حوار لطيفة الأخضر التّساؤلات الكونيّة والإجابات الثّقافية (الجزء الأول)
فئة : حوارات
د. نادر الحمّامي: نستضيف اليوم في هذا الحوار المتجدّد الأستاذة لطيفة الأخضر، ونشكرها جزيل الشّكر على قبولها دعوتنا للحوار والنّقاش في بعض المسائل والأفكار التي تفيدنا بها؛ وهي أستاذة التّاريخ المعاصر في الجامعة التّونسية، وقد درّست في جامعة الزّيتونة في بداية التّسعينيات قبل أن تنتقل إلى كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بتونس، وقد أنجزت بحثها حول ''الإسلام الطّرقي والتّحوّلات السّياسيّة والاجتماعيّة في تونس في العهد الاستعماري بين سنة 1881 و1934''، وأصدرت كتاب ''الإسلام الطّرقي كيف ولماذا وقفت الطّرق الصّوفيّة إلى جانب فرنسا؟''، وكتاب ''امرأة الإجماع'' الذي تُرجم لاحقاً إلى الفرنسية تحت عنوان (Les femmes au miroir de l’orthodoxie islamique)، باعتبار كلمة الإجماع أرثوذوكسية وهذا صحيح جدّاً، إذا قارناه بالمقولة الأصوليّة للإجماع، وآخر ما صدر لها كتاب (de quoi demain sera-t-il fait) سنة 2013، وبالإضافة إلى هذا الاختصاص الأكاديمي والبحثي فإنّ لها اهتمامات مواطنيّة؛ فهي من مؤسِّسات "جمعيّة النّساء الدّيمقراطيات"، وقد شغلت أيضاً منصب وزيرة الثّقافة والمحافظة على التّراث في تونس (2015). ولعلّ المطّلع على كتاباتكِ واهتماماتكِ أستاذة لطيفة الأخضر، يلاحظ أنّ البعد المنهجي يمثّل لديك الأساس الأوّل والخيط النّاظم لتفكيرك، وقد شدّتني فكرة أساسيّة في كتاباتك حول ما تسمّيه "وحدة التّساؤلات الإنسانيّة وضرورة الإجابات الثّقافيّة"، ولعلّي أعتبر ذلك حجر الزّاوية في ما فكّرت فيه خاصّة من خلال كتابك "امرأة الإجماع" وكتاباتك الأخرى؛ فالإنسان لا ينفكّ يطرح الأسئلة الكونيّة ذاتها في كلّ زمان ومكان، ولكنّه يجيب عنها في إطار سياقاته الفكريّة والتّاريخية الخاصّة.
دة. لطيفة الأخضر: ثمّة رؤية متكاملة حول الإنسان عموماً والإنسان المسلم اليوم خصوصاً، تكمن وراء المنهج الذي اتّخذه في بحوثي، فقد عاينت من خلال تجربتي بجامعة الزّيتونة عقم المناهج المعتمدة، ورأيت بأن زملائي هناك يكتسبون ثقافة شرعيّة كبيرة، ولكنّها لا تأخذ بعين الاعتبار التّاريخ، ما أفقدها النّجاعة والقدرة على تقديم إجابات لهذا المجتمع ذي الأغلبيّة المسلمة، والذي يبحث عن نفسه في هذا العالم الحديث والمعاصر. ولا يعني القول بضرورة إيجاد إجابات عن التّساؤلات الكونيّة أن تكون هذه الإجابات هويّاتيّة أو هوويّة، لأنّ القضيّة تتعلّق بالمنهج أوّلاً، فعندما نتساءل حول الحرّيّة، باعتبارها أساس الكيان الإنساني الحديث، والمساواة بما في ذلك المساواة بين الرّجل والمرأة، علينا أن ندرك أن هذه التّساؤلات كونيّة بمعنى أنّ جميع الثّقافات في العالم تطرحها على نفسها باستمرار، وقد خرجت أوروبا عن محورها الدّيني المسيحي منذ القرن السّابع عشر نتيجة طرحها لتلك التّساؤلات. وقد يرى البعض أنّ ثقافتنا العربيّة والإسلامية قد طرحت تلك التّساؤلات ولو بطرق مختلفة، من ذلك أنّ عبد الله العروي يقول بأنّ المجتمع العربي مليء بصدى دعوة متجدّدة إلى الحرّيّة يمكن تمثّلها من خلال مجموعة من القيم الأخرى، هذا صحيح ولكنّه لم يؤدّ إلى تمثّل الحرّية في معناها المؤسّساتي والقانوني؛ أي في معناها الحداثي. وحتّى نصل إلى تحقيق هذه القيمة في ثقافاتنا، علينا أن نجتاز غابة كثيفة الأشجار متلاصقة الجذوع، تكوّنها العلوم الشّرعيّة وأصول الدّين والموروث الدّيني بصفة عامّة، وأن نقطع هذا الطّريق بوعي نقديّ جدّيّ، لننظر في ما يصلح من هذا الموروث، لأن يوصلنا إلى الحرّية والنّور الذي نبحث عنه وما لا يصلح. لذلك، فالإجابة الثّقافية لا بدّ أن تمرّ وجوباً بهذا العمل النّقدي الكبير تجاه الموروث الثّقافي الذي لدينا، ولا يمكن أن نحمل ذلك الموروث الثّقافي كما هو عليه، ونقول بأنّنا يمكن أن نصل به إلى الحرّية أو إلى المساواة، فهذا غير صحيح.
د. نادر الحمّامي: إذن فأنت تطالبين بنقد الموروث لا بالقطيعة معه، وقد تأسّس لديك ذلك، انطلاقاً من تجربتك في جامعة الزّيتونة التي يغلب عليها تيّار المحافظة على الموروث كما هو، والتّعليم القائم على النّقل في قطيعة مع الحداثة والمعاصرة، لذلك فأنت تعتبرين إمكانيّة التّأسيس لقيم الحداثة من حرّية ومساواة وغيرها، عبر العمل النّقدي الجدّي على الموروث، فهل يمكن فعلاً أن نجد في هذا الموروث ما به نؤصّل لقيم الحداثة؟
دة. لطيفة الأخضر: يمكن أن نجد في هذا الموروث ما به نؤصّل لقيم الحداثة، ويمكن ألاّ نجد أيضاً، وليس هذا هو المشكل، وإنّما علينا أن نطرح هذا الموروث أمامنا وننظر فيه، ونتعرّف عليه قبل كلّ شيء، وليس علينا أن نقطع معه، لأنّه نقطة انطلاقنا، ومن لا يعرف من أين هو آت لن يعرف إلى أين هو ذاهب، ولا يمكن أن نحكم على هذه الثّقافة التي انطلقنا منها بأنّها قاتمة كلّها، ففيها الكثير من الحلقات النيّرة التي استفادت منها الثّقافات الأخرى، من ذلك أنّ أوروبا استفادت من الثّقافة الإسلاميّة في فترة ابن رشد (520 هـ-595 هـ)، فهو الذي مكّن الثّقافة الأوروبيّة من أن ترتبط بالثّقافة الإغريقيّة، فقد كان الحلقة الرّابطة بين الفلسفة الإغريقيّة المؤسِّسة لكلّ القيم التي نراها اليوم في العالم وبين الفكر الأوربّي الذي انطلق بها بعيداً جدّاً في ما بعد، وقد كان ابن رشد نتاج الثّقافة الإسلاميّة، ولم يأت من ثقافة أخرى، وهذا دليل على الإمكانيّات التّحرّريّة الكامنة في هذه الثّقافة، ولا بدّ أن نتمعّن فيها، ولكن بمسافة نقديّة كافية تمكّننا فعلاً من إدراك نقاط النّور التي توجد بها.
د. نادر الحمّامي: ذكرتِ ابن رشد ومدى تأثيره في الثّقافة الغربيّة، وهذا يحيلنا على مسألة منهجيّة وهي البحث التّاريخي المقارن بين المجالين الغربي والإسلامي، فهناك من يعتبر أنّ فكر الحداثة برمّته في الغرب لم يتأسّس ويترسّخ اجتماعيّاً ومؤسّساتيّاً إلاّ بالفصل بين مجال المؤسّسة الدّينية ممثّلة في الكنيسة والمجال السّياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأنّ علينا الاقتداء بهذا الفصل بين المجالين لنبلغ أطراف الحداثة. ولعلّ ما تقولينه أنت يعكس هذه الصّورة، ذلك أنّ التّاريخ المقارن يبيّن أنّ عمليّة الإصلاح الدّيني التي انطلقت من داخل المؤسّسات الدّينيّة الغربيّة قد ساهمت بدورها في الحداثة، لأنّها انعكست على علاقة الدّين بكافّة المجالات الأخرى.
دة. لطيفة الأخضر: فعلاً، التّاريخ المقارن مهمّ جدّاً، لأنّه يمكّننا من إضاءة الكثير من الأشياء، على الرّغم من أنّ تاريخ أوروبّا يختلف كثيراً عن تاريخنا. فقد تفطّنت أوروبّا في فترة معيّنة من تاريخها إلى حاجتها للارتباط مع الثّقافة الإغريقيّة القديمة، ولم يكن ذلك مطروحاً عليها إلى حدود القرن الثّالث عشر الذي تلاه ظهور الحركة الإنسانويّة وظهور عصر النّهضة الأوروبيّة، ولعلّ السّبب في ذلك، أنّ الأطر الدّينية والسّياسية والاجتماعيّة والمعرفيّة لم تكن تؤهّلها لهاته الحاجة قبل اكتشافها لابن رشد. وفي ذلك الزّمن الذي رفضت فيه الثّقافة الإسلاميّة "تهافت التّهافت" لابن رشد، وتمسّكت في المقابل بـ "بتهافت الفلاسفة" للغزالي، هيّأت الثّقافة الأوروبيّة شروط الاستجابة لفكر ابن رشد، فـ ''أخذه اللاّتينيّون ورفضه العرب وأحرقوا كتبه''، كما يقول ألان دوليبيرا (Alain de Libera) (1948)، لذلك فاختلاف التّاريخ مهمّ جدّاً، لأنّ الأفكار لا بدّ لها من أرضيّة، لتصبح منتصرة ويتمّ البناء عليها.
د. نادر الحمّامي: لقد أخذ الغرب ما يصلح له، ليتقدّم من ابن رشد ومن غيره، وظلّ الإشكال يلازم العرب والمسلمين في تعاملهم مع التّراث تعاملاً غير نقديّ، وفي تعاملهم مع الآخر، بنوع من المحافظة الكبيرة التي تجعلهم يرفضون أن يأخذوا عنه قيماً يعتقدون أنّها تخالف الهويّة، وما يسمّى "الثوابت"، ألا ترين أنّ هذا الفرق الجوهري هو الذي يعيق الفكر العربي عن إنتاج إجابات ثقافيّة حول تلك التّساؤلات الكونيّة؟
دة. لطيفة الأخضر: علينا العودة هنا إلى التّساؤل حول أسباب تمسّك الثّقافة العربيّة الإسلاميّة بنهج الغزالي في "تهافت الفلاسفة"، ورفضها في المقابل لنهج ابن رشد، والبحث في أسباب انتصار الفكر الأصولي الذي استمر إلى القرن التّاسع عشر بصفة احتكر فيها كلّ الحياة الثّقافيّة في العالم الإسلامي. ولعلّ العوامل وراء ذلك عديدة وهيكليّة، ومن بينها عوامل أعتبر أنّها مؤثّرة بقوّة، وهي أنّ الثّقافة العربيّة الإسلاميّة قد قطعت مع الفكر الفلسفي منذ ابن رشد، في حين أنّ أوروبا بدأت تعرف منذ القرن الثّالث عشر الفلسفة التي تعيد النّظر في هيمنة الثيولوجيا على الثّقافات، وبدأت تُرسي أسس الفكر الفلسفي وصولاً إلى القرن السّابع عشر مع سبينوزا (Baruch Spinoza) (1632-1677)، ذلك المفكّر العظيم الذي وضع الأسس الحديثة لنقد الفكر الدّيني، وديكارت (René Descartes) (1596-1650) وفولتير (Voltaire) (1694-1778) وكل مفكّري الأنوار، انتهاءً إلى القرن التّاسع عشر مع فيورباخ (Ludwig Feuerbach) (1804-1872)، في حين أنّنا خلال كامل هذه الفترة في ثقافتنا كنّا على غير دراية حتى بوجود هؤلاء، وحتى ابن خلدون (732-808ه) وما كان له من حسّ نقديّ وإبداع فكريّ في مقاربته لأسس السّوسيولوجيا في علاقتها بما هو ديني وبالسّلطة السّياسيّة، قد دفنّاه ولم نُعد إليه الاعتبار إلاّ عبر المستشرقين الذين اهتمّوا به وحقّقوا مقدّمته. هذه الثّقافة لا تستثمر المكاسب الكبرى التي لديها، لأنّ الفكر الأصولي يطغى على كامل الحياة فيها، فابن خلدون نفسه وبحسّه النّقدي ذاك، قد أنهي حياته في القاهرة يفتي في الأمور السنّية العاديّة كأيّ قاض آخر، ولم تُستثمر المؤهّلات الفكريّة الكبيرة التي لديه في ظلّ هيمنة الثّقافة الأصوليّة.
د. نادر الحمّامي: انتهيتِ في إجابتك إلى أنّ هذا البعد الأصولي المحافظ ساد إلى حدود القرن التّاسع عشر، وهي فترة مرتبطة في المجال العربي الإسلامي بحركة الإصلاح، بناءً على اكتشاف النّظريّات الغربيّة في السّياسة وخاصّة مقاومة ما يسمّى الاستبداد السّياسي لدى ابن أبي الضّياف في تونس والكواكبي في الشّام وغيرهما، ولكن هذه الحركة الإصلاحيّة لم تكن صارمة في نقد الموروث، ولنقل إنّها ظلّت تحمل بذور فشلها عبر ما يسمّى التّلفيق والتّرميق، فكأنّها مثّلت بداية تحوّل ما لم يبلغ مداه. فهل تعتبرين أنّ هذا التّحوّل موجود في بنية الفكر الإصلاحي؟ ثمّ ما مدى نجاح هذه الحركة الإصلاحيّة خاصّة وقد أعقبتها فترة الاستعمار؟
دة. لطيفة الأخضر: لم تكن الحركة الإصلاحيّة مسؤولة عن الاستعمار، ولكنها تتحمّل جانباً من المسؤوليّة، لأنّها فشلت في الإصلاح. ويمكن القول موضوعيّا، إنّها مثّلت وعي الإسلام بعدم قدرته على مواكبة التّاريخ، وبأنّه وصل إلى فترة سجّلت خروجه الخطير من التّاريخ. ولكنّ روّاد الإصلاح، سواء الجيل الأوّل منهم مثل الطّهطاوي والأفغاني وعبده وغيرهم، أو الجيل الثّاني الأكثر شجاعة وجرأة وعقلانيّة مثل طه حسين وعلي عبد الرّازق والطّاهر الحدّاد وغيرهم، كانوا جميعاً على درجة من الوعي، وقد مثّلوا تحوّلاً مهمّا، إلاّ أنّه لم يكتسب وسائل انتصاره ونجاحه، لأنّهم ظلّوا يمارسون عمليّة التّلفيق ولم يذهبوا بالنّقد إلى منتهاه؛ أي نقد الأصول التي تتأسّس عليها الثّقافة الإسلاميّة، لأنّ وسائل النّقد التي تتأتّي من الفكر الفلسفي كانت تعوزهم، ومردّ ذلك إلى انقطاعهم عن الفكر الفلسفي الموجود في العالم في تلك الفترة. وحين نقرأ محمد عبده نرى بأنّه واع بالتّخلّف، وبأنّ ثقافته مسؤولة عن ذلك التّخلّف، ولكنّه يُدين المتصوّفة والبربر والأعاجم ولا يدين ثقافته التي هي مسؤولة عن ذلك، وهذا التّمشّي يذكّرني بما يحدث اليوم مع التيّارات اليمينيّة في أوروبّا، فهي تدين المهاجرين في ما يخصّ الأزمة العميقة التي يعيشها العالم الأوروبّي، ولا تطال بنقدها النّمط الاقتصادي والاجتماعي والسّياسي الذي يسيّر الأمور كلّها منذ قرنين أو ثلاثة على الأقل، وقد انتهى إلى تنازل الدّولة عن دورها (l'Etat providence) لفائدة المصالح الرّأسماليّة الأنانيّة، وقد قام عبده بالشّيء نفسه فعوض أن ينقد الأصول نقد الأطراف.
د. نادر الحمّامي: أتّفق معك في أنّ هذا الفكر الإصلاحي لم ينقد الذّات، وإنّما حمّل المسؤوليّة لأطراف أخرى، ولكن هنالك أمر آخر لدى هؤلاء المصلحين وهو الفصل بين مجالات الإصلاح، فلو لاحظنا ابن أبي الضّياف مثلاً، وقد ناهض الاستبداد السّياسي في كتاب "الإتحاف"، نجد أنّه في "رسالته في المرأة" كان قمّة في التّحجّر والتّشدّد والنّظرة الدّونية في حديثه عن المرأة، وقد فصل بذلك بين مستويي الإصلاح السّياسي والاجتماعي، ولم يدرك أنّ مستويات الإصلاح متداخلة، ولعلّ هذا ما عرقل حركة الاصلاح عموماً، على الرّغم من وعي روّادها بالتّخلّف.
دة. لطيفة الأخضر: أضيف على ما ذكرتَ مثال الكواكبي، ففي كتابه "طبائع الاستبداد" دعوة للتّحرّر السّياسي، في حين أن مواقفه تجاه المرأة كانت شديدة التّخلّف والرّجعيّة. فقد كان لهؤلاء المصلحين وعي سياسي تحرّريّ تجاه الأنظمة السّياسيّة، ولكنّ احترازاتهم في ما يخصّ الوضع الاجتماعي كانت كبيرة، وغاب لديهم الوعي بالإصلاحات التي كان يجب أن تحدث في المستوى الاجتماعي، وقد أدّت هذه التناقضات بين السّياسي والاجتماعي إلى فشل الإصلاح.
د. نادر الحمّامي: ومع ذلك، فإنّ أسئلة روّاد الإصلاح كانت جوهريّة في ما يتعلّق بالسّياسة، ولكن الإشكال هو ما حدث لاحقاً بداية من الرّبع الثّاني من القرن العشرين، من عدول عن تلك الأسئلة الجوهريّة ورجوع إلى ما قبل القرن الثّالث عشر الميلادي، فغدت الأسئلة لا تتعلّق بجوهر مقاومة الاستبداد السّياسي، واكتفت بالنّواحي الشّكليّة والفقهيّة والفرعيّة والتّمسّك أكثر فأكثر بالأصول، وهو ما يتطلّب ثورة نقديّة داخل المستويات الدّينيّة من أجل إصلاح ديني حقيقي وجدّي يطال الأصول، وقد يكون مؤلماً، ولكن دون أن يعني ذلك عداءً للدّين من ناحية، أو سقوطاً في الأصوليّات من ناحية ثانية. ولعلّ ذلك، يردّنا إلى مفهوم أساسيّ هو العَلمانيّة عبر فصل الدّيني عن السّياسي، بل عن كلّ المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها ممّا ينبغي إعادة طرحه في دائرة النّقاش. هذه الأفكار ستكون منطلقاً للجزء الثّاني من حوارنا، بدءاً من السّؤال الأساسي؛ كيف يمكننا نقد الدّين دون عداء له، ودون التّماهي مع الأصوليّات؟