دراسة وتدريس المفردات ذات الحمولة الثقافية والأيديولوجية لمتعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها: مفردة "إرهاب" نموذجا
فئة : أبحاث محكمة
دراسة وتدريس المفردات ذات الحمولة الثقافية والأيديولوجية
لمتعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها: مفردة "إرهاب" نموذجا
الملخص
تشكل المفردات العربية ذات الحمولة الثقافية والأيديولوجية لبسا كبيرا في الدراسة والتدريس. فصعوبة دراستها تكمن في الإلمام الصحيح بالثقافة التي ترد في سياقها، والأدلوجة التي ينطلق منها المستعمل في تناولها. وصعوبةُ تدريسها تتمثل في تعارض السياقات الثقافية والإطارات الأيديولوجية ضمن الاستعمال، وهو ما يخلق ارتباكا عند المتعلم أثناء التعرض لها، والوقوف على مدلولها، خاصة لدى الناطق بغير اللسان العربي. يأخذ هذا البحث مفردة "إرهاب" نموذجا، فيدرس معانيها، مستعينا بمنهجية حاسوبية معجمية لتحليل مقارن بين صحيفتين عربيتين وصحيفتين أجنبيتين، متوصلا إلى إطارين لغويين مختلفين، كلٌّ منهما يربط الإرهاب بتفسيرات وأمثلة مغايرة. يقرر البحث، بناء على مناقشة النتائج وتركيبها، خلاصةً مفادها أن استحضار المتن المقارن في دراسة هذا النوع من المعجم ضروري لفهم السياقات المحتملة، وتقريب المدلولات، وموازنة الحجج والأمثلة، كما يقترح في الأخير خطوات معيارية لتعليم سليم.
مقدمة
اللغة أصواتٌ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، [1] وهي مرآة عقل مُبتكِر، يستعملها الإنسان لإنتاج تراكيب لامتناهية، بناء على مُثُل وقواعد محدودة.[2] تعدُّ اللغةُ أيضا وعاء ثقافة وفكر، وعاء يحوي آداب المتكلمين بها، وأحوال معاشهم، وألوان صناعتهم، وظروف محيطهم، بما يمكن أن يشكل عمرانهم عامة، [3] وعقلهم خاصةً، هذا العقل المكوَّن الذي يستعينون به ضمن إطار مرجعي أنتجه الاستعمال والقياس.[4] أما علوم اللغة، فتتفرع حسب الموضوع المدروس، والآلة المنتهجة، والغاية المطلوبة، منها المعجم، والصرف، والتركيب، والدلالة، والتداول، والبلاغة، وغيرها. فإن كان لا يمكن لأحد هذه العلوم أن يستغني عن نظيره، فلا غرو أن نقاط التداخل بينها كثيرة. إنا نقرر هذه المقدمة لنبين أن دراسة المعجم ودلالته، موضوع هذه الورقة، لا تستطيع أن تتخطى نظرات متخللة إلى الصرف، والتركيب، والتداول، وباقي العلوم اللغوية، خاصة إذا تعلقت الدراسة بمفردات ذات أبعاد ثقافية وأيديولوجية، كمفردة "إرهاب".*
أشرنا أن الثقافةَ آدابُ القوم، وفنونهم، وصنائعهم، وظروف معيشتهم، وعقائدهم، وهو ما أدخله ابن خلدون في مفهوم العمران. أما الأيديولوجيا، فتأتي بمعان شتى، متقاربة أحيانا، ومتباعدة أحيانا أخرى. يلخص عبد الله العروي في «مفهوم الأيديولوجيا» هذه المعاني، فيقول أن الأدلوجة، وهي الوحدة المدروسة في علم الأفكار (الأيديولوجيا)، قناع يتستر وراءه المتكلم لمواجهة الخصوم، وأداة تحليلية ينتهجها لقراءة موضوع خارج الذات، ونظرة كونية يرى من خلالها الواقع. ثم يركب العروي هذه المعاني قائلا: "أدلوجة عصر من العصور هي الأفق الفكري الذي يحد فكر إنسان ذلك العصر".[5] والناظر في الأدلوجة لا يُقَيمها صوابا أم خطأ، حقيقة أم زيفا، وإلا كانت نظرته ذاتها ضربا من الأدلجة، بل إنه يَنظُر إليها معطى قابلا للدراسة والتحليل والنقد، بعد أن يتجرد من أفكار مسبقة، وتوجهات سائدة، وبواعث ذاتية.
إذا رجعنا إلى فروع اللغة عامة، والمعجم تحديدا، نلفي مفردات بسيطة الدلالة، دانية المعنى، إذا نُطقت فإنها لا تخلق لبسا عند السامع، لوضوح الصلة بين دالها ومدلولها، وشيوع هذه الصلة في الاستعمال. في المقابل، تحوي اللغة مفردات أخرى صعبة المركب، عسيرة الاكتناه، سببُ ذلك أنها ترد ضمن نظرة فكرية ثقافية مركبة، ذات سياق لغوي، لا تظهر فيه إلا وتلازمها عناصر من الثقافة والأدلوجة؛ أي منبعثة من العقيدة والأفق الفكري للمستعمل. وقد ضرب لنا العروي في كتابه السالف بعض المفاهيم العسيرة الدراسة أمثلةً، كالدولة والحرية.[6] وإذ نحن بصدد دراسة مفردة "إرهاب"، نتساءل: ما الإرهاب؟ ما دلالته؟ ما أمثلته؟ ما سياقه اللغوي والثقافي؟ وكيف يمكن تبين مدلوله اللغوي دون الوقوع في سوء الفهم، وتدريس هذا المدلول دون الوقوع في سوء الإفهام؟
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] ابن جني، الخصائص (بيروت: دار الكتب العلمية، 2013)، ص. 87
[2] Noam Chomsky, Selected readings on transformational theory (New York, Dover Publication, 2009), p. 8
[3] ابن خلدون، المقدمة (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، 2006)، ص. 441
[4] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1984)، ص. 15. ما يقصده الجابري بالعقل في أطروحة كتابه هو جملة القواعد والمبادئ التي تقدمها ثقافة معينة إلى المنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة، فتُفْرَضُ عليهم كنظام معرفي.
* تُستعمل المزدوجتين ("..") في الورقة حين تُعرض المفردة مجردة من أي تحديد أو تعريف مسبق، ثم يتم إزالتها حين يتبين أن المعنى مدركٌ بالسياق
[5] عبد الله العروي، مفهوم الأيديولوجيا (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2012)، ص. 10
[6] المرجع السابق، ص. 5