خطاب في أساس العنف بين الناس
فئة : مقالات
خطاب في أساس العنف بين الناس
أو
نحو منظور دياليكتيكي للعنف
جمال فزة
ملخص:
يقتضي البحث في أساس العنف الحفرَ في دلالته صعوداً باتجاه منبعه الأول. يساعدنا في ذلك، مفهوم المنبع أو الينبوع، كما طرحته الفلسفة المعاصرة؛ ومعناه الشرط الذي يصير به التعريف ممكناً. لكن بينما انطلقنا، متأثّرين بعوائد تفكيرنا، من التعارض الأساسي «خير/شر»، معتقدين أنّ العنف ينطبق على حالات غياب السلم والأمان والاستقرار الاجتماعي، فوجئنا في منتصف الطريق بالطبيعة الجدلية للمفهوم، حيث يمتزج منبع العنف بشرط إمكان الاجتماع نفسه. وهكذا نجد في الرابط الاجتماعي؛ أي تلك القوة الانجذابية التي تتحقّق بفضلها الحالة الاجتماعيّة، العنفَ راسباً من رواسب الاجتماع، ومقوماً من مقوماته. وكلّما اعتقدنا أنّنا جفّفنا منابع العنف نهائياً انبثق العنف من بيننا أكثر حدّةً وضراوة.
يؤكّد الدين الطابع التأسيسي للعنف. ونكتشف، من خلال تحليلٍ نقدي للخطاب الديني، أنّ جدليّة «صديق -عدو» غير قابلة للاختزال، وأنّ الحلم الإنساني بتحقيق السعادة والرفاه على وجه الأرض فكرة دخيلة على الدين ترتبط بمصادرات الحداثة وفي مقدّمتها فكرة التقدم.
وإذا كانت الفترة المعاصرة تشهد على صعود أحداثٍ إرهابيّةٍ إلى الواجهة السياسية والاجتماعية تذكّرنا باستمرار «أشكالٍ بدائيةٍ» للعنف اعتقدنا في لحظة ما أنّها تنتمي إلى زمنٍ ولّى، فإنّنا ننبّه إلى مغبّة السقوط في شرك اجترار نماذج تحليلية معهودة، كاللجوء إلى إوالية «كبش الفداء» (Bouc émissaire)، وإلصاق التهمة بثقافة أو حضارة بعينها. لذلك عملنا، في هذا المقال، على ربط ظاهرة صعود أحداث العنف في الحقبة الراهنة بالتناقض الرئيس الذي يخترق المجتمع المعلوماتي؛ وهو التناقض: «شبكة-هوية»، حيث ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا من أجل تفسير مختلف أشكال العنف التي تخترق حياتنا المعاصرة بردّها إلى «ميكانيزم» انبثاق الهويات وبروزها.
تمهيد
يصعد اهتمامي بالعنف إلى ما يناهز ثلاثة عقود. في البداية كان انهمامي به عاطفياً؛ كنت مراهقاً لا يتجاوز عمره أربعة عشر ربيعاً، حينما تسنّى لي مشاهدة صور الفلسطينيين، وهم يتعرّضون لأبشع أنواع العنف من طرف الجنود الإسرائيليين. لكنّ ما كان يثير حفيظتي، على الرغم من بشاعة المشاهد، عدم تكافؤ الطرفين المتواجهين فحسب؛ لذلك كان الموقف الذي تبلور لديّ حينئذٍ هو تبنّي «العنف المضاد»، والمشاركة في كلّ أشكال الحضور التي تدعم الانتفاضة الفلسطينية، وتدعو إلى استمرارها، وتسهم في تصليب عودها. كانت المشاهد، التي انتقلت إلينا عبر أشرطة «فيديو» حول مجزرتي صبرا وشاتيلا، بصوت جوليا بطرس وهي تصرخ في العرب: «وين الملايين؟»، تذكي فينا مشاعر الحقد والانتقام، وكان العدوّ هو الإسرائيلي أو اليهودي أو الصهيوني، لا يهمّ، فبشاعة المشاهد وأجواء الحماسة لم تكن تمنحنا برهةً للتمييز.
الحماسة نفسها والغليان هما ما كان يطبع مواقفي وسلوكياتي، وأنا أتابع خطوة خطوة حرب الخليج الثانية. كنت أتبنّى كلّ ما يقوم به صدام حسين صائباً كان أو مخطئاً لا يهمّ، فما كان يشفع له عندي، وربّما عند الكثيرين، أنّه قد وجّه أسلحته أخيراً ضدّ إسرائيل: العدوّ الأول؛ هكذا بدأت الشعوب العربية تقتنع شيئاً ما بأنّ للسلاح العربي جدوى. لكن شيئاً جديداً هذه المرة أثار انتباهي، وجعلني أراجع مواقفي تجاه العنف عموماً: إنّ إسرائيل، التي كنت أتمثّلها وحشاً جامحاً لا يقدر على تملّك نفسه وضبط عدوانيّته، صار، على خلاف ما أعتقد، يلتزم بالشرعيّة الدولية، ويتجنّب التورّط في مواجهة مباشرة مع العراق، حتى لا يربك حسابات التحالف العربي -الأمريكي -الأوروبي فتختلط الأوراق. هكذا، بدأت أقتنع بأفكار جديدة غيّرت تصوّري للعنف. ولعلّ أهمها على الإطلاق أنّ العنف ليس مخرجاً من مخرجات عدوانية لا سبيل إلى مقاومتها والتحكّم فيها؛ بل هو نتيجة لعمليّة عقلانية تضبط صبيبه وحدّته وأغراضنا منه، حيث يمكننا أن نتحدّث عن اقتصاد سياسيّ للعنف.
وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها بهزيمة العراق. لكنّ العراق لم يكن المهزوم الوحيد في هذه الحرب، فقد هُزِمَت معه كلّ القيم الغربية التي قامت عليها الدولة الحديثة؛ إذ لم يتطلّب الأمر منّا الانتظار كثيراً حتى تنكشف اللعبة، فيتبيّن بالملموس سقوط مسوّغات الحرب وذرائعها، فنظام صدام حسين لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل!
انتهت الحرب ضد العراق بانتهاء برادايم بأكمله، وراح يتهيّأ للولادة آخر؛ لقد انتهت الحرب التقليدية التي كانت تضع جيشين غريمين وجهاً لوجه، تجسيداً للحرب الباردة التي كانت تدور رحاها بين قطبين متعارضين اقتصادياً وإيديولوجياً هما: الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية؛ لتشهدَ النورَ حربٌ جديدة بتدمير برجي مركز التجارة الدولية في منهاتن في الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء (11) أيلول/ سبتمبر (2001)، أُطلِق عليها اسم «الحرب ضد الإرهاب». ونظراً لضلوع «تنظيم القاعدة» في الأحداث وتبنيه لها، احتلّ الإسلام في هذه الحرب مكانةً محورية.
لم يكن لهذه الحرب شكل، ولم يكن لها جيش نظاميّ؛ فكل شخص بإمكانه أن ينخرط فيها، حتى أولئك الذين يشهد لهم الجيران بالحِلم ودماثة الخلق. لقد أصبح العنف يداهمنا من كلّ حدب وصوب، وأصبح ينبجس من بيننا من دون استئذان؛ بل بات الأقارب يتّصفون به لمّا بتنا - نحن- نشكّك في قيمة روابطنا وطبيعة القيم التي تجمعنا. لقد أسهمت هذه الأحداث في ترسيخ شعورٍ لدينا بعدم الثقة، وإحساسٍ بأنّ ما يحدث من حولنا أصبح يتجاوز عوائد تفكيرنا، وأصبحت الأحداث المتسارعة تباغتنا لمّا تغلغل في أحشائنا شعورٌ بأنّنا لم نعد نمتلك زمننا، وبأنّنا ولجنا حقبةً جديدةً بكلّ المعايير أَطلق عليها مفكّرون وفلاسفة ممّن ذاع صيتهم في الفترة المعاصرة، وعلى رأسهم جان فرانسوا ليوتار، اسم: «حقبة ما بعد الحداثة». أمّا أنا، فبعدما كنت أعتقد أنّ العنف لا يختلف في دلالته اثنان، باعتباره عنصراً مفسداً للحالة الاجتماعية على وجه العموم، انتهيتُ إلى ضرورة الحفر في دلالته، مبتعداً قدر الإمكان عن مواقفي القديمة منه. وقد ساعدني في ذلك تكويني السوسيولوجي والأنثروبولوجي.
في الأساس الاجتماعي للعنف:
أساسُ الشيء مبدؤه، والمبدأ من البدء؛ أي ما به يبدأ الشيءُ في الوجود، وبه يَحمل الشيءُ دلالتَه الأولية. فإذا كان الأساس ما به يخرج الشيء إلى الوجود ويتّخذ معنى، فإنّ ما قبل الأساس استحالة وجودٍ وغيابٍ للمعنى. لكنّ استحالةَ الوجود وغياب المعنى، في ما نحن بصدده، لا يعني العدم؛ بل تناقض أو معضلة (un dilemme) نكون إزاءها أمام استحالة المعنى. هكذا، تكون المعضلة هي الشيء أو الظاهرة في حالة القصور، والأساس أو المبدأ هو القانون الأول الذي يخرج بالظاهرة من حالة قصورها، فيعطيها معنى يكون بمثابة حلّ للمعضلة.
أما الطريقة التي تمكّننا من الصعود في اتجاه الأساس فهي الاختزال؛ أي اختزال الظاهرة المدروسة إلى ظاهرة أعمّ تكون الظاهرة المدروسة بعداً من أبعادها، أو تعييناً من تعييناتها. وحينما يأتي الاجتماعي محمولاً على الأساس، فإنّنا نقصد أنّ الظاهرة الأعمّ التي نختزل إليها الظاهرة المدروسة تتعلّق بشرط من شروط الاجتماع البشري؛ أي ما به يخرج الاجتماع من الاستحالة فيصير ممكناً. وأخيراً، إنّ البحث في الأساس الاجتماعي للعنف يعني ردّ العنف إلى مبدأ أول يتعلّق بشرط من شروط الاجتماع البشري.
منذ القدم قال أفلاطون: «إنّ ما يخلق مدينة ويمنحها وجوداً هو العجز الذي يوجد عليه كلّ فرد في أن يكفي ذاته بذاته»[1]؛ بيد أنّنا إذا اختزلنا أساس الاجتماع البشري في إشباع الحاجات، فإنّنا لن نكون عندئذٍ قد عرفنا، على حدِّ تعبير أفلاطون نفسه، سوى «مجتمع للخنازير». هذا يعني أنّ الاجتماع البشري لا يُختزل إلى مبدأ إشباع الحاجات، وأنّ في الاجتماع شيئاً يتجاوز حاجات الأفراد أو خصائصهم على وجه العموم. ولعلّ هذا ما عناه أوغست كونت عندما قال: «كما في الهندسة لا يصح أن نقسم المساحة إلى عدد من المستقيمات، ولا يصحّ أن نقسم المستقيم إلى عدد من النقاط، لا يصحّ، في منطق الاجتماع، أن نقسم مجتمعاً إلى عدد من الأفراد»[2]. المؤكَّد أنّ المجتمع يجيب عن أشكال العجز الطبيعي لدى الإنسان، لكنّه يغير شرط وجوده كذلك؛ «فإذا كان الإنسان قد طوّر فعلاً ملكاته وارتقى بها، وفجر طاقاته ومؤهلاته الطبيعية (...)، فلأنه صار كائناً اجتماعياً»[3].
يبدو أنّ الاجتماع البشري لا يُختزل إلى جماعة مصالح، وأنّ هيغل على حقّ، عندما ميّز بين المجتمع المدنيّ والدولة. ولعلّ ما دفع هيغل إلى البحث عن أساس الاجتماع البشري، بعيداً عن حاجات الأفراد ورغباتهم، هو المعضلة الحقيقية التي يضعنا أمامها كانط، عندما يعلن أنّ الحاجات والرغبات هي أساس المجتمع، و، في الوقت نفسه، ما يهدّد وحدته ويقوّض بنيانه؛ إذ إنّ المصلحة ومختلف النوازع تُعدُّ مصادر للشقاق والندية وبذوراً للنزاع. والحياة الاجتماعية، التي تقوم على أساس الحاجات والرغبات، هي نفسها التي تنمّي طموح الأفراد، وتعزّز حسّ السلطة، وحبّ الثروة لديهم. لكنّ كانط يحتفظ بهذا التناقض الذي يخترق الاجتماع البشري كيما يفسّر تقدّمه؛ فلو ركن الأفراد إلى الحالة الاجتماعية دونما مقاومة، ودون أدنى محاولة للإفلات من قبضة القواعد الضرورية للحياة الاجتماعية، لما تقدّم المجتمع. أما سبينوزا، الذي يركّز على شرط إمكان المجتمع أكثر من شرط تقدّمه، فيردّ أساس الاجتماع البشري إلى القدرة على التحكّم في النوازع؛ «فلا يمكن لمجتمعٍ أن يستمرّ في الوجود من دون قيادة وتوجيه عام؛ أي من دون قوانين تحدّ من شهيّة الرغبة والنوازع التي يبدو ألا كابح لها»[4].
في النهاية، يبدو أنّ فلاسفة الأنوار عموماً قد ربطوا حالة الطبيعة بسيطرة النوازع، التي تقود حتماً إلى العنف، وربطوا تقدّم الحضارة الإنسانيّة بالسيطرة على النوازع والحدّ من العنف، غير أنّ موقف جان جاك روسو كان فريداً إلى حدٍّ ما؛ فهو لا يرجع بالعنف المهدّد للحالة الاجتماعية إلى الطبيعة الإنسانيّة، التي بقدر ما توحّد الأفراد تزرع بينهم أسباب الفرقة والشقاق؛ بل يرجع به إلى الشره الذي يسيطر علينا بسبب نوازعنا. يقول جان جاك روسو: «إن الحاجات تقرب فيما بيننا بالقدر نفسه الذي تبعدنا به النوازع بعضنا عن بعض. وبقدر ما نصير أعداء، لا نستطيع الاستغناء بعضنا عن بعض»[5]. أيّ لغز هذا؟ هل هذا ما أطلق عليه كانط مكر الطبيعة الذي يولد الثقافة؟ كيف يقود الشرّ إلى خير عام؟ وكيف يقود العداء إلى تمتين الروابط الاجتماعية؟
يبدو أنّ جان جاك روسو (هذا الأنواري الذي ألهم كثيراً من الأنثروبولوجيين، وعلى رأسهم كلود ليفي ستروس) هو الممهّد الفعلي للدراسات الأنثروبولوجية، التي وضعت العنف في صلب الرابط الاجتماعي. ولعلّ ما كتبه بيير كلاستر في (أثريات الحرب في المجتمعات البدائية) ينتصب شاهداً على هذه الأطروحة. كان يكفي كلاستر أن يلاحظ أنّ الأمر يتعلّق، في جميع الأحوال، باختزال الحرب إلى شيء أكثر عمومية، ويرتبط بالشروط المفترضة للحياة الاجتماعية. لكنّه كان يرفض الفرضيّة الطبيعية التي تختزل ثنائية «محارب- عدو» إلى ثنائية «قناص- فريسة» لتجعل من كل حرب حرباً بدائية. كما كان يرفض الفرضية الاقتصادية التي تختزل علاقات الحرب إلى التنافس من أجل الحصول على الموارد، والتفاوتات التي تنجم عن هذا التنافس؛ فبهذا الاختزال تكون للحروب البدائية الأسباب نفسها التي تؤدّي اليوم إلى اندلاع الحروب. وكلتا الفرضيتين تتحدث عن نازع إلى العنف مميّز للنوع الإنساني يقترن، على التوالي، بالعدوانيّة المرتبطة بنمط الحصول على الغذاء من قبل القناص، وبقساوة البيئة (ندرة الموارد).
في مقابل الفرضيتين الطبيعية والاقتصادية، يتبنّى بيير كلاستر الفرضيّة السوسيولوجية، التي تختزل الحرب إلى المبادلة. ومعلوم أنّ المبادلة بالنسبة إلى كلود ليفي ستروس، وقبله مارسيل موس، هي أساس الاجتماع البشري. فعادة ما كان ليفي ستروس يكرّر العبارة الآتية: «هناك علاقة وثيقة بين العداء والتهادي بين الناس: إنّ المبادلات حروب تمّ تلافيها بطرائق سلميّة، والحروب مبادلات بئيسة». يتّفق كلاستر مع ستروس في ردّه الحرب إلى المبادلة، حيث نجده في الفصل المعنون بـ«النساء والعسل والحرب»، في نبذته حول هنود غاياكي، يقول: «توجد علاقة خفية وجوهرية بين الزواج والعنف وبين النساء والحرب (...) إنّ تلك المواجهة التي تجمع، في حفل العسل، بين الإخوة وأزواج أخواتهم المرتقبين، تقفل في النهاية على حرب أو مصاهرة؛ إذ يمكن للمحارب أن يغنم من الحرب زوجة، فيصير له، على إثر ذلك، صهراً عدواً، كما يمكنه أن يحصل على زوجة بطريقة سلميّة من خلال مبادلة النساء، فيتحوّل طرفا المبادلة إلى حليفين. وبصيغة مقتضبة، يمكننا القول إنّ الحرب زيارة تغلب عليها العداوة، والزيارة حرب تمّ تفاديها؛ وتبقى الغاية في الحالتين معاً هي الحصول على النساء»[6].
إن المعطيات الإثنوغرافية هي التي تنتصب شاهداً على تأرجح المجتمعات «البدائية» بين الحرب والمبادلات السلمية، وهي التي تمنحنا فكرة عمّا إذا كانت الجماعات البشرية الأولى قد وجدت نفسها فعلاً، وبشكل متكرّر، أمام معضلة الاختيار بين فض النزاعات مع الآخر ودياً، أو استعمال القوة ضده مهما كلّف ذلك من خسائر. لكنّ الخطأ هو أن نساوي بين طرفي المعضلة، وأن نختزلهما معاً في مبدأ المبادلة؛ فكلاستر، على خلاف كلود ليفي ستروس، يجد اختلافاً كبيراً بين الأطروحة التي تفيد أنّ «كل شيء مبادلة والحرب مبادلة تجري أطوارها على نحو سيّئ»، والأطروحة التي تفيد «أنّ كلّ شيء حرب، والمبادلة وجهٌ من أوجهها يفضّل فيها المحارب الحصول على امتياز مضمون، وإن قلّ شأنه، على الفوز بربح كبير لكنه محفوف بالمخاطر». غير أنّ كلاستر، عندما يرفض اختزال المعضلة إلى المبادلة، لا ينتهي إلى موقف هوبس؛ فهو لا يسقط في تعريف البدايات البشرية باعتبارها حرباً للكلّ ضدّ الكل على نحو ما يفعل هوبس؛ بل إنّ ما يكتفي بأخذه عن صاحب (التنين) هو الكلمة المفتاح التي تجنّبنا وضع طرفي المعضلة على قدم المساواة، ومنحهما القيمة التفسيرية نفسها؛ يتعلّق الأمر بالدولة. فضدّ الدولة، باعتبارها سلطاناً قهرياً وإلزامياً وقوةً موحدةً إليها يعود الفضل في استتباب السلم، تحافظ الجماعات المحلية على هوياتها الاجتماعية واستقلاليّتها السياسية بواسطة الحرب. وإلا فإنّ «الاقتصادي يصبح في المجتمع البدائي حقلاً مستقلاً قائماً بذاته، والنشاط الإنتاجي عملاً مألينا [كذا] ومفروضاً من قبل أولئك الذين سوف يتمتّعون بثماره. وفي هذه الحالة، يكفّ المجتمع عن أن يكون بدائياً، فيصير مجتمعاً منقسماً بين مسيطِرين ومسيطَر عليهم، بين السادة والعبيد، هذا يعني أيضاً أنّ المجتمع قد كفّ عن طرد الروح الشريرة الموجّهة لقتله: السلطة واحترام السلطة».[7]
يبدو أنّ الأنثروبولوجيا تلقّننا درساً جديداً في العنف؛ فهي لا تَعدّه وسيلةً لتحقيق الحاجات وقهر المنافسين، بل نمطَ وجود وشرطَ إمكان المجتمع. فعبر الحرب ينجح المجتمع في طرد الدولة، تلك الروح الشريرة التي تلاحقه باستمرار. ولأنّ المجتمعات البدائية مجتمعات ضدّ الدولة، فإنها «مجتمعات -من أجل- الحرب». على هذا النحو يحرص كلاستر على تدوين العبارة، وكأنّه ينقل إلينا كلمة من الكلمات المركّبة التي تحبل بها اللغة الألمانية، والتي تحيل في الصميم إلى شيء واحد مثل (Da-sein) أو (mit-sein)، وهو بهذا إنّما يريد أن يثير انتباهنا إلى أنّ المجتمعات البدائية كانت تعرف نفسها داخل الحرب؛ إنّها لا تحارب لأنّها مجتمعات لها هويّة سياسية واجتماعية، بل هي مجتمعات لها هوية اجتماعية وسياسية لأنّها تحارب. باختصار تتشكّل الهويّة السياسية والاجتماعية للجماعات البشرية البدائية داخل الحرب وبها وليس قبلها.
العنف والدين:
في الأصحاح الخامس، الآيات (44-45) من إنجيل متى، يوصي المسيح أتباعه قائلاً: «وأما أنا فأقول لكم أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». وفي القرآن، جاء في الآية (191) من سورة البقرة ما يأتي: «واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين». ماذا؟ هل يمكن لأحد أن يجرؤ فيصف القرآن بالشناعة والمسيحية بالحلم والسماحة؟!! وماذا لو كان ما يثير الدهشة حقاً ويدعو إلى الاستهجان هو ما ورد في الأصحاح الخامس وليس ما جاء في سورة البقرة؟ من سيقبل في زمن (داعش) و(غوانتانامو) أن يمدّ خدّه الأيسر لمن صفعه على خدّه الأيمن؟ ومع ذلك هل يوجد، حتى الآن، من يجرؤ على ما أوصى به المسيح فيقول مستهجناً: ما هذه الحماقة؟!!
طلع علينا أوليفيي أبل (Olivier Abel)، سنة (2002)، بكتاب يحمل عنوان (حبنا للأعداء)، يستوحي أطروحته من المبدأ الذي تدور حوله الفلسفة السياسية لكارل شميت برمّتها؛ ومفاده أنّ ماهيّة «السياسي» (le Politique) تُردّ في آخر المطاف إلى ثنائيّة صديق/عدو. ليس هذا ما يوحد أوليفيي أبل مع كارل شميت فحسب: إنّ كليهما لا يتناول الحرب في حدّ ذاتها، بل يَعدّها مناسبة سانحة لإلقاء الضوء على طبيعة الرابط السياسي. فعلى غرار كارل شميت الذي يقول: «ما أبعد الحرب عن أن تكون الهدف أو الغاية التي تصبو إليها السياسة، إلا أنّها تبقى تلك الفرضيّة أو ذلك الواقع الممكن الذي يحكم، بحسب أسلوبه الخاص، فكر الناس وأفعالهم، فيحدّد بذلك نوعاً خاصاً من سلوكهم هو السلوك السياسي»[8]. يقول أوليفيي أبل: «مؤكَّدٌ أنني أعالج في مختلف النصوص التي جمعتها في هذا الكتاب موضوع الحرب، لكنّني في الحقيقة كنت أمرّ عليها كما أمرّ على موضوعات أخرى كالحب بين الأزواج، والسياحة، والفن التشكيلي، وما كان يشغل بالي هنا وهناك حقاً هو الرابط السياسي».[9]
يتعلّق الأمر، إذن، بمحاولة فهم مصدر الحالة المدنيّة في ضوء تحليل حالة الحرب. لكنّ أوليفيي أبل يفضّل الشروع من وصيّةٍ من وصايا المسيح وَسَمَ بها عنوان كتابه: (أحبوا أعداءكم!) لكنّه، على ما يبدو، لا يوصي قرّاءه بما أوصى به المسيح أتباعه؛ بل يستهجن العبارة وكأنّها علامة على سذاجة ما. لذلك، نجده يوجز الغرض من الكتاب في عبارة من شقين: «لن يهمّني شيء في الإنجيل أذكره ما عدا كلمة لطيفة تثير في النفس استهجاناً. ولن يهمّني شيء في الملحمة أذكره، ما عدا احتفاءها بالحرابة».[10]
لا يمكن أن نلغي من اعتبارنا أنّ أبل ينتمي إلى الفترة المعاصرة، وأنّه عاصر ولايزال يعاصر مختلف ألوان العنف الديني الذي يحبل به زمننا الحالي. وقد أكّد ذلك هو بنفسه عندما رأى أنّ الحرب هي الحدث الأكثر بروزاً في حياتنا المعاصرة؛ بل هي ما يجعلنا معاصرين؛ إذ إنّ كلّ شيء في حياتنا يجري كما لو كانت الحرب هي الوسيلة الوحيدة المتبقية لنا كي نثبت أنّنا نعيش بالفعل داخل العالم نفسه، بعدما صار كلّ واحد منّا ينصرف إلى عالمه الخاص الذي يجهله، وفي الوقت نفسه لا يأبه لجهله به. لكن أبل، على غرار كارل شميت، يحاول أن يتجاوز سياقه ويتخلص منه، أو أن يجعله بداية لتأمل يصعد به إلى منبع العنف، باعتباره عنصراً يقع في صلب الرابط السياسي. إنّ منبع العنف في نظر كلّ من أبل وشميت هو ثنائية عدو/صديق، التي لا يمكن أن يختزلها إلى أحد طرفيها، وبالتحديد الصداقة، سوى أخرق أو ساذج، وفي أحسن الأحوال حالم طوباوي.
ماذا؟ هل في دعوة الإسلام إلى التعارف والالتزام بقواعد الصداقة سذاجة؟![11] بطبيعة الحال، الأمر ليس كذلك؛ لأنّ الأديان عموماً، ولاسيما «السماوية» منها، لا تفرط في تفاؤلها تجاه الطابع الخير للإنسان؛ فهي لا تضع حداً للصراع خير/شر سوى بقيام الساعة. والأخلاق الإنسانيّة، في نظرها، مهما بلغت من سموّ ورفعة، لا تلغي، بأيّ حال، حالة الحرب المستمرّة بين الخير والشر؛ بل إنّ التاريخ، في ما تذهب إليه الديانات السماوية، يسير عموماً باتجاه تدهور الحالة الخلقيّة للبشرية جمعاء؛ لذلك كان هذا التدهور الخلقي العام، في خطابها، علامةً من علامات اقتراب الساعة؛ حيث تكون الإنسانيّة في حاجة ماسّة إلى ظهور مخلّص في نهاية الزمان (النزعة المهدوية) ينقدها من حالة الانحطاط الخلقي العام الذي أصابها.
ربما هذا ما يفسّر عنف الأديان. وبول ريكور يؤكّد هذا الأمر في حوار أجراه معه جان دانييل، فعلى الرغم من تبنّي بول ريكور المبدأَ التيولوجي العام، الذي يقضي بوجود نوع من الأبوية المؤسسة والمفسّرة لوحدة النوع الإنساني والإخاء بين الناس، يرفض تماماً هذا التحويل الذي تقوم به الأديان لمبدأ تيولوجي إلى الميدان السياسي والأخلاقي. لذلك نجد بول ريكور، على المستوى الأخلاقي والسياسي، يَعدُّ الصراعَ أساس العلاقات الإنسانية، بل يرى أنّه «إذا كان هناك من سوء أضرّ بالإنسانية، وكانت من ورائه الأديان، فلن يكون سوى بحثها في ميدان السياسة عمّا يكافئ ذلك الحنين إلى الوحدة الذي يخترق خطابها التيولوجي العام، والرّغبة في صهر الجماعة البشرية داخل كيان واحد مرصوص».[12]
إنّ السذاجة، فيما يبدو، تأتي من جهة تصوّرنا الحداثي للدين، ورغبتنا في إجباره على أن يتكيّف مع المقولات الأساسية والعامة للحداثة، كالتقدّم والعولمة ونهاية التاريخ؛ ومن ثمّة إذا كان «الإرهاب في عنفه الأكثر ضراوةً يسبّب لنا ألماً كبيراً، فلأنّنا نعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ احترام الإنسان مبدأ كوني».[13]
يبدو أنّ الإنسان الحديث، متأثّراً بدعاوى فلسفة التنوير، لا يقدّر فرضيّة الشرّ الأساسي الملازم للحياة الاجتماعية حقّ تقديرها؛ فلعلّه قد استبطن الفكرة الرئيسة التي تُعدّ، في نظر أغلبية المفكرين، الكشف الفلسفي الأكثر نصاعة في نهاية القرن الثامن عشر، والتي تفيد أنّ النوايا الحسنة لا تقود حتماً إلى ما فيه خير الناس، تماماً كما أنّ الأنانيات الفردية قد تقود، في المقابل، إلى الصالح العام. لكنّ هذا التبخيس للشر لم يكن علامة التنوير الفارقة؛ فلا ينبغي أن ننسى أنّنا ودّعنا، خلال العقد الأول من القرن الثامن عشر، اسماً عظيماً هو بيير بايل (Pierre Bayle)، الذي تميّز بنزعته الشكّية الواضحة، حيث لم يكن يرى أيّ فضل للدين في إحلال السلام بين أفراد الجماعة البشرية وتعزيز تلاحمها، بل إنه «لا يستغرب البتّة أن يحيى ملحدٌ حياةً فاضلةً، بقدر ما يمكن أن يستغرب إذا ما سمع أنّ المسيحيين يعيشون في منأى عن كلّ الخطايا». ويبقى الأهم من هذا وذاك، حياده عن روح التنوير في موقفه من الشر الإنساني؛ فهو يقلب معادلة التنوير رأساً على عقب حينما يعلن أنّ «الإنسان يفضّل أن يصيبه سوء، فيصيب عدوه أيضاً، على أن يصيبه خير فينال عدوه منه نصيباً».
تتفرّع عن هذه القاعدة قواعد فرعيّة لعلّ أهمّها أنّ «الإنسان يفضّل أن يدمّر أغلى ما يملكه على أن يتركه لعدوه». لكن، أليس في الشرّ الأساسي الذي تنهض عليه الحياة الاجتماعية أساس التضحية، باعتبارها فضيلة اجتماعية؟ ما هو المبدأ الذي يجعلنا قادرين على أن نضحّي بأغلى ما لدينا؟ أليس هو وجود عدوّ يمكن أن يستأثر بما هو في حوزتنا؟
يبدو أنّ فرضيّة بيير بايل تنطوي، بشكل غريب، على المصدر الأول للتضحية؛ فلعلّ ما يجعلنا نفكّر في التضحية ونكران الذات والبذل الذي لا حدّ له هو وجود عدو. صحيح أنّ البعض قد يجد في ما أتينا على ذكره ههنا تبريراً لمنطق الانتحار الفدائي، لكنّ هذا لا يلغي أنّ قولنا يمسّ في الصميم تلك الفضيلة السياسية التي تحدّث عنها كلّ من أفلاطون وأرسطو، وهي الشجاعة. فكما هو معلوم قد يلتبس على المرء، في كثير من الأحيان، التمييز بين الشجاعة والتهور. وهذا راجع إلى أنّ الشجاعة تكتنف في ذاتها بذور الجنون أو الحمق؛ إذ في الشجاعة الزائدة على اللزوم تهوّرٌ وشكلٌ من أشكال عدم الانهمام بالذات والاكتراث لها؛ ولعلّ هذا ما يخلق السمعة المدنيّة نفسها؛ فلا وجود لمجتمع من دون شجاعة؛ أي من دون أن يقبل أعضاؤه قدراً من التضحية، فيؤدّوا الثمنَ من ذواتهم؛ ولا وجود لمجتمع لا يقبل أعضاؤه تحمّل قسطٍ من الشقاء ما كان ليطالهم، أو تحمّل ذنب لم تقترفه أيديهم.
في هذا المقام، ينبغي أن ننوّه بالمعنى العميق الذي تحمله كلمة التسامح؛ ففي القاموس الفرنسي «لوغران روبير» (LE GRAND ROBERT)، جاء في معنى التسامح ما يأتي: يعني تسامح الشخص (Tolérer)؛ أي قَبِلَ بوجود شيء ما أو بقائه في الوقت الذي يكون فيه قادراً على وضع حدٍّ له. ثمّ ساق القاموس المذكور ثلاثة مرادفات للفعل تسامح جاء من بينها الفعل «عانى» (souffrir). وهذا إن كان يعني شيئاً، فإنّما يعني أنّ الرابط الاجتماعي أو السياسي، الذي يقضي أساساً بقبول الآخر (Tolérance) يقضي، بموازاة ذلك، بتحمّل قدر من المعاناة أو الشقاء. وإذاً، حتى الكلمات الفضلى كالتسامح تنطوي على قدر من «العداوة» غير قابل للاختزال.
لكنّ هناك أوجهاً أخرى لهذا الميل المرعب للإنسان نحو الشقاء؛ ففي الأساطير اليونانية تجد الإنسان يفضّل مزيداً من الشقاء على أن يعيش بطريقة سلبيّة، ويرضى بما لا سبيل إلى إصلاحه. وغالباً ما تدفع المعاناة المرءَ إلى شكلٍ من أشكال التمركز حول الذات، فيحصل تضخّم ذاتي على حساب مبدأ التعاطف، الذي يتمثّل في قدرة الشخص على احتلال موقع الآخرين في النظر إلى العالم والحكم على الأشياء. هكذا يتحوّل الشقاء إلى مصدر لليقين، فيصير العادلُ أو الحقُّ نفسه مصدراً للشر بسبب ذهابه بعيداً في بحثه عن مسؤول أو مذنب مهما كلّفه ذلك من ثمن. هذا هو مصدر عنف الأصولية الدينية اليوم.
العنف والهوية:
خصّصت المجلة الفرنسية الشهرية (فلسفة) (philosophie)، في عددها الثامن والأربعين[14]*، ملفّها الموسوم بـ «تحليل» (analyse) لعرض آراء ثلاثة علماء من تخصّصات مختلفة في موضوع «الربيع العربي». وقد استهلّت ملفّها بعنوان كبير كُتِبَ بالخط العريض: «هؤلاء توقّعوا الثورة...». يتعلّق الأمر بالديموغرافي إيمانويل تود (Emmanuel Todd)، وعالمي السياسة أوليفيي روى، ومارسيل غوشي (Olivier Roy & Marcel Gauchet). أراد معدّا الملف أن يبيّنا تهافت أطروحة صامويل هنتنغتون حول (صدام الحضارات) وكذا أطروحة (عودة الديني)؛ فعلى خلاف التكهّنات التي تسم القرن الحادي والعشرين بطابع ديني، ومنها صيغة أندري مالرو (André Malraux) المأثورة: «إما أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً دينياً، وإمّا لن يكون أبداً»[15]*، أعلن أوليفيي روي (Olivier Roy) إخفاق الإسلام السياسي قبل اندلاع أحداث «الربيع العربي» بما يربو على عشرين عاماً. على الرغم من أنّ فكرة «عودة الديني» (le retour du religieux)، التي غازلت عقولاً كثيرة في نهاية القرن العشرين، دفعت بالبعض إلى قراءة ظاهرة صعود التيارات الإسلامية داخل العالم العربي على أنّها مؤشّر قويّ إلى سداد أطروحة «عودة الديني» عموماً.
إنّ الثورات التي شهدها العالم الإسلامي، في نظر أوليفيي روى، ليست ثورات إسلامية؛ فحتى نتحدّث عنها باعتبارها كذلك ينبغي أن يتوافر فيها عنصر حاسم؛ وهو اشتمالها على يوتوبيا إسلامية، الأمر الذي غاب بشكل كلّي عن الانتفاضات التي قادها الشباب في مختلف ربوع العالم العربي. لقد غاب شعار: «الإسلام هو الحل» عن كلّ التظاهرات الشبابية، بل تمّ اعتبار كلّ الأنظمة السياسية العربية فاسدة، بما فيها الأنظمة السياسية الدينية كالمملكة العربية السعودية، علاوةً على غياب أيّ نوع من الاحتفاء بنموذجيّة الثورة الإيرانية. وإذن، كيف نفسّر حضور نَفَسٍ ديني لا يمكن أن نتغاضى عنه في أحداث «الربيع العربي»، الذي كان من نتائجه صعود إسلاميين إلى دفّة الحكم (مصر، تونس، المغرب)؟
يتحدّث أوليفيي روى عن «أصولية جديدة» (Néo fondamentalisme) تسعى إلى أسلمة المجتمع عن طريق عمل اجتماعيّ تحتي دؤوب بدل تبنّي استراتيجيا فوقيّة تختزل التغيير كلّه في القضاء على جهاز الدولة. وتختزل هذه الأصولية الجديدة نشاطها وحضورها في الدعوة إلى احترام بعض المعايير الاجتماعية، التي تحيل إلى الإسلام، والامتثال لها؛ كارتداء الحجاب مثلاً بالنسبة إلى النساء، وعدم التمثّل بالغرب وتقليده على وجه العموم. وليس في قضايا من هذا القبيل أيّ مؤشر إلى عودة «الديني»؛ بل إنّها تعبّر بشكل لافتٍ عن بروز مشكلة الهوية وصعودها إلى واجهة الأحداث، وقدرتها، في نهاية المطاف، على بنينة (structuration) السلوكيات الجماعية بما فيها السلوكيات الدينية.
يؤكّد مارسيل غوشي أطروحة تحوّل الإسلام السياسي إلى «إسلام هوياتي»، ويضع هذا التحوّل في إطار عام عنوانه العريض «تقدم الإنسانية باتجاه الديمقراطية»؛ إذ إنّه يستغرب، على غرار أوليفيي روي، الرأي العام الغربي الذي يَسِمُ نهاية القرن العشرين ببداية حقبة «التهديد الإسلامي»؛ هذا الرأي الذي يَعدُّ صعودَ الإسلام إلى الواجهة السياسية بمثابة عودة الإنسانية القهقرى إلى القرون الوسطى. فمارسيل غوشي لا يرى في هذا النوع من الإسلام أيَّة عودة إلى قيم الماضي، بل إنّ إعادة تملّك الإسلام هوياتياً من قبل مجتمعٍ خلخلته الحداثة الغربية والعولمة، وبحثَ هذا المجتمع عمّا يميّزه ثقافياً، هو نفسه الإوالية التي ستمكّن من استيعابه داخل المشروع العام للحداثة: «يمكن للمرء أن يكون مؤمناً معتنقاً للإسلام، وفي الوقت نفسه راغباً في أن يكون شخصاً حرّاً داخل نظام ديمقراطي».
لكن هذا التفاؤل العام بقدرة الحداثة على صهر كلّ الثقافات مهما بدت معارضةً لروحها لا يفسّر حدّة العنفِ الذي تواجه به ثقافاتٌ فرعيّة دعاوى الكونية التي ترفعها الحداثة. ومارسيل غوشي يبالغ كثيراً عندما يَعدُّ العولمة ظاهرةً لا يقتصر أثرها على تدمير الحدود المادية فحسب، بل يمتدّ كذلك إلى تدمير الحدود الثقافية، ويكتسح مختلف أشكال تعدّد الثقافات. فربما نحتاج إلى أطروحة مانويل كاستلز، التي تضع التناقض «هوية-شبكة» في صلب تعريف المجتمع المعلوماتي، إذا ما أردنا أن نقدّر حق تقدير فكرةَ العنف الذي بات يلازم حياتنا المعاصرة، حتى كاد يكون العنصر الوحيد الذي يميّزها، والذي يسمح بتعريفها.
على غرار كارل ماركس، الذي يقترح تعريف المجتمعات انطلاقاً من تناقضٍ أساسيٍّ وتاريخي تدور حوله باقي التناقضات مشكّلةً طبيعةَ المجتمع خلال حقبة زمنية معيّنة، يقترح مانويل كاستلز تعريف المجتمع المعلوماتي؛ أي المجتمع الذي تنتجه الثورة المعلوماتية في تضافرها مع رهانات العولمة الاقتصادية، انطلاقاً من تناقضٍ أساسيٍّ مفاده أنّ صدعاً داخل المجتمع سوف يزيد عمقه ويتّسع مداه في زمن العولمة بين الوظيفة والمعنى، فماذا يقصد كاستلز بهذه العبارة؟
يستعمل مانويل كاستلز للتعبير عن التناقض نفسه عبارة «الشبكة والذات»؛ ويقصد أنّه «في عالم يشهد تدفقاً كبيراً للثروة والسلطة والصورة، يميل الأفراد، في المقابل، إلى البحث عن هويّة جماعيّة أو فرديّة يَعدّونها المصدر الأول للمعنى الاجتماعي. وإذا لم يكن في هذا الأمر جديدٌ يُذكر؛ حيث شكّلت الهوية منذ زمن بعيد، ولاسيّما الدينية والإثنية منها، مصدراً للمعنى والدلالة الاجتماعيين، فإنّها، اليوم، تصير المصدر الأساسي أو، بالأحرى، المصدر الوحيد لهذا المعنى؛ ولاسيما أنّ مجتمعاتنا تعيش مرحلة تاريخية تتميّز بتفكّك عام للتنظيمات الاجتماعية، وفقدان المؤسسات للمشروعية، وذبول الحركات الاجتماعية الكبرى، وزوال تعبيرات ثقافية مهمة».[16]
وبعبارة بليغة ومقتضبة، يعبّر مانويل كاستلز عن هذا التناقض كما يلي: «لقد أصبحنا نؤسّس معنى وجودنا، أكثر فأكثر، حول ما نحن إيّاه، أو نعتقد أنّنا إيّاه، وليس حول ما نفعله»[17]. وهذا يعني انفصال المعنى عن الوظيفة؛ فبقدر ما تتوحّد الشبكات العالمية لتبادل الخيرات المادية والتقنية، يميل الأفراد، على نحو يثير الاستغراب، إلى البحث عن هوية أساسية متجذّرة في التاريخ. وتجد هذه المفارقة أصلها في طبيعة المجتمع المعلوماتي الذي يُعدُّ، في رأي ألان تورين، المجتمعَ الأول في التاريخ الإنساني الكونيّ، حيث لم تعد التكنولوجيا تفعل فعلها في المجتمع تحت وصاية الثقافة والتصوّرات التي يروّجها المجتمع حول السلطة. الأمر يتعلّق، إذن، بانتصار ساحق للعقل الأداتي واستقلال منطق التطوّر التكنولوجي عن باقي ضروب المنطق التي يروّج لها المجتمع. لكن، في مقابل هذا الانتشار الكاسح للعقل الأداتي داخل حقل المعاملات المادية بين بلدان العالم، ينهض المجتمع للمقاومة معتمداً على رصيده التاريخي ومقوّمات معقوليته[18]*، فيبرز في ساحة المواجهة فاعلون جدد: حركات اجتماعية تتشكّل حول مهام الدفاع عن الهويات والبيئة، وإعادة تعريف دور المرأة داخل المجتمع، و«تشهد على تحوّل تاريخي ينتقل بموجبه التناقض المركزي للمجتمعات الرأسمالية من عالم الإنتاج إلى عالم الاستهلاك والسكن والحياة الحضرية».[19]
يبدو أنّ الإصرار على إثبات الهوية أمام زحف العوامل التاريخية التي تعجّل في محوها، سيكون المصدر الأساسي للنزاع في القرن الحادي والعشرين. «وإذا كان أندري مالرو على حقّ، عندما رأى أنّ القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً روحياً بامتياز، فمن المؤكّد لأنّ الشارع قد صار فعلاً الدين الوحيد في الوقت الحالي، والعنف، حقيقياً كان أو افتراضياً، صار الأفيون الجديد للشعب»[20]. إنّ السمة التي سوف تغلب على الحياة الحضريّة خلال هذه الحقبة، كما جاء على لسان إيف بتراسيني، هي شعور الناس بعدم الأمان (le sentiment d’insécurité). ولعل هذا الشعور هو ما يدفعهم إلى البحث عن هوية جماعية أساسية تكون بالنسبة إليهم بمثابة ملجأ يحتمون فيه من مقالق مجتمع محفوف بالمخاطر.[21]*
إنّ ما يميّز عنف الهوية اقترانُه على نحو وثيق بالقرب؛ ونعني بذلك أنّ خوض الصراع باسم الهوية يخلق في النهاية نزعة طائفية تعرج بالصراع نحو الداخل؛ أي تمنح الصراع الأولوية من أجل تطهير الذات ومحاربة القريب الذي يشكّل خطراً أكبر من الخطر الذي يشكّله البعيد، ما دام يُعدُّ عنصر تشويش على الهوية. في هذا السياق، يسود شعور عام بخطر فقدان الوحدة والتماسك الاجتماعي، ويصير الخوف من العنف المبدأ الرئيس للتدبير الاجتماعي والسياسي. إنّ ما تجدر الإشارة إليه، في هذا المستوى، أنّ الخوف من حدوث ما يمكن أن ينسف وحدة الجماعة، ويشوش على هويتها، هو العنصر الأكثر أهمية في توليد العنف. والأخطر من كلّ هذا وذاك أنّ الشعور بالخوف على وحدة الجماعة وهويّتها يتّخذ دوماً طابعاً ذاتياً؛ لأنّه يتعلق بالحكم على القريب الذي نحمله في تمثلاتنا، ونبني له تصوراً بحسب شروطنا الذاتية. أمّا القانون الأساسي الذي يحكم علاقة العنف بالقريب، والذي يُبرِز الطابعَ الذاتي لهذه العلاقة، فيمكن إيجازه فيما يلي: بقدر ما يكون تصوّرنا لماضي هويتنا إيجابياً يحيل إلى الوئام والوداد وتلاحم الإخوة، تكون الاختلافات والتناقضات الحالية عنيفةً وقاسيةً مهما بدت طفيفة.[22]*
خلاصة:
على نحو غريبٍ، انتهى بنا البحث في أساس العنف والعدوانيّة بين الناس إلى اكتشاف خطر الحب الشديد عليهم؛ فربما ليس العدوانية ما يقودنا إلى الجنون، بل الحب الشديد. وما يتعيّن علينا مراقبته وضبط منسوبه، بوصفه شرطاً أساسياً من شروط إمكان الاجتماع البشري، ليس نازع الكراهية والعدوانية، بل هو نازع الحب الشديد بين الناس. هو ذا ربما الدرس الذي نتعلّمه من قصّة النبي إبراهيم، الذي كان شديد الحب لأقاربه، تأخذه بهم الرأفة[23]*، فوجد نفسه فجأةً مندفعاً بنداء باطنيّ إلى ذبح ابنه! وهو الدرس نفسه الذي تلقّننا إيّاه «المجتمعات البدائية»، التي تصرّفت إزاء العنف بحسّ عملي ينطوي على قاعدة تفيد أنّ الرغبة في استتباب السلم كاملاً هي ما يقود، على نحو غريب، إلى عنفٍ مدمّر للمجتمع برمّته. فكما لو أنّ البشرية أدركت، منذ طفولتها المبكرة، حجم المعضلة التي تضعنا أمامها الرغبة في القضاء على العنف بين الناس نهائياً؛ ولأنّ التحكّم في العنف يقودنا إلى تركيز عنف أكبر في هيئة مستقلّة عن المجتمع، وفي ذلك مخاطرة كبيرة، حافظت «المجتمعات البدائية» على العنف والحرب وسيلةً لمواجهة الانقسام الاجتماعي وظهور الدولة.
ليس العنف ما يهدّد الروابط الاجتماعية، بل الخوف من العنف. وإذا كان هناك من عامل يقود إلى العزلة والانكماش والتقوقع على الذات، فهو الاعتقاد الراسخ بوجود يقين ما. أمّا الشك والنزاع والخصاص واللايقين، فكلّها عوامل تقود إلى تثمين الرابط الاجتماعي، وتجعل الحالة الاجتماعية ذات جدوى.
المراجع
مراجع باللغة العربية
كتب
بيك، أ.، مجتمع المخاطرة، المكتبة الشرقية، ترجمة جورج كتورة وإلهام الشعراني، ط1، 2009
كلاستر، ب.، مجتمع اللادولة، ترجمة محمد حسين دكروب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط3، 1991
مجلات
فزة، ج.، «العنف الحضري والتفكك الاجتماعي: الشباب المغربي: من استشراف التغيير إلى استعجال المتعة»، الشباب والتحولات المجتمعية والعنف في الحياة اليومية، منشورات كلية علوم التربية، 2016
Références en langue française
Livres
Abel O., De l’amour des ennemis et autres méditations sur la guerre et la politique, Editions Albin Michel S. A., 2002
Castells M., La société en réseaux: L’ère de l’information, traduit de l’anglais par Philippe Delamare, Fayard, 1996
Clastres P., Chronique des indiens Guayaki, Paris, Plon, coll. "Terre humaine", 1972.
Comte A., Système de politique positive, Librairie Georges Crès et Cie, t. 2, 1912
Grafmeyer Y. & I. Joseph I., L’ecole de Chicago; Naissance de l’ecologie urbaine, Champs Flammarion, 2004
Pedrazzini Y., "Le barrio, la rue, les gangs: une critique de la sociologie urbaine en Amérique latine", Enjeux de la sociologie urbaine, publié sous la direction de Michel Bassand, Vincent Kaufmann et Dominique Joye, Presses polytechniques et universitaires romandes, 2007.
Platon, La république, livre II, trad. R. Baccou, Ed. Flammarion, coll. "GF", 1966.
Rousseau J. J., Du contrat social (1re version) (1762), chap. 2, Œuvres complètes, t. III, La pléiade, Ed. Gallimard, 1975
Rousseau J. J., Fragments politiques, Ed. Gallimard, coll. "La pléiade", t. 3
Schmitt C., La Notion de politique (1932), trad. Marie-Louise Steinhauser, Ed. Flammarion, coll. "champs", 2001.
Spinoza B., Traité théologico-politique, trad. C. Appuhn, Ed. Flammarion, coll. "GF", 1965.
Revues
Golliau C., "le bien et le mal, un pacte social" Le Point: le bien et le mal, les textes fondamentaux, Décembre 2016-Janvier 2017
L. L. & M. L., "ils ont anticipé la révolution", Philosophie, mensuel n: 48, Avril 2011
Ricoeur P. & Daniel J., "Dialogue sur l’étrangeté de l’étranger: les grandes questions de la PHILO", Nouvel observateur, hors-série n 9804
[1] - Platon, La république, livre II, trad. R. Baccou, Ed. Flammarion, coll. "GF", 1966, p. 117
[2] - A. comte, Système de politique positive, Librairie Georges Crès et Cie, t. 2, 1912, p. 181
[3] - J. J. Rousseau, Fragments politiques, Ed. Gallimard, coll. "La pléiade", t. 3, p. 478
[4] - B. Spinoza, Traité théologico-politique, trad. C. Appuhn, Ed. Flammarion, coll. "GF", 1965, p. 106
[5] - J. J. Rousseau, Du contrat social (1re version) (1762), chap. 2, Œuvres complètes, t. III, La pléiade, Ed. Gallimard, 1975, pp. 281-282
[6] - P. Clastres, Chronique des indiens Guayaki, Paris, Plon, coll. "Terre humaine", 1972, p. 223-224
[7] - كلاستر، ب.، مجتمع اللادولة، ترجمة محمد حسين دكروب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط3، 1991، ص 195
[8] - C. Schmitt, La Notion de politique(1932), trad. Marie-Louise Steinhauser, Ed. Flammarion, coll. "champs", 2001, p. 73.
[9] - O. Abel, De l’amour des ennemis et autres méditations sur la guerre et la politique, Editions Albin Michel S. A., 2002, p. 7-8
[10] - Ibidem, p. 7
[11] - «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» [سورة الحجرات، الآية 13].
[12] -P. Ricoeur & J. Daniel, "Dialogue sur l’étrangetéde l’étranger: les grandesquestions de la PHILO", Nouvel observateur, hors-série n 9804, p. 8
[13] - C. Golliau, "le bien et le mal, un pacte social" Le Point: le bien et le mal, les textes fondamentaux, Décembre 2016-Janvier 2017, p. 6
[14] * L. L. & M. L., "ils ont anticipé la révolution", Philosophie, mensuel n: 48, Avril 2011, p. 24-27
[15] * اختلف ناقلو تصريح أندري مالرو حول ما قاله بالضبط؛ فهناك من نقل عنه قوله: «إمّا أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً دينياً وإما لن يكون أبداً». وهناك من نقل عنه قوله: «إمّا أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً روحياً وإما لن يكون أبداً». والفرق بين العبارتين، في نظرنا، ليس طفيفاً.
[16] - M. Castells, La société en reseaux: L’ère de l’information, traduit de l’anglais par Philippe Delamare, Fayard, 1996, p. 23
[17] - "Ce n’est plus tant autour de ce que l’on fait que sur ce que l’on est, ou croit être, que l’on fonde désormais le sens de son existence". ibidem, p. 23
[18] * تجدر الإشارة إلى أنّنا نستعمل مصطلح المعقولية هنا كمفهوم يستمدّ قيمته ودلالته من تقابل بين المعقول والعقلاني (le raisonnable et le rationnel)؛ فبينما يشير العقلاني إلى المنطق الاقتصادي والتقني الصرف الذي يقوم أساساً على مبدأ الفعالية، يحيل المعقول على مختلف ضروب المنطق التي راكمها الناس عبر التاريخ، والتي تقوم أساساً على مبدأ العدالة والإنصاف.
[19] - Y. Grafmeyer & I. Joseph, L’ecole de Chicago; Naissance de l’ecologie urbaine, Champs Flammarion, 2004, p.V.
[20] - Y. Pedrazzini, "Le barrio, la rue, les gangs: une critique de la sociologie urbaine en Amérique latine", Enjeux de la sociologie urbaine, publié sous la direction de Michel Bassand, Vincent Kaufmann et Dominique Joye, Presses polytechniques et universitaires romandes, 2007, p. 60.
[21] * يتّخذ مفهوم المجتمع المحفوف بالمخاطر، لدى أولريش بيك، دلالة أصيلة؛ فهو يعبّر عن انتقال تاريخي من مجتمع البؤس، الذي يقوم على أساس التفاوت بين الناس، إلى مجتمع الخوف، الذي يقوم على أساس القلق المتزايد للإنسان تجاه ما أصبح يحوزه من سلطان على الطبيعة بوجه عام. انظر كتاب: بيك، أ.، مجتمع المخاطرة، ترجمة جورج كتورة وإلهام الشعراني، المكتبة الشرقية، ط1، 2009
[22] * اعتمدنا في إنجاز مقاطع من هذا المحور على مقتطفات من مقالنا الذي وسمناه بـ«العنف الحضري والتفكك الاجتماعي: الشباب المغربي: من استشراف التغيير إلى استعجال المتعة». يمكن الرجوع إلى المقال، فهو متوافر كالآتي:
فزة، ج.، «العنف الحضري والتفكّك الاجتماعي: الشباب المغربي: من استشراف التغيير إلى استعجال المتعة»، الشباب والتحولات المجتمعية والعنف في الحياة اليومية، منشورات كلية علوم التربية، 2016
[23] * تبيّن الآيات القرآنية الآتية تلك الصفة المميّزة لإبراهيم، والمتمثّلة في حنانه وعطفه المفرطين تجاه أقاربه:
«ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين (31) قال إنّ فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (32)» [سورة العنكبوت: الآيتان 31-32]
«قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنّه كان بي حفيا» [سورة مريم: الآية 47]
«وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم» [سورة التوبة: الآية 114]