حوار مع الدكتورة هالة فؤاد: أرى أن مشكلاتنا الآنية جذورها موجودة في التراث
فئة : حوارات
هالة فؤاد أستاذة الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، لديها اهتمام كبير بالفكر الصوفي والنصوص التراثية الفلسفية، وعملت بشكل خاص على نصوص التوحيدي، وبعد رحلة امتدت قرابة عقدين معه، انتهت مؤخرًا من كتابها عن التوحيدي: رحلة الوعي من الغفلة إلى الانتباه، ومن قبل كانت قد نشرت: المثقف بين السُّلطة والعامة نموذج القرن الرابع الهجري-أبو حيان التوحيدي.. كما أن لديها مشروعًا حول الحكي الصوفي، يتناول نماذج متعددة من الحكايات الصوفية عند جلال الدين الرومي، وفريد الدين العطار، قدّمت قراءات أولية له فيما نشرته من بحوث ومقالات في المجلات والدوريات العلمية.. ومن هنا رأينا أن نجري حوارًا معها لنتعرّف على ما هو مغيّب عن ساحتنا الثقافية اليوم.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: هل المراجعة النقدية للمرويات التراثية من الممكن أن تصل بنا إلى تصور أو فهم جديد، نستطيع من خلاله أن ننطلق بوضع رؤية جديدة للواقع الذي يتشكل حولنا طوال الوقت؟ أم أن تجاوز التراث بشكل كامل هو الأجدى حالياً؟
هالة فؤاد: أنا ضد فكرة تجاوز التراث؛ فأنا أرى أن مشكلاتنا الآنية جذورها موجودة في التراث، والذي أصبح مثل حجرة مغلقة على كوراث، وللأسف لكل تيار فهمه الخاص، أو تصوره حول هذا التراث، ولا يوجد أحد يحاول أن يطرح على نفسه سؤال (هل هو حقيقةً يفهم؟)؛ فعلينا أن نعود إلى هذا التراث، ولكن بإعادة النظر في آليات تعاملنا معه، وكيف نقرأه، وليس معنى ذلك أن نتحرر من الأيديولوجيا تمامًا، ولكن على الأقل أن يكون بيننا، وبين الأيديولوجيا مسافة؛ فأنا عندما أعمل أراجع نفسي، طوال الوقت. وعندما أقرأ؛ فيجب أن أعرف (هل تسيطر على عقلي مفاهيم مسبقة أم لا؟)؛ لأن هذا التراث به مشكلات ضخمة، ومناطق بكر لم يقربها أحد، فإن قراءات التراث يعتريها العديد من الإشكاليات المنهجية، إذ يغلب على بعضها الرؤى الاستشراقية التي يتبناها بعض الباحثين بصورة تقليدية مشوهة دون أي طرح نقدي، أو إعادة النظر في بعض المسلمات الاستشراقية سيئة السمعة، إن جاز التعبير، هذا من جانب ومن جانب آخر، يسعى باحثون آخرون إلى نقد المزاعم والأفكار والقراءات الاستشراقية، غير أنهم يسقطون في فخاخ القراءة الأيديولوجية؛ حيث يسقطون تصوراتهم الأيديولوجية من ماركسية وبنيوية ووضعية تاريخية ...الخ. على نصوص التراث دون مراعاة لخصوصية هذه النصوص بالأعمال والقراءات التي تتعامل مع هذا التراث بانتقائية جائرة، وسلعية مبتذلة؛ فتفرغ من حضوره الخاص المستقل وعلاقاته الجدلية المركبة في محيطه التاريخي، سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا وعقائديًا، وقد تتاجر به من أجل تحقيق مصالح آنية ضيقة على أي مستوى.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: معنى ذلك أنك تريدين التعامل مع التراث بعقل محرر من الأيديولوجيا إلى حد ما، وفي نفس الوقت مواجهة مشكلة أن التراث (مؤدلج) إلى حد كبير؛ أي أنه تشكل في أثناء صراع سياسي/ مذهبي .. فكيف لنا أن نتعامل مع التراث في ظل هذه الإشكالية؟
هالة فؤاد: لا يوجد هنا أي وصف مسبق، ولكن الضامن الوحيد هو أننا ينبغي عندما نقرأ في التراث وتجلياته المختلفة ألا يقتصر عملنا على مقارعة الروايات مع بعضها البعض، ولكن علينا أن نفهم ما هي آليات تشكُّل هذه الرواية، مثلا حادثة سقيفة بني ساعدة كُتب عنها في كل المرويات التاريخية، ولكنها كُتبت بصيغ مختلفة، ومن وجهات نظر مختلفة؛ فعلينا أن نسأل لماذا الاختلاف ؟ ومن أين آتي؟ وما هي الرؤية التي يتحرك على ظلها الراوي ؟ وإلى أي سياق ينتمي اجتماعيًا وعقائديًا وسياسيًا ...الخ ؟ وطبعاً من المفترض أن يراقب العقل نفسه، وأن يظل الباحث في حالة نقدية حوارية دائمة.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: أفهم من كلامك، أنه ينبغي الاستغراق في حالة من النقد المعرفي القائم على إظهار المجهول والمسكوت عنه في التراث .. فما هي آليات استنطاق النص في تلك الحالة؟
هالة فؤاد: استنطاق النص بتلك الطريقة يحتاج أدوات كثيرة ومجموعات عمل متميزة ومتفرغة؛ فهذا التراث يحتاج إلى باحثين ينتمون إلى حقول معرفية متنوعة وعقول تتحرك في زوايا مختلفة وبشكل تكاملي؛ لأن الحوار نفسه وتعددية الرؤى سوف يخلقان مساحات تواصل وإبداع قراءات متجددة .
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: ولكن السلطة لعبت دوراً كبيراً في تشكُّل هذا التراث، ومنذ حادثة السقيفة، وهي لاعب أساسي وموجه رئيس للخطاب الذي حمله هذا التراث، فهل بدأ ذلك منذ السقيفة أم أن النار كانت تحت الرماد قبل وفاة النبي؟
هالة فؤاد: أنا دائماً أسأل نفسي هذا السؤال .. هل كانت السقيفة الشكل الأخير لصراع طويل مستتر؟ فدعنا نتصور أن وجود النبي كان حاسما للصراع، ولكن دعنا نفكر ونطرح الأسئلة، مثلا هل كان هناك صراع بين الصحابة على درجة القرب من النبي؟ وأيضاً زيجات النبي تطرح سؤالا مهما: لماذا تزوج الرسول من ابنة عمر بن الخطاب، وابنة أبي بكر الصديق؟ فهل كان يريد أن يتقرب من اثنين يشكلان هذا الثقل الكبير؟ وكذلك زواج ابنته من علي بن أبي طالب، وسوف نجد أنه في اختياراته وزيجاته يمتلك رؤية سياسية رشيدة، لقد كان النبي (محمد) رجل دولة وذلك بخلاف شخصية (المسيح)...
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل:نعود إلى السؤال: هل بدأ الصراع فعلاً من سقيفة بني ساعدة، أم أنه بلغ ذروته في لحظتها؟
هالة فؤاد: أعتقد أن الصراع بدأ منذ لحظة بناء الدولة، وعلى مدار أربعين عاما لم يتم استيعاب الصراع، وقد قتل عمر وعثمان وعلي، ونشبت حروب أهلية طاحنة .. حتى حكم الأمويون ثم العباسيون، ولم تخل فترات حكم هؤلاء من صراعات عنيفة على السلطة ناهيك بثورات الهامشيين عليهم، والتي استمرت سنوات طويلة جدًا، كحركة القرامطة، والثورة البابكية والخرمية، وثورة الزنج...الخ
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: من هنا نقرأ أو نلمح عدم تولي أحد من الأنصار أي منصب في الدولة سواء في عهد الخلافة الراشدة أو بعدها وتمت تنحيتهم تماماً، وهذا يضعنا أمام تصور إقصائي جلي.
هالة فؤاد: يقدم لنا التراث تصورا عن عصر الخلفاء الراشدين بصياغة مثالية ولكنها ليست حقيقة؛ فلا يستطيع أحد أن يقنعني بأن حكما مثاليا يسفر عن مقتل ثلاثة من الخلفاء، وبحار من الدماء في موقعتي الجمل وصفين وغيرها، فأنت تتحدث عن واقع إنساني؛ فحتى صيغة ما روي عن عمر بن الخطاب: (عدلت فأمنت فنمت يا عمر) رواية لا تتناسب مع حادثة قتله؛ حيث قتل، وهو يصلي في المسجد وفي ظهره، وعثمان نفسه الذي اعتبر أن (الله) هو من اختاره، حين قال: (لا أخلع قميصًا ألبسنيه الله)، الإقصاء بدأ منذ عهد عثمان وليس معاوية أو (العباسيين)؛ فالحكم أصبح مسألة قدر وقرار إلهيين.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: هناك مشهد تاريخي أريد أن أتصوره وأقرأه معك، وهو مشهد المناظرة التي عقدها (هشام بن عبد الملك) بين (الإمام الأوزاعي) و(غيلان الدمشقي)، وبعدما فشل الأوزاعي في إقناع الدمشقي أفتى بقتله بتهمة الزندقة؛ فأقره الخليفة هشام، وقتل غيلان الدمشقي، هنا يجسد المشهد التاريخي كيف تم توظيف المنظومة الفقهية في خدمة السلطة .
هالة فؤاد: هذه المسألة تعرف بمسألة فقهاء السلطان، وهي مسألة جذرية في الحضارة الإسلامية، خاصة مع تحول الدين من حالة وجدانية ثورية إلى مؤسسة تتحالف مع السلطة وتوظف نفسها لخدمتها، وتتحالف مع النخبة الحاكمة، من هنا ظهر التصوف كرد فعل على تورط المؤسسة في تحالفات سياسية، ولعل التصوف كان محاولة لاسترداد الحالة الأولى للدين، وعلى سبيل المثال لو تأملنا مثلا، شخصية بحجم الحسن البصري، وهو شخصية مهمة جداً... وإشكالية جداً، فعندما نتأمل ذلك الخطاب الذي أرسله إلى عمر بن عبد العزيز في ذم الدنيا، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام رجل لديه صراع عنيف بين رغبة شبقية في الحياة، ورفض كامل للاندماج فيها، فمن أين أتى هذا الصراع؟ فالحسن البصري عاش أزمة الحرب الأهلية، ويقال إنه هو أول من قال بإرجاء الثورة على الأمويين. لقد عانى الحسن البصري من الحرب، وتركت لديه جرحًا غائرًا، بل جعلته يعاني مأزقًا وجوديًا عنيفًا، وطرحت عليه سؤالًا لا إجابة له، ترى هل يقترب من السلطان أو يبتعد عنه ؟ و هل يكون جزءا من التمرد على السلطة أم يتمرد عليها سلبًا؟ ولا أظن أن الحسن قد وجد إجابة شافية على هذه الإجابات؛ فمثلاً مواقفه مع الحجاج بن يوسف غريبة، هناك حالة من الاحترام المتبادل رغم الخلاف الحاد، هناك مسافة دائمة بينهما، يحتفظ كل منهما بمواقفه دون أن يؤذي الآخر، فهل كان (الحسن) نموذج على النقيض من فقهاء السلطان، أم إنه كان مشروعا مترددا متعثر الخطى لم يكتمل لفقيه السلطان؟
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: أعتقد أن الغزالي نفسه كان قريبا من هذا الوضع الذي يعد ملمحا متجذرا في الحضارة الإسلامية ... في كتابه إحياء علوم الدنيا، خصص بابا كاملا لنقد علماء الدنيا وفقهاء السلطان، فماذا كان يفعل الغزالي في مدارس نظام الملك حتى غادر بغداد ؟ وعندما كان المشير الأول للخليفة؟ ولماذا هرب الغزالي من بغداد؟ إنها نفس الإشكالية تقريبا ..
هالة فؤاد: علاقة الفقيه أو المثقف مع السلطة دائما ما تثير إشكاليات عديدة، فهو يوظف عقله في خدمة السلطة، ويدفع أيضا الثمن حين تسقط السلطة أو تتغير مواقفها.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: انشغلتُ كثيرا بفكرة التلاقي بين جلال الدين الرومي وبين النبي، ووجدت طريقة طرحك لفكرة التلقي المستمر أو التجدد أكثر اقترابا وعمقا في هذا المجال، ألا ترين أن التعاطي مع النص بهذا الشكل.. يخلق نصا جديدا يتجلى عليه الله؟
هالة فؤاد: الرومي كان لديه تصور رائع، وظهرت عنده على استحياء فكرة القرين السماوي، وقد وضع الغزالي الأرضية لذلك، أو مهد التربة وهيأها، وهو ما تلقفه ابن عربي ليعيد صياغته بصورة إبداعية أكثر نضجًا وتبلورًا فيما أسماه "عالم المثال"؛ حيث أصبح العالم الذي نعيش فيه ظلًا حقيقيًا.
قام المتصوفة باستبدال فكرة "عقل الله" عند الفلاسفة بمصطلح "مخيلة الله"، قال المتصوفة إن الله لديه مخيلة، وهي ما يتحدث عنها (السهروردي المقتول حكيم الإشراق) في تصوره حول عالم المثل المعلقة. يرى هؤلاء أن كل الكائنات في هذا العالم وجدت أصلاً كصور متخيلة في المخيلة الإلهية، ولكن هذه المخيلة الإلهية هي الحقيقة، وأن الكائنات الحسية هي صور في المرايا؛ لأن الخيال الإلهي حقيقي، ولكن ما تراه هو مجرد الصور الشبحية المنعكسة للأصل المتخيل. وعبر هذه الرؤى، فإن النبي محمد المتجسد المادي هو تمثيل ظلالي لأصل متخيل، وهو (الحقيقة المحمدية) النورية القديمة، وهي نفس الينبوع الذي جاء منه جلال الدين الرومي؛ ففي النهاية الأنبياء والأولياء جميعاً مجرد صور لأصل واحد يتجلى في غرفة المرايا، وهو الحقيقة المحمدية، ولكن تشبه هنا، إلى أن دائرة الولاية تشتمل داخلها الأنبياء والأولياء ـ ويفضل الأنبياء الأولياء بجمعهم بين الشريعة الظاهرة والمعرفة الباطنة. أما العشق، فهو لحظة التقاء الظل بالأصل، وهو أن يكتمل القرين الأرضي بقرينه السماوي عبر الصورة المرئية لمعشوقه الأرضي. وينبغي أن نلاحظ الفارق بين الحضارتين العربية والفارسية؛ فالعربية تمجد عشق الأنثى، والفارسية تمجد عشق الذكر.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: لذلك اتهم الرومي والتبريزي بالمثلية الجنسية، والتي تحدث عنها كولمان باركس في كتابه عن الرومي ..
هالة فؤاد: الشذوذ هنا أكثر تعقيداً من الحالة الجسدية؛ فالشاذ يعشق شبيهه، لأنه لا يتحمل أن يعشق غيره، الشاذ بطبيعته نرجسي، وهذا يتضح من خلال الدراسة التي قامت بها (جوليا كريستينفا)، وهي دراسة بديعة خلصت منها إلى أن الشاذ جنسياً هو شخصية نرجسية لا يستطيع أن يعشق إلا صورته، وبالتالي فعندما يحب، فهو يحب من جنسه أو من يشبهه من نفس الجنس؛ فالشاذ ليس شاذا لأنه يعشق آخر، بل لأنه يعشق ذاته كأنما تتجلى في مرآة الآخر الشبيه، إنها حميمية التشابه لا المغايرة، وبالتالي فلعل (جلال الدين) لم يعشق شمس تبريز أو حسام الدين أو صلاح الدين زركوب، بل اعتبرهم مرايا لذاته العاشقة المعشوقة في آن، والتي بدورها مرآة عاكسة كاشفة للأصل الجمالي المطلق.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: نقطة مرايا هذه واضحة جداً، ولكن الشخصيات الثلاثة كانوا أميين وربما يعانون الجهل!
هالة فؤاد: هم فعلا كذلك، الذات المتعلمة من وجهة نظر التصوف ضد التصوف؛ لأن التصوف قائم على المعرفة الحية، وما تملكه الذات من قدرة على القراءة والكتابة تجعل العلم معرفة؛ فالذي يهم هنا هو الاكتمال الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ويجب أن نلاحظ أن (جلال الدين) عاش فترة انهيار الحضارة وطغيان المغول، وهو نفسه هرب وأصبحت حتى الكتابة نفسها مشكوكا في كونها تثبيت للنص وحفاظًا عليه، وهنا أصبح البعد الشفهي هو السبيل الوحيد للاستمرارية.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: هل هذا البعد الشفهي يقربنا من القرآن ؟
هالة فؤاد: نعم فقد اعتبر جلال الدين الرومي في المثنوي الجزء الباطن أو المعرفة الباطنية بالقرآن الكريم، وهو مكمل له، فأنت لا تستطيع أن تقف عند حدود ظاهر القرآن فحسب . حينئذ يصبح المثنوي هو التفسير الباطني المتجدد والحيوي للقرآن. حين سرد جلال الدين الرومي في المثنوي قصة (الملك و الجارية) ... يقول استمعوا إلى هذه الحكاية؛ ففيها نقد لأحوالنا... وهذه هي ترجمة العبارة الصحيحة عن الفارسية لكن الأستاذ الدكتور إبراهيم شتا عندما ترجمها (ترجمها إلى تصفية لأحوالنا)، وهي ليست كذلك، فهو فعلاً كان يعني (نقداً لأحوالنا) .. لأنه عندما يتكلم مثل أي متكلم؛ فأنت تسمعني وأنا كذلك أسمع نفسي؛ فالكلام هنا أو الألفاظ هي مرايا قد تكشف عجز المتكلم عن (القبض على المعني). فكلما تكلم الصوفي، وجد أن الكلام يدمر سلطته كذات متكلمة، وليس العكس؛ فبدلاً من أن يؤسس السلطة فهو يدمرها، حينئذ تصبح لعبة الحكي في (المثنوي) قائمة على هذا؛ أي أن السلطة تعلن حضورها معرفياً ثم إنها كلما حكت تكتشف أنها عاجزة عن امتلاك الحقيقة السرابية المراوغة، مما يدمر هذه السلطة ويسمها بالعجز. وهذا هو عقاب الذات الصوفية على تطاولها وجرأتها فى محاولة الكلام وكشف الأسرار الصوفية التي ينبغي ألا تذاع.
خالد محمد عبده وسامح إسماعيل: ولكن السرد في التصوف اختلف عن السرد في التراث العربي بشكل عام ... فما دلالات ذلك ؟
هالة فؤاد: السرد في التصوف هو اقتناص الصمت، الموت فيه غاية للحياة، عكس هدف (شهرزاد) من السرد؛ فالمزيد من الحكي يعني المزيد من الحياة والسلطة؛ فجاءت الحكاية مبهجة عكس الحكاية في (المثنوي). لعله يمتزج فيها الجمالي بالتراجيدي عبر مساحات الشغف الروحي. ولعلنا في حاجة إلى دراسات متأنية في هذا الصدد حول نصوص الحكي الفارسي متباينة التجليات لدى العطار والرومي وغيرهما.