حركة التاريخ في القرآن الكريم الكريم لصاحبه: عامر الكفيشي
فئة : قراءات في كتب
حركة التاريخ في القرآن الكريم الكريم لصاحبه: عامر الكفيشي
بوبكر أيت الغازي[1]
الكتاب من منشورات دار الهادي، في طبعته الأولى لعام 2003م، لصاحبه عامر الكفيشي، ويتكون من مقدمة وخاتمة وستة فصول، فيما يقارب 405 صفحة.
في المقدمة، ركز الكاتب على أهمية دراسة حركة التاريخ البشري، وأكد أن هذه الحركة تزود الفرد والأمة بموضع كل منهما؛ فالتبصر بحركة التاريخ والوعي التام لعناصرها يزودان الإنسان بالرؤية الواضحة لمجريات الواقع الإنساني في الماضي والحاضر قصد التحكم في المستقبل، لامتلاك فن إدارة المشروع النهضوي الحضاري، بالإضافة إلى أسباب اختيار الموضوع وإشكاليته، فطبيعة المنهج الذي سيعتمده الكاتب، وخطة البحث مع أهم المراجع والمصادر...
أما الفصل الأول، فحاول فيه الكاتب التعريف بمصطلح "حركة التاريخ" باعتبار مفرداتها أولا، ثم باعتبار المركب الإضافي كوحدة متكاملة، حيث إنه توصل إلى أن حركة التاريخ، هي "كيفية نشوء وتنقل أحوال الاجتماع الإنساني التي تنتظم عبر الماضي البشري، موصولة بالحاضر والمستقبل، بكل ما تحمله من سنن وقوانين وأسباب ومؤثرات، تتداخل في نشوئها وتغيرها وتطورها وتسلسلها الزمني، وما تعكسه من آثار ونتائج إيجابية وسلبية على الحياة البشرية"[2]، ثم أشار إلى أهمية مرجعية القرآن الكريم في دراسة حركة التاريخ، حيث يرى أن السبيل الصحيح للتعرف على جوهر حركة التاريخ وإدراك سننها وقوانينها والعناصر المؤثرة فيها لا يتم إلا بالرجوع إلى هذا الكتاب الذي أحاط بكل شيء علما، ثم توقف الكاتب عند مفهوم حركة التاريخ عند العرب قبل وبعد مجيء الإسلام. قبل أن يختم الفصل بأثر الوعي القرآني لحركة التاريخ في مسيرة الفرد والأمة، حيث إننا نجد في هذا الكتاب آيات كثيرة تدعو إلى الوعي بالتاريخ والتسلح بثقافة التاريخ من خلال السير في الأرض والنظر في آثار الأمم السابقة التي تحتوي على مجموعة من الدروس والعبر التي تحتاجها الإنسانية في مسيرتها لتتعلم وتتربى منها. ففي القرآن عموما إشارات رائدة نحو فقه سنن وقوانين المجتمع والتاريخ، كيف تبنى الحضارات ثم تنهار، وكيف تتحرك مسيرة البشرية في علوها وهبوطها وانتصارها واندحارها، وكيف تتذوق المجتمعات حلاوة الخير والسعادة، ومرارة البؤس والشقاء، في سبيل تحليل منطقي للتاريخ ونقده، للتوصل إلى نتائج قادرة على بناء حضارة أمثل من خلال ذاك الإحساس بتقلبات الأحوال والظروف.
وفي الفصل الثاني والموسوم بعلاقة التاريخ بالعلم والقرآن الكريم، والذي استهله الباحث بعلاقة التاريخ بالعلم والعلوم المساعدة، وفيه تناول الجدال الدائر بين بعض المفكرين في كون التاريخ علما أم لا، ثم انتقل بعد ذلك، ليتناول علاقة دراسة حركة التاريخ بالعلوم المساعدة، وأعطى لهذا التكامل المعرفي أمثلة عديدة وبشكل موجز كعلم التفسير ومصطلح الحديث، وعلم اللغة وفقهها، وعلم التوقيت والجغرافية، وعلم الاقتصاد والنفس وعلم الاجتماع البشري... ليتوصل إلى أن علم التاريخ أم العلوم، وأن كل العلوم إلا ولها صلة بعلم التاريخ، ثم بعد ذلك انتقل إلى دراسة علاقة علوم التاريخ بفروعها الثلاثة (التأريخ النقلي، التأريخ العلمي، فلسفة التاريخ)، وأعطى لها تعريفا، وقبل أن يرجع الباحث بشكل معمق إلى دراسة أثر القرآن الكريم في التاريخ، تناول أهمية التاريخ النقلي في خدمة دراسة موضوع بحثه، حيث يراه (التأريخ النقلي) المادة الأساسية في معرفة ودراسة التاريخ البشري، اذ يعتبر المادة الخام التي يعتمدها الباحث في اكتشاف وتحليل السنن والقوانين والعناصر التي تعمل على تحريك وتوجيه مسيرة التاريخ، رغم مجموعة إشكالات يواجهها التأريخ النقلي، والتي تؤدي إلى الطعن في النتائج التي يتوصل إليها الباحث، كمسألة الاختلاق والتزوير والانتقائية والذاتية والاسقاط.
أما الفصل الثالث، فقد خصه بمجموعة من المكونات التي تتميز بها ثقافة حركة التاريخ في القرآن الكريم، ومنها أخبار الأمم السالفة، ووضح فيه الكاتب كيف أن القرآن الكريم تعرض في مواضع عديدة إلى أوضاع الأمم والأقوام السابقة منذ بدء الخليقة، حتى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والتي لعبت دورا مهما في حركة التاريخ، حيث يرى أن هناك نموذجين في الإنسانية ساهما في صناعة التاريخ أو عرقلته: النموذج الصالح المتفاني في خط الإصلاح والدعوة إلى الإيمان والمتمثل في الأنبياء والرسل، والنموذج المنحط الغارق في الانحراف والضلال الداعي إلى الفساد والدمار، المعرقل لحركة التاريخ ومسيرة الإنسانية، والذي يتمثل في الطغاة كقابيل ونمرود وفرعون وهامان وقارون... وأوضح الأسباب التي أدت إلى دمار وهلاك الأمم والأقوام، والتي فصل القرآن القول فيها، كالظلم والتكذيب والشرك وارتكاب المعاصي والفساد الاجتماعي وكفر النعم، أو بسبب اختلافها وتفرقها... كما تحدث عن مكون آخر والمتمثل في القصص القرآني، والتي تعبر عن أحداث ووقائع غابرة، وما تحمله من أسرار غابت عن عقول البشر واستنتاجاتهم، لتؤدي وظيفتها الحيوية في كشف أبعاد حركة التاريخ، بما يخدم مصلحة المجتمعات البشرية في الحياة، ثم عرض لذلك مجموعة من النماذج من القصص القرآني المجيد، والتي حملت صورا تاريخية واجتماعية متنوعة من حيث الزمان والمكان والشخوص، بدءا بقصة آدم، وانتهاء بقصة أصحاب الفيل، ثم تناول بالحديث مكون الأمثال القرآنية وما تحمله من دلالات كالتذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل، حيث يعتبر الأمثال في القرآن تذكيرا بسنن الله تعالى التي يخضع لها هذا الوجود بما في ذلك حركة التاريخ البشري التي لا تخرج عن سنن الله تعالى ونواميسه. بعد ذلك، انتقل للحديث عن مكون آخر مهم، وهو توثيقات تأريخية من جوانب حركة الأنبياء والرسل مع أقوامهم وأممهم، والتي غطت مساحات زمنية طويلة امتدت مع امتداد حركة التاريخ، منذ آدم عليه السلام إلى محمد عليه أفضل الصلوات والسلام، ثم انتهى إلى تأريخ للدعوة الإسلامية المباركة، والتي تلخص كل أبعاد ومعطيات حركة التاريخ البشري، فدراسته يقول: "تعني دراسة أهم جزء من تاريخ أمتنا بصورة خاصة، وتاريخ البشرية بصورة عامة"[3]، ليخلص الكاتب في نهاية الفصل إلى أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الذي يسرد لنا أخبار الأمم السابقة وطبيعة السنن والقوانين التي حكمت أحوالها، بشكل يمكننا معه تحديد تصور واضح عن حركة التاريخ البشري.
وفي الفصل الرابع قصد فيه الكاتب تبيان آلية القرآن الكريم في كيفية استثمار حركة التاريخ في تشكيل البنية الثقافية للعقل المسلم، وتسخير هذه الحركة دينيا نحو بناء الإنسانية والحياة من جانب الغايات الأخلاقية التربوية التي جاءت بها الرسالات السماوية؛ وذلك من خلال توظيفه التاريخ في مجالات مختلفة، منها مجال الاتعاظ والعبرة، ومجال الفكر والثقافة، ومجال الحكم والسياسة، ومجال المرابطة والجهاد، ومجال الاجتماع والحضارة، بعد ذلك انتقل إلى تناول البحث في حركة المجتمع في القرآن الذي أعطى للمجتمع كيانه وشخصيته ودوره المسؤول في التاريخ، واعتبر له وجودا وأجلا وكتابا وشعورا وفهما وعملا وطاعة ومعصية، ثم انتقل بعد ذلك لدراسة حركة الحضارة من الزاوية القرآنية، والتي تنتظم مكوناتها في ثلاثة عناصر لا غنى لواحد منها عن الآخر، وهي الإنسان (الكائن المعد لتحمل المسؤولية، والذي يدخل الزمن في كينونته)، والفكر (الموجه المعنوي لخطوات الإنسان نحو البناء الحضاري)، والأشياء (التراب ورأس المال وشتى العوامل المادية)، ثم ختم بعد ذلك بأسباب نهوض المجتمعات والحضارات وانحطاطها على ضوء القرآن الكريم.
وخص الكاتب الفصل الخامس للعناصر الأساسية المكونة لحركة التاريخ، فتحدث فيه عن أربعة عناصر مهمة، وهي طبيعة السنن أو القوانين التي تحكم التاريخ البشري، كالسنن الكونية التي تتعلق بالكون وما يجري فيه، كنظام الزوجية الشامل المطرد في كل شيء، نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا، وكقانون الموت الذي أجراه الله تعالى بأمره، باعتباره سنة ليس لها استثناء، فهو ناموس يحكم الحياة ونهاية كل حي، كما تطرق للسنن النفسية التي تتعلق بالنفس البشرية وما يجري في خلجاتها، كالتعجيل وحب المال والتملك... ثم السنن الاجتماعية التي تتعلق بالاجتماع البشري، وما يدور فيه كسنة التعارف، وسنة الفتنة والابتلاء، ثم السنن التاريخية التي تتعلق بحركة التاريخ مع الزمن، وذكر بعض خصائصها (الاطراد، الربانية، الإنسانية) وطبعتها (السببية، الغائية، الاجتماعية) وأنواعها (الشرطية، الفعلية، الاتجاهية)، ثم انتقل بعد ذلك إلى إشكالية دور الإنسان وفاعليته في هذه الحركة، باعتباره لا نظير له في جميع العوالم والمخلوقات الحية، والذي أنيطت له مسؤولية الخلافة في الأرض، منذ أن أمرت الملائكة بالسجود له، وفرض الاحترام والاجلال له، ثم ختم الفصل بإشكالية دور المجتمع وأثره فيها، ثم إشكالية الزمان في حركة التاريخ، ليخلص إلى تبيان طبيعة التفاعلات الجارية بين العناصر الأساسية في حركة التاريخ، وكيفية تأثيرها في مجرى ووجهة هذه الحركة.
وفي الفصل السادس والأخير، والذي وسمه بـ"ملامح حركة التاريخ في القرآن الكريم"، فقد استهله الكاتب بطبيعة الرؤية القرآنية للتاريخ، بدءا بأهم الاتجاهات الرؤيوية المعاصرة لها في تفسير وفهم حركة التاريخ، كالتفسير المثالي، الذي ينفي إمكان فهم التاريخ على أساس قانون العلية، بالطريقة نفسها التي تخضع بها القضايا الطبيعية، والتفسير الوضعي، الذي يتبنى عكس رؤية الاتجاه الأول، ثم الاتجاه الثالث الذي يقيم حركة التاريخ على أساسية فقط، وهما إرادة الإنسان وقانون العلية، كما حدد الرؤية القرآنية لحركة التاريخ في ثلاثة أسس، هي: مبدأ العلية والإرادة الإنسانية والمشيئة الإلهية، ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن مركزية الدين في حركة التاريخ، باعتبار حاجة الإنسان للتدين وللخالق والإيمان به منذ ولادته. وتحدث في جانب آخر، عن خصائص حركة التاريخ وفق التصور القرآني، ومنها: الاستمرارية والتبدل وتقلب الأحوال، والواقعية، وفي ختام الفصل تحدث عن تكامل حركة التاريخ من منظور قرآني، حيث وضح وجهة القرآن الكريم في طبيعة المسار والسلوك لحركة التاريخ، عبر القرون والأجيال المتعاقبة لبلوغ كمالها المنشود، بعد أن ذكر ثلاثة أنماط لمسار حركة التاريخ، اختلف فلاسفة التاريخ حولها، وهي تواليا حركة التقدم الصاعد للتاريخ بقيادة بيكون وديكارت، وحركة النكوص المتدهور للتاريخ، وحركة الدورات الحضارية للتاريخ التي يعدّ ابن خلدون وشبنجلر وتويمبي من أشهر أعلامها.
وفي خاتمة الكتاب، خرج الكاتب بمجموعة من القضايا والاستنتاجات، التي توصل بها من خلال هذا البحث على ضوء جولة ممتعة قام بها في رحاب القرآن الكريم، والتي حاول من خلالها تقصي حركة التاريخ البشري.
[1]- باحث في سلك الدكتوراه وحدة: الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بني ملال - المغرب
[2]- عامر الكفيشي، حركة التاريخ في القرآن الكريم، ص: 23
[3]- نفسه، ص: 152