حوار مع الفنان التشكيلي السوري ثائر هلال
فئة : حوارات
حوار مع الفنان التشكيلي السوري ثائر هلال[1]
"لوحتي تحمل علامات قاسية خشنة جدا، وغير متصالحة"
حاوره: عمر شبانة
يرى الفنان التشكيلي السوري ثائر هلال، أن مسيرته الفنية تعرف تحوّلات وامتدادات طبيعية لا بدّ منها، خاصة وأنه يشتغل على التجريب المكثف، معتبرا أن اختفاء بعض المعالم الإيقاعية البصرية المتفاعلة بطابعها المتكرّر من على سطح لوحته الجديدة، يعني رغبة في استكشاف طاقات تعبيرية ورمزية متنوّعة، من أجل إثراء تجربته.
ويضيف الفنان السوري، المقيم في الإمارات العربية المتحدة، في حوار مع مجلة "ذوات"، أن الخلفية أو المرجعية هي مكوّنه المعرفيّ والحسيّ والنفسانيّ والأخلاقيّ، وهي تعني كل شيء بطبيعة الحال، قائلا: "من خلالها تملّكت طريقتي في التعبير عن نفسي، والتعبير بالتالي عن أشياء محدّدة تمسّ الوجدان والعقل".
ويشير ثائر هلال إلى أن المعطيات الحياتيّة الراهنة التي نعيشها في السنوات الخمس الأخيرة، لها طبيعة صادمة وكارثية، وليست عادية أبدا، ولها تأثير هائل على العقل والروح والمشاعر؛ وذلك، برأيه، كفيل بزعزعة الثبات في أعماقنا، وخلخلة كل ما هو حيوي ومتحرّك في أرواحنا الشفّافة الهشّة أصلا، والتي لا تحتمل هذا الكمّ الثقيل المُحبِط.
ويؤكد الفنان أن التجريب بوابة مفتوحة على التعبير، لها كل الاحتمالات، وليس لها أفق محدّد على المدى البعيد، وهو ما اعتبره تحدّيًا للذات ومتعة في الاستكشاف لتقديم المزيد من القيم الذهنية والبصرية الجديدة، ولاستنباط المزيد من جماليات التعبير اللامحدودة.
والفنان التشكيلي ثائر هلال من مواليد الناصرية في سورية عام 1967، تخرّج من قسم الاتصالات البصرية من كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1991، عُرف بأسلوبه الفني الخاص الذي يجمع بين قوة التصوير والفهم الجديد للحداثة.
يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي، يعمل محاضرا في كلية الفنون الجميلة في جامعة الشارقة. شارك في العديد من المعارض العربية في الشرق الأوسط، وساهم في عدة معارض دولية، مثل معرض "سكوب بازل"، و"آرت باريس أبوظبي"، و"بينالي الشارقة"، و"بينالي الإسكندرية"، و"بينالي طهران الدولي"، وغيرها من المعارض.
أنجز العديد من الأعمال التركيبية والفيديو داخل وخارج صالات العرض في الإمارات العربية المتحدة، ورومانيا، والإسكندرية، وبانغلاديش، وأشرف على مجموعة كبيرة من الورشات الإبداعية والفنية للأطفال والشباب، وأنجز عدداً من الجداريات في أكثر موقع ثقافي عربي وعالمي. حظيت أعماله الفنية باهتمام المجموعات الخاصة والمتاحف المتعددة، والمؤسسات الرسمية والأهلية العربية والأجنبية، بيعت لوحاته مؤخراً في العديد من المزادات الفنية العالمية، مثل: "كريستيز"، و"بونهامز".
تجسّد تجربته واحدة من التجارب الفنية المميّزة واللافتة بين تجارب عدّة، سواء لجهة الاهتمامات والأسئلة، أو لجهة التقنيّات وأساليب الاشتغال، وتعد
تجربته في معرض "علامات فارقة 2"، علامة فارقة في مسيرته الفنية، لاختلافها من جهة، وائتلافها وتعميقها من جهة مقابلة.
عمر شبانة: في "علامات فارقة 2"، ابتعاد عن تجربتك السابقة وأسلوبك في تكرار التيمة الصغيرة عشرات المرات، هل نحن أمام الانتقال إلى عالم الطبيعة وعناصرها، والعودة إلى بيئتك التي نشأت فيها، ظلال الصحراء، الجبل والنهر، وما هذه التكوينات النافرة: جدران ذات سطوح خشنة، الأرض الطينية، بقع الدم المنتشرة في الثنايا، وجوه على صورة شبحية؟ فعن أيّة "علامات" يمكن الحديث هنا، وبأية روح أردتَ أن تشحن اللوحة؟
ثائر هلال: بالنظر إلى مسار تجربتي، لا أجد أن ثمّة "انفصالات"، بل هي تحوّلات وامتدادات طبيعية لا بدّ منها، عندما تشغل حيزا واسعا من التجريب المكثف، والحيوية المستمرة على مدى السنوات العشرة الماضية؛ فالنظرة الخاطفة السريعة تتحسّس ذلك بشكل جليّ كتحوّلات بحثية استكشافية لا بدّ منها في سيرة الإنجاز، ولعلّ اختفاء بعض المعالم الإيقاعية البصرية المتفاعلة بطابعها المتكرّر من على سطح لوحتي الجديدة، لا يعني لي أنها تكونت من جديد. تلك الإشارات أخذت تتوارى يوما بعد يوم، خصوصا في السنوات الأخيرة، بشكل مقصود، وذلك رغبة في استكشاف طاقات تعبيرية ورمزية متنوّعة، تثري التجربة. وهذا يضيف الحماس الدائم للمس مناطق جديدة على الدوام لا تخلو من المغامرة، كما أنها لا تخلو من بعض الإخفاقات. ولا يعني هذا أنها غير ناجحة، فنسبة ما أحذفه تفوق كثيرا نسبة ما أرضى عنه، وكما تكون الإضافة قيمة، فإن الحذف يكون قيمة أيضا، عندما يكون في موقعه. وهذا يحتاج إلى سنوات من المدّ والجزر للتمعّن أكثر في طبيعة هذه التحولات وأهميتها.
على العموم، أنا لست متمترسا خلف تلك التيمة التي عُرفتُ بها، وإنما أمنحها حقّها من البحث والتجلّي والتجديد، كي تتبلور وتستمر حالة العطش والابتكار. وفي المقابل، فإن هذا يضع التجربة في لحظات من القلق والتساؤل والتيه الذي لا بد منه، لإثارة الأسئلة والحوار الداخلي المتجدّد والمزيد من المحاكمات.
بالطبع، الخلفية أو المرجعية هي مكوّني المعرفيّ والحسيّ والنفسانيّ والأخلاقيّ، وهي تعني كل شيء بطبيعة الحال، أي أنّني من خلالها تملّكت طريقتي في التعبير عن نفسي، والتعبير بالتالي عن أشياء محدّدة تمسّ الوجدان والعقل، ولذلك يفعل المخزون الداخلي أو المكوّن المتراكم، دورا أساسيا في اختيار الموقف والشكل والمضمون واللحظة المناسبة للبوح بالمشاعر والأفكار، مهما كانت مجردة.
من هذه الزوايا أقول، إن خصوصية المعطيات الحياتيّة الراهنة، خصوصا التي نعيشها في السنوات الخمس الأخيرة، لها طبيعة صادمة وكارثية، وليست عادية أبدا، بل هي هائلة بتأثيرها الكبير على العقل والروح والمشاعر؛ وذلك كفيل بزعزعة الثبات في أعماقنا، وخلخلة كل ما هو حيوي ومتحرّك في أرواحنا الشفّافة الهشّة أصلا، والتي لا تحتمل هذا الكمّ الثقيل المُحبِط. وعليه، فأنت ستجد أن نزوحي إلى عناصر الطبيعة الأساسية، على سبيل المثال، كالماء والتراب، كتيمة أشتغل عليها منذ خمس سنوات تقريبا، لها رمزيتها المكثفة في الثقافة الإنسانية، تأتي كنوع من التعبير الحادّ المتقشّف والجادّ، وهو محاولة للاختزال حدّ الجفاف، كي يلامس هذا الحذف حالةَ التعبير عن اليأس الذي يتعربش أحشاء أرواحنا، والذي نال من جوهرنا، وأفرز تضاريسه الوعرة الصلدة هذه..
لا شكّ أيضا في أن التحديق و(التصفّن) والتفكّر على المدى الطويل، يذهب بالرسام إلى الجذور، وإلى منبت الروح وتجليّات التكوّن الأولى، إلى الهوامش والتفاصيل المتضادّة في رمزيتها ودلالاتها، وهي محاولات نبش الباطن وخدشه، وإبراز المخفيّ ثم دفنه بالعجائن، وطمس تفاصيله المتهالكة، أو تدويرها، بما يشبه القفز على السطوح الشفافة والمُهشّمة، أو تسلق تلك الثنايا الوعرة، الثخينة والغليظة الجارحة.
هذه العلاقة الحميمة مع التفاصيل، لا شك أنها تتجلّى بشكل إراديّ أو عفويّ، وفي أحلك الظروف عتمة وقساوة. فكل مشاعر الحنين والأحلام والأماني والخيالات، تنهال عليك بشكل كارثيّ لا يمكنك التخلص منها، أو تجاهلها، وهي لا تدع لك مجالا آخر للتعبير؛ لأنك تنام وتصحو ويتلبّس ضميرك الفاجعة هنا والهول هناك… فكيف لا تنفلت من عقلك؟ وكيف تضع لروحك حدودا جاحدة؟ وكيف لا ينبت في وجهك الخجل؟ وأين تتوارى وأين تختبئ من عار الصباحات والموت الذي يسرق من أهلك كل معالم الحياة والحب؟؟
هنا، حيث لا مجال للمواربة والتخفّي أو التورية، تصنع لنفسك حدودا من الألم، وتنخرط في صنع الحلم، وتنغمس في البحث عن مفردات جديدة، من سراب ووهم، مصاغة ببياض الملح، ومعجونة بأسود الألم الكالح.
عمر شبانة: هذه اللوحة ذات الحجم الكبير، في عملك وتجربتك عموما، وانطباعات الضخامة والمتانة والقوة والشراسة، عن أي شيء تعبر أساسا؟
ثائر هلال: أستطيع تحميل هذه المساحات الكبيرة كاملَ طاقتي التعبيرية، هي تمنحني فرصة لممارسة كلّ ما يمكن أن أتخيّله، حيث إنها مستفزّة لكلّ حواسّي، وأجد نفسي دائما في هذه المنطقة (المساحة) قادرا على العطاء والقول والبوح والاسترسال والتجلّي... هي مساحة للتحليق والتمتّع والاستفاضة بمكنونات الروح والخبايا، فهي تستنزف المخزون الروحيّ والحسيّ والتقنيّ لإثبات حضورها.. متكلّفة وشاقّة وصارمة، وهي أيضا فاضحة وغير متعاطفه، ويستعصي تطويعها لتجسيد بعض الأفكار، خصوصا عندما تحمّلها أفكارا بسيطة أو شفّافة، وأنت تستعمل تقنيات تراكمية معقّدة وخشنة؛ ففي اللوحة، تتجسّد تعابير ودلالات رمزية لا محدودة، وليس من الصعب تجسيدها في المساحة الصغيرة. إلا أن اللوحة الكبيرة ذات سطوة هائلة، ولها طاقتها التعبيرية الجبّارة، وبُعدها المؤثّر في نفس الرسّام أوّلا، وعند المشاهد ثانيا، حيث تفرض اللوحة الكبيرة نوعا من العلاقة المترفّعة المتعالية (مع) المشاهد، وهي تحشر المتلقّي في موقع المستكشف للتفاصيل والثنايا، أو ربّما في موقع المشاهدة الصادمة، حيث تتسلّط اللحظة وتضيّق الفرصة على الآخر- المتلقّي كي ينصت لها... وكأنّها في موقع قوّة تدفع وتبوح بالأشجان الآسرة، وتتلاعب بالعاطفة والمشاعر والتعابير الرمزية المتداخلة، كي لا يفلت من لعنتها محب أو عابر سبيل..
كما أنّ هذا النوع من الضخامة قد يمثل، من جهة ثانية، العلاقة الملتبسة لعالم الفنان الداخلي، وتناقضات روحه بين الشفافية المترفة بالحب، والمتكبرة العفيفة الغنية بالألغاز الدفينة المتشابكة، وبين الرغبة في الحرية والتمرّد والانفراد بعيدا عن القهر والانهزام والتنحّي…
لوحتي هنا تحمل علامات قاسية خشنة جدا، وجافة وغير متصالحة، كما أنها تحمل نقيض ذلك من الشفافية والبساطة واللين والتلوين. وهذا الذي يبدو تناقضا، كسبته من خلال علاقتي بالطبيعة التي خبرتها جيدا، من خلال نشأتي وحبّي لتلك الأماكن، الأمر الذي يساعدني على تذكر تلك المعاني وتصويرها.
عمر شبانة: ماذا عن المواد المستخدمة، والألوان، والتقنية أو التقنيات الأساسية، ثم الإيقاعات التي تحكم حركة اللوحة؟
ثائر هلال: بشكل أساسي، أستعمل مواد بسيطة ومتنوّعة، بعضها تقليديّ مثل الأصباغ وبعض الأدوات والوسائط الكيمائية المساعدة، لكنّ القيمة الأساسية لها، تكمن في أنني لا أستعمل تلك الأدوات بالطريقة التقليدية، بل أضيف إليها، وأعيد تصميم بعض الأدوات مثلا، لتكون بأحجام معيّنة وذات أداء مختلف، وكذلك أفعل بالأصباغ. ضف إلى ذلك، أنني أستعمل مواد كثيرة طبيعية بشكل أساسي وأعيد تدويرها، مثل الورق والخشب والتراب والماء وبعض المواد البلاستيكية والصناعية. وهذا كله يتم تسخيره بتقنية تراكمية داخل المُحترَف، حيث تكون أداة تعبير طيّعة تخدم التيمة والعمل الذي أشتغل على إنجازه.
وبخصوص أعمالي المنجزة في السنوات الأخيرة، فهي تصبّ في أفكار متجانسة إلى حد كبير، وهي تأخذ طابعا معاصرا وحداثيّا، وتعبّر عن أفكار مجرّدة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى لا تشير إلى أي شيء، وتعبّر عن نفسها مثلا، وفي لحظات معينة تكون مباشرة وناقدة متعلقة بالثقافة والمجتمع والسياسة، وتشير إلى قوة ما أو حدث هائل أو صدمة، أو حتّى ردة فعل باردة.
ومن الناحية التقنية، أقسّم هذه الأعمال إلى مجموعتين: مجموعة التصوير بالموادّ البسيطة والسائلة والمختلطة على سطوح من قماش الرسم، وهي تبدو مغرقة في التجريد في شكلها الأوليّ، وتبدو ثنائية الأبعاد. أما المجموعة الثانية، فهي أعمال فنية مركبة، يتمّ تشكيلها وتكوينها بشكل أساسي على سطوح مستوية في معظمها، وهي مؤلفة من موادّ مصنّعة أو جاهزة، لها شكلها وإيقاعها ولغتُها الفنية والبصرية المعاصرة القائمة بذاتها. هي مكلفة من حيث التخطيط والتنفيذ والجهد المبذول في إنجازها، وقد استعملت فيها موادّ مصنعة متنوعة ذات أبعاد ثلاثية، تفيد في التعبير عن أفكار متعلقة بالثقافة، وهي عبارة عن مجسّمات وقطع بلاستيكية أو معدنية أو خشبية أو من البوليسترين، أو نفايات محددة يمكن إعادة تدويرها. ولم أتمكّن حتى الآن من إقامة معرض خاص بهذه الأعمال ثلاثية الأبعاد، لذا فهي تذهب على الأغلب لمشاركات فنية محددة.
عمر شبانة: بعد هذه المسيرة مع تحوّلاتها، كيف يتلقّى المشاهد مثل هذه الأعمال التجريدية بأبعادها التعبيرية، وكيف يتفاعل معها؟
ثائر هلال: يعد الاهتمام بالأعمال الفنية المعاصرة، في محيطنا الاجتماعيّ والثقافيّ، أفضل من ذي قبل نسبيا، حيث إن هذا التفاعل في حالة تغيّر نوعيّ كبير لصالح العمل الفنّي والفنّان، وشخصيا ألمسُ هذا الاهتمام عن قرب. وللحقيقة، فإن تلقي مثل هذا النوع من الأعمال، والتي هي بمثابة جرعة بصرية بتركيز عالٍ، يعتبر اختبارا وتحديا كبيرا للرسام والمشاهد على السواء، وأعتقد أن في داخل كل مشاهد قدرة ما على التحدي واستكشاف جوانب جديدة عند الفنان، والعكس صحيح أيضا. وهذه الحوارية هي قيمة وبعد معرفيّ تتجلّى عبر البصر والبصيرة، ويتجلى هذا الحوار في أجمل صوره، عندما يطرح العمل الفني أو يلامس الأفكار والمشاعر الإنسانية المشتركة بين الجميع؛ فالصور التجريدية المستوحاة من الماء والتراب، هي حديث عن الخلق والأمل والحبّ والحياة والصبر والقوة والصلابة والخشونة والعِناد والتحدي والثبات والأزلية والجذور، وهذه الإشارات كافية لخلق علاقة ذات خصوصية معينة، لأنها أيضا تتحدث عن نقيض ذلك. وعندما نسقط هذا على الواقع الراهن، نجد أننا على أمل بأن تنتهي المآسي والفواجع، ويبتعد شبح الموت، لننتصر للكرامة الإنسانية المسحوقة.
عمر شبانة: في معرضك الذي حمل عنوان "جيش نثق به"، الذي شاهدت أعمالَه، كانت المقاربة واضحة لصورة ما يجري على الأرض، هل تراك في معرضك الجديد ابتعدت عن تلك المقاربة، وذلك الوضوح؟
ثائر هلال: في البداية، دعني أقول إن العنوان كان بالإنجليزية "In Army We Trust"، وأقول مع الأسف، إننا بدأنا حينها من الإنجليزية، وليس من العربية، باعتبار الإنجليزية لغة أكثر انتشارا، لكن الترجمة إلى العربية لم تكن دقيقة فعلا.
وحول سؤالك، فإن ذلك المعرض كانت له خصوصية كبيرة، فهو كان أقرب إلى صورة مشروع منفرد، تضمّن أفكارا جديدة في حينه، وجاء في شكل وتقنية لم أكن قد عملت عليها، طغى عليه اللون الأسود كرمز للألم والحزن الشديد، وحمل إشارات رمزية رافضة لعسكرة البشر ولممارسات العسكر القمعية في محاولاتهم الهمجية لوأد انطلاقة الاحتجاجات الشعبيّة السورية في أنبل أيامها وأصدقها، عندما واجهت أعتى آلات الموت عدوانية ووحشية وشراسة، وقد يبدو هذا المشروع الفني غريبا بعض الشيء عن تجربتي التعبيرية التي عُرفت بها؛ ذلك لأني لم أستخدم من قبل الإشارات والصور المباشرة كما في صور العسكر والآليات العسكرية والأسلحة التي سحقت الناس، وكرّست الموت المجانيّ ككارثة لا بد منها لأية محاولة تغيير أو حراك وطني، في حين كنا نشعر بالأسف والمرارة في ما لو أن تلك الجيوش مكرّسة لحمايتنا كبشر، وكنت أنا شخصيا مؤمنا أن العدالة ستنتصر بعد حين، وأن الموت سوف يتوقف إذا ما ساهمنا جميعا برفض تلك الممارسات القاتلة.
عمر شبانة: أخيرا، إلى أين تتّجه تجربتك بعد هذا التجريب والتجريد والمغامرة؟
ثائر هلال: التجريب بوابة مفتوحة للتعبير، لها كل الاحتمالات، وليس لها أفق محدّد على المدى البعيد، وهذا تحدٍّ للذات ومتعة في الاستكشاف لتقديم المزيد من القيم الذهنية والبصرية الجديدة، ولاستنباط المزيد من جماليات التعبير اللامحدودة.
[1]- مجلة ذوات العدد37