حوار مع الدكتور محمد سالم أبو عاصي: لا أنكر السنة كلّها، وإنما أرفض بعض الأحاديث...
فئة : حوارات
الأستاذ الدكتور محمد سالم أبو عاصي... هو شيخ أزهري تلقّى تكوينه العلمي في الأزهر الشريف وتخرّج منه، تخصص في علوم القرآن وتفسيره، واهتم بعلم الأصول، من كتاباته في هذا الشأن: تفسير آيات الشرط في القرآن الكريم، التعليل في القرآن والسنة، دعوى تاريخية النص القرآني، مقالتان في التأويل...وله في الردّ على الفكر السلفي: بعض أفكار ابن تيمية في العقيدة عرض وتحليل.
والدكتور أبو عاصي صاحب حضور مميز في الساحة الثقافية، والمؤتمرات العلمية، شارك في الكثير منها، ولا يزال يلقي دروسه في التعليم النظامي، والتعليم الديني المفتوح... ومن هنا رأينا أن نجري معه حوارًا فيما هو مطروحٌ اليوم بين طلاب العلم من قضايا.
* يتم التعامل مع مرويات الصحابة بقدرٍ من التبجيل، حتى في الأمور التى تثير إشكاليات، فلا يجرؤ أحد على نقدها طالما جاءت على لسان صحابي.
الدكتور محمد سالم أبو عاصي: لم يقل أحدٌ إن الصحابة معصومون، هم بشرٌ يصيبون ويخطئون، ولهم فقط أفضلية مُصاحبة الرسول، ولا أوافق على تقديس الصحابة والقول بعصمتهم.
* ومن أين أتى القول بالمعصومية التي طالت كتب الصحاح كمعصومية البخاري مثلا؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:تكمن المشكلة في أن الأمور تجزّأت؛ فهناك تخصصات عديدة، ولكلِّ تخصص قواعده، ثم تحيز كل إلى تخصصه، علم الحديث مثلاً له قواعده التي تشكلت في أبنيتها ما درج البعض على تسميته بالثوابت؛ فالمتخصصون في علم الحديث تسيطر عليهم "معصومية البخاري"، بينما علماء أصول الفقه تختلف قناعاتهم في قبول الروايات المختلفة، المنهج العلمي لكلّ علم له قواعد وهناك بناءٌ متكاملٌ من القواعد جعلت كل متخصص ينحاز لها وتسيطر عليه دوائرها المعرفية وثوابتها المتواترة، لكنني أجد نفسي مطمئناً ومنحازاً لمقولة ابن الجوزي: "كل حديث يخالف الأصول موضوع".
* هناك مرويات كثيرة في البخاري كحديث القردة الزانية، وغيرها مرويات كثيرة بها الكثير من اللغط، فهل نطبق قاعدة ابن الجوزي على البخاري ومسلم وشتى كتب الصحاح؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي: أنا أتبنى مقولة الشافعي "أبَى الله ألا يتم إلا كتابه"، ولا أجد حرجًا في انتقاد روايات البخاري طالما تعارضت مع الكتاب.
* ولكن الشافعي نفسه أصل في الرسالة أن إنكار أية مروية كفر، وأصّل لفكرة ضرورة الالتزام بالسنة كما جاءت.
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:هناك المنهج الكلي وهناك الجزئيات، طبعاً لا أنكر السنة كلها، وإنما أرفض بعض الأحاديث، الغزالي المعاصر مثلاً أنكر حديث الذبابة؛ أي عالم ينقد عن اجتهاد لا أستطيع مهاجمته، لا بد من احترام الاجتهاد، فقط علينا ألا نستغرق طويلاً في الجزئيات.
* بالنسبة للمنهجيات الحديثة وتطبيقها على القرآن، لماذا كل هذا الهلع الذي يصيب الأصوليين وعلماء الدين عموماً كلما أثير الموضوع؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:هي مدرسة ليست جديدة، وما يقوم به علي مبروك اليوم، فعله من قبل نصر أبو زيد ومحمد أركون وغيرهم، هم ينطلقون بداية من تضارب المرويات وضبابية الفترة الأولى من تاريخ القرآن، أرى أن تلك المرويات غير صحيحة أصلاً، فأنا كمسلم عندي ما أتكئ عليه، عندي الصبغة الذاتية التي أؤمن بها "أن القرآن ربّاني إعجازي"، وأيُّ رواية تناقض هذا أرفضها لا زيادةً ولا نقصانا.
* وهل توافق على السير بتلك المنهجيات في علوم الدين وتطبيقها؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:ليس عندي إشكالية في رفض ما يناقض العقل، أنا عندي ميزان محكم للكل، لكن تلك التطبيقات المنهجية في كثير من الأحيان تفتقد إلى المنهجية، وتتسم بالعشوائية وتهتم بالتفكيك والهدم لا البناء.
* في كتابه الطوفان الجارف، قدم سعيد القنوبي نقدًا للبخاري من وجهة نظر إباضية واستبعد عدداً كبيرًا من الأحاديث، كيف تنظر إلى مثل هذه المحاولات؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:أنا أعرف القنوبي شخصيًا، والتقيته كثيرًا، هو إنسان مجتهد، له أيضًا كتاب "السيف الحاد"، وقد احتكم إلى منهج علمي أحترمه وأقدره مع إمكانية الاختلاف والرد، هو ينطلق من قناعات دينية تعتبر مسند الربيع أعلى من البخاري... المشكلة دومًا تكمن في التطبيق، لكن هذا لا يمنع حق الاجتهاد، الغزالي فعل ذلك وقد سلم الأزهريون أن قواعد الغزالي سليمة، رغم الاختلاف معه.
* ولكن ليس كل الأزاهرة سلّموا بهذا، هناك من هاجمه وخطّأه.
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:أنا أتكلم عن القواعد المنهجية التي سار عليها الغزالي، الخلاف جاء حول التطبيق...المشكلة دوماً تأتي عند التطبيق.
* قمت بتحقيق خاص لكتاب الوحي والواقع لحسن حنفي، وأجدك رافضًا بشكل صارم للمنهجيات الحديثة والقراءات الحديثة للقرآن.
*- الدكتور محمد سالم أبو عاصي:أنا رافض للمنهجية العلمية في هذا الكتاب عند حسن حنفي، لم أجد فيه فكرًا متّسقًا، ولا منهجية علمية، هو لم يقدّم أي فكر جديد، لا توجد في الكتاب فكرة واضحة، حتى طرحه للمفاهيم، مثل: الإسلام اليساري أو الديموقراطى غامضة وغير محددة، استلهام المنهجيات الحداثية عند حنفي وأركون، أعتقد أنها تهدف للهدم بتطبيق حرفي للمناهج الغربية على القرآن وفقدان الذاتية، عكس الشيعة مثلا، رغم الخلاف معهم لكن لديهم منهجيات وفكر ذاتي مبدع.
* وما رأيك في المؤسسة الأزهرية، هل لديها القدرة على التعاطي مع تلك المنهجيات أم إنها ترفضها من باب الرفض ليس إلا...؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:لغة التفاهم داخل المؤسسة التعليمية الأزهرية مفقودة، لقد غرقوا في التراث وتورطوا فيه لغةً وأسلوباً حتى أنك تجد مفرداتهم هي نفسها مفردات السيوطي والزمخشري، هم أصلاً لا يفهمون لغة حسن حنفي ولا أركون ولا غيرهم، لا يملكون ولا يعرفون غير التراث، حتى الألفاظ قديمة، لابد من تطوير المفردات؛ فالموروث القديم يجعل الإنسان ابنًا للبيئة، الاستغراق في التراث يجعل الانسان أثيرًا للتراث ومفرداته، لابد أن يكون الانتشال بمنهجية شاملةٍ، لكنهم للأسف يعيشون في العالم التراثي. أنا غير راضٍ عن طريقة التلقي والتعليم في الأزهر وحتى طريق التعامل مع التراث.
* إذن، أنت تطالب بتدريس تلك المنهجيات في الأزهر.
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:نعم، وقمت بهذا أثناء عملي في قطر، وأتمنى تَكرار التجربة في مصر، أريد أن يكون للطالب ثقافة وقدرة على التعامل مع المنهجيات الحديثة، فطلاب الدراسات العليا وحتى الأساتذة ليس لديهم أدنى فكرة عن المنهجيات الحديثة وهذا أراه شيئاً معيباً.
* وهل هناك مجال لحرية الفكر داخل المؤسسة الأزهرية يتيح ذلك؟
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:هناك هامش يسمح بذلك، لكن وفقًا لثوابت ينطلق منها الجميع، أنا مثلاً أنطلق من ثوابت تختلف عما انطلق منه نصر أبو زيد، هو يرى أن القرآن منتج ثقافي. وأنا أقول: إنه كلام الله المقدس، هناك مسلّمات عقدية ينطلق منها الأزهر، فهو غير مهيأ للطعن في مسلمات العقيدة والسنة.
* لكنك ترى أن التعليم الأزهرى يعاني من إشكاليات عديدة.
الدكتور محمد سالم أبو عاصي:لقد عدت من قطر بعدما أعادني القضاء لعملي بالأزهر، وكنت مفصولاً من الجامعة لخلافات، فكُلّفت بتدريس مادة علوم القرآن، وجدتها تتشابه مع ما يتم تدريسه بمواد أخرى تتعلق بالرد على الشبهات، كل الشبهات تتمحور حول أن الشيعة يقومون بتحريف القرآن، والشبهة الواحدة متفرع منها عشر شبهات تدور كلها حول فكرة واحدة هى غير موجودة أساساً، منهج دائري عقيم يسيطر على المؤسسة ككل... تتفق أو تختلف مع الشيعة لكن هناك جهد علمي كبير ورائع في علوم القرآن، بينما توقف الأزهر عند حدود التراث... وأنا أحاول ربط العلوم القرآنية بالعلم الحديث.
* نشكركم على هذا الحوار على أمل اللقاء بكم مجددًا.