حوار مع الدكتور علي حرب الانفتاح والانغلاق
فئة : حوارات
حوار مع الدكتور علي حرب
الانفتاح والانغلاق
تقديم
يمثل المفكر اللبناني علي حرب، منذ عقود في الوطن العربي صرخة من أجل النقد ونقد النقد؛ ففي الوقت الذي شغل فيه الكثير من المفكرين العرب وغيرهم أنفسهم في بناء مشاريع فكرية يدعي بعضها الكمال، شغل علي حرب نفسه بسؤال النقد والتحليل والمراجعة، بهدف تعرية أوهام وسراب الحلول التي تقول بها مختلف الاتجاهات والمدارس...
فمن البديهي، أن تشغل أفكار وطروحات وآراء علي حرب مساحة واسعة في مجال السجال الفكري والجدال المعرفي؛ فمجمل كتبه ومؤلفاته وفية كل الوفاء لمبدأ النقد والمراجعة والتحليل من قبيل: "أوهام النخبة أو نقد المثقف" "التأويل والحقيقة" "نقد الحقيقة" "الاستلاب والارتداد" "أصنام النظرية وأطياف الحرية".
التقيت الدكتور علي حرب خريف 2019م بشارع الحمراء في لبنان، ودار بيني وبينه حوار حميمي، في مجال الثقافة والفكر، وكان من بين انطباعاتي وأسئلتي حول مؤلفاته، أنني قلت له: لقد كرست كل جهدك من أجل سؤال التفكيك، ونحن اليوم كجيل استفاد كثيرا من كتاباتك وكتابات جيلك علينا أن نهتم بسؤال التركيب، أليس كذلك؟ وإذا به يرد مبتسما، أنا لست ضد سؤال التركيب؛ فكل ما أقوم به من أجل ذلك. ومن ثمرات اللقاء، أنني أهديت علي حرب نسخة من كتابي "منهج التصديق والهيمنة في القرآن الكريم سورة البقرة نموذجا" وقد أنجز حوله قراءة نقدية، وقد تجدد التواصل بيني وبينه هاتفيا في مناسبات أخرى؛ ففكرة هذا الحوار هي ثمرة للقاء الأول الذي جمعني به وفي الوقت ذاته هي استجابة لنوع من الشغف المعرفي والقلق الفكري الذي تركته في ذهني مؤلفاته منذ فترة بعيدة وأنا طالب حينها بالجامعة.
صابر مولاي أحمد: هل ما زلت تتمسك بمقولتك حول العقل المنفتح والعقل المنغلق؟
علي حرب: أنا مع الانفتاح وضد الانغلاق، ولكن ليس بالمطلق؛ ففي ذلك قدر من الادعاء والجهل. ولذا أعترف أنني أنفتح أحياناً، ولكني أتطرف في بعض المواقف واللحظات.
إذن أنا أحاول أن أكون مع الانفتاح، ليس فقط لأننا ندخل اليوم في عصر التواصل والاعتماد المتبادل، ومن سماته التداخل والتشابك بين البشر، في المصالح والمصائر، بل أيضاً وخاصة، لمجابهة العنصريات العائدة بأشكالها الشعبوية الجديدة، ومطالبها المتطرفة حول السيادة والهوية والخصوصية الثقافية، ومآل ذلك هو تحكّم منطق الإقصاء والإلغاء أو الصدام والعداء، وكما تنشب النزاعات القومية في غير مكان من العالم، أو كما تنفجر الحروب الأهلية، الطائفية، في غير بلد عربي.[1]
صابر مولاي أحمد: ألا يعطي ذلك الأرجحية لنظرية هنتنغتون حول صدام الحضارات على نظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ؟
علي حرب: - مقولة نهاية التاريخ كانت عبارة عن استعارة استخدمها فوكوياما أو استثمرها، ليقول بالانتصار النهائي للديموقراطية الليبرالية والنظام الرأسمالي على الفكر الاشتراكي والنظام الشمولي، ولكن فوكوياما قد أجرى نقداً على نظريته وتراجع عنها. وما يجري اليوم من صراعات بين البشر، سواء على المستوى المكبر للدول والأمم، أو على مستوى التجمعات الثائرة على حكوماتها أو المنظمات الإرهابية المناهضة لنظام العالم وأعرافه، إنما يشهد أن العالم لا يسير وفقاً للمخططات العقلانية أو للسيناريوهات النظرية للفلاسفة والمحللين الاستراتيجيين.
والدرس هو أن نتواضع، وأن نتوقف عن الاعتقاد الجازم بوجود نهايات مطلقة أو حلول قصوى أو عصور فردوسية؛ فالواقع يفلت من قبضة النظريات، لكي يفاجئ كبار المثقفين، بالتباسه وتقلباته، بتعقيداته وتفاصيله الشيطانية.
صابر مولاي أحمد: كأنك تقول إن البشر هم فريسة لصراعات لا تتوقف!
علي حرب: نحن جزء من عالم الحيوان، ولذا لا وجود لمجتمع يخلو من الصراع أو الصدام. صحيح أن الإنسان يتميز عن الحيوان بعقله، ولكنه يوظف طاقته الفكرية لتأجيج الصراعات وخوض الحروب، أكثر مما يوظفها لبناء قواعد الحوار والمصالحة والمسالمة. ومع ذلك، فأنا لست مع مقولة هنتنغتون حول صدام الحضارات، كما علقت عليها لدى إطلاقها، ومسوغي إلى ذلك هو التمييز الذي أقيمه بين الحضارة والثقافة.
صابر مولاي أحمد: من أي وجه؟
علي حرب: إن الثقافة تُعنى بالإنتاج الفكري والرمزي، كما يتجسد في القيم والمعايير أو في الآداب والفنون أو في الفلسفات والعلوم، فضلاً عن الديانات والإيديولوجيات...أما الحضارة، فإنها تتجلى في الإنتاج المادي والتقني، ولذا فهي تتمثل في صنع الأدوات والتجهيزات أو المكينات والآليات، بقدر ما تتمثل في وسائل الاتصال والنقل أو النشر والبث، أو في أنماط الإنتاج وأساليب الاستهلاك. ونحن نعيش اليوم في فضاء حضارة واحدة هي حضارة العصر الرقمي، بأدواته الفائقة وأجهزته الذكية، بشبكاته ومنتجاته الإلكترونية، العابرة لحدود اللغات والثقافات والمجتمعات.
بهذا المعنى، فالصراع ليس بين حضارات. وعلى سبيل المثال، لسنا إزاء صراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية؛ لأن الحضارة الإسلامية قد ولّى زمنها، على ما هي حال الحضارات القديمة، كالبوذية والمسيحية أو الفارسية والصينية...ما يوجد اليوم هو الثقافة الإسلامية، فهي التي تقاوم بثوابتها المعيقة وأنساقها المغلقة، الثقافة الغربية، بأفكارها وفلسفاتها وقيمها وأنظمتها. والشاهد الفاضح أن الأصولي الجهادي الداعي إلى تطبيق الشريعة، يستخدم أحدث منتجات العصر الرقمي ومعطياته من المعلومات والمنصات والأجهزة الذكية. وهكذا، فالحضارة هي مصدر انفتاح وعامل جمع، على عكس الثقافة التي هي مظهر تنوع وتفرد، بقدر ما هي عامل خلاف ونزاع أو عداء.
صابر مولاي أحمد: ولكن المنتجات الثقافية هي أيضاً عابرة لحدود الهويات، وليست كلها تتصف بالانغلاق.
علي حرب: اعتراضك يحملني على أن أضيف إلى التفريق بين الحضارة والثقافة تفريقاً آخر بين نوعين أو أنواع من الثقافات. هناك الآثار الثقافية الباقية، كما تتجلى في الابتكارات في حقول الأدب والفن أو العلم والفلسفة، وهي منتجات خارقة لحدود اللغات والهويات؛ فنحن نستمتع بقراءة هوغو أو تولستوي أو همنغواي أو ماركيز، بقدر ما نستمتع بقراءة عمر بن أبي ربيعة وأبي نواس والجاحظ والمتنبي والمعري.. كذلك نحن نفيد من أرسطو وديكارت وكانط، كما نفيد من الفارابي وابن عربي.
صابر مولاي أحمد: من أين يأتي الصدام إذن؟
علي حرب: الصدام يأتي من الثقافات المنغلقة، كما تتجسد في الدعوات الدينية والمشاريع الإيديولوجية، حيث تعامل الهويات كمتاريس عقائدية أو خنادق رمزية لإقصاء الآخر، سواء على المستوى الرمزي أو المادي والجسدي. نحن إزاء نوعين أو نمطين من التعامل مع الهويات الثقافية، وثمة من يتعاطى مع هويته بوصفها وراءه تسبقه وتشل طاقته، بقدر ما تعيق حركته وتقدمه. وفي المقابل، هناك من يتعاطى مع هويته بوصفها أمامه؛ أي طاقته على التغير والتجدد، وهذا شأن من يمارس علاقته بفكره بصورة حية، منفتحة، خلاقة، راهنة.
صابر مولاي أحمد: أين موقع الثقافة الاسلامية في هذا التصنيف.
علي حرب: منذ البداية تشكل تياران كبيران في هذا الخضم الحضاري الهائل: المنغلق والمنفتح، المؤمن والمشكك، الملتزم والناقد، من هو أسير أصوله وأسمائه، ومن يعمل بمنطق الحوار والتبادل والتداول، باختصار بين من يريد جركّ إلى الوراء، باعتبار أن القدامى هم المثال والمرجع، وبين من يندفع إلى الأمام محاولاً الابتكار والتجديد على غير مثال سبق.
والمجدد هو من يشتغل على تراثه وأصوله بالحفر والتنقيب، بالتشريح والتحليل، من أجل إعادة البناء والتركيب، على سبيل الاثراء والتوسيع.
وهكذا وُجد أحمد بن حنبل مقابل أبو حنيفة، والأشاعرة مقابل المعتزلة، والمعتصم مقابل المأمون، والغزالي مقابل الفارابي، وابن رشد مقابل ابن خلدون، ولا ننسى المسجد مقابل بيت الحكمة.
صابر مولاي أحمد: هل نحن إزاء خطين متوازيين لا يلتقيان؟
علي حرب: بالعكس كان هناك تقاطع وتفاعل بين التيارين العريضين، وكان لذلك أثره القوي ومفاعيله الإيجابية في بناء الحضارة الإسلامية على صعيد العلوم والمعارف؛ مثال ذلك أن الغزالي تأثر بالفلاسفة الذين هاجمهم وتحدث عن تهافتهم، وإن أنكر ذلك. والفارابي حاول تفسير ظاهرة الوحي من خلال عمله على المخيلة. وابن رشد حاول تبيان الصلة بين النقيضين والضدين: الفلسفة والشريعة. ولا عجب، فالأفكار الخلاقة تخرق معارضيها وتؤثر فيهم من حيث لا يحتسبون.
صابر مولاي أحمد: الحديث عن التيار العقلي يثير مسألة العوامل الخارجية في نشوء الحضارة الإسلامية.
علي حرب: إذا كانت الحضارة الإسلامية قد تطورت وازدهرت. فليس فقط بسبب الذين ملأ الإيمان قلوبهم بالله والنبي، أو الذين حرّكتهم الأحلام والوعود بجنة الفردوس، ولا حتى بسبب الذين وجدوها فرصة ثمينة للسيطرة على الشعوب باسم الله والقرآن. ما حققه العرب من قفزة حضارية، قد أسهم فيها انفتاحهم على الحضارات السابقة أو المعاصرة لهم، وإفادتهم من مكتسباتها ومنجزاتها في مختلف وجوه النشاط البشري. ولا ننسى بالطبع أصحاب التنوير العقلي، بوصفهم شكلوا عاملاً حاسماً في ازدهار الحضارة الاسلامية، عبر فتوحاتهم الفكرية وابتكاراتهم المعرفية في مختلف الحقول. حتى الذين سموا أهل النقل وسلّموا بظاهرة الوحي أو انطلقوا منها، قد أعملوا عقولهم في قراءتهم النص القرآني والحديث النبوي، في ضوء المستجدات والمتغيرات، قراءات مختلفة، ولكن خصبة وخلاقة. تجلى ذلك في افتتاح فروع معرفية جديدة، كالفقه وأصوله، أو الحديث وقواعده، أو الكلام ومدراسه...لنتوقف عند الغزالي الذي اشتهر بتكفير الفلاسفة، فهو في النهاية فيلسوف ولو لم يعّرف بنفسه تحت هذا العنوان. نحن لا نؤخذ بصاحب القول كما يقدم نفسه، قد يعلن الواحد أنه عقلاني تنويري، ولكن تحليل خطابه قد يكتشف عن ممارساته المعتمة وآلياته اللامعقولة. وبالعكس، قد يعلن الواحد أنه عقائدي إيماني، ولكن إذا حاولنا تفكيك خطابه، بتجاوز المطروح والمعلن، نحو المستبعد والمحتجب والمسكوت عنه، ينكشف لنا بعده العقلاني وطابعه البشري.
ولا شك في أن الغزالي، سواء في مناقشاته للفلاسفة كما في كتابه تهافت الفلاسفة، أو في كتبه الأخرى ككتاب إحياء علوم الدين أو المقصد الأسنى، قد افتتح حقولاً للدرس غير مسبوقة، وصاغ أفكاراً تشكل إضافة على رصيد المعرفة.
من هنا قولي إن الفلاسفة والعلماء في إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، كانوا خلاقين، كل على طريقته، مع اختلافهم أو تعارضهم من حيث اتجاهاتهم ومذاهبهم. وهم لم يلجؤوا إلى تصنيف الفلسفات والعقول على أساس ديني، أو قومي، كما نفعل نحن اليوم. ولذا، فقد صنفوا المعارف بين عقلي ونقلي. أما الفلاسفة، فقد جرى تصنيفهم بين إلهي، وطبيعي، ودهري.
والدرس المستخلص هو أن الأعمال الفكرية والمراجع الثقافية تستعصي على الحصر والتصنيف؛ إذ هي تختزن إمكاناتها وتنفتح على احتمالاتها، بقدر ما تقبل غير قراءة. الأمر الذي يدعونا إلى إعادة النظر بالثنائيات التي تصنف المفكرين القدامى، على سبيل الاختزال والتبسيط، إلى عقلي ونقلي، أو تقدمي ورجعي.
- المعجزة
صابر مولاي أحمد: عندما أقرأ مقالاتك حول الحضارة الإسلامية أراك كأنك تقلص دور العوامل الداخلية لصالح العوامل الخارجية؟!
علي حرب: جوابي بكل بساطة وصراحة أن أساس الحضارة الإسلامية ومحركها هو المشروع النبوي لبناء مجتمع جديد وقيام إنسان جديد، الأمر الذي تجسد في نمط وجودي مغاير، فكراً ومسلكاً، قيماً ومُثُلاً، خلقاً ومعاملة. صحيح أن القرآن يؤكد أن الدين هو الإسلام، ولكن الخطاب يتوجه إلى عموم الناس؛ نحن إزاء مشروع لم ينبثق من عدم محض، ولا يشكل بداية مطلقة؛ إذ هو أتى من الديانة الإبراهيمية التوحيدية، بإنتاج نسخة جديدة منها، هي صيغة جديدة، معرّبة، لها أصالتها وفرادتها وإعجازها. ولا شك في أن العامل اللغوي كان عاملاً حاسماً، من هنا كان استخدامي لمصطلح المعجزة العربية، على غرار المعجزة اليونانية؛ ولا أعني بالمعجزة معناها الغيبي، الرباني، بوصفها خرقاً لقوانين الطبيعة، وإنما أعني بها الإتيان بما هو غير مسبوق، مما يمتنع تكراره أو تقليده. بهذا المعنى، كل أثر فكري أو أدبي أو فني خارق في مجاله يعدّ معجزة. ولذا كل حضارة تجترح معجزتها.
صابر مولاي أحمد: أين وجه الإعجاز عند العرب؟ ما الذي أبدعوا فيه؟
علي حرب: لنقارب بينهم وبين سائر الأمم، فاليونان برعوا في الفلسفة، والرومان في الحقوق، والهنود في التصوف، والفرس في الفكر العرفاني، وكان الفراعنة سباقين في مجال الهندسة والعمارة، ولا يعني التفوق في مجال ما، غياب الإبداع في المجالات الأخرى.
في ما يخص العرب كانت معجزتهم اللغة؛ فهي لعبتهم الوجودية التي تباهوا بها على سائر الأمم. من هنا أطلقوا اسم أعجمي أو الأعاجم على من لا ينطقون بالعربية، ولا يخفى أن الكلمة تشي بالاحتقار؛ لأن العرب تصف الحيوانات بكونها عجماء.
صابر مولاي أحمد: ألا يعدّ ذلك نوعاً من النرجسية من جانب العرب، ما دام كل إبداع لغوي ينطوي على وجه من وجوه الإعجاز كقدرة خارقة؟
علي حرب: ما أودّ قوله، هو حدوث نوع من الانفجار اللغوي على موجات متلاحقة: هناك الأدب الجاهلي بنثره وشعره، والمعلقات تشكل ذروة من ذراه، وهناك القرآن الذي يشكل نمطاً بيانياً فريداً لا هو بالنثر ولا هو بالشعر، وهو الذي يحضر أولاً عند الحديث عن المعجزة، وهناك من جهة ثالثة الحديث النبوي، وهو مدوّنة ضخمة تتناول حياة الإنسان، بمختلف شؤونها ووجوهها، من المهد إلى اللحد، بل مما قبل الولادة إلى ما بعد الموت. وكلاهما، القرآن والحديث، شكل مادة دسمة وغنية لنشوء علوم ومعارف جديدة كالفقه والحديث والتفسير والكلام.
هناك موجة رابعة تمثلت في ما تركه اللاعبون على المسرح، في صدر الإسلام، خلفاء وأمراء وقادة، من الخطب والرسائل والوصايا والمناظرات في مختلف وجوه الحياة. وهذه الموجة لم تنل حقها من التوثيق والدرس، ولا أنسى أقوال النساء، المبدعات، اللواتي كن أكثر تحرراً واستقلالية من المرأة المسلمة اليوم، بالطبع بسبب قواعد المروءة، لا بسبب أحكام الشريعة.
هذا ما جعل اللغة العربية تصمد أمام محاولات تخريبها، لجعلها لغة ميتة وغير قابلة للتداول، بإحلال العاميات مكانها أو استبدالها بفصحى تنكسر معها ليس فقط قواعد النحو العربي، بل قواعد النحو العام لكل اللغات. ولكن محاولاتهم، الساذجة أو المشبوهة قد باءت بالفشل ووصلت إلى الجدار المسدود؛ لأن أصحابها قد أبدعوا باللغة الفصحى ونالوا شهرتهم بواسطتها، والأرجح أنها كانت مفتعلة ولا علاقة لها بالتحديث ولا بالتطوير.
صابر مولاي أحمد: ما موقع القرآن في هذه القضية؟
علي حرب: يُقال إن القرآن قد أسهم في بقاء اللغة العربية حية، عبر انتشارها في العالم، بوصفها لغة الدين الإسلامي، ولكن القرآن ببيانه وسحره هو صنيعة اللغة العربية، تماماً كما هي صنيعتها المعلقات وأشعار المجنون وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي والمعري... أو أشعار المحدثين كالشابي وشوقي والرصافي وإيليا أبو ماضي ونزار قباني وسعيد عقل ومحمود درويش...
صابر مولاي أحمد: ألا يجرنا الحديث عن اللغة العربية إلى الكلام على العقل البياني بحسب تصنيف الجابري؟
علي حرب: أنا لست مع التصنيف الحاسم والقاطع بين عقل بياني وعقل برهاني وعقل عرفاني، يمكن أن تجتمع هذه العقول داخل الثقافة الواحدة، بل داخل الشخص الواحد. وما سمي العقل البياني، العربي أو الإسلامي، ليس مجرد لغة جميلة ساحرة، أو مجرد بلاغة فارغة. فلو رجعنا إلى أقوال العرب في صدر الإسلام، كما تمثلت في الوصايا والرسائل والمناظرات، حول مختلف الشؤون والقضايا، نجدها تنبئ عن اشتعال الحدس وقوة الحجاج، أو عن رهافة الفكر وأصالة الرأي، أو عن جدة المعنى وجمال المبنى. لنتوقف أولاً، عند ما قاله الأنصار من أهل المدينة للمهاجرين من أهل مكة، بخصوص خلافة النبي؛ ليكن منا أمير ومنكم أمير، وهذا مثال يصدر عن عقل يأخذ بقاعدة التداول في مسألة السلطة. لنتوقف أيضاً عند قول أبي بكر الصديق، الخليفة الأول، عند وفاة النبي: من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيّ لا يموت. أو قوله وُليت عليكم ولست بأفضلكم؛ مثل هذه الأقوال تؤسس لمرحلة جديدة يتم معها الانتقال من طور النبوة إلى طور الخلافة، حيث لا قداسة ولا عصمة لأحد. لنتوقف عند مخاطبة عمر بن الخطاب لجنوده: "وأنتم إنما انتصرتم على عدوكم مع قلة عددكم، لانتصاركم على أنفسكم"؛ ومعنى القول إن من لا يملك زمامه أو يسيطر على نفسه، هو إنسان قاصر، ضعيف، لا يمكن أن يحرز نصراً أو يتولى أمراً. ولنأخذ قول علي بن أبي طالب في رسالته إلى مالك الأشتر: الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، فلا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم. ومبنى هذا القول إن من لم يكن مسلماً، فهو شريك لنا في الإنسانية، وهذه الشراكة هي أساس لسائر وجوه الشراكة بين الناس. لنأخذ قول معاوية لابنه يزيد: يا بني من حاول خداعك فانخدعت له قد خدعته؛ نحن إزاء مثال على أن الحاكم يخفي حقيقته ولا يكشف أوراقه؛ لأن من ليس عنده أوراق مستورة ليلعب بها لا يحسن اللعب. وأخيراً لنأخذ قول أبي الأسود الدؤلي لابنته عند زواجها: لا تبذلي له نفسك كثيراً حتى لا يملك، فإنه إذا ما ملّ الجسد ملّ القلب. ولا تبتعدي عنه كثيراً حتى لا يميل عنك إلى غيرك؛ نحن إزاء معادلة تنم عن خبرة غنية وعميقة في مسألة العلاقة بين الزوجين أو الشريكين، فحواها أن هذه العلاقة تستهلك وتصبح عبئاً، إذا لم يعد هناك سر جاذب أو لغز غامض يحتفظ به الشريك إزاء شريكه أو النظير تجاه نظيره.
أخلص من ذلك إلى القول إن صعود العرب الذي أتاح لهم استعمار جزء كبير من العالم، لغة وعقيدة، باسم الله والقرآن، لم يكن مجرد حدث عسكري، ولا حصل بفعل عوامل خارجية بحتة، كذلك لم يكن مجرد فلتة أو صدفة تمكن العرب بفضلها من السيطرة، من غير ابتكارات أو إنجازات تضاف إلى سجل الحضارة والمدنية أو على رصيد العلم والمعرفة. ثمة كثر يرون هذا الرأي، ومن بينهم عرب كارهون لهويتهم، كما هي النغمة السائدة اليوم، لدى العرب الموالين للنظام الإيراني الولايتي.
ولنقارن هنا بين العرب وبين المغول، كان هؤلاء أمة عسكرية امتازت بلعبة القتال وفن الحرب، الأمر الذي أتاح لهم اجتياح العالم الإسلامي وصولاً إلى دمشق، بعد أن استولوا على عاصمة الخلافة في بغداد. لقد انتصروا عسكرياً، ولكنهم هزموا ثقافياً؛ إذ لم تكن لديهم إنجازات في مجالات الثقافة وميادين الفكر. من هنا، فإنهم دخلوا في الإسلام وتبنوا عقيدته وشرائعه، ومارسوا طقوسهم باللغة العربية. وهكذا، فإن صعود العرب على المسرح الكوني، قد غير على نحو جذري في خريطة العالم وفي مصائر البشر، شأنه في ذلك شأن أي حدث عالمي.
بحسب قراءتي لهذا الحدث، هناك عوامل عديدة تتقاطع وتتشابك لتفسير صعود العرب: النص والسيف، اللغة والعقيدة، المروءة والشريعة، النقل والعقل، علوم الأوائل وعلوم الأواخر، أساطير الأولين وخرافات المتأخرين، باختصار الفتوحات الفكرية والفتوحات العسكرية؟
صابر مولاي أحمد: كيف حصل الانحطاط والانهيار بعد كل هذا الصعود وهذا الازدهار؟
علي حرب: لمّا استنفدت الحيوية الوجودية واستهلكت الطاقة الفكرية، دخل العالم الإسلامي، وفي مقدمته العرب، في عصر الانحطاط والأفول. فصار الإعجاز اللغوي مجرد بلاغة جوفاء، وتحول الفتح الفكري إلى إنشاء فارغ أو إلى جدل عقيم. باختصار لقد تحول الشعر إلى صناعة لفظية، والنحو إلى قوالب معيقة، كما تحول المنطق إلى مجرد قياس صوري، في غياب الأفكار الخصبة والرؤى الخلاقة والحقول المثمرة. واليوم إذ يعود الدين، كما تريد له الحركات الإسلامية، فإنه يعود عودته المرعبة والمدمرة أو المظلمة والبشعة، كما نعاني تداعياتها دعوات مستحية واستراتيجيات قاتلة، حروباً أهلية ومنظمات إرهابية.
صابر مولاي أحمد: ألا نظلم أنفسنا ونبرئ الغرب؟
علي حرب: كان الغرب قد خرج من البلاد العربية، التي استقلت لتتسلم قيادتها حركات التحرر الوطني، تحت شعارات الوحدة والتقدم والعدالة، ولكنها فشلت في بناء مجتمعات حديثة، بل هي أطاحت بهامش لحريات التفكير والتعبير، كان قد تشكل في زمن الاستعمار وفي العهود الملكية.
وهكذا، فالأنظمة المسماة تقدمية، تحررية، قد فشلت في كل العناوين؛ أعني في استحقاقات المعرفة والديمقراطية، أو التنمية والخدمة، فضلاً عن استحقاق الأمن. ولا غرابة، فلا نهوض يتحقق أو تقدم ينجز، ما دامت العقول معطلة والأفكار مصادرة.
- الذريعة والخديعة
صابر مولاي أحمد: ألا يبعث ذلك على اليأس؟
علي حرب: لا يعتريني اليأس ما دمت أكتب وأحاول تشخيص الواقع وتفكيك المأزق، لا يمكن صناعة الحاضر بأفكار الماضي وأدواته؛ ومعنى القول إن الإسلام ليس هو الحل، كما يفكر ويطرح أو يعمل الإسلاميون؛ ولا يعني ذلك نفي الإسلام، كما لا يعني التعامل معه كمرجع ومقياس للنظر والعمل. الممكن والمجدي هو التعامل معه، كتراث غني وهائل، يحتاج لكي يصلح لبناء حياة راهنة إلى العمل عليه، بمنطق التحويل الخلاق والتركيب البناء، أو بلغة التداول المنتج والتبادل المثمر. من غير ذلك، سنعيد إنتاج العوائق والمآزق بشكلها الأسوأ والأخطر؛ وما يقال على المعسكر الديني، يقال أيضاً على الكتلة الحداثية العلمانية، وهي تضم قوميين ويساريين يعتبرون أن الغرب الرأسمالي والليبرالي، الذي تقوده أميركا، ليس المرجع الوحيد للتغير والتطور أو للنمو والتقدم، على ما يقدم نفسه منذ صعوده على المسرح العالمي. هذا ما يردّده حكام وقادة عرب، ومعهم مثقفون كثر، يقولون إن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تحاول فرض قيمها ونظمها ونماذجها على بقية المجتمعات، التي لها هويتها وثوابتها وقيمها. وهذا ما يقوله الروس بشكل خاص؛ فالرئيس فلاديمير بوتين لا يفتأ يؤكد أن روسيا ليست مع النظام الليبرالي، الديمقراطي، التعددي؛ ولم تكن يوماً كذلك؛ بمعنى أنها تختلف عن الغرب بهويتها وثقافتها. وهذا ما يقطع به الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، الذي يعتبر ملهماً لبوتين، والذي يذهب إلى أن روسيا كانت دوماً ملكية، حتى في العهد الشيوعي؛ أي لم تكن دولة مواطنة وقوانين ومؤسسات. هذا كلام مخادع تدحضه الوقائع؛ فروسيا قد تطورت وسارت باتجاه التحديث، منذ عهد بطرس الأكبر. وقيام الاتحاد السوفياتي، الذي يتأسف بوتين على انهياره، هو أثر من آثار الفكر الغربي بصيغته الهيغلية الماركسية.
وهذا ينطبق على الصين، فهي خرجت من عصر التخلف ووهدة الفقر، وحققت قفزتها النوعية في التقدم والنمو، بتبنيها النظام الرأسمالي في مجال الاقتصاد، بما يعنيه ذلك من فتح الأسواق وحرية التجارة والتبادل. وتلك هي إشكالية زعماء روسيا والصين، ومعهم كثر من زعماء وقادة الدول العربية والإسلامية؛ فهم يأخذون عن الغرب كل أسباب التقدم ومنجزات الحداثة، أو يسطون على أفكاره وينسبونها إلى الإسلام كما يفعل دعاة إسلاميون. وهكذا، فالكل هم غربيون في كل المجالات والأنشطة، إلا في ما يخص مبدأ التعددية والحريات والديمقراطية، حيث يصبحون دعاة هوية وسيادة واستقلالية، وكلها حجج وذرائع لتغطية منازع الاستبداد وآفات الفساد.
صابر مولاي أحمد: هل معنى ذلك أن لا أفق للتطور والتقدم خارج الغرب؟
علي حرب: لا شك أن العالم آخذ في التطور والتغير، باتجاه كسر أحادية القطب والنموذج.
وهذا معطى إيجابي، ولكنه ليس ذريعة للعودة عن المكتسبات الحديثة في ما يخص قيم التعدد والشراكة؛ لأن المآل سيكون الغرق في الفاشية وعودة العنصرية بشكلها الشعبوي الأحدث. وتلك هي الخديعة والفضيحة: أن تُربط الهوية والسيادة بالدكتاتورية، والدفاع عن الحرية والاستقلالية بدعم أنظمة الطغيان والفساد، حيث الزعيم الأوحد يجدد ولايته على شاكلة الملوك والأباطرة، الذين كانوا أرحم وأقل قسوة أو شراسة.
ولنتأمل تجربة أوروبا بعد هزيمة الأنظمة الفاشية والنازية، حيث استخلص زعماء القارة القديمة دروس الصراعات المدمرة والحروب الطاحنة، باعتماد لغة التداول والتعاون، والعمل على تطوير النظام الديمقراطي الليبرالي، كنموذج للتعدد أو كمنبر لحرية الرأي والتعبير، أو كمنصة للدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات الثقافية. ولنتوقف عند ألمانيا التي تعلمت من تجاربها المريرة، فأعادت بناء نفسها، فكراً وسياسة، هوية ورابطة. ولا شك أن المستشارة السابقة أنجيلا ماركل قد جسدت هذه الصورة الجديدة لألمانيا الموحدة، والمنفتحة على أوروبا وعلى العالم. هذا ما أتاح لها أن تصنع نفسها وتبني حاضرها أو تعد لمستقبلها كدولة ناجحة، غنية وقوية.
نحن إزاء تجربة ناطقة تقول إن حماة الهوية والسيادة، من طغاة وفاسدين، فاشيين وعنصريين وشعبويين، لن يصنعوا سيادة أو يعززوا هوية، بل هم يصنعون مجتمعات مفخخة بالاستبداد والفساد والنرجسية، تنتظر ساعة الانفجار. كفانا ممارسةً للزيف الوجودي؛ فنحن أصبحنا غربيين، منذ زمن، بمأكلنا وملبسنا ومشربنا، وفي معارفنا وأدواتنا وأنماط عيشنا، كما في منصاتنا وشبكات تواصلنا، أو في لهونا ولعبنا وسائر مفردات وجودنا. وأنا أقصد بذلك، بنوع خاص، أصحاب الدعوات والمشاريع المناهضة للغرب، كالإسلامي الذي يسطو على المعارف التي تنتجها الجامعات الغربية لنسبتها إلى القرآن، أو الذي هرب من جور حكومته أو فقر مجتمعه إلى فرنسا، لكي ينعم بأجواء الحرية، ثم يسعى إلى استغلالها ويحاول تسميمها وتهديمها. ولا أنسى اليساري الذي يقيم في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها أو يدرّس في جامعتها، ثم يشن الهجوم عليها، لكي يدافع عن هذه المنظمة الإرهابية أو تلك الدولة الاستبدادية.
والمآل لهذا الهجوم على الغرب، بداعي الدفاع الكاذب والخادع عن الهوية والحرية والاستقلالية، هو دفع الديمقراطيات الغربية، التعددية والليبرالية، لكي تنغلق وتتطرف وتتراجع عن مكتسباتها، فتمسي على شاكلة الأنظمة الشمولية الأحادية، أو الحكومات الأصولية الإرهابية.
- حرية النقد
صابر مولاي أحمد: ما موقفك من قضية الرسوم الكاريكاتورية؟ هل أنت مع حرية النقد بالمطلق؟
علي حرب: في فرنسا، ذات الأكثرية الكاثوليكية، تمارس حرية الاعتقاد لكل الأديان والطوائف، مقابل حرية التعبير والنقد لكل العقائد والمذاهب، أكانت مسيحية أم بوذية، علمانية أم دهرية، اشتراكية أم رأسمالية...فقط الإسلام هو الاستثناء؛ لأن أهله يرفضون التعرض لعقائدهم أو المس بنبيّهم بالكتابة النقدية أو بالرسوم الكاريكاتورية. هذا مع أن المسلمين ليسوا ملائكة ولا عشاق حرية؛ فالإسلام شأنه شأن سائر العقائد الدينية والإيديولوجيات الشمولية، إنما نشأ وتطور وازدهر، بقدر ما تعامل مع سواه من الأديان التوحيدية والعقائد الوثنية أو المذاهب الفلسفية، بمنطق الجرْح والطعن أو النبذ والاقصاء أو التهجم والعداء. تجسد هذا المنطق بالتعامل مع كل مخالف أو منكر أو عاصٍ ومرتدّ، بالتهديد والوعيد بالعقاب الشديد، عاجلاً أو آجلاً. ويا لها من فكرة، مدمرة، قاتلة، أن يكون مصير المرء هو الخلود في نار جهنم، إذا كان يُؤثر ممارسة حريته في التفكير، ولا يرضى بعبوديته لأوامر كائن غائب يروي عنه وينطق باسمه رجل عربي، هو بشر كبقية الرجال.
إن فكرة كهذه الأولى أن تكون محل رفض، أو أقله محل جدل ومناقشة، من قبل العقلاء وذوي البصائر النيّرة. وهذا ما فعله فلاسفة وعلماء وأدباء لم يقتنعوا بدعوى الوحي ومشاريع الانبياء، بل شككوا بأحقية ذلك وصدقيته. حتى السيدة عائشة، زوجة النبي، قد تساءلت بشيء من الاستغراب والتهكم، في مواجهة الأمر الإلهي؛ فبعدما ألغت الآية قاعدة التبني، ليتاح للنبي الزواج من ابنة عمته زينب التي كانت زوجة زيد ابنه بالتبّني، وكان قد وقع في حبها، قالت أم المؤمنين للنبي: ما لي أرى ربك لا يسارع إلا في هواك؟
ولكن المسلمين المحدثين والمعاصرين قد ازدادوا تعصباً وانغلاقاً وتمركزاً على الذات، بسبب هزيمتهم أمام صعود الغرب الحضاري وتفوقه وغزوه لبلدانهم، ولكنهم لا يرون وسط الرؤية. فهم يتهمّون الغرب، بما يمارسونه من التعصب والعداء، أو العنصرية والإقصاء. من هنا مدى الخداع والتضليل أو الجهل والنفاق، أن يرفض المسلمون في فرنسا وفي خارجها، المساس بعقائدهم ومقدساتهم. هذا مع أن المسلمين ما كانوا يوماً مع احترام عقائد الغير وقيمه وعاداته، لا في الماضي ولا في الحاضر، والمثال الفاضح يقدمه الداعية وإمام الجامع الذي يذهب إلى فرنسا ليشتم الفرنسيين في عقر دراهم؛ إذ يخاطب جمهور المؤمنين بكل وقاحة بالقول: من يأكل لحم الخنزير يصبح وسخاً.
ولا غرابة، فإذا كان المسلمون لا يحترمون بعضهم البعض في مذاهبهم واجتهاداتهم، فإنهم أبعد ما يكونون عن احترام عقائد غير المسلمين. ومن هذا شأنه الأولى أن توضع عقيدته على مشرحة الفحص والنقد والغربلة، أو الرفض وعدم الاحترام. بالطبع، يحتج المسلم في فرنسا، بكونه يمارس حريته المكفولة في الدستور الفرنسي، سواء في دفاعه عن معتقده وقيمه أو في نقده للديانات الأخرى. وتلك هي الخديعة: فالمسلم يستغل أجواء الحرية في فرنسا، لكي يعمل على تقويضها بفكره العبودي والإرهابي. من هنا أنا أشكك بوجود مسلم مؤمن، ملتزم، هو مواطن فرنسي، أو مغربي، أو لبناني؛ لأن الدين عنده هو أولى من الأوطان.
- نقد الدين
صابر مولاي أحمد: ألا تقسو وتتعسف في نقدك للإسلام؟
علي حرب: ما أحاوله هو ما يناط بي القيام به كمشتغل في حقل من حقول المعرفة: تسليط الضوء على المآزق الوجودية والأزمات الحضارية التي تقودنا إليها، على السواء، الدعوات الدينية والمشاريع الإيديولوجية والأنظمة السياسية.
هذا العمل يقتضي الدخول على المسائل من مدخل فكري، حيث أصل المشكلة ومكمن العلة، وكما يتجسد ذلك في العقليات والمفاهيم وأنماط التفكير، أو في منظومة القيم وأنساق الثقافة. نحن نستخدم عدة فكرية تحتاج إلى أن توضع على طاولة الفحص والتشريح أو النقد والتحليل، لكشف وجوه الضعف والخلل، أو لتفكيك العوائق والموانع، أو لتقصّي أسباب الاستعصاء والاستقواء.
هذا ما يُنتظر من نقد الفكر الديني: إعادة النظر بالثوابت المعيقة والمسلمات الخادعة، أو فضح الممارسات المعتمة والمناهج القاصرة، أو تفكيك المنظومات المغلقة والعقليات المفخّخة. وللتفكيك وجهه الإيجابي؛ لأنه يفتح إمكاناً لإعادة التركيب والبناء، بقدر ما يتيح للمرء أن يمارس استقلاليته وحريته في التفكير، بعيداً عن طقوس العبادة وشعوذات التقديس للأسماء والأصول أو للكتب والعقائد؛ وذلك يتمّ بكسر محرمين:
*طيّ صفحة النبوة الخاتمة التي ختمت على العقول والبصائر؛
*التحرر من أسطورة الكتاب الذي ينطوي على العلم بكل شيء، وهي خرافة جعلت المسلمين يمارسون الشعوذة الفكرية، بالسطو على المعارف العلمية الحديثة، ونسبتها زوراً وبهتاناً إلى القرآن.
الأمر الذي يقتضي من جهة ثالثة كسر النرجسية الثقافية، والتوقف عن محاولات أسلمة الحياة، للعودة بالمجتمعات العربية إلى الوراء، والإطاحة بما اكتسبته حديثاً من المفاهيم والنظم والقيم، المتعلقة بتدبر الوجود وإدارة الشؤون. ما عاد يجدي السير على نفس النهج، وبنفس العدة الفكرية والأدوات المعرفية، لكي يحصد العرب كل هذا التردي والتفكك أو التمزق والتوحش، وكما تشهد عليهم حروبهم الأهلية ومنظماتهم الإرهابية. الأجدى هو العمل على وقائع الحياة ومعطيات الوجود، بمنطق التحويل الخلاق والتركيب البناء، أو بلغة التداول المنتج والتجاوز الفعال، أو بنهج التوسط وقيم التوازن، وعلى النحو الذي يتيح ابتكار ما تحتاج إليه صناعة الحياة من الصيغ والنماذج أو المفاهيم والقيم أو الأدوات والوسائل.
والعجب مرة أخرى من الذين يخافون على هويتهم أو ثقافتهم من النقد. فنحن نمارس النقد، لكي نكشف الأعطال والمساوئ، أو لكي نفكك العوائق والمآزق، أو لكي نفضح وجوه الخلل ومكامن العجز والإخفاق؛ إذن نحن نحلّل لكي نجترح الحلول، ونفكك لكي نخلق وننشئ، أو لكي نبني ونركب، وعلى النحو الذي يتسع معه الإمكان العقلي والوجودي.
- الفيلسوف وأوهامه
صابر مولاي أحمد: ما رأيك بقول من يرى أن الفلسفة هي الحل الوحيد للانسداد التاريخي الذي تعاني منه المجتمعات العربية والإسلامية؟
علي حرب: أراني أعود إلى ما قلته بصدد نقدي لفوكوياما: لم أعد أسلمّ بوجود حلول نهائية أو أزمنة فردوسية، لا ماضياً ولا مستقبلاً. ومسوغي إلى ذلك أنني لم أعد أقتنع بوجود حقيقة مطلقة أو نهائية، ثابتة أو متعالية يمكن القبض عليها واحتكارها أو التماهي معها والعمل بها. لقد تغير مفهومي للحقيقة؛ بمعنى أنني صرت أتعامل معها بمفردات القراءة والرهان أو العلاقة والمفارقة أو الخلق والتحويل. وحدهم الذين يتعاملون مع الحقيقة، بمنطق المماهاة والتيقن أو القطع والقبض، هم الذين يقولون إن الفلسفة هي الحل الوحيد للخروج من مأزقنا الحضاري. وهذا الرأي يبنى على احتكار المثقف المعرفة الشاملة، ومآله احتقار بقية الفاعلين الاجتماعيين وإلغاء أدوارهم في مختلف الحقول والقطاعات؛ فضلاً عن كونه لا يترك مجالاً لصنع الإمكان، إذ هو يصدر عن رؤية حتمية للتاريخ. أنا لست مع الأقوال الفاصلة، التي هي لغة أصحاب الفكر الأصولي والأحادي الشمولي، ومآل ذلك هو تشكيل قطعان بشرية كتلك التي تتظاهر الآن ضد حريات التفكير والتعبير دفاعاً عن المقدسات. من هنا، فإن المثقفين الحداثيين الذين يقطعون بوجود حلول نهائية للمشكلات أو قطائع حاسمة بين العصور، إنما يخترقهم الفكر الأصولي من حيث لا يحتسبون. ولو كان الأمر كما يقررون، لما ظهر هتلر بعد كانط، أو ستالين بعد تولستوي، أو سيد قطب بعد لطفي السيد وقاسم أمين، أو الغنوشي بعد بو رقيبة. الأجدى ممارسة التقى والتواضع؛
أولاً في ما يخص علاقتنا بالحقيقة، سواء تعلق الأمر بالواقع الطبيعي أو البشري؛ نحن إزاء عالم لا ينفك يحدث ويتحول، وما بوسعنا فعله أو القيام به، هو أن نقرأ ما يحدث على سبيل الفهم والتشخيص أو التقدير والتدبير، سواء كنا فلاسفة وعلماء أو عاملين في مختلف الحقول والقطاعات. وكل قراءة خصبة أو فعالة لما يقع ويفاجئ، تشكل هي نفسها واقعة مضافة على سجل الحقيقة، بقدر ما تشكل إضافة قيمة على رصيد المعرفة.
ثانياً: في ما يخص الفلسفة أرى أن الدرس هو أن لا تُعامل الأعمال الفلسفية بطريقة سحرية أو خرافية، بوصفها تقدم لنا مفاتيح الخلاص للخروج من مأزقنا. الأولى أن نتعامل معها كتشكيلات خطابية وعوالم فكرية، تختزن إمكاناتها وتنفتح على احتمالاتها، بوصفها قراءة للمجريات أو رواية للأحداث تعبر عن فرادة صاحبها وتحمل ختمه، بقدر ما تشكل ما يؤثر عنه ويحسب له.
صابر مولاي أحمد: أين يكمن عمل التنوير العقلي؟
علي حرب: لا شك أن للعمل الفلسفي مفاعليه التنويرية التحويلية عند من يحسن قراءته: قد يوقظ المرء من سباته الدغمائي العقائدي أو السياسي، بقدر ما يفتح أمامه الامكان للتفكير بطريقة مختلفة.. وقد يتيح له أن يعيد التفكير في ما كان يفكر فيه، على وقع التحديات والتحولات والأزمات، باقتحام مناطق جديدة لعمل الفكر كانت مستبعدة أو مرذوله أو مجهولة، وعلى النحو الذي يتيح تجديد العدة الفكرية، وهذه حال القراء المنتجين في حقل الفلسفة.
صابر مولاي أحمد: أين تصنف نفسك؟
علي حرب: لغيري أن يصنفني، وإن كان ذلك لا يمنعني من القول إنني حصيلة كل ما قرأته من الأعمال وتمرست به من النصوص، الفلسفية وغيرها، وأشير بشكل خلص إلى الموجة الحداثية الجديدة، ولكني اشتغلت على ما قرأته وقمت بتحويله وإعادة بنائه والإضافة عليه، انطلاقاً من لغتي وأسئلتي، وعلى ضوء مكابداتي وتأملاتي وخبراتي، وكانت الحصيلة كتابة نص فلسفي، باللغة العربية يحمل ختمي ويحسب لي، كما اعترف أعلام الفكر الفلسفي في العالم العربي، وسأكون نرجسياً إذ أقول إن بعض الأفكار التي أقرأها عند مفكرين أو باحثين غربيين، بوصفها جديدة، قد سبقتهم إليها بسنوات.
صابر مولاي أحمد: لقد تحدثت عن أثر الفلاسفة على حياة الناس كأفراد؛ فماذا عن تأثيرهم على البشر كجماعات؟
علي حرب: هذا سؤال مهم؛ لأن الإجابة عليه تغير نظرتنا إلى الفلاسفة، بوصفهم عقول الأمم وقادة الرأي العام وصناع التاريخ. هذه واحدة من الأساطير التي نسجها الفلاسفة حول عملهم. بالطبع لا أنكر الدور الايجابي والبناء الذي يمكن للفيلسوف أن يلعبه كفاعل اجتماعي؛ فبوسعه بحكم خبرته المعرفية وأدواته المنهجية ومواهبه النظرية، أن يسهم في قراءة الواقع وتشخيص المشكلات، من خلال إطلاق مقولة أو وضع نظرية أو صوغ معادلة أو ابتكار قاعدة، ولكن ذلك لا يجعل الفلاسفة مالكين لمفاتيح الحلول والخلاص التي هي صناعة مشتركة بين الفاعلين الاجتماعيين. والدرس المستخلص أنه ما عاد يكفي طرح الحلول على صفحات الجرائد أو في الجامعات ومراكز البحث، كما يفعل أكثرنا، وأنا واحد منهم، لا مهرب من نزول الفلاسفة وعلماء الاقتصاد والمال أو الاجتماع والإنسان إلى الميدان، حيث المحك والرهان، لاجتراح الامكان وتركيب الحلول الناجحة.
- الإنسان ومشكلته
صابر مولاي أحمد: كيف نعيد للإنسان إنسانيته؟
علي حرب: هذا السؤال هو رأس الأسئلة؛ لأنه يتعلق بالإنسان الذي هو مكمن العلة ومصدر المشكلة، إذا شئنا أن نقرأ أزمة الإنسان ببعدها الوجودي، وهي تتجاوز صراع العنصريات الدينية والمعسكرات الايديولوجية.
صابر مولاي أحمد: ألا تتطرف بذلك؟
علي حرب: ولكن، كيف نفسر أنه، بعد كل هذه المواثيق حول حقوق الإنسان، لا نحسن سوى انتهاك الحقوق؟ وكيف نفسر أنه، بعد كل هذه العهود من التنوير الفلسفي والتعليم الخلقي والإرشاد الديني، نصل إلى ما وصلنا إليه؟
* الكارثة لجهة العلاقة مع الطبيعة، وهي علاقة استنزاف وتخريب أو تلويث وتبديد.
* البربرية لجهة العلاقة التي تتحكم في النظراء والأنداد، وهي علاقة صراع وصدام أو عداء وإلغاء.
* العدمية لجهة العلاقة مع المبادئ والقيم؛ لأن أول من ينتهكها هم حماتها وحراسها.
هذه الوقائع الصادمة والصارخة تحملنا على إعادة النظر بالمفردات التي صنعتنا تحت يافطة الإنسانية، كالقداسة والعظمة والمركزية والنرجسية والنجومية والنخبوية...هذه المراجعة النقدية جعلتني أخفض سقف المتعاليات والمثاليات، ولا أثق في الإنسان كل الثقة، بقدر ما دفعتني إلى إعادة الاعتبار إلى عالم الطبيعة والحيوان والنبات، وقد حسبه البشر، ممن صدقوا الرواية الدينية، مخلوقاً ومسخراً لخدمتهم ومنافعهم.
ولذا، وبحسب مفهومي وأعرافي، فإني أعتبر أن بقرة ننتفع بلبنها هي عندي أفضل بكثير من حاكم جائر، أو من متدين إرهابي، أو من منظرّ فاشي، أو من مثقف يسطو على أفكار غيره. وقديماً قال الشاعر العربي:
وأفضل من أفضلهم ضحرة
لا تظلم الناس ولا تكذب
وهكذا لم يعد الإنسان، في نظري، هو الكائن الأرقى والأفضل أو الأصلح والأنفع، وإن كان هو الأذكى والأقوى، وربما لأنه الأذكى والأقوى، ليس هو الأصلح والأنفع؛ لأنه يمكن أن يسخر ذكاءه وقوته، للإضرار بغيره أو بالطبيعة. لنحسن قراءة واقعنا البشري، نحن ورثنا عن الحيوان غريزته وعدوانيته، وورثنا عن أسلافنا، كبشر، ذاكرة مثخنة صنعتها الصراعات والحروب والأحقاد والثارات، مما جعلنا أشرس بكثير من الحيوان، وكما تشهد أعمال الإبادة، إن للحيوانات أو لبعضنا البعض. وهكذا، أنا أدخل في طور تغيرت فيه نظرتي للقيم والمبادئ؛ لأن الاصل، أي ما هو في الطبيعة، هو الهوى والتعصب أو الطمع والجشع أو العداء والهيمنة. وأما الشعارات المتعلقة بالعدالة والحرية والسلام والتضامن، فهي مجرد قشرة حضارية أو أخلاقية يسهل انتهاكها أو تمزيقها. فحالنا معها كحال سيزيف مع صخرته، كما تقول الأسطورة، كلما حاول رفعها إلى القمة، تدحرجت إلى الأسفل. من هنا الحاجة الدائمة، في ما يخص القيم، إلى الترقيع والترميم، لتعزيزها أو تطويرها وتجديدها. هنا أجدني أعود إلى المأثور التراثي: يا ربّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين؛ لأن النفس أمارة بالسوء؛ أي لها عتماتها ومجاهلها، ولها مساوئها وشرورها، كما لها نزواتها وجنونها.
صابر مولاي أحمد: أشعر أنك تبالغ إلى حد يجعلني أشك أنك قد خرجت على إنسانيتك؟
علي حرب: إذا كان ثمة درس يستخلص من عمل التحليل، فهو فهم الواقع وتشخيصه، بتعرية وجوه الحجب والزيف، أو الاختزال والتبسيط. وللمفاهيم مفاعيلها التنويرية والتحويلية؛ بمعنى إنها تغير نظرة المرء إلى نفسه وعلاقته بالأشياء. وقراءتي للواقع البشري، تقول لي إن أول ما نحتاج إليه هو إعادة تربيتنا على أسس جديدة من التقى والتواضع، حيث نعمل على كسر نرجسيتنا ومركزيتنا وغطرستنا. من هنا، فالسؤال الفلسفي الآن حول إنسانيتنا يحملنا على طرح سؤال الأرض:
ماذا تنفع كل العقائد والفلسفات، إذا كنا بأعمالنا ومشاريعنا، القائمة على الإسراف والتبذير أو الفحش، في الإنتاج والاستهلاك، سوف تؤدي إلى تلويث البيئة وتبديد موارد الطبيعة والإبادة المتواصلة للأنواع الحية؟
إن وقف الزحف البشري الآيل إلى تخريب الأرض، يقتضي ممارسة التواضع الوجودي والتقى الفكري، حيث نعمل على الانفكاك من منطق القبض على الحقيقة، لفتح المقاربات والقراءات على معاني التعدد والمداولة والمواطنة والمشترك البشري.
صابر مولاي أحمد: كيف يتجلى المشترك البشري الذي طالما تحدثنا عنه وضللنا السبيل إليه؟
علي حرب: أصل الداء هو أن الاعتقاد بأن الحق واحد، والطريق إليه واحد، لا يقود إلا إلى المآزق النظرية وإلى الحروب الأهلية؛ ذلك أن الحياة هي أوسع وأغنى من أن تنحصر في بُعد واحد أو وحيد، تماماً كما أن لا اجتماع من دون تنوع أو اختلاف أو تعارض وصراع. ولهذا، فنحن نحتاج إلى قراءة أعلام كابن رشد والمعري وابن عربي، أكثر مما نحتاج إلى قراءات المذاهب الفقهية والمدارس الكلامية الذين صنعوا للمسلم هوية، لا بحسب منطق التعارف والاعتراف المتبادل، بل بحسب منطق الإقصاء المفضي إلى الكره والنبذ أو التطرف والعنف. لم نعد نحتاج إلى من يبرهن لنا أو يؤكد أن هذا المعتقد الديني أو ذاك الخط الإيديولوجي هو الأصح والأصلح، في وقت تكاد فيه الأرض تصبح غير صالحة لا للإقامة ولا للوراثة. ليست الصراعات والصدمات والحروب قدرنا أو لعنتنا. لنفكر على المستوى العالمي والكوني، سواء في ما يخص علاقتنا كبشر ببعضنا ببعض، أو في ما يخص علاقتنا بالأرض والطبيعة والحياة، بابتكار قيم وصيغ أو مفاهيم ونظم جديدة ومغايرة نتدبرّ بها وجودنا وندير شؤوننا، بمفردات التعاون والتضامن أو التكامل والتوازن. وما دمنا نُعيد النظر في علاقتنا بإنسانيتنا، فالمنتظر هو فتح القراءات على المستوى الكوني، لفتح آفاق جديدة للنظر وصوغ قيم مختلفة للعمل، حيث نعترف بأن لكل كائن حقه في الوجود وقسطه من الحقيقة، وحيث نستخلص المشتركات بيننا وبين بقية الكائنات، على أساس قيم الرعاية والحماية أو التعايش والتحاور. فإذا كانت الحياة شجرة تفرع بعضها عن بعض كما يقول لنا العلم، وليست لوحة ثابتة كما تقول الرواية الدينية؛ فمعنى ذلك أن الكائنات تتمرآى، وأن للإنسان وجوها وجوانب تجمعه بكل كائن، يحمل أثره ويفيد منه، أو يتعلم منه ويُسأل عنه. حتى الذرة، ذلك العالم اللامتناهي في صغره، يمكن أن نتعلم من سلوكها؛ فهي ليست ماهية ثابتة أو عنصراً صافياً، وإنما هي، بحيوتها الفائقة وطاقتها الهائلة، نسبة ورابطة أو علاقة وشبكة.
[1] كتبت هذه المقالة قبل الحرب في أوكرانيا