حوار مع الشاعر أمين الربيع: مهمة الشاعر المعادلة الجمالية للأشياء والخطاب
فئة : حوارات
في انفتاحه على الآخر، الآخر الإنساني في عموميته، يُحضِّر الشاعر أمين الربيع الآن لإنتاج ديوانه الجديد (الهَدْي)، ومن خلال اطلّاعي على مقصديات القراءة التأويلية، رأيت فيه انفتاحاً على الوجود الإنساني، من خلال سبر العلاقات الإنسانية ضمن تفاعلاتها الحضارية، ومحاولة الالتقاء بذواتٍ إنسانية أخرى أسهمت –بطريقة أو بأخرى- في البناء الحضاري الكبير.
ديوانه الآخر (كُنْ) صدر في العام 2012، واحتمل تأويلاً مُغايراً لعتبة النص. فالعقل الصوفي العرفاني، أو العقل المستقيل بتعابير الجابري يحضر في ديوان (كنْ)، ولكن ضمن رؤية جمالية مغايرة تُؤمن بالتغيّر الثقافي على أرض الواقع، بعيداً عن الارتهان الأخير لوهمٍ كبير.
(مرايا القتام) كان أول دواوينه، لكن اللبوس الذي لبس الشاعر إبَّان فترة إنتاج ديوانه الأول، تَحَلَّلَ مِنه الآن، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، لذا حمل المشروع الأميني –إذا جاز التعبير- إرهاصاً كمونياً لولادة جديدة استوجبت حواراً معه.
السؤال الأول: البداية تُشبه لحظة الولادة، سواء أكانت ولادة طبيعية أم ولادة وجودية؛ أعني الإمكان المُضْمَر على الانوجاد في العالَم حتى قبل الولادة الطبيعية، متى شعرت –كشاعرٍ- أنكَ خرجت من إطار الإمكانية إلى الواقع العياني، وبالتالي أعلنت ولادتك كشاعر؟
** البدايات لحظات مربكة جداً، والأكثر إرباكاً هو تحديدُها والإشارةُ إليها، من خلال تفاعلي مع النصوص كاتباً ومتلقِّياً تُدهشُني البدايات دائماً؛ فعند مباشرتي بكتابة أو قراءة أي عمل إبداعي، يحضُرني باستمرار السؤال ذاتُه (لماذا كانت هذه هي البداية؟ وما هي إمكانيَّة وجود بداية أكثر توفيقاً؟) -في إطار النص الإبداعي طبعاً- على الصعيد الذاتي، كنتُ أحبُّ في طفولتي أنْ أصير "جيولوجياً" أو رسَّاماً، وأظنُّ أنَّ الواقع المعاش الذي مررت به، إضافة إلى الصراع الداخلي بين (الجيولوجي والرسَّام) جعل منّي شاعراً، وهنا تكمن البداية.
عندما شرعتُ في كتابةِ قصيدتي الثانية، كنتُ قد اتَّخذتُ القرار وصافحتُ صيرورتي شاعراً بثقة. أما الإعلان عن هذا القرار، فقد تأخَّر قليلاً، ففي المرَّة الأولى التي وقفتُ فيها على منصَّة الشاعر، كنتُ قد عمدتُ إلى تعزيز قراري بأشواط طويلة من المطالعة ومن ثمَّ التأمُّل، لا أعتقد شخصياً بوجود نهاية - وجودياً أو إبداعياً – بل هناك سلسلة لا متناهية من البدايات، ولا أُبالغُ إذا قلتُ إنَّـي الآن أُجددُ إعلانَ بدايتي مع كل آخر نصٍّ أنجحُ باقتناصه.
السؤال الثاني: ديوانك الأخير حَمَلَ عنواناً لافتاً (لا سيما بالنسبة للعقل الصوفي أو العقل المستقيل بتعبير محمد عابد الجابري) ألا وهو [كُنْ]، إلى أيّ حدَ شعرت بـِ (الاتصال) و (الانفصال) عن هذه المنظومة التراثية وأنتَ تخطّ قصائد الديوان أعلاه؟
** عندما تُضيءُ بسمةُ الشمسِ أزهار ليمونتنا، أغطُّ إصبعي بالشروق وأكتبُ على صخب العصافير "صباحٌ سعيد"، تضحكُ الشمسُوتفتحُ لي عباءتها، في لحظةٍ كهذه من مسيرة المبدع، لا يعرفُ المبدعُ تحديداً إنْ كان قد اتَّصلَ مع الباطن الوجودي أم انفصلَ عن الظاهر الكوني، لكن الأهم من تحديد وصف الحالة هو الحالةُ ذاتها، وفي تعامل المبدع مع التراث (العربي/الإنساني) لا يختلف الأمر كثيراً، يحدث أنْ يَقِفَ المبدع على الخطِّ الفاصل، ولا أظنُ الأمر يهمُّه كوصف، المهم عنده هو الحالة، والتي قد لا يكون واعٍ لها أو بها بالضرورة.
بالنِّسبةِ لي ربما يكون الأمر أكثر تعقيداً؛ فالشُّخوص والأحداث والنصوص في التراث الإنساني ككل، والعربي خاصَّةً، تتفاعل معي وتعتملُ فيَّ في واقع حياتي المعاش، لا على صفحات الكتب وحسب، ولكن وفي أحايين كثيرة، أجد نفسي منسلخاً عن جسد هذا الإرث العظيم، ومُندمجاً وداخلاً في عوالم ذاتيَّة، ربما تتقاطع بلا وعي كامل مع عوالم ذوات أُخرى في الماضي أو الحاضر، و بإشارة سريعة، فإنَّ أي انفصال هو اتصال والعكس، وهذا يعود بي لجزء من إجابة السؤال الأول، من عدم اعتقادي بوجود نهاية، بل بدايات لا متناهية.
أما بخصوص ديواني ((كُنْ)) ومدى الاتصال والانفصال عن المنظومة التراثية أثناء كتابة قصائده، فلا أظنُّ أنِّـي قادر على تقييم الحالة، وربما يكون المشتغلون في حقل النقد هم الأقدر على الإجابة عن هذا السؤال.
السؤال الثالث: من خلال معرفتي الشخصية بك، أعرفك شاعراً مُثقّفاً ثقافة عالية، لا سيما في مجال التراث العربي الإسلامي، ومن خلال إجراء موازنة من نوعٍ ما بين ثقافتك وقصائد ديوانك الشِّعري الأخير [كُن]، رأيت استنهاضاً بطريقة أو أُخرى لتلك الثقافة، لكن في حدود اللاَّمرئي.
إلى أيِّ حد تشعر أنك معني بسؤال التجديد التراثي في خطابك الشِّعري، وهل ترى أن من الضروري الاشتغال جمالياً على التراث العربي الإسلامي، كما يُشتغَل عليه معرفياً من قبل مفكرين و باحثين؟
** بدءًا، أشكر لك إطرائي وتوصيف ثقافتي في التراث العربي بالعالية، وربما أُخالفك في ذلك؛ فمعرفتي بالتراث العربي لا تزيد عن كوني مطلع على عيون وأشهر المصنفات العربية، في الأدب وتاريخ الأدب وربما العلوم الإسلامية والتاريخية قليلاً.
أما عن عنايتي بتجديد الخطاب التراثي في الشِّعر، فاعتقادي أنَّ الأولى هي تجاوز الخطاب التراثي، و إنشاء خطاب أكثر حداثة وتلاؤماً مع المنجز الأدبي الإنساني، مع عدم ضرورة هدم الموروث واعتباره عبئاً على العقل الأدبي العربي؛ فعندما أدخل – مثلاً – في مفاصل أدب الصوفية العربية، باعتباره أُنموذجاً متقدِّماً في الأدب العربي، وينهل من فلسفة منتشرة عالمياً وفكرياً، فلا يعني ذلك الذَّوبان أو التَّسليم أو التبعيَّة الفكرية والأدائية لهذا الأُنموذج، بل المطلوب هو مجاوزة هذا الأُنموذج إذا أمكن، وربما يقودنا هذا إلى الاعتراف بنضوب وتوقُّف بعض الأنماط التراثية، وعدم مقدرتها على الاستمرار ضمن المخرَج الإنساني الحالي، وبالطبع إمكانية استمرار أنماط أُخرى أكثر قابلية للتَّطور والتَّطوير شكلاً ومضموناً؛ في مجموعتي الشعرية ((كُنْ)) حاولت طرح رؤاي الفكرية من خلال قوالب وأساليب رسخَتْ في التراث العربي، واستطاعت المواكبة إلى حدٍّ ما، ولكن هذا لا يعني أنَّـي لا أسعى إلى تجاوز هذه الأساليب؛ فالمسألة متعلقة أكثر بالصلاحيَّة التي تفرضها مشاريع التطوير ومدى نجاعتها وتقبُّلها، ولكن – حسب ظنِّي - فإنَّ أي مشروع تطويري أو (تجاوزي) لا بدَّ أنْ يكون عارفاً ومطلعاً اطِّلاعاً جيداً على البُنى التراثية شكلاً ومضموناً، ليتمكَّن من الخرق والتَّجاوز.
وأما فيما يتعلَّق بالاشتغال جمالياً على التراث العربي، فبظنّي أنَّنا أحوج للاشتغال جمالياً على العقل العربي الذي يُفرز التراث ويتعامل معه، وإلَّا فإنَّ البُعد الجمالي موجود أصلاً في التراث، وهو مقصد للمشتغلين في الأدب، منذ أنْ كانوا وكان.
السؤال الرابع: هذا يقودني إلى سؤال استدراكي حول المهمة التي يضطلع بها الشاعر في العالَم؛ هل هي مهمة ذات طبيعة جمالية أم معرفية (رغم أنني افترضتُ في سؤال سابق ضرورة الاشتغال على التراث جمالياً)، أم أنّ مهمته الكبرى تتمثل بتجاوز الإمكان البشري إلى المستحيل الإلهي ومحاولة جلبه إلى العالَم الأرضي، بما يعني في واحدةٍ من تجلياته أنّ الشاعر يحاول إعادة تأويل الوجود من وجهة نظره، ومن ثم إعادة إنتاجه دون أن يتزحزح من مكانه؟
** حقيقة، لا أُخفي أنَّ إجابة سؤال كهذا ليست أمراً سهلاً، خصوصاً مع ما قيل و يُقال حول مهمَّة الشاعر في الوجود أو الحياة كما ذهب (سيد قطب) في كتابه الشهير، بظني أنَّ مهمَّة الشاعر في العالم، تبدأ من قدرته على عدم تصنيف البشر؛ فبقدر امتلاكه القدرة على مخاطبة الإنسان مُجرَّداً، يكون قد فهم الوظيفة الدَّقيقة للشاعر؛ فالشاعر يتعامل مع التصنيفات البشرية كركام وهوامش، تطغى في أكثر الأحيان على المتن الأصيل، ألا وهو الإنسان.
الشاعر ليس ابناً لبيئتهِ أو ثقافتهِ فقط، هو ابن "الحضارة الإنسانية" جمعاء من جهة، ومن جهةٍ أُخرى، هو ذاتٌ مستقلَّة عن كلِّ شيء – و بظنّي – لا يجوز له كمبدع يتنفَّس الكون أنْ يكون ضيِّق الأفق والرؤية، و إلَّا فإنه سيكون عاجزاً عن تقديم جديد في السير العام لركب العقل الحضاري، ناهيك عن تقديم شيءٍ لنفسه، وسيظل منكفئاً يقدِّس "طواطمه" التي تسرَّبت إليه من مُعطياته الضيِّقة؛ ومن هنا أقولُ إنه يُفضَّلُ - برأيي - أنْ يكون الشاعرُ مثقَّفاً يُقدِّمُ بلغةٍ ذكيَّةٍ كُشوفهُ ورؤاه للمتلقي الإنسان، بعيداً عن الاستعراضِ والفجاجة.
إذن، فالشاعر معني إلى أبعد حدٍّ بالمعادلة الجمالية للأشياء والخطاب، ضمن معرفةٍ خاصَّةٍ مستوحاةٍ من ذاته، ومن شُربهِ لرحيق الكون وأكاسيره.
أما تجاوزه للإمكان البشري، فلا جدل – بظنّي – حول ذلك؛ ففي اللحظة التي قرر فيها الشاعر استعمال (الكلمة) للتعبير، قرر ضمنيًّا إعادة خلق وتشكيل المحسوس عبر قذف اللاَّ محسوس في خلَد المتلقي من خلال (الكلمة)، والتي تعتبر الفاتحة والخاتمة في الخلق والإيجاد.
السؤال الخامس: أؤمن بأطروحة (تفتيت الخطاب الثقافي)، وضمن مقتضيات هذه الرؤية أقرُّ بضرورة انفتاح العقل العربي بعضه على بعضه الآخر، بطريقة تُفضي إلى تفتيح المسامات المُغلقة في جدار هذا العقل.
من زاويتك كشاعرٍ، هل ترى أنَّ ثمة ضرورة حضارية لتداخل الأنساق الثقافية، سواء أكانت جمالية أو معرفية، ضمن بوتقة ثقافية واحدة، بطريقة تُعيد تأهيل العقل العربي على مستوى الأسس، والمساهمة بالتالي في انبناءات ثقافية جماعية، حيث يصار في نهاية المطاف إلى نقل الخطاب الثقافي (الجمالي والمعرفي) من جماجم النُخَب (الجمجمة الفردية) إلى جماجم الناس (الجمجمة الجمعية)؟
** عندما أشاهد فيلماً احترافياً من أي نوع ( وثائقي/ درامي/ كوميدي ... الخ)، أو أقرأ رواية أو كتاباً فلسفياً أو بحثاً حول نوع من النباتات أو الأجرام السماوية، أشعر بتلقائية أنَّ الحدود بين الأنساق الثقافية واهية إذا كان هناك حدود أو حواجز أصلاً، الأنساق الثقافية في هذه الحقبة من عُمْر الإنسانية لا تخضع إلَّا لقوانين، وهذه القوانين غير ثابتة، بل متحركة وباستمرار، بالنسبة لتداخل الأنساق الثقافية (الجمالية و المعرفية) -كما أطلقتَ عليها- فلا أظن أنَّ لدى العقل العربي حالياً مشكلة في التداخل (الجمالي) للأنساق الثقافية، والتي أفضل تسميتها بالمادي بدلاً من الجمالي؛ فالتداخل المادي للأنساق الثقافية مَسعى يقصده الإنسان العربي بالعموم، وهو ظاهر وجلي في أساليب العمارة وتخطيط الطرق والأدوات والآلات ... الخ، بل إنَّ التداخل أصبح يهدد الهوية الثقافية الأم من هذا المنحى؛ الأهم بظنّي هو الشُّغل على الأنساق الذهنيَّة المجرَّدة، مثل المعتقدات والتَّصورات والأفكار والرؤى والأساطير والأنساق المعنويَّة، مثل العلاقات الاجتماعية والأخلاق والقانون والعُرف، حتى لا نكون مجرد تابعين، بل مشاركين في بناء اللُحمة الحضارية للبشرية.
ومن هنا، أرى ضرورةً مُلحة لهكذا تداخل، لتتم المراجعة وبناء عقلية عربية أكثر شمولية وتفاعلاً وتقبُّلاً للآخر، في حدود المحافظة على عدم الذوبان الكُلِّي في ثقافة الآخر، بل الاستفادة والإفادة.
ولكن، لا أظنُّ أنَّ هذا التفاعل أو الاندماج ممكنُ التَّحقُّق من خلال الرِّقي أو التطور في فنٍّ أو وجهٍ من الفنون فقط؛ فالمسألة أشمل من ذلك بكثير.
أما بخصوص الخطاب بين العقل (الفردي و الجمعي)، فبظنّي أنَّ التداخل لن يُغيِّر في الأمر كثيراً؛ فلكلِّ "لغةِ خطابٍ" فئة مُستهدفة، وعليه فإنَّ اختيار لغةِ الخطابِ منوط بالفئة المستهدفة، وهنا ربما تتأصَّل محنة المثقَّف بالعموم والشاعر بالخصوص، فالشاعر الذي اطَّلع على ثقافاتٍ عديدة، وقرأ الكثير من نتاج الإنسانية، وسافر ورأى وتأمَّل، سيكون من الصَّعب عليه نقل هذا الكم والنوع للمتلقّي بخطاب سطحي أو تلقيني، وحتى في حالة التفتيت –كما أطلقتَ عليها- ستبقى هناك شرائح كبيرة عاجزة عن التعاطي مع خطابه الشِّعري، لذلك بظنّي وجدَتْ الأشكال المتعدِّدة داخل الفن الواحد، وعموماً أنا أُؤمن بخصوصيَّة الخطاب لا عموميَّته، و من يدري لعلّي أكون مخطئاً.
السؤال السادس: يبدو السؤال السابق وكأنه بإزاء طرح نسق ثقافي عربي بديل؛ أي بطريقة أو بأخرى تموضع ضمن سياق مُحدّد سلفاً!
في كتابه (العولمة الثقافية: الحضارات على المحكّ) يقول "جيرار ليكلرك": "إنّ مكتبة الإنسان في القرن الحادي والعشرين لن تكون –على الأرجح- مكتبة حضارة معينة، بل مكتبة بابل، حيث تتمازج كل اللغات والعقائد، كل الكتب وكل النصوص".
هل الانفتاح على الحضارة الإنسانية بكافة تجلياتها، أكثر اتساقية مع الوجود المادي والمعنوي للشاعر، من حيث هو يُخاطب الإنسان أولاً و أخيرا؛ لا شيء آخر على الإطلاق، أم أن الأمر ينطوي على نوعٍ من الخيانة للحضارة الأم؟
وإلى أي حد ترى نفسك منطوياً تحت الحضارة الإنسانية في وجودها الكلي، ومنعزلاً عنها في ذات الوقت؟
** الانفتاح معرفيًّا على تجليات الحضارة الإنسانية شرط بالغ الأهمية - باعتقادي - لتكوين شخصيَّة الشاعر، ومن ثم رؤيتُهُ الشِّعرية وصقل أدواته وتنميتها. أما الانفتاح مُطلقاً على تجليات الحضارة الإنسانية - فبظنِّي - أمرٌ فيه نظر، حيث يكمنُ في تجليات الحضارة الإنسانية الكثير من الـخَبَث والانحطاط واللاَّإنسانية، وإنْ كان في هذه الأمور جانب خبيء من لا محدوديَّة الإنسان ووجهٌ آخر له، ولكن الانفتاح عليه معرفيَّاً يكفي.
أما بخصوص أنه قد يكون في ذلك خيانة للثقافة الأم، فلا أظنُّ ذلك، فثقافتنا الأم بل أية ثقافة هي في أساسها تلاقُحٌ لا متناهٍ من الثقافات على مرِّ العصور والأزمان، مُتجلِّيةً (بالكُل) فيما اصطلح عليه "بالحضارة الإنسانية".
فيما يخصُّ انطوائي تحت مُخرجات "الحضارة الإنسانية" وانعزالي عنها؛ فأنا أشعر (معيشيًّا) أنِّي مُقيَّد بمُخرجات و إفرازات هذه الحضارة على السَّواء بين شِقيها المادي والمعرفي، ولا أُخفي أنِّي في سعي دائب للتخلُّص من هذه القيود الماديَّة والمعرفية، ولعلَّ هذا التحدِّي هو المحرِّك الخفي في كتابتي الشِّعرية وتأمُّلاتي الخاصَّة، فأنا لا أسعى حقيقة للاندماجِ فكرياً وماديَّاً ، بل أتوقُ إلى اللحظة التي أتمكَّنُ فيها من الانفصال الكُلِّي عن مُخرجات "الحضارة الإنسانية"، ولا أدري إذا كان هذا السَّعي سيُثمر عن طريق الموت فيزيائياً كنهاية محتومة، أم أنه سيتسنَّى لي قبل ذلك.