمى، أيّا كان ما تفعله بي تصاريف الدهر والناس. أن أتحدث إليكم، فليس ذلك بصادر عن قرار عقلي، ولا عن أمل أو وجل، بل لا يحدث استجابة إلى نية سابقة، ولا هو أثرٌ لعلّة تحكّمية أو عارضة: إنّما الضّرورة الباطنية التي لا أملك أن أردها لطبعي هي التي تدفعني، هي رسالة إلهية، وهي التي تحدد مكانتي في الكون وتجعل مني الكائن الذي أنا إياه». في الدين، ص 115-116
[89]- المرجع المذكور، ص 141-147؛ اُنظر أيضاً: ص 135-137
[90]- المرجع المذكور، ص ص 119-120
[91]- المرجع المذكور، ص 145
[92]- المرجع المذكور، ص 146
[93]- المرجع المذكور، ص 195
[94]- المرجع المذكور، ص 131
[95]- المرجع المذكور، ص 133
[96]- المرجع المذكور، ص 130؛ اُنظر: ص ص 156-157
[97]- المرجع المذكور، ص 146
[98]- المرجع المذكور، الصفحة نفسها.
[99]- يرجع الفضل في هذا التأويل إلى هايدغر الذي وجد في نص شلايرماخر بذرة لممارسة «الرد الفينومينولوجي» (الإيبوخيه)، واعتبره أول وثيقة في فينومينولوجيا الدين من نوعها. راجع في ذلك وفي القراءة الفينومينولوجية لشلايرماخر بوجه عام:
S. Camilleri, Phénoménologie de la religion et herméneutique théologique dans la pensée du jeune Heidegger, Springer 2008, pp. 321-342 ; M. D. Ryan, « Young F. Schleiermacher’s Act of Religious Identification. His Phenomenology of Finite Spirit », in: Papers of Schleiermacher-Seminar: American Academy of Religion, Fair Field, 1988, pp. 1-22
[100]- في الدين، ص 116
[101]- المرجع المذكور، ص 117
[102]- المرجع المذكور، ص 118
[103]- المرجع المذكور، ص 121
[104]- المرجع المذكور، ص 120
[105]- المرجع المذكور، ص 121؛ قال في هذا المعنى أيضاً: «ولذلك، فإن من يكون صاحب دين هو منطو على نفسه لامحالة بصحبه حسّه، مشغولٌ بالحدس الذي له بنفسه، زاهدٌ إلى هذا الحدّ في كلّ ما هو برّاني، فكريّاً كان أم فيزيائيّاً، تاركاً إيّاه إلى العقلاء، بوصفه الغرض الأكبر لمباحثهم؛ ذلك أنّه بفضل القانون عينه، فإنّ أولئك الذين يبعُد بهم طبعهم كلّ البعد عمّا يراه أعداء الكون مركزاً، هم الذين يجدون بأيسر السّبل معبراً نحو اللاّمتناهي. من هنا جاء، منذ زمان بعيد، أنّ الأفئدة التي تهوي إلى الدّين حقّاً، إنّما تمتاز بمسحة صوفيّة، وأنّ كلّ الطّبائع المتعلّقة بالخوارق، التي لا تنشغل بالوقائع ذات الصّلة بالشّؤون الدّنيويّة، تعتريها نوباتُ اضطراب في الدّين: تلك هي سمة كافّة الظّواهر الدّينيّة في عصرنا، وذانك هما اللّونان اللذان تكوّنت منهما دوماً، وإن كان ذلك بأكثر الأخلاط تنوّعاً». المرجع المذكور، ص ص 218-219؛ بخصوص حضور البعد الصوفي ودلالاته عند شلايرماخر، راجع: كذلك الإشارة إلى أفلاطون وإلى «التصوف الشرقي القديم» (ص 226)، والرسالة إلى كارل غوستاف فون برينكمان بتاريخ 19-7-1800 (KGA V/4, pp. 169f.) بخصوص هذه المسألة ومصادرها عند شلايرماخر:
W. Dilthey, « Das Problem der Religion », GS V, 292-302 ; tr. 294-304 ; Chr. Helmer, « Mysticism and Metaphysics: Schleiermacher and a Historical-theological Trajectory », The Journal of Religion, Vol. 83, No. 4 (Oct. 2003), pp. 517-538 ; A. Arndt, Friedrich Schleiermacher als philosoph, op. cit., pp. 64-75
[106]- المرجع المذكور، ص ص 147-148
D. Thouard, Schleiermacher, op. cit., p. 236-260
[107]- المرجع المذكور، ص 147
[108]- المرجع المذكور، ص 148
[109]- المرجع المذكور، ص 149
[110]- المرجع المذكور، ص 150
[111]- المرجع المذكور، ص 151-155
[112]- المرجع المذكور، ص 163-164
[113]- المرجع المذكور، ص 131
[114]- المرجع المذكور، ص 154
[115]- المرجع المذكور، ص 199
[116]- المرجع المذكور، ص 174
[117]- المرجع المذكور، ص 180
P. Demange, L’essence de la religion selon Schleiermacher, Paris, Beauchesne, 1991, pp. 46-54
[118]- بخصوص البعد التاريخي في فلسفة الدين عند شلايرماخر:
T. E. Reynolds, « Religion within the Limits of History: Schleiermacher and Religion – A Reappraisal », Religion, Vol. 32, No. 1 (Jan. 2002), pp. 51-70 ; P. Demange, L’essence de la religion selon Schleiermacher, pp. 175ff ; K. Nowak, « Geschichte – der höchste Gegenstand der Religion. Schleiermachers Beitrag zur Historik in den Reden ‘Über die Religion’ (1799) », Theologische Literaturzeitung, 124 (1999), p. 583-596
[119]- في الدين، ص 181
[120]- المرجع المذكور، ص 128
[121]- المرجع المذكور، ص 182
[122]- عبارة: « Weltgeschichte ist Weltgericht » وردت في بيت من قصيد Resignation لشيلر (Schiller) واقتبسها هيغل في: الدروس في الحق الطبيعي والعلم المدني (هايدلبرغ 1817-1818)؛ وفي نهاية كتاب فلسفة الحق (1821).
[123]- في الدين، ص 179
[124]- المرجع المذكور، ص 193، 195
[125]- المرجع المذكور، ص 181
[126]- المرجع المذكور، ص ص 188-189
[127]- المرجع المذكور، ص ص 303-304. الابتداء الحقيقي للتأمل في فلسفة التاريخ عند شلايرماخر متصل بالكتابات الأخلاقية بعد نص 1803 وفي سائر الدروس والمنشورات وخاصة انطلاقاً من المسودة في الأخلاق (1805-1806). وأما بخصوص المطابقة بين الفردانية وبين التاريخ، فيمكن أن يراجع القارئ:
V. M. Moldavon, « The Formation of the Theme of Individuation in Schleiermacher’s Über die Religion. Reden an die Gebildeten unter ihren Verächtern: Religiousness and the Dynamics of primordial Individuation », Annales Philosophici 5 (2012), pp. 37-46, ici p. 44-45
[128]- في الدين، ص 226
[129]- المرجع المذكور، ص 249
[130]- المرجع المذكور، ص 227
[131]- المرجع المذكور.
[132]- Gedanken III, 27, in KGA I/2, p. 125
[133]- M. Simon, La philosophie de la religion dans l’œuvre de Schleiermacher, Paris, Vrin, 1974, p. 30
[134]- في الدين، ص ص 191-192
[135]- المرجع المذكور، ص 234
[136] حول هذه الحركة، راجع: جان غرايش، الكوجيتو التأويلي، ص 343 وما يليها.