حوار مع خبير مهارات الاتصال والقيادة الشخصية ماهر سلامة: الإرهاب خللٌ وجداني
فئة : حوارات
حوار مع خبير مهارات الاتصال والقيادة الشخصية ماهر سلامة:
الإرهاب خللٌ وجداني
يقارب مدرّب مهارات تنمية الشخصية وتقوية الإنسان، ماهر سلامة مفاهيم الثقافة والسياسة والدين من زاوية جديدة بعيدة عما هو متداول في العلوم الإنسانية التقليدية الحديثة؛ فجهده يقوم على التركيز على القيم الإنسانية، وعلى التعمق في ذاتية الإنسان ودراسة نوازعه وردود فعله، وتنمية مهاراته العاطفية وقدرته على التواصل مع الآخرين من خلال الفنون والسينما والموسيقى والمحفّزات التي يشتمل عليها خطاب الأديان.
ويرى سلامة أنّ الإرهاب خلل وجداني، أساسه تعصب، وأيّ تعصب هو بالضرورة فاقد للتوازن بين المشاعر الروحية والعواطف القلبية وبين الإرادة والعقل.
ويدعو الخبير الأردني ماهر سلامة إلى ما يطلق عليها "الثورة البيضاء" القادرة في نظره، على نزع أسلحة التأويل (الأيديولوجي) من أيدي رجال الدين، وسلخ العلاقة بينهم وبين السلطة الحاكمة، ونزع الشرعية عن مؤسسات نشر التبريرات والإشاعات والكذب والوهم كبعض وسائل الإعلام، والفنون السطحية، والثقافة الرديئة.
أمضى سلامة المتخرج من الولايات المتحدة الأمريكية جلّ حياته المهنية يعمل مخرجاً ومعدًّاً لبرامج الاتصال الإعلامي والجماهيري؛ إذ أنتج مئات الأفلام والمواد الإعلامية والإعلانية والدعائية، كما ساهم في إبراز الصورة والهيئة الإعلامية لهذه المؤسسات والشركات وعلاماتها التجارية.
وتوّجت مسيرته المهنيّة بانتدابه خبيراً استشارياً للاتصال الإعلامي الاستراتيجي لبرامج الاتحاد الأوروبي التنموية وبرامج التنمية الأمريكية في الأردن، كما ساهم في المشاركة في برامج التوعية والاتصال الإعلامي الاستراتيجي التي نفذت في الأردن بالتعاون مع جامعة سوانزي وجامعة جونز هوبكنز.
أصدر سلامة ثلاثة كتب في مهارات الاتصال والقيادة الشخصية؛ أولها "الطاقة والوقار"، وثانيها "سحر الشخصية وفروسية الذات"، وثالثها الذي صدر أواخر العام 2015 بعنوان "كاريزما كود" الذي يقول إنه موجه للشباب، ومن يسميهم "لاعبي الحضارة" لبيان خفايا القيادة والتمكين والمسؤولية الاجتماعية، وبناء كوادر الأعمال والمجتمع المدني.
موسى برهومة: أنت تبحث في حقل بلا مرجعيات كثيرة في الثقافة العربية؛ كيف تتحرك في هذه المنطقة الضيقة؟
ماهر سلامة: ما يحدد أين تبحث؟ هو طبيعة الأسئلة العالقة غير المنسية في النفس وضغوطها وتحرشاتها، وكأن المنظور هنا وزوايا التأمل والتفكير تصبح كعدسة تلتقط من الإجابات المحتملة في كل مكان؛ لأن القرار قد اتخذ للبحث عن إجابات، ساوا كان ذلك من معلومة من قصاصة جريدة، مجلة، أو حتى من أغنية أو مسرحية أو قصيدة، أو رواية، أو مقابلة تلفزيونية.
المهم هنا هو سماع وحي تأملاتك العميقة، وحينئذ تكون المواد الأولية قد حضرت، وما عليّ فعله هو تدوينها، وتجميع أفكارها وأرشفتها؛ فخزائني مليئة بهذه المواد الخام للإجابات، التي تدلني ماذا عليّ أن أقرأ، وأين أبحث لأرتوي وأجد الإجابات التي تشفي غليل فضولي.
لذا هذا النوع من الأدب يستغرق وقتاً طويلاً لكتابته وتدوينه. هناك أيضاً مراجع عالمية لتطوير الفرد، وبناء قياديته، ومسؤوليته الاجتماعية تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه، ولكن عملية التحضير سابقة الذكر، تجعلك تقرأ تلك المراجع بروحية باحثة عن طريقة تفكير الباحثين والكتاب والمفكرين، من هنا تبدأ آلية التفكير والبحث لا النقل، وتبيْئة الأفكار لتناسب الواقع المعاش؛ وذلك لإعمار العقل والروح والعاطفة نحو الاقتناع، فالقناعة والإيمان بفكرة أو إجابة إحساس وفهم عميق يتطلب أكثر من ذكاء عقل، يتطلب ذكاءً روحياً وعاطفياً وإرادياً.
في النهاية، أنت من تقود توسعة منطقة البحث الذي هو حل إشكالية وفض نزاع بين أفكار الإنسان، لذا علينا التفكير بأكبر من حجم المشكلة التفكيرية، لحلها كما يقول كارل يونغ.
موسى برهومة: تقوية الإنسان وتنمية الشخصية وإعلاء قيم الفروسية.. كلها معانٍ تفيض بها كتاباتك؛ ما الذي تسعى إليه بالضبط؟
ماهر سلامة: لم أعد أومن بالمعارضة المنظمة، قبل إرساء قيم وتقاليد مجتمعية للصحيح والخطأ؛ فجل تحريضي يقوم على تأسيس معارضة مجتمعية عامة يومية، تقوم على أسس المبادئ الإنسانية، التي لا يختلف عليها خمسة أفراد من خمس قارات؛ فمشكلتنا الحقيقية هي في رأيي مؤسَّسة على تشظي الأفراد، وبالتالي العائلات سيراً نحو المجتمع ومؤسساته، دولة وديناً وثقافة.
فلنتصور مثلاً لو استطعنا بناء فرد مدني، يؤمن بمسؤوليته الفردية- الإنسانية تجاه نفسه ومجتمعه وعائلته ودولته ووطنه، نكون آنذاك قد قمنا ببناء كوادر تستطيع أن تواجه الخطأ، وترسي الصحيح المشترك بين أفراد المجتمع. ولنا أن نتخيل وقعُ ذلك على مؤسساتنا وأوطاننا. وفي رأيي هذه هي المعارضة الحقيقية، معارضة تبني برصانة وتهدم أيضاً برصانة كل ما هو آسن وفاشل بثقة ووعي جديد.
نتكلم عن فكرة ثورة أيديولوجية بيضاء، ثورة في التفكير، بعدها يصبح لكل حراك مجتمعي معنى آسر كبير، قادر على النقد، والرفض والقبول وممارسة حرية متطورة للاختيار، لا الإجبار. هنا تنتقل السلطة من الدولة والمؤسسات الدينية إلى الناس، وتصبح اليد الطولى للسلطة الأخلاقية للمجتمع، وبذلك تتحقق الطاعة الاختيارية للناس تجاه الصحيح، والرفض الطوعي لما هو فاشل، من دون أن يكون الغوغاء والتطرف والتحشيد العصبوي هو الحاسم بذلك.
هذه الثورة البيضاء هي القادرة فقط على نزع أسلحة التأويل (الأيديولوجي) من أيدي رجال الدين، وسلخ العلاقة بينهم وبين السلطة الحاكمة، ونزع الشرعية عن مؤسسات نشر التبريرات والإشاعات والكذب والوهم كبعض وسائل الإعلام، والفنون السطحية، والثقافة المتردية، والآداب الخالية من الدسم الوجداني، وذلك ليتمكن الناس من تحرير أنفسهم، وتوسعة خيالهم، وتفاؤلهم، وآمالهم، لتحفيزهم نحو المشاركة في حق تقرير مصيرهم كمواطنين، شركاء في حكم مستقبلهم. هذا ما أعنيه بالمعنى الواسع للمفهوم العربي القديم، فروسية الذات. إنني أتوق لاستبدال الخرافة بالمعاني العقلية، والوهم بقوانين الطبيعة، والأسطورة بالعلم.
موسى برهومة: تتقاطع أبحاثك مع العلوم الإنسانية من فلسفة وأدب وموسيقى وسينما وعلم نفس؛ هل تعتقد أنّ هذه الفنون والعلوم قادرة على صقل شخصية الإنسان، وكيف؟
ماهر سلامة: للإنسان أبعاد مباشرة، وغير مباشرة في زوايا تفكيره، تماماً كما الأزمات التي يواجهها؛ فالأبعاد العاطفية والشعورية (غير المباشرة)، هي ما تتحكم في العضلة التفكيرية المباشرة التي تسمى العقل. لقد لجأتُ إلى هذا التنوّع من المصادر المعرفية بحثاً عن إجابات، لذا حرصت عندما قدمتها للقارئ أن أقدم الإجابات عبر السينما والشعر أيضاً، فعندما يقول الشاعر درويش: "إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها. في النهاية إبداعُ صاحبها" نكون قد أوصلنا الفكرة ببلاغة تختصر عشرات المقالات، فهي تحمل اختزالاً من كل العلوم. وعندما تقول أم كلثوم: "إنما الحاضر أحلى"، أو "الله محبة"، فهذه بلاغة سريعة وسهلة أتت من علوم كثيرة، وقدمت في إطار فني إبداعي. وهذا هدف الثقافة والآداب والفنون، أعني الارتقاء بالنفس عبر تسهيل مرور ما هو بعيد أو صعب المنال والفهم.
لجأت أيضاً إلى التاريخ لأثبت للقارئ أنّ الفكر الإنساني المتطور قديم، فأوردت بعضاً من أدبيات الفراعنة، والبوذية، والمسيحية والإسلام، لأقول إن حراك الفكر الإنساني للارتقاء لم يأتِ صدفة، بل هو مسيرة علينا البحث في ثرائها.
ما أردت قوله: خلقك بأحسن تقويم، فما الذي حصل؟!، وكيف تراجعت إنسانياً.
وهنا أود لو أؤكد أن الفنون هي المحرش الأول للعلوم، ولولاها لما تقدم العلم؛ فما نراه من خيال علمي سينمائياً، صار واقعاً علمياً ملموساً. وهنا يحضرني قول شهير لمؤسس علم الذكاء العاطفي دانييال غولدمان، بأن العالم والمؤسسات والحكومات باتوا بحاجة إلى شباب مبدعين وأذكياء عاطفيين لقيادتها، ولم يقل متعلمين، أي قصد من هو أكثر كفاءة في إدارة ذكاء مشاعره وعواطفه وإرادته المؤنسنة، وبالتالي عقله. فالعقل وحده قد يحتال علينا، ويوقعنا في المجهول. الفنون هي من تصقل مكونات الذات، وتحميها.
موسى برهومة: الشخصية العربية عموماً فيها رواسب من أزمنة ماضية تعيق تقدمها وانفتاحها على الآخر؛ وأنت تركّز كثيراً على ذلك؛ ولكن كيف للشخصية المنغلقة أن تنفتح عن الآخرين وتتقبّلهم، باعتبارهم شركاء في الإنسانية؟
ماهر سلامة: لم ترتقِ مجتمعاتنا في تحولاتها الاقتصادية- الاجتماعية إلى ثورات فكرية، بل تحولت إلى تقليد أنماط استهلاكية جديدة على جثث أنماط لم تمت بعد.
تنتقل المجتمعات وترتقي لتجُبّ ما قبلها ثقافة الأفكار والإنتاج والاستهلاك. فدولنا رعوية، لم تتخلص من رواسب البدائية، ولا العبودية، ولا الإقطاعية، كلها أنماط مختلطة تخدم الحكام. من هنا تجد الفرد العربي خليطاً من هذه الأنماط، فيتوه حائراً أمام تحديات وأسئلة تُذهبه للخرافة، والخنوع، أو إلى التطرف وإحداث الخراب.
ما علينا استثماره لتقصير مسافات الارتقاء هو البناء على النهضوية الفكرية الذاتية التي زارتنا ذات تاريخ، وأهملتها السلطات عن قصد، نهضوية فكرية مثلها ابن عربي وابن رشد وابن خلدون مثلاً، نهضوية بنت أوروبا الحديثة، نهضوية فردية مثلّها طه حسين وغيره، نهضوية فكرية مثلتها السينما العربية والمصرية مثلاً، نهضوية فكرية مثلها علماء مثل ابن سينا وغيره. لماذا أعاد الغرب هذا الموروث، وسهل طريقة تقديمه، وسهل لغته، وتداوله؟ برأيي في عصر التردي هذا لا عيب من الرجوع الى الرصانة والموروث الرفيع لإعادة إنتاجه، وإحداث صعقة فكرية للقارئ العربي، يعرف من خلالها أنّ له تاريخاً رفيعاً، يعيد له العزة، ليكون قادراً على الالتحام إنسانياً بالآخر، وعلى مواجهة عوائقه في التقدم والارتقاء. هنا يقف العربي بلا استلاب أمام الأجنبي، خاصة إذا ما عرف أنّ الطوربيد والشراع اختراعات عربية قديمة. هنا نتكلم عن تأهيل الفرد العربي لإعادة ثقته بنفسه، بعد أن دمرتها أنظمة الاستعمار العالمي والمحلي المتمثلة في أنظمة الحكم.
موسى برهومة: الموروث الديني فيه جوانب ملتبسة لجهة تحقيق الإنسان لذاته، لكنّك تستخدم هذا الموروث بشكل إيجابي ومحرّض على الأمل، ماذا رأيت في هذا الموروث، ما الذي استفزّك فيه؟
ماهر سلامة: هناك نصوص تاريخية خالدة، ولا بأس أن ترتبط مفاهيم الخلود بالربانية والإلهية، فليس هناك من نص خالد وردنا صالح ليومين فقط. لكن هذا مرتبط بالفرد، فالقرآن الكريم صالح، كخطاب روحاني، لكل زمان ومكان، فقط إذا كان الإنسان صالحاً لكل زمان ومكان. ليس هناك نص خالد أتى إلا ليخاطب مكنوناً إنسانياً، بمبادئه المنسجمة أصلا مع قوانين الطبيعة والكون الحاضن لنا. النصوص الخالدة تتحول إلى عائق عندما يصيبها عبث الإنسان، الذي ضَّيع خلودها وإنسانيتها المبدئية الواسعة لتناسب صغر آفاقه.
ولكن هل هذا يعني أن علينا أن نكون أنبياء لنفهم الخلود العميق؛ فالمشكلة في النفوس وليست في النصوص. فنحن نقرأ النص ونؤوّله بناء على أزماتنا الداخلية، وتناقضاتنا. مهمة النص تقديم المادة الخام للفكرة، وعلينا إكمال بقية الفكرة وتطبيقاتها، بناء على نفس امتلكت أركان الإيمان، وهي السابقة لأركان الإسلام. فأركان الإيمان هي أساس المشترك الإنساني؛ إذ دعت إلى الإيمان بالكتب والرسل، أي الإيمان بالتجربة الفكرية الإنسانية وتاريخ تطورها، وأن الله ساوى بين البشر بالعقل.
من هنا استطعت أن أقرأ النصوص الدينية بشكل إنساني مدني حديث، كما استطعت أن أجد الثراء المدني والإنساني فيه، وأهمه هو الدعوة الخالدة للإنسان للسعي نحو البحث، والكشف، ومواكبة التغيير، والتعلم والارتقاء. فالغيب هو ما لا نعرفه حتى الآن. السعي نحو الصفا والمروة مثلاً ليس مجرد قصة، بل فيها رمزية كبيرة تُعنى بارتقاء الإنسان.
فك شيفرة رمزيات النص الخالد هو التحدي الأكبر، وليس تأويلها لتناسب عقلنا المحدود. فهم النص الخالد يريد مفكرين وفلاسفة وشعراء يفكرون برمزية الوجود ومعانيه العميقة، القصة ليست شريعة فقط، بل أكبر بكثير، بكبر حجم حضور الله في أنفسنا، وفي كل زمان ومكان.
موسى برهومة: الحقل الذي تتحرّك فيه غائب عن أجندة المناهج والجامعات العربية؛ ربما تستخدمه بعض الشركات والمؤسسات لحفز الموظفين وتنمية مهاراتهم وتمكينهم من اكتساب طرق جديدة في الإدارة وتنظيم الوقت وتعظيم الإنجاز، هل القطاع الخاص يفعل ذلك فقط من أجل زيادة أرباحه، أم للأمر وجه آخر؟
ماهر سلامة: تنمية الذات، والدخول الى أعماقها أصعب من الدوران حول اليومي المباشر. وهذا يعتمد بالمناسبة على الأسئلة المغيّبة للإنسان. فنوعية تحدياتنا تجلب لنا حسن أو سوء طالع الأسئلة؛ فنحن عندما نتخرج من الجامعات لنحصل على الشهادة فقط، نكون في الحقيقة بالبنية الاجتماعية والفكرية والنفسية ذاتها التي دخلنا بها هذه الجامعة أو تلك. هل جامعاتنا مبنية لتخرج كوادر، أم لتخرج حاملي شهادات. كثير من القائمين على شؤون التعليم نسوا مكوناً تحضيرياً هاماً، وهو التربية، التأسيس لتربية النفس وإدارتها بدلاً من ترويضها بالعقاب والثواب، هو كأهمية أركان الإيمان تماماً فهو سابق لأركان الإسلام، لتربية النفس الإنسانية أولاً، وإذا سقط هذا المكون من منهج تقويم النفس فلن نحصل على ما نأمله.
غياب مفهوم تربية النفس اجتاحته المؤسسات الدينية، واحتكرته لنفسها، وباسم الرب استسلم الجمهور. لقد امتلأ الموروث العربي بكليات لتربية النفس، وسميت حينها بالرياضات والمجاهدات الذاتية، هذه ثقافتنا أساساً، وقد أهملتها الجامعات والكليات لضعف بنية إدارييها، فالقيادات التربوية والتعليمية في تناقص. وما تشهده كليات علم النفس الاجتماعي، وكليات علم الاجتماع، وكليات علم النفس من ازدراء، علامة بارزة على ذلك، ففي المجتمعات المتحضرة هؤلاء هم عماد أوطانهم الوجدانية والمعنوية ومبرمجوها عاطفياً وشعورياً وقيمياً، فمن دونهم لا ينجح إعلام، ولا تحفيز للمجتمع على المنافسة والإنتاج، ومن دونهم لا تكون مؤسسات حكم، ولا ثمة توجيه إلى تطور اجتماعي واقتصادي؛ كل ذلك استبدلته دولنا بالمؤسسات الدينية، وكليات الشريعة. أما القطاع الخاص وحتى القطاع العام، فهو ما زال لا يمارس المسؤولية الاجتماعية تجاه ارتقاء حاضنته ومجتمعه وعملائه رغم إدعائه صورياً بذلك، حيث تعتقد هذه القطاعات أنّ من يتدرب سوف يغادره الى مؤسسة أخرى. فباتت الشركات تضع شروطاً وعقوداً احتكارية مجحفة لمن يتدرب لئلا يغادر إلى مؤسسة أخرى. لا تدرك المؤسسات أنها تسهم في تدريب حاضنتها ومجتمعها، فيزداد ربحها أكثر.
موسى برهومة: الإرهاب يضرب في كل مكان، والعقول المتشنّجة تفتك بالإنسان وتعمي بصيرته؛ كيف يمكن للحقل الذي تعمل فيه أن يروّض الأيديولوجيا، ويجعلها في خدمة الأفكار المتنورة، لا العكس؟
ماهر سلامة: الإرهاب أساسه تعصب، وأي تعصب فاقد للاتزان والتوازن، والمقصود بالتوازن هنا هو التوازن بين المشاعر الروحية والعواطف القلبية بين الإرادة والعقل، وعندما يتم استخدام مكون واحد لأحد هذه المكونات الإنسانية، يحدث التعصب، ويخرج الإرهاب. عندما نتحدث عن بناء الفرد، وإرساء قواعد مسؤوليته الاجتماعية تجاه نفسه وغيره، نتحدث عن رؤية شمولية للأنا والآخر، لعائلتي وجيراني، لبلداننا وللكون، للحرب والسلم، للعدل والمساواة، وهذا بدوره سيبرز معادلة كونية تقول إن لا شيء بلا ثمن، وعقاب وثواب، وبالتالي حساب الربح والخسارة، وإرساء قواعد أن تربح وأربح، أو أخسر لتربح، أو أربح لتخسر، أو أربح لتربح. والتوازن هنا سر الاختيار.
هنا يدرك الفرد أنه ليس لوحده في هذا الكون، وعليه تباعاً يتم حساب مؤشر الاختلال أو التوازن، الذي يحمل مؤشر العدالة والمساواة. أي تعصب أساسه أنانية- فردية، وليس تآخياً فردياً يقوم على أسس متعادلة ومستقلة تقول أنا مستقل وأنت مستقل ونلتقي في الوسط. هذه هي الروحانية- الإلهية، التي تغذي العواطف بما هو إنساني، وتهدئ العقل، ليتمكن الشباب من التفكير المستقل وهم يشعلون شموع الأفكار.
موسى برهومة: تحاول في كتبك وأبحاثك أن تفتح نوافذ جديدة للأمل والتفاؤل والطاقة الإيجابية؛ هل ترى أن المستقبل زاخر بهذه العناصر، أم أنّ فسحات الأمل تضيق وتنكمش؟
ماهر سلامة: للتاريخ طرق مستقلة عن الإنسان، فهو يشقّ طريقه بناء على قوانين الطبيعة، وعلى الإنسان أن يلحق بطريق التاريخ والكون، فهو مجبر أن يتقدم، وإلا أزاحته قوانين الطبيعة من حساباتها، وأفنته. لذا على الإنسان أن يفهم أنّ التطور إرادة خالدة، ربانية، إلهية، علمية، حقيقية، وواقعية، فبأي مصطلح أو مفهوم عليه أن يواكب التغيير، فهو الثابت الوحيد في الكون، واحترام الكون من احترام الله، والطبيعة، والوجود، والإنسانية، وهذا الاحترام هو ما يجعل أي فرد جديراً باحترام نفسه، واحترام الآخر. الأمل، الطاقة الإيجابية، التفاؤل هما مصير، وحتمية تاريخية، وليست اختياراً مزاجياً، هي قدر الإنسان كما الموت، لذا على الإنسان الإيمان بالتغيير والأمل والتفاؤل رغم كل شيء، وهي قاعدة بسيطة تقول لا ولن يصح إلا الصحيح، ومقاومة هذه القاعدة هي أساس تشوه الفرد العربي، وليس هناك خلاص فردي، إلا بخلاص جمعي، لكن المسؤولية فردية، فالفرد خليةُ أي مجموعة، وتعلّمه يأتي من داخله إلى خارجه، وليس العكس، الجماعة لا تعلّم الفرد، بل الفرد هو من يعلم الجماعة.