حقائق عن الأزهر والشيعة
فئة : مقالات
"إن الأمّةَ أصبحتْ تعملُ ضدَّ نفسِها"
محمّد الغزالي
في رحلته إلى مصر، ولقائه مع شيخ الجامع الأزهر آنذاك اتفق الإمام عبد الحسين شرف الدين والشيخ سليم البشري على أنّ الطائفتین - الشیعة والسنّة - مسلمون یدینون حقاً بدین الإسلام الحنیف؛ فهم في ما جاء الرسول به سواء، ولا اختلاف بینهم في أصل أساسي یفسد التلبّس بالمبدإ الإسلامي الشریف... فالمسلمون سنة وشيعة جدولان من نهر واحد.
ووافق الإمام شرف الدين علی أن یكون یوم الثانی عشر من ربیع الأول تأریخاً یجتمع فیه السنّة والشّيعة علی السواء للاحتفال بالمولد النبوی الشریف، رغم أن المشهور عند الشيعة الإمامية الاحتفال بالمولد النبوي في السابع عشر من ربيع الأول؛ لكنه سعى إلى توحید المسلمین بمحاولة جمعهم علی تاریخ واحد؛ للاحتفال بمولد نبیّنا الكريم.
وقد حصل السید شرف الدین علی بعض الإجازات العلمیّة من شیخ الجامع الأزهر الإمام سلیم البشری، وغیره من أعلام الدّین فی مصر والمغرب الأقصی... هم علی التوالي:
1- الشیخ سلیم البشري المالكي، شیخ الجامع الأزهر، وله منه إجازة عامّة مفصّلة اشتملت علی جمیع أسانیده المتّصلة بجمیع کتب أهل السنة نقلیّة وعقلیّة، وبمصنفیها من المتقدّمین والمتأخّرین.
2- الإمام الفقیه بدر الدین الدمشقي، أجازه بالمعقول والمنقول من الفروع والأُصول.
3- الشیخ محمد بن عبد الله الخاني الشافعي، وقد أجازه بما تجوز له وعنه روایته من فقه وحدیث وتفسیر.
4- الشیخ محمد المعروف بالشیخ توفیق الأیوبي الأنصاري الدمشقي.
5- الشیخ محمد عبد الحي ابن الشیخ عبد الكریم الكتّانی الفاسي الإدریسی، اِلْتَقَی به فی مصر، وأجازه فی روایة صحیح البخاري!
کان جمال الدین الأفغاني یری أن السیاسة في الحقیقة، لا الدین، هي التي أذکت نار الخلاف بین السنة والشیعة؛ ((فالملوك من السنیّین هوَّلوا وأعظموا أمر الشیعة لاستهواء العوام بأوهام غریبة وعزویات عجیبة علی شیعة أهل البیت، لیتسنی لهم بذلك تحزیب الأحزاب، وتجییش الجیوش لیقتتل المسلمون بعضهم بعضًا، بحجة الشیعة والسنة وجمیعهم یؤمنون بالقرآن، وبرسالة محمد عليه الصلاة والسلام))، ولم یكن جمال الدین الأفغانی یری مبرراً – في عصرنا للخلاف بین المسلمین من أجل الخلافة في عصور مضت بكل ما فیها. يقول موضّحًا ومفصّلاً: أما مسألة تفضیل الإمام علي والانتصار له یوم قتال معاویة وخروجه علیه، فلو سلمنا أنه کان في ذلك الیوم مفیداً أًو ینتظر من ورائه نفعا لإحقاق حق أو إزهاق باطل؛ فالیوم نری أن بقاء هذه النعرة والتمسك بهذه القضیة التی مضی أمرها وانقضی مع أمة قد خلت، لیس فیها إلاّ محض الضرر وتفكيك عری الوحدة الاسلامیة... لو أجمع أهل السنة الیوم، ووافقوا المفضلة من الشیعة من عرب وعجم وأقروا وسلّموا بأن علیًّا بن أبي طالب، کان أولی بتولّي الخلافة قبل أبي بكر، فهل ترتقي بذلك العجم أو تتحسن حالة الشیعة؟ أو لو وافقت الشیعة أهل السنة بأن أبا بكر تولّی الخلافة قبل الإمام علي بحق، فهل ینهض ذلك بالمسلمین السنیّین وینشلهم مما وقعوا فیه الیوم من الذلّ والهوان وعدم حفظ الكیان. أما آن للمسلمین أن ینتبهوا من هذه الغفلة؟ ومن هذا الموت قبل الفوت؟
وکانت فكرة الشیخ محمد عبده الأساسیة في أن عقائد الإسلام الأساسیة التوحید والنبوة والإیمان بالیوم الآخر، إذا وجدت لدی أحدٍ من المسلمین فردًا أو جماعة کان علی الإسلام الصحیح والدین الحق ولا یضر بعد ذلك الخلاف فی الفروع التی وراء الایمان بهذه الأصول. يقول عن التوحید: ((نصَّ الكتابُ علی أن دین الله في جمیع الأزمان هو إفراده بالربوبیة، والاستسلام له وحده بالعبودیة، وطاعته فیما أمر به ونهی عنه مما هو مصلحة للبشر… وأن هذا المعنی من الدین هو الأصل الذی یرجع الیه عند هبوب ریح التخالف، وهو المیزان الذی توزن به الأقوال عند التناصف، وإن اللجاج والمراء فراق مع الدین وبعد عن سنته، ومتی روعیت حكمته ولوحظ جانب العنایة الإلهیة فی الإنعام علی البشریة ذهب الخلاف وتراجعت القلوب إلی هداها، وسار الكافة في مراشدهم إخوانًا، بالحق مستمسكین، وعلی نصرته متعاونین)).
وکان الشیخ محمد مصطفی المراغي شیخ الأزهر الأسبق، یقول: ((یجب العمل علی إزالة الفروق المذهبیة، أو تضییق شُقة الخلاف بینها، فإن الأمة في محنة من هذا التفرق، ومن العصبیة لهذه الفرق، ومعروف لدی العلماء أن الرجوع إلی أسباب الخلاف ودراستها دراسة بعیدة عن التعصب یهدی إلی الحق في أكثر الأوقات.... أیها المسلمون: غضّوا الطرف عن الفروق الطائفیة والمذهبیة، ولا تجعلوا تلك الفروق سببًا في الفرقة وسلاحًا بین عدوکم یخرب به بیوتكم ولا تخشوا أحدا فی إظهار شعائر الاسلام والانتصار لـه)).
وقد أشاد الشیخ شلتوت رحمه لله بدور سلفیه الراحلین شیخي الأزهر السابقین؛ الشیخ مصطفی عبد الرازق والشیخ عبد المجید سلیم، فقال: کنت أودُّ لو أستطیع أن أبرز صورة الرجل السمح الذکي القلب العفّ اللسان رجل العلم والخلق المغفور له الأستاذ الأكبر الشیخ مصطفی عبد الرازق، وصورة کصورة الرجل المؤمن القوي الضلیع في مختلف علوم الإسلام، المحیط بمذاهب الفقه أصولاً وفروعًا الذي کان یمثّل الطود الشامخ فی ثباته، والذي أفاد منه التقریب فی فترة ترسیخ مبادئه أکبر الفائدة، المغفور له أستاذنا الأکبر الشیخ عبد المجید سلیم رضی الله عنه وأرضاه.
وکان الشیخ شلتوت بعد ذلك أکبر داعم لحرکة التقریب عن طریق اتخاذه موقفین أساسیین في دفع الحرکة إلی الأمام، وهما:
الموقف الأول: فتواه، وهو شیخ للجامع الأزهر بجواز التعبّد بمذهب الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة لمن یری صحة ذلك، ونص هذه الفتوی:
"إنّ الإسلام لا یوجب علی أحد اّتباع مذهب معیّن، بل نقول: إنّ لكلّ مسلم الحقّ في أن یقّلد بادئ ذي بدء أيّ مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحیحًا، والمدوّنة أحكامها في کتبها الخاصّة، ولمن قلّد مذهباً من هذه المذاهب أن ینتقل إلی غیره – أيّ مذهب کان – ولا حرج علیه فی شيء. إنّ مذهب الجعفریّة، المعروف بمذهب الشیعة الإمامیّة الاثنى عشریّة، مذهب یجوز التعبّد به شرعًا کسائر مذاهب أهل السنّة، فینبغی للمسلمین أن یعرفوا ذلك، وأن یتخلّصوا من العصبیّة بغیر الحقّ لمذاهب معیّنة، فما کان دین الله وما کانت شریعته تابعة لمذهب أو مقصورة علی مذهب؛ فالكُلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالی، یجوز – لمن لیس أهلا للنّظر والاجتهاد – تقلیدهم والعمل بما یقرّرونه في فقههم، ولا فرق فی ذلك بین العبادات والمعاملات".
الموقف الثاني: تقریر دراسة فقه المذاهب الإسلامیة الشیعیة مع المذاهب السنّیة في الأزهر، وفي کلیة الشریعة علی وجه الخصوص.
وکانت فكرة الشیخ شلتوت أن یكون من بین ما تعنی به کلیة الشریعة في منهجها الجدید دراسة الفقه المقارن بین المذاهب الإسلامیة علی الأسس التالیة:
أولا- أن تكون الدراسة علی مختلف المذاهب، لا فرق بین سنة وشیعة، ویعنی بوجه خاص ببیان وجهة النظر الفقهیة، حكمًا ودلیلاً، لكل من مذاهب السنة، وهي الأربعة المعروفة والإمامیة الاثنا عشریة والزیدیة.
ثانیا- یستخلص الحكم الذي یرشد إلیه الدلیل دون التفات إلی کونه موافقًا أو مخالفًا لمذهب الأستاذ أو الطالب، حتی تحقق الفائدة من المقارنة، وهي وضوح الرأي الراجح من الآراء المتعددة، وتبطل العصبیات المذهبیة المذمومة.
وفي أصول الفقه یعنی بوجه خاص ببیان المواضع الأصولیة التی وقع الاختلاف فیها بین المذاهب الستة السابقة الذكر، مع بیان أسباب الخلاف.
وفي علم مصطلح الحدیث ورجاله، تشمل الدراسة ما اصطلح علیه أهل السنة، وما اصطلحت علیه الإمامیة والزیدیة، کما تشمل دراسة الرجال المشهورین، وأصحاب المسانید ومسانیدهم، في كلٍّ من الفریقین. هذا بالإضافة إلی التوسع في هذه الدراسة تفصیلاً فی الدراسات العلیا بكلیة الشریعة.
وقد أكّد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في أكثر من موضع في كتاباته، أنه لا فرق بین الشیعة والسنة فی الأصول، وإنّما هو اختلاف في فروع الفقه كالاختلاف بین المذاهب الأربعة.
ومن مقولاته الشهیرة: أن المصحفَ واحدٌ یطبع في القاهرة فیقدّسه الشیعةُ فی النجف أو طهران، ویتداولون نسخه بین أیدیهم وفي بیوتهم دون أن یخطر ببالهم شيء البتة، إلا توقیر الكتاب ومنزّله – جل شأنه – ومبلِّغه صلى الله عليه وسلّم.
ویقول في رده علی من یتهم الشیعة بأن لهم قرآنا غیر هذا القرآن:
لماذا لم یطّلع الأنسُ والجنُ علی نسخة من هذا القرآن خلال هذا الزمن الطویل؟! ولماذا هذا الافتراء؟! ولحساب من تُفتعل هذه الإشاعات، وتلقی بین الأعزاء لیسوء ظنهم بإخوانهم وقد یسوء ظنهم بكتابهم؟!
ویقول: والحق أنّ هناك أناسًا یشتغلون بالدعوة الاسلامیة، وفي قلوبهم غلٌّ علی العباد، ورغبة فی تكفیرهم أو إشاعة السوء عنهم، غلٌّ لا یكون إلا فی قلوب الجبابرة والسفّاحین... وإن زعموا بألسنتهم أنهم أصحاب دین.
في زیارة للدکتور عبد الحلیم عویس إلی تونس خلال النصف الأوّل من التسعینيات من القرن الماضی، تطرّق الحدیث في المجلس إلی ذکر العلاقة بین السنّة والشیعة، فقال الدکتور: "إنّ الشیعة هم أقرب الناس إلینا، وإنني أشهد للتاریخ أنّ الشیخ محمد علی التسخیري، کان أشدّ الناس إخلاصاً وقرباً إلی مواقفي، وکان بیننا تعاون إیجابی ومثمر فی التصدّي لبعض النظریّات التي تحاول الطعن فی الإسلام".
في مقاله في مجلة الهلال عدد شعبان 1423هـ كتب الدكتور محمد عمارة، يقول: التقریب بین المذاهب، والذي یمثّل المیدان الحقیقي للجهاد الفكري المطلوب هو الذي یوحد الأمة في الأصول والثوابت، وفي أمهات العقائد والمسائل الفكریة... وهذا هو میدان علم الكلام... والجهد التقریبی – الغائب والمطلوب – هو نزع (الألغام الفكریة – التكفیریة) التي تقصم وحدة الأمة بالتكفیر لفریق من الفرقاء أو مذهب من المذاهب، لأن التكفیر هو نفي للآخر، یقصم وحدة الأمة... وهو خطر لا علاقة له بالفقه الذي هو علم الفروع، ولا بالاجتهادات والاختلافات الفقهیة التی هي ظاهرة صحیة، تثمر الغنی والثراء في الأحكام، والیسر والسعة للأمة کلها في تطبیق هذه الأحكام. وإذا كانت هذه (الألغام الفكریة – التكفیریة) التي تتغذی بها وعلیها عقول قطاعات من العلماء في بعض الحوزات العلمیة، وفی بعض الدوائر الفكریة السنیة... كما تتغذی علیها نزعات التعصب عند العامة... إذا كانت هذه (الألغام) قد غدت راسخة، بل و(متكلسة)! فإن الموقف الممكن والعملي إزاءها یمكن تصوّره فیما یلي:
1- تحدید نطاق هذه (الألغام الفكریة – التكفیریة) وأغلبها – لحسن الحظ – نابع من نقل القضایا الخلافیة من نطاق أصول الاعتقاد، وتحویلها – من ثم – إلی عوامل (نفي وتكفیر) للمخالفین...
2- اعتماد منهاج وسنة التدرّج في تطبیق خطة إزالة هذه الألغام من الكتب التراثیة، وخاصة الذي یدرس منها في الحوزات العلمیة والجامعات الإسلامیة، وذلك بحذفها من الطبعات الجدیدة لكتب التراث هذه وفق المنهاج المتعارف علیه في (تهذیب) كتب التراث...
3- الاتفاق – في إطار حرکة التقریب بین المذاهب الإسلامیة – علی منع تدریس هذه (الاجتهادات التكفیریة) في الحوزات والجامعات الإسلامیة التی تكوّن عقول العلماء في مختلف بلاد الإسلام... ولنا فی منهاج الأزهر الشریف النموذج والقدوة فی هذا المیدان، فهو یحتضن کل مذاهب الأمة – الفقهیة والكلامیة – سلفها وخلفها علی حدٍّ سواء، مع استبعاد التكفیر والتفسیق لأي مذهب من المذاهب أو فرقة من الفرق الإسلامیة، حفاظاً علی وحدة الأمة التي هي فریضة إلهیة، تعلو فوق اجتهادات المجتهدین ومذاهب المتمذهبین. وصدق الله العظیم:﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾.
ذلك هو المیدان الحقیقی للجهاد الفكری في التقریب بین المذاهب الإسلامیة... إنه علم الكلام.
لكن الأستاذ عمارة لم يفعل ما اقترحه بالأمس القريب، بل من خلال مجلة الأزهر أعاد نشر كتاب، صورتان متضادان عن الشيعة، للندوي، وهو كتاب لإدانة الشيعة، ثم في الشهر الذي يليه أعاد نشر كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة لمحب الدين الخطيب كهدية مجانية كسابقه مع مجلة الأزهر الشريف في عددها لشهر ذي الحجة 1433، بتقديمه ودراسته، يقول في مقدمته: سيتساءل القارئ عن قصة التقريب بين الشيعة والسنة، وعن شعار الوحدة الإسلامية التي يعقد الشيعة لها المؤتمرات السنوية، وهى من القضايا التي عرض لها هذا الكتاب، باعتبارها وهمًا من الأوهام التى يروّج لها الشيعة لخداع الجهلاء والبلهاء!
إن وحدة الأمة الإسلامية فريضة دينية وضرورة حياتية...
لكن الشيعة الذين يدعون نفرًا من أهل السنة إلى مؤتمرات الوحدة قد أخرجوا جميع أهل السنة منذ عصر الخلافة الراشدة وإلى يوم الدين من أمة الإسلام ودين الإسلام! فهل هناك - مع هذه العقيدة الشيعية المعلنة - مصداقية لدعوة الوحدة أو التقريب؟
إن زعماء الشيعة يعلنون أن مقاصدهم من وراء الدعوة إلى الوحدة والتقريب، إنما إخراج الشيعة من عزلتها كى تبشر بمذهبها - أو دينها - فى الأوساط السنية، لتحويل المجتمعات السنية الموحدة مذهبيّا إلى مجتمعات طائفية سهلة الاختراق!
ولعل السؤال الذي يمكن توجهيه إلى الأستاذ عمارة، كيف يتسق ما في مقدمتك للكتاب مع ما اقترحته في مجلة الهلال من صورة للتقريب؟ كيف يتسق ذلك مع تقديمك لكتاب أكذوبة تحريف القرآن لرسول جعفريان الذي صدر في عام 2006م في مصر، والذي تجاوز العشرين صفحة؟ أم كيف يتسق ذلك مع بحثك الذي نشرته في عام 1994 في مجلة الجامعة الإسلامية بلندن حول فكرة التعددية، والتي جاء فيها كلامًا جميلًا يتسق مع روح التسامح وسعة الأفق، من مثل: إذا کان (جامع الإیمان) و(موحّد المؤمنین) هو(التصدیق بما جاء به الرسول)، فإن مظلة هذا (الجامع) وإطار هذا(التصدیق) قد اتسع لتعددیة أثمرها (التأویل) فیما یجب أو یجوز فیه(التأویل)، فإذا ما التزم الفرقاء المتأولون بقواعد التأویل-التي قررتها العربیة، انفسحت أمامهم آفاق التعددیة في هذا الإطار الذي یعطي مذاهب الفكر طابعها الإسلامي مع ما بینها من فروق وتعددیة في التصورات؟
يقول بالأمس الأستاذ عمارة في نفس البحث المذكور عن التعددية: إن السبیل الإسلامیة التي حددها الإسلام، وتمیزت بها شریعته، في حل التناقضات بین فرقاء التعددیة، جاءت طبیعتها وآلیاتها ومقاصدها لتكرّس قیام هذه (التعددیة) عند المستوی الوسطي الذي لا یذهب بها إلی (إلغاء الآخر) و(نفیه) ولا إلی التشرذم والقطیعة التي لا رابط ولا جامع یوحد بین فرقائها...فلقد رفض الإسلام مذهب الصراع سبیلا لحل التناقضات بین فرقاء التعددیة، لأن الصراع غایاته صرع وإفناء ونفي الآخر، ومن ثم فهو یلغي التعددیة وينفیها؟لكنه لا يدلل بأفعاله على ما قاله بالأمس.
أكّد أكثر من شخص من الدارسين على مسألة الخلاف بين السنة والشيعة وزيادة الهوة بين الفريقين، كان سببها جهود المستشرقین التی أکدتها السیاسات الأجنبیة في الطعن علی الفریقین کلیهما من کتب الآخر، مما أعطی الفرقة الشرعیة ومكّن لخصوم الإسلام نفسه من المسلمین؛ لكن هذا السبب الآن لم يعد هناك محل لذكره، ذلك أن الذين يزيدون الفرقة بين الفريقين هم أنفسهم تلامذة الجيل الذي أخلص لفكرة التقريب وعمل عليها بكل جهده!
ما قدّمته لك في هذا المقال، صورة من الحقائق التي آمن بها وسعى في العمل عليها أهل مصر قديمًا، وارتكسنا نحن الآن عنها، بما نصدّره من تعصّب ومصادرة لحقوق الآخرين، وبما نفعله من استغلال للدين لخدمة السياسة.