«دولنة» الإسلام اليومي في الخطاب السّياسي الحديث في تونس
فئة : مقالات
«دولنة» الإسلام اليومي في الخطاب السّياسي الحديث في تونس([1]):
قراءة في المظاهر والآليّات والنّتائج
د. فيصل شلوف
ملخص:
إن الفهم، الذي يقدّمه الخطاب السياسي للدّين، يكشف عن تمييز مبدئي واضح بين الدّين باعتباره جوهراً، والدّين باعتباره ممارسة؛ لذلك هاجم الخطاب السياسي الدّين الذي يقدّمه التّقليديّون، انطلاقاً من قناعته الرّاسخة بأنّه لا يمثّل سوى شكل من أشكال الممارسة للإسلام، ورأى ضرورة تجاوز المذاهب الفقهية والمدارس؛ لأنّها تعبّر عن جهد إنساني مرتبط بزمان ومكان لا يمتّان بأية صلة إلى واقع الدّولة السياسي، إضافة إلى أنّهما يحتملان الصّواب في فهم المقاصد الحقيقيّة للنّص الدّيني، كما يحتملان الخطأ؛ فلا بد من إقامة علاقة مباشرة مع النّص لاكتشاف معانٍ أخرى غير تلك التي تشبّث بها «التّقليديّون»، تجمع في الآن نفسه بين تحقيق قيمة الارتباط بالنّص، وتحقّق مصلحة الدّولة؛ لذلك طالب الخطاب السّياسي بمشروعيّة أن تعبّر الدّولة عن البنية العميقة للإسلام، في مقابل التّخلّص من البنية السّطحيّة التي يتمسّك بها دعاة الإسلام الرّاديكالي. وقد سبّب ذلك جدليّة خاصّة عاشها السّياسي في علاقته بالنص الديني بين النّفور تارة والاقتراب طوراً دون أن يحسم ذلك حسماً نهائيّاً، وهو ما انعكس على طبيعة تعامله مع الإسلام اليومي، فكان ينبني أساساً على منطق الاستحواذ (...).
أقترح، استناداً إلى ما تقدّم، أن أبحث في أطوار عمليّة توظيف الإسلام اليومي من خلال أمثلة مباشرة من الخطاب السّياسي؛ الذي صاحب نشأة الدولة الوطنية في تونس.
تمهيد:
أبدى الخطاب السّياسي الحديث في تونس اهتماماً بالغاً بالإسلام، باعتبار محتواه المفهومي والتّنظيمي، انطلاقاً من فهمه الخاص له، ما أنتج طرائق متعدّدة في التّعامل معه في إطار الدّولة الوطنيّة النّاشئة، غير أن تلك الطرائق كانت قائمة على الفصل بين «جوهر الإسلام»، وبين «الإسلام اليومي». فحقيقة الإسلام، كما يعدها الخطاب السّياسي، تختلف عن المعطيات الإجرائيّة اليوميّة السّائدة في المجتمع؛ لذلك كان اعتراف الدّولة به ينحو باتجاه الجوهر ويُعرض عن اليومي، لا لاعتباره يتنافى مع المصلحة السّياسية فحسب، بل لاعتباره يتنافى، في الآن ذاته، مع جوهر الدّين، فلم يكن الخطاب السياسي ينكر على الإسلام حيّزه الأنطولوجي، ولم يسعَ إلى رفض الاعتراف به، أو التنكّر لتأثيره في الواقع الاجتماعي والثّقافي والحضاري، بل إنّه، على خلاف ذلك، حاول التّشبّث به وتوظيفه في صلب الدّولة، فلم يكن يريد التّنصّل منه، بل كان يرمي إلى إصلاحه، ومن ثمّ احتوائه والسّيطرة عليه سياسيّاً بـ«دولنته». وقد نتج عن ذلك العديد من المظاهر السّياسية والدّينية المتعلّقة بالقيادة السّياسيّة وبالدّولة.
1. إصلاح الدّين:
1.1 المحاكمة:
بدت السّلطة السّياسية في تونس، منذ الفترة الأولى لتأسيس الدّولة الوطنيّة إبّان الاستقلال، متحكّمة في جميع الأنشطة الوطنيّة، من خلال أدوات القيادة والتّنظيم، ولم يبقَ للنّفوذ الدّيني إلا الإذعان للصّوت الذي سيتّبع منهجاً خاصاً في فهم الدّين، وفي العمل به، سعياً وراء تحقيق مطلبي التّنمية والحداثة. ويقوم هذا المنهج على «المحاكمة»؛ أي تلك المحاكمة الرّمزيّة التي خاضها الخطاب السّياسي ضد الإسلام اليومي أو النّهج الدّيني التّقليدي الرّائج للإسلام. ويمثّل معالم هذا النّهج عناصر المجتمع التّقليدي، الذين يعبّرون عن أنفسهم من خلال مجموعة معايير ثقافيّة طقوسيّة يوميّة موسّعة الانتشار في صفوف الشّعب، ويسعون من ورائها إلى خدمة مصالح جزئيّة أو كلّية تتعارض مع المصلحة السّياسية للدّولة.
لذلك، امتدت محاكمة هؤلاء (رمزيّاً) لتشتمل على مجموعة الطّقوس والشّعائر اليومية التي يلتزم بها الإنسان ممثّلةً في البنية السّطحيّة للإسلام الرّاديكالي (La structure superficielle de l’islam radicale)، وانعكست بصفة مباشرة على مستوى فهم الإنسان للواقع المعيش، وأثّرت في كيفيّة تعامله معه. فما كان يعيبه الخطاب السّياسي على «أولئك التّقليديين» إساءتهم فهمَ الرّسالة الإسلاميّة، وانكبابهم على التّفكير في المسائل الغيبيّة، ومجافاتهم للواقع الذي هو في أمسّ الحاجة إلى إعمال الفكر والنّظر بالتّوازي مع الجهد والعمل، حتى تستقيم الحياة وتنهض الدّولة. يقول بورقيبة: «الحق يقال، لم يوفّق المسلمون دوماً إلى فهم هذه الرّسالة المحمّديّة، ولا هم أخذوا دوماً بحكمتها السّرمديّة الدّاعية إلى تقدير شؤون الحياة الدّنيا حق قدرها، حسب المشيئة الإلهيّة التي لم تخلق الإنسان عبثاً، ولا قدرت له الوجود باطلاً».([2])
إن سوء الفهم هذا - كما رصده بورقيبة- قد أفسح المجال أمام العديد من «الأوهام القديمة» و«العادات البالية» اليوميّة، التي لا يعدّها الخطاب السّياسي من الدّين في شيء، ومع ذلك فهي تسيطر على فهم الأفراد، وتجعل منهم أناساً ضعفاء خانعين، لا يمكن أن تقام الدّولة بسواعدهم؛ لأنّها تتطلّب رجالاً أشدّاء لا خيالات واهمة تعتقد بالقضاء والقدر، وتستكين أمام صعوبات الواقع، وترفض العمل، و«تتعود على الخمول والخنوع»؛ فـ«هناك عراقيل كثيراً ما يعتبر التّونسيّون أن مرجعها إلى الدّين، والدّين براء منها، فالدّين خلو من الأوهام القديمة التي يعبّر عنها بسطاء النّاس بالمكتوب، فيقولون: "كل حدْ وقسمُهْ"، و"ربّي ما يخلق نفس كان ما يخلق قسمها"»([3]). فهذه «الأوهام» تؤثّر بشكل مباشر في الطّقوس والشّعائر الدّينية اليوميّة، التي يؤدّيها الفرد، فلا يراعي في أدائها متطلّبات الدّولة التي تسعى إلى تحقيق التّنمية؛ ذلك أن تكرار فريضة الحج قد سبّب حيرة بورقيبة، فالحج يُحدِث كلَّ سنة نزيفاً في العملة الصّعبة، التي يجب أن تكون أولويّة استغلالها في تجهيز الدّولة.([4]) أضف إلى ذلك ما يسبّبه الاحتفال بعيد الأضحى سنويّاً من إنفاق مبالغَ طائلة كان من الأفضل إنفاقها في استثمارات منتجة([5]) تعود على الدّولة بالنّفع، حتى الصّوم قد أضحى عائقاً أمام التّنمية، «فالصّائمون إذا أتخموا بالليل قضوا جلَّ نهارهم نياماً، فيصبح استهلاكهم أكثر ممّا درجوا عليه، ويصبح نشاطهم في العمل أقلّ من المعتاد، والصّوم يحط من إمكانيّات الفرد، ويجعله لا يقوى على واجب، هو ليس واجباً شخصيّاً بل واجب نحو أمّته ودينه»([6]).
وتستمدّ المحاكمة، التي أجراها الخطاب السّياسي، أهمّيتها من شمولها مجموعة الطّقوس والشّعائر التي تعبّر عنها الممارسة اليوميّة للإسلام في صفوف الطّبقات الاجتماعيّة على اختلافها، مروراً من الشّعائر التعبّدية اليوميّة التي يمارسها الفرد، ووصولاً حتّى إلى ظواهر الإسلام الطّرقي والصّوفي ذات الانتشار الموسّع في صفوف الشّعب. كما تستمدّ تلك الأهميّة أيضاً، من مبدأ النّجاعة السّياسيّة الذي ترتكز عليه، فكلّما حقّقت ظواهر الإسلام اليومي تلك النّجاعة، أو أسهمت في تحقيق المصلحة السّياسية التي تقرّرها الدّولة وحدها، كان الخطاب السّياسي مهادناً معها، ومشجّعاً عليها، وفي المقابل كلّما سعت مظاهر الإسلام اليومي إلى التنفّذ والخروج عن طوع السّياسي اعتماداً على هياكل المجتمع التّقليدي، هاجمها الخطاب السّياسي، وحاكمها استناداً إلى مسّها بواجب «المصلحة العليا للدّولة والوطن والأمّة».
هكذا يتحوّل الطّقس الدّيني اليومي في الخطاب البورقيبي من معناه الفردي الذي يخص الشّخص وحده إلى معناه الجماعي الذي يخص «الأمّة التّونسية» بكاملها، بغض النّظر عن نوع الطّقس، أو متطلّباته، أو حتى قيمته في التّعبير عن مدى إيمان الإنسان أو أحقّيته في كسب مرضاة الإله ومرضاة الضّمير؛ فما دام يعرقل سعي الدّولة إلى تحقيق التّنمية والتّطور، ومن ثَمَّ ضمان السّلامة والبقاء، فإنّه يمثّل خطراً يستوجب من السّياسي محاربته والتّصدّي له. فأداء الطّقوس الدّينية، التي تعبّر عن الإسلام اليومي، مرتبطٌ حينئذٍ بحقّ الدّولة في مراعاة مصلحتها، وتجنّب ما من شأنه أن يعوق سعيها نحو تخطّي عقبة الانحطاط والتّخلّف التي يرى بورقيبة أنّها «تجلب لها العار في نظر العالم»([7])؛ ذلك أن هذه الطّقوس والأساليب، التي يعيش بها المسلمون، إن كانت تحقّق الإشباع الرّوحي والرّضا عن النّفس الموعودة بالجنّة، فإنّها لا تستجيب إلى مطالب الدّولة، فهي «بما تدعو إليه من محافظة على الطّهر والنّقاوة ربّما توصل إلى الجنّة، غير أنّها لا توصل إلى العزّة والكرامة في الدّنيا»([8])؛ تلك الكرامة المبنيّة على أولويّة العمل من أجل تحقيق التّنمية، والخروج من الانحطاط والتّخلف، التي يقيسها بورقيبة بمقياس مادّي عملي يكتسب مصداقيّته من الواقع، وليس بمقياس أخلاقي نظري مستمد من تغلغل التّقاليد الدّينية القديمة في أوساط الشّعب، لذلك يرى أن تحقيقها يتطلّب، أساساً، تجديد الرّوح الدّينية حتى لا يتصادم النّص الدّيني مع الواقع أو يجافيه، فلا يواكب أحدهما الآخر؛ فـ «الدّين لا ينبغي أن يصبح حجر عثرة في طريق النّمو والتّطور، وأنّه على العكس من ذلك ينبغي أن يكون قـوّة دافـعة للبشر في حدود العقل والخير»([9]). ولا يتحقّق ذلك، في نظر بورقيبة، إلا إذا طاوع «التّقليديّون» إرادة الإصلاح والتّجديد التي تحتّمها الحداثة، لذلك طالت تلك المحاكمة، التي أعلنها على الدّين «القديم»، الهياكل الاجتماعيّة التّقليديّة المضطلعة بالدّور الدّيني، وطالت الإسلام اليومي في عمقه؛ أي بصفته مفهوماً قائماً على تطبيق مجموعة الطّقوس والشّعائر التي يتوقّف عليها اعتبار الإنسان مسلماً «أمام النّاس». وقد أظهر في خضمّ ذلك الفصل التّام بين اعتبار الدّين جوهراً ما يجعل الإنسان مسلماً أمام الله، وبين اعتباره مجرّد طقوس وشعائر يوميّة ما يجعل الإنسان مسلماً أمام النّاس فقط.
وبناء على هذا التّمييز بين الجوهري واليومي، كان بورقيبة حريصاً على الحفاظ على صورة المتديّن المصلح، حتى لا تنفصل المقاصد والغايات، التي يرمي إلى إنجازها على رأس الدّولة، عن آليّات العمل السّياسي ومبرّراته، وحتى لا ينفضّ الشّعب من حوله. فكان من أهم نتائج تلك المحاكمة أنّها فتحت الطّريق نحو فهم جديد أو متجدّد للإسلام اليومي يقوم على مفهوم الدّولنة (Etatisation)؛ أي تحويل الممارسة اليوميّة للـدّين إلى مؤسّسة تابعة للدّولة وخادمة لها، فالطّقوس والشّعائر اليوميّة كانت متحكّمة في جميع مظاهر الحياة الاجتماعيّة للأفراد؛ سواء في علاقتهم بعضهم ببعض، أم في علاقتهم بأنماط توزيع السّلطة سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً داخل محيطهم المادّي (الجغرافي) والمعنوي (المرتبط بالانتماء الموسّع على أساس الهويّة الدّينية والثّقافية). وقد انبنت هذه «الدّولنة» على منطق التّدرّج؛ أي الانطلاق من الدّيني نفسه وإضاءة مواضع منه يتجاهلها الخطاب التّقليدي اليومي، أو هو لا يرفعها بقدرٍ كافٍ من مستواها النّظري إلى مستوى الواقع العملي، على الرغم من ما تحمله من قيم جوهرية (intrinsèque) رأى بورقيبة أهمّية الانطلاق منها أوّلاً في تركيز مشروع الإصلاح، وجعل منها شعارات ينادي بها، ويرفعها على رأس الدّولة.
هكذا انبنت صورة الإسلام في جوهره على خلاف ما تأسّس عليه الإسلام اليومي، فلم يفوّت الخطاب السّياسي فرصة حتى يحض المسلمين على مخالفة الآراء والمفاهيم الوعظيّة التي يقدّمها الفقهاء، والتي تجد استجابة طوعيّة مباشرة في نفوس أفراد الشّعب؛ لأنّه يرى أنّها تصدر عن فهم محدود لجوهر الدّين، ولدوره في إطار علاقته بالدّولة، وأنّها تقوم على اعتبار مصالح جزئيّة (عناصر المجتمع التّقليدي) أو كليّة مطلقة (الأمّة الإسلاميّة)، فلا تتوافق بطبيعتها مع مصلحة الدّولة التي تفترض تفوّق ما هو سياسي على ما هو ديني، والتّعامل مع الدّين على أنّه مؤسّسة تابعة يتم اللّجوء إليها باعتبارها دافعاً نحو صيانة الدّولة، ومؤيّداً للمواقف السّياسيّة التي تبحث عن تحقيق القوّة والنّجاعة، بالتّركيز على أولويّات بناء الذّات والتّوافق مع الواقع.
لقد أنتج ذلك كلّه تشكيلاً جديداً للتّفكير، وكذلك للآراء وللمفاهيم الدّينية، التي اكتسبت لغة اجتماعيّة جديدة ذات شكل ديني وجوهر سياسي، وهي تتّخذ من الإقناع هدفها الجزئي، الذي من شأنه أن يوصل إلى غاية قصوى (une fin ultime)، وهي مصلحة الدّولة. فأحدثت بذلك براغماتيّة الخطاب السّياسي في تونس تغييراً جذريّاً في الشّكل الذي تعوّد الدّين أن ينطلق منه في علاقته بالسّياسة، ولامس هذا التّغيير أهم مقوّماته ألا وهي التّعالي، فأضحى الحديث عن الإسلام المراد تحقيقه في الدّولة لا يعني الإسلام في إطلاقه وعمومه؛ أي كما يمارس في أشكاله اليوميّة وبمؤثّراته المصاحبة له، وعلى رأسها البنية التقليديّة للمجتمع، بل يعني تلك الآليّة المقنّعة والمبرمجة والمتلوّنة ببراغماتيّة السّياسي([10])، التي تنحصر أهدافها في تحقيق المصلحة السّياسيّة. وبرّرها بورقيبة ذاته بإعلان أن فلسفته تنهض على ضرورة الجمع بين الدّين والدّولة لا الفصل بينهما؛ لأن «الدّين الصّحيح»؛ أي الدّين التّابع والمهادن الذي أنتجته الدّولة، لا يمكن أن يتناقض معها؛ لأنّه منها، فليس بينهما تناقض جوهري، «بل إنّه لا يمكن أن يوجد بينهما غير التّكامل والتّضامن (...) لذلك لا نرى الفصل بينهما بل الجمع والتّوفيق»([11]). فهذا «الدّين الصّحيح» لا يعني في النّهاية سوى دين الدّولة المؤسّس على مجموعة من الشّروط، ومن ضمنها الوسطيّة والاجتهاد، والاعتماد على الأصول الواضحة ذات العلاقة بـ«الجوهر المتّفق عليه لا بما أضيف إلى الدّين مما ليس منه على الحقيقة»؛ ذلك أنّ الدّولة، باعتبار أنّها جهاز سياسي، «تسعى إلى إحداث مؤسّستها الدّينيّة الخاصّة بها التي تعبّر عن مصالحها ومواقفها»([12]) بعيداً من منطق الانفصال الكلّي.
2.1 أسس الإصلاح:
لقد اتّسم موقف الخطاب السّياسي من الدّين بسيطرة فكرة الدّولة عليه، حتى بدا مشحوناً بهاجس الإصلاح؛ إصلاح الدّين في تجديد فهمه والتّعامل معه ومن خلاله. فبورقيبة أخضع الفهم الإسلامي التّقليدي الممتد في شكل ممارسة اجتماعيّة يوميّة للمحاكمة، فحاسبه على أخطائه، وشجب نتائجه من منطلق الصّورة التي اختارها لنفسه، صورة المتديّن المصلح، فقد كان منشغلاً –فكريّاً وعمليّاً- منذ تسلّمه مقاليد السّلطة، بضرورة طرح الفهم البديل لما قام برفضه؛ لذلك كان «الدّين الجديد»، دين الدّولة، قائماً على منطق سياسي - ديني (politico-religieuse)([13]) في آن واحد، فكرّس من خلاله أسساً مشتركة عدّها ضروريّة لتحقيق المصلحة السّياسيّة. فلم يُرِدْ للدّولة أن تتنصّل من الدّين تماماً، ولا أن تمكّنه من التّفوّق عليها، وهذا يحيلنا على أساس مهم أقام عليه فكرة الإصلاح، وأولاه حجماً دعائيّاً ضخماً في خطبه، إنّه مفهوم الوسطيّة.
1.2.1 الوسطيّة:
الوسطيّة مفهوم ديني في أصله يقوم على مراعاة الحدود والضّوابط التي يمثّلها الدّين في جوهره، جنباً إلى جنب مع مراعاة متطلّبات حياة الإنسان في الدّنيا، بـ«لا إفراط ولا تفريط». وقد وظّفه بورقيبة في الدّعاية للعلاقة المنشودة بين الدّين والدّولة، ورأى أن يكون تعامل الدّولة مع الدّين تعاملاً وسطيّاً؛ أي أن ينضبط وفق حدود ولا يتجاوزها، لا بالمبالغة من جهة ولا بالإجحاف من جهة أخرى، حتى تتمكّن الدّولة من تحقيق مصلحتها، مع الحفاظ في الوقت نفسه على صفة الاعتدال، باعتبارها شعاراً من شعارات الدّولة، يسعى من خلاله بورقيبة إلى إقناع الشّعب، دون أن تكون ذات محتوى عملي يومي ملزم له في الواقع؛ ذلك أن ما يتوسّط العلاقة بين الثّنائية (دين/دولة) إنّما هو السّياسة، وهي التي تضطلع بمهمّة إيجاد تفاعل وظيفي بين كلا القطبين، تصب نتائجه في إطار تحقيق المنفعة المطلقة، من خلال إرضاء الوازع الدّيني المتأصّل في ضمير الشّعب، وتحرير ملكة الإبداع الكامنة فيه. يقول: «وقد رأينا أن تسير تونس لا في طريق التّزمّت في الدّين، ولا في طريق الانفصال عنه؛ لأن الرّجل الذي وضع الشّعب فيه ثقته يؤمن في قرارة نفسه بأن الإسلام بريء من فرض القيود التي أقعدتنا عن التّقدّم، ومنعت عقولنا من الإبداع».([14])
إن هذا التّوازن، الذي يضطلع بتحقيقه السّياسي، إنّما يفترض –إلى جانب فهمه لمتطلّبات الواقع المحيط بالدّولة، وخبرته بوسائل التّغيير والتّحديث من منطلق وعيه بالمصلحة السّياسية- فهماً مخصوصاً للدّين وللدّور الذي يجب أن يؤدّيه في إطار الدّولة، بناء على العقل والمنطق اللّذين تأسّست عليهما المعايير الدّينيّة في جوهرها، وما خالف ذلك يرى بورقيبة أنّه متأتٍّ من جهل النّاس، ومن وقوعهم في عديد المغالطات التي حادت بهم عن «الفهم الصّحيح للدّين»، باعتباره رسالة سماويّة تقوم على مراعاة مصلحة الإنسان في الكون؛ لذلك اهتم بالبحث في مصادر التّشريع عن مرتكزات سياسة الإصلاح، وعدّها أساساً ذا أهمّية في عمليّة التّجديد الدّيني التي تضطلع بها الدّولة. فأعلن أن فهمه للدّين جوهريّ قائم على اعتبار القرآن والسنّة، إلى جانب اعتبار القياس والمصلحة الواضحة المبنيّة على الاجتهاد، فهو يفهم الدّين انطلاقاً من فهم احتياجات الواقع، ومتطلّبات الدّولة المتعلّقة بالمسائل الجوهريّة: فـ«الأمر معقول ليس فيه ما يدعو إلى الأخذ والرّد إنّما هو مجرّد إعمال للفكر على ضوء القرآن والسنّة والقياس والمصلحة الواضحة»([15]). وهو بذلك يطرح أساساً آخر للتّعامل مع الإسلام اليومي، وإخضاعه لمفاهيم الإصلاح السّياسي، لا يقلّ أهمّية عن مفهوم الوسطيّة. إنّه مفهوم الاجتهاد.
2.2.1 الاجتهاد:
يمثّل مفهوم الاجتهاد أحد أهم الأسس التي ارتكز عليها الخطاب البورقيبي في مسألة التّجديد، باعتباره خطوة ضروريّة كان على الدّولة اتّخاذها من أجل إزاحة الإرث الفـقهي التّقليدي الملتزم بثبات قواعد التّشريع وأحكامه، عن واجهة التّحكم في واقع الحياة اليوميّة للأفراد (دينيّاً وسياسيّاً)؛ ذلك أن الظّروف تطوّرت، ووجب أن يتطوّر معها الفكر البشري، «فمن المحتّم إعمال الرّأي وسلك طريق الاجتهاد، ولاسيما أن الإنسان يميّز بالبديهة بين الخير والشر بفضل ما أودعه الله من روح وفي عقله من تفكير، وتتطوّر فيه هذه الملكة مع تطوّر الزّمن إلى درجة أنّه يعد اليوم جوراً وإجحافاً ما كان يراه بالأمس عدلاً وإنصافاً، الأمر الذي يجعله يمعن في التّحري فيما يتعلّق بالحدود»([16]). وتلك مسألة رأى بورقيبة وجوبها، ولاسيما أن الأزمان قد تباعدت بين لحظة التّشريع الإسلامي والواقع الذي أحاط بها وأنتجها، وبين الدّولة الوطنيّة ومستجدّات الحياة السّياسية والاجتماعيّة فيها، فلا يضرّ الإسلام أن تتبدّل مصادر الأحكام والتّشريعات وتتجدّد ما دامت الغاية التي تنشدها الدّولة الوطنيّة، من خلال القوانين الوضعيّة، تلتقي مع مقاصد التّشريع الإسلامي وغاياته الجوهرية، فكلاهما يتمحور حول تحقيق الخير للإنسان، ومراعاة مصلحته في الكون.
وإذا كانت الأحكام الإسلاميّة محميّة من طرف الشّيوخ والفقهاء؛ أي رموز المجتمع التّقليدي الذين يقومون بدور الوساطة بين النّص والواقع، فإنّ القوانين الوضعيّة يضمنها الدّستور، ويضفي عليها صفة الإلزام المباشر، فلا تقبل التّأويل ولا الاختلاف في فهمها والتّعامل بها، وهي ليست بدعة سياسيّة، في نظر بورقيبة، فـ«قد ظهر بالكاشف منذ ما يزيد على القرن أن بعض الحكّام والأمراء تجاوزوا الحدود القديمة وأبدلوها بقوانين وضعيّة؛ لأن سنّة الحياة فرضت عليهم ذلك لمسايرة العصر الحديث؛ حيث إن الدّين الإسلامي قابل للتّطور وصالح لكل زمان ومكان، وإن ما جاء على لسان الفقهاء والمجتهدين في صدر الإسلام من تأويل لأصول الدّين قد لا يكون متماشياً مع العصر الحديث».([17])
ويعني الاجتهاد في الخطاب البورقيبي الانتقال من نصٍّ ديني يجسّد الإرادة الإلهيّة، ولا يعترف بالفرد إلا من خلال مبدأ الطّاعة والامتثال، اللّذين يعبّر عنهما من خلال مجموع الطّقوس اليوميّة، إلى نصٍّ قانوني يجسّد إرادة الدّولة، ويخضع بمقتضاه الفرد إلى مؤسّساتها القانونيّة؛ فالأمر في مفهوم الاجتهاد، كما يحدّده بورقيبة، لا يتعلّق بالدّعوة إلى إصلاح الدّين من خارج المنظومة الدّينية؛ بل يتعلّق بممارسة إصلاحيّة تاريخيّة من داخل المرجعيّة الدّينيّة ذاتها، بحثاً عن ملاءمة النّص الدّيني مع الواقع اليومي، ومع المصلحة السّياسية العليا للدّولة.
3.2.1 الانطلاق من جوهر الإسلام:
إن الدّعوة إلى الاجتهاد تلتزم بالمصلحة السّياسية؛ لأنّها دعوة في إطار الممارسة السّياسيّة لا في إطار النّصوص الشّرعيّة بصفة مطلقة، فالاجتهاد هنا محكوم بالمراجع القانونيّة التي شرّعها الدّستور، وهو يدعم الشكل الذي يقدّم من خلاله بورقيبة الدّولة، باعتبارها المجال الوحيد لكلّ أشكال الإلزام المتمثّل في القانون الوضعي؛ ويعطيها -على هذا الأساس- الحق في إعادة صياغة الأحكام الشّرعيّة حتى تتوافق مع مصلحتها أوّلاً، وحتى تكون صالحة لكلّ زمان ومكان؛ وإذا كانت الأمثلة على ذلك تتعدّد في واقع الدّولة الوطنيّة، فإنّنا يمكن أن نكتفي من بينها بالإشارة إلى (مجلّة الأحوال الشخصيّة) باعتبارها تجمع بين أهم مرتكزات الإصلاح الدّيني في الخطاب البورقيبي من وسطيّة واجتهاد، فلا مجال فيها للإطلاق أو الثّبات، وحتى تكون الأحكام الشّرعيّة صالحة للمجتمع التّونسي، فقد أعاد بورقيبة صياغتها وفق الحاجات الاجتماعيّة، وقد اجتهد في تأويلها للحفاظ على التّناسب الضّروري بين النّص والواقع، ففي مسألة تعدّد الزّوجات مثلاً كان موقفه صريحاً في إلغاء هذا التّعدّد انطلاقاً من النّص الدّيني ذاته. يقول تعليقاً على الآية ﴿وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...﴾: «والمفهوم من هذه الآية أن الإسلام لم يشجّع تعدّد الزّوجات؛ لأن العدل بين الزّوجات ليس في متناول الرّجل العادي، بحيث يكون مجرّد الخوف من عدم العدل مانعاً من التّزوّج من أكثر من امرأة، ولاسيما إذا نظرنا إلى المساوئ المترتّبة عن تعدّد الزّوجات، ومن الإكثار من البنين والبنات من عدّة أمّهات (...) فتتشتّت العائلة من جراء ذلك وتندثر، بينما العبرة من الزّواج هي تكوين العائلة التي هي أساس العمران، وأساس الأمّة (...) بحيث نستخلص من الآية القرآنية أن تعدّد الزّوجات فيه مضرّة للكون، وأن الله لم يوصِ في كتابه العزيز بعمل من شأنه إلحاق الضّرر بالبشر».([18])
وإذا كان بورقيبة يؤكّد في ما سبق أهمّيةَ الانطلاق من روح النّص الدّيني وجوهره في سنّ التّشريعات والقوانين الوضعيّة، من خلال الإلحاح على أن لا يغفل التّعامل مع الدّين عن خصوصيّة واقع المجتمع والدّولة، والعمل على أقلمة النّسق الدّيني بمختلف وسائله مع مقتضيات المصلحة، فإن هذا التّآلف بين الخطابين السّياسي والدّيني ليس ثابتاً دائماً؛ لأن بورقيبة كان يسعى، من خلال إلحاحه على درء الخلاف بين النّص الدّيني والواقع، إلى قطع الرّوابط العضويّة القديمة للفكر الدّيني مع منظومة الأحكام التّشريعيّة المستنبطة من التّنزيل([19])، مستوعباً المحدّثات، مصغياً إلى نداء الواقع السّياسي أكثر منه إلى نداء النّصوص الدّينيّة القديمة، ومغلّباً إيّاه، وممهّداً بهذه الصّورة للفصل النّهائي بين العقل المصلحي والعقل الماورائي.
هكذا تمكّنت الدّولة من إخضاع الدّيني، انطلاقاً من إعلانها عن إمكانيّة تعايشها معه، والحفاظ عليه في أبعاده الجوهريّة، وقد أحدثت من ثَمَّ حواراً معمّقاً وحقيقياً مع المعتقد([20]) انتهى إلى استعادة الإسلام اليومي، لكن بشرط أن تطبّق عليه «الفهم الصّحيح»؛ أي فهمها الخاص الذي «يدولنه»، فيجعله تحت حمايتها، ويجعل من الدّستور مادّة التّشريع الأولى في الدّولة، فهو الذي يسمح بحرّية القيام بالشّعائر الدّينيّة، بل يكفلها ما لم تخلّ بمادة من موادّه، أمّا إذا أخلّت فإنّها تقع تحت طائلة أحكامه ورقابته؛ لأنّها تكون بذلك الإخلال قد أضرّت بمصلحة الدّولة، وقد كان لعمليّة «الدّولنة» المتعلّقة بالإسلام اليومي وتنزيلها في واقع الممارسة الاجتماعيّة للأفراد انعكاسات كبيرة على واقع الزّعامة السّياسية، كما على واقع الدّولة الوطنيّة.
2. نتائج «دولنة» الإسلام اليومي:
1.2 انعكاس «الدولنة» على مفهوم الزّعامة السّياسيّة:
لقد تمكّنت السّلطة السّياسيّة في تونس من استعادة الدّين استناداً إلى مفاهيمها الخاصّة، محمّلة بورقيبة مسؤوليّة جديدة تتمثّل في قيادة المسلمين بحسب مبادئ دين الدّولة في سياق اجتماعي يعترف للدّين بمستواه الوظيفي فحسب. وليس هذا التّكليف الذي خص به بورقيبة نفسه ببعيد عن قناعته المحوريّة بوجوب أن توضع مقاليد السّلطة الموحّدة في يد مطلقة هي يد «القائد الرّفيع الذي بقبضته خلاص الشّعب والدّولة»، كما أنّه ليس ببعيد عن معاني تحمّل الرّسالة الإلهيّة أو الأمانة الإلهيّة العظمى «التي عرضها الله على السّماوات والأرض فأبينها، ولم يقبل تحمّلها إلا الإنسان، ويقدر بواسطة فكره على تنفيذها...»([21])، وهي إن كُلّف بها الإنسان فلأن الإله كرّمه من بين جميع خلقه بالعقل والفكر «وهذا المصباح –مصباح العقل والفكر- الذي هو قبس من نور الله هو الذي أنار سبيلنا حتى وصلنا إلى الاستقلال والنّصر»([22]). وانطلاقاً من تلك المزايا الخارقة التي خصّ الله بها الإنسان «انفتحت أمامنا (بورقيبة) سبل تخليص الأمّة التّونسية من نير الاستعمار وإنقاذها من الاضمحلال والتّلاشي»([23]) الذي كانت عليه.
وكثيراً ما كان بورقيبة يلحّ على تأكيد ذلك في معرض حديثه المتكرّر في مناسبات مختلفة عن «تاريخه النّضالي المتميّز»، وعن «إلهامه الخارق»، الذي مكّنه من تحمّل مسؤوليّة قيادة الأمّة، جنباً إلى جنب مع الحديث عن مناقب الرّسول، بالإضافة إلى أنّه لم يتردّد في تشبيه إنشاء الدّولة الوطنيّة بنشأة الدّولة الإسلاميّة استجابةً للدّعوة المحمّديّة، وكيف أن الرّسول محمّد قد «أخرج شعوب العرب وشعوباً أخرى من حال الوثنيّة التي هي حال التّديّن الوهمي البدائي إلى طور التّديّن الحق القائم على العقل الواعي المفكّر، وعلى العمل الصّادق الصالح، وكيف استطاع (ص) أن يخلق هكذا من شعوب كانت شتاتاً من العشائر والقبائل أمّة موحّدة، ودولة قـويّة (...) وعلى ذلك الأساس مضيت أحرّك في الشّعب التّونسي قوى الوعي...».([24])
إن ذلك يدل على زاوية النّظر المحدّدة، التي كان يرى من خلالها بورقيبة الرّسالة المحمّديّة، ويفهمها على أنّها ذات معنى دنيوي في المقام الأوّل -قبل معناها الأخروي- تجسّد في تحويل شتات الأفراد، وتنافر القبائل والأجناس، إلى أمّة واحدة، تجمعها دولة قويّة، ويقودها إنسان يتميّز عن بقيّة البشر بحنكته السّياسيّة، وبإلهامه «الإلهي» الخارق؛ ولكنه يدل، أيضاً، على نرجسيّته الفائقة التي صوّرت له أن مهمّة «قيادة الأمّة التّونسية»، التي اضطلع بها هو، تُملي عليه التّكفّل بمهمّة الخلاص الأخروي أيضاً.
إن هذه المعاني «قيادة الأمّة، قيادة المسلمين، تخليص الأمّة، الأمانة العظمى، قبس من نور الله، حال الوثنيّة، حال التّديّن،...» كثيرة التّواتر في متون خطابات بورقيبة، وهي ذات علاقة وطيدة بمعنى النبوّة، فبورقيبة يحاول الاستحواذ على صفات النبوّة([25]) إلى جانب صفات الزّعامة السّياسيّة، أو هو يحاول تقريبها من الصّورة التي يريدها لشخصه، صورة الزّعيم الملهم التي يعمل على ترسيخها في أذهان الشّعب؛ وقد عبّر لورنس دو كوك عن ولع بورقيبة بالهالة التي تتمتّع بها شخصيّة النّبي في الوعي الشّعبي، وفي التّاريخ، قائلاً: «لقد كان الرّئيس يرجع دائماً إلى النّبي في خطب تظهر خلالها الكلمات كحقائق موحى بها»([26])، ولعل ذلك ما مكّنه من التكلّم باسم الإسلام والمسلمين، ومن أن يمتلك حق الأمر والنّهي، ويحصل على طاعة الجميع طوعاً أو كرهاً، يقول: «وأنا، بصفتي رئيساً مسلماً لدولة إسلاميّة، لي أن أتكلم باسم الدّين نظراً لما أسديه من خدمات للإسلام»([27]).
فخطاب السّياسة، حينئذٍ، لا يعدم جهداً في السّعي لحيازة صفات القداسة؛ بالاستناد إلى احتكار فهم جوهر الإسلام، في مقابل الإسلام اليومي الذي «لم يسلم من التوظيف والمبالغة في طقوسه وشعائره ما حاد به عن الجوهر، فغدا مفرغاً من قيمه الأصيلة»؛ لذلك يظهر مفهوم الزّعامة في الخطاب البورقيبي، وقد انصهر أكثر فأكثر في مفهوم النبوّة. إلى درجة أن الانطباع الأوّل، الذي يتولّد لدى الملاحظين، هو أن لا وجود للدّين خارج مفهوم الزّعامة السّياسيّة؛ فهو مرتكزه الأساسي، وقاعدته الحقيقيّة في إطار الدّولة، باعتبار أن بورقيبة هو وحده صاحب القول الفصل في الحديث باسمه؛ لذلك تعدّدت صفاته في متون الخطاب الدّعائي للسّلطة الحاكمة، فهو «المجاهد الأكبر»، وهو «حامي حمى الدّين» و«حارس القيم والأخلاق والمثل». وهكذا تمكّن مـن تحقيق التّزامن بين تقمّصه لجوهر الدّين من جهة، والمضي في تطبيق المشروع السّياسي المتحرّر من الضّوابط «القديمة» للإسلام اليومي، التي يعدها مجرّد لواحق سياسيّة وجب تحديثها، من جهة أخرى. وتلك مسألة اكتسبت دعائمها من المعادلة السّياسيّة المحوريّة، التي شكّلت دوافع الجمع بين الدّين والسّياسة من خلال العمل على استعادة الإسلام اليومي بطريقة أخرى، والتّغني بالشّعارات الأخلاقيّة، في الوقت الذي تضطلع فيه الدّولة بإحداث تحوّلات سياسيّة واجتماعيّة عميقة؛ تمسّ الإسلام اليومي المعيش والممارس، وتقوم أساساً على توظيفه لتحقيق أغراض السّياسة. «فبورقيبة لم يكن في الحقيقة لا رسولاً ولا إماماً؛ إنّما كان يعبّر عن إرادة سياسيّة، لا عن إرادة الله؛ لذلك تحوّل الأمر إلى أن أصبحت الدّولة هي التي تحتل مرتبة المقدّس».([28])
ولكن مع ذلك، سعى إلى تحقيق أغراضه من التّأثير في بنيات الإسلام اليومي، دون أن يُظهر أنّه يسعى بصفة مباشرة إلى تعويض قداسة الدّين بقداسة الدّولة؛ لأنّه كان على وعي بضرورة ترويض الإسلام اليومي، ومأسسته، والإمساك بزمامه، بعيداً عن أجواء الصّراع والتّنافس على السّلطة.
هكذا تم الاستحواذ على الإسلام اليومي من طرف الدّولة الوطنيّة، في طريق إنجازها لمشروع التّحوّل السّياسي والاجتماعي الذي أعلنه بورقيبة، وكان مستنداً إلى الدّين في جميع جوانبه. وقد مثّل المجتمع أهم ميادين المواجهة بين بنيات الإسلام اليومي والسّياسة في قضايا مختلفة، لعلّ أهمّها مسألة حل الأحباس (الأوقاف) وقوانين الأحوال الشّخصيّة ومسألة التّعليم... فقامت الدّولة باستغلال الأجهزة الدّينية وفق مقتضيات المصلحة السّياسيّة، مع إقصاء كل ما من شأنه أن يحدث تعارضاً بين العقل والدّين، انطلاقاً من العمل على تطويع المؤسّسة الدّينيّة، ما أدى إلى سرعة تعاظم دور الدّولة على حساب دور الدّين.
2.2 انعكاس «الدولنة» على واقع الدّولة:
لقد بسطت الدّولة يدها على المؤسّسة الدّينية، وتمكّنت، من ثم، من السّيطرة على المجتمع، انطلاقاً من فرض مشروعها العَلماني الخاص الذي اشتمل على معظم المجالات الحيويّة التي عدّ بورقيبة مسألة إخضاعها للسّياسة من أوكد واجبات الدّولة الحديثة. وعلى الرغم من أن الخطاب البورقيبي لم يتناول مفهوم العَلمنة بالتّحليل والنّقاش، كما فعل مع بعض المفاهيم الأخرى([29])، فإنّ حضوره في مستوى الممارسة السّياسية كان قوياً وحاسماً، ومثّل نتاجاً مباشراً لمحورية مبدأ المصلحة السّياسية. فمبدأ «الدّولة أوّلاً» قد جعلها متقدّمة على البنيات الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة للإسلام اليومي، ومكّنها، حينئذٍ، من إنجاز مشروعها المتفوّق عليه، بدءاً بفرض مفهوم المؤسّسة على الهياكل المضطلعة بأمر الدّين في المجتمع، وانتهاء بتحجيم حيّز حرّية تصرّفها في قطاعات اجتماعيّة عديدة، من خلال إخضاعها لمبادئ القانون الوضعي.
إن استناد بورقيبة إلى مفهوم دين الدّولة لم يكن يمثّل اكتفاء سياسيّاً متوقّفاً على المستوى النّظري، بل تعدّى ذلك إلى مهمّة تشكيل الواقع السّياسي للدّولة، مستفيداً من تدخّل عوامل مساعدة عديدة؛ لعلّ أهمّها الكاريزما النّوعية التي اكتسبها على رأس الدّولة، إضافة إلى نجاح الدّولة في اختراق عناصر المجتمع التّقليدي وإخضاعها، فكان لذلك نتائج مباشرة تجسّدت في سياق العلمنة. فقد أحدث بورقيبة مؤسّسة في صلب الدّولة، أوكل إليها مهمّة الإشراف على الشّؤون الدّينيّة وتقنينها، وهي «مصلحة الشّؤون الدّينيّة التّابعة لرئاسة الحكومة»، والتي يتمثّل اختصاصها في «السّهر على الشّعائر الدّينية، ومباشرة شؤون الدّين، ومراقبة وعزل القائمين على الشّعائر الدّينية، سواء في العاصمة أم في الأقاليم، وتدبير الأوقاف المستحقّة...» [كذا]([30]). وهذه المؤسّسة تستجيب في عملها «لمخطّطات الدّولة بعيدة المدى»؛ فلا تكتفي بتسيير الممارسة الدّينية الرّاهنة في إطار الدّولة حديثة العهد بتطويع الإسلام اليومي، بل إنّها ترمي إلى التّحكّم، أيضاً، في مستقبل تلك الممارسة، وتقدّم رؤية توافقيّة مع الواقع السّياسي الذي تسعى الدّولة إلى أن تكون عليه في المستقبل.
ولا يتسنّى تحقيق ذلك إلا من خلال برامج التّأثير والاستيعاب، المتمثّلة في «تهيئة النّشء الجديد والأجيال الصّاعدة»، التي كثيراً ما كان بورقيبة يصفها بـ«مستقبل الدّولة/ مستقبل الأمّة» حتى تتربّى على إسلام يومي ممأسس ومنضبط أمام الدّولة، وذلك بوساطة تكثيف الإرشاد الدّيني، فقد عملت مصلحة الشّؤون الدّينية على تكوين المرشدين الدّينيّين والوعّاظ، وإعطائهم صفة رمزيّة هي أنّهم من إطارات الدّولة، وقامت ببثّهم في أطراف الجمهوريّة، وخاصّة في مراكز تربية الأطفال وتكوين الشبّان. كما عملت على «تحسين حالة الأئمّة، وخاصّة منهم المتفرّغين للإمامة، على أن تضاف إليهم مهام الإرشاد الدّيني، وأن تتوفّر فيهم شروط الكفاءة».([31])
وإذا كانت شروط الكفاءة والاستحقاق ضروريّة في هذا الطّرح، فإنّ معاييرها لم تكن في الحقيقة مستقلّة عن التّحديدات المفروضة من المؤسّسة الدّينيّة الرّسميّة، التي كانت تعمل على ضبط المفاهيم وتنظيم الأدوار بما يتماشى مع تزكية فاعليّة السّلطة السّياسيّة، وقد أضحى الإسلام اليومي بذلك أحد أهم «الأسس الرمزيّة» للدور السّياسي الذي تضطلع به الدّولة في الواقع المعيش للأفراد([32]).
وقد كان إحداث خطّة الإفتاء في صلب الدّولة، في غرّة آذار/مارس من سنة (1958م)، أحد أهم تلك الضّوابط التي سعى بورقيبة إلى تحقيقها باعتبارها شاهداً على دولنة الإسلام اليومي، ونتيجة من نتائجها، من خلال مجموعة الأدوار الموكولة إليها؛ ذلك أن منصب مفتي الدّيار التّونسية يمثّل الهيئة الدّينية الإسلامية، وهو مكلّف بالمراسم والتّشريفات، ومن مهمّاته الإشراف على الأئمة، وكل ما يهم الوعظ والإرشاد، وقبول الدّاخلين في الدّين الإسلامي، وتسليم الشّهادات في كون الإنسان مسلماً أو حسن إسلامه، والإفتاء للعموم في أمور دينهم وعقائدهم، وهو مكلّف بإعلان ثبوت الشّهر والمواسم الشّرعيّة... إلى غير ذلك من المهمات التي مكّنت الدّولة من حصر التّعامل مع الأجهزة الدّينيّة في مؤسّسة واحدة تستحوذ على مختلف مجالات الممارسة الدّينية، وتفرّعها إلى مهمات وخطط ومصالح مختصّة، فتسهّل على الأجهزة القانونيّة للدّولة متابعتها وتوجيهها ومراقبة عملها، بما يتوافق مع دين الدّولة. فكل المهمات، التي أُسنِدت إلى مفتي الدّيار التّونسيّة قد جعلت من هذه الخطّة «خطّة عليا من خطط الدّولة، تتجسّم فيها إقامة الدّليل على أن الأغلبيّة السّاحقة من أبناء هذه الدّولة من الدّين المحمّدي، وهي دولة إسلاميّة، ومفتي الدّيار الإسلاميّة فيها مشرف على جميع هذه الشّؤون...»([33]). فلا مجال حينئذٍ لأي تصرّف في الدّين يخرج عن توجّهات الدّولة، أو يتنصّل من مراقبة المؤسّسة التّابعة لها ولا يعترف بها؛ لأنّه يكون بذلك فعلاً ناشزاً عن إرادة الدّولة، ويتعرّض لأساليب الرّدع والعقاب بما يتوافق مع القوانين الوضعيّة التي شرّعتها.
وقد نتج عن ذلك تحجيم حيّز حرّية تصرّف هياكل المجتمع التّقليدي في قطاعات اجتماعيّة عديدة، ولاسيما أن الدّستور الوضعي قد افتك من المرجعيّة التّشريعية للفقه التّقليدي، وتعلّق في أذهان «التّقليديين» بنوع من التّأسيس الجديد الذي كانت نتائجه قاسية عليهم، فهو كان «قانون الأمّة الأساسي، ولكنّه ارتبط بمفهوم الدّولة الوطنيّة، من هنا جاء الإشكال؛ فقانون المسلمين الأساسي هو الشّريعة، وهو أوسع من أن يُحدّ بوطن من أوطان المسلمين، في حين أن الدّستور في المصطلح السّياسي الحديث مرتبط بوطن. هذا الوطن محدّد بتراب وطني تقوم دولة وطنيّة بتدبيره، فكيف سيستسيغ مسلم هذا التّحديد»([34])، الذي يتناقض مبدئيّاً مع مسلّمات الفكر التّقليدي؛ لأنّه يرى فيها إحلالاً لإرادة الدّولة مكان إرادة الله.
وقد زاد من تعميق ذلك التّناقض انتصاب القانون القضائي الموحّد محل التّشريع الدّيني، للقيام بمراقبة العلاقات بين الأفراد وتنظيمها، ومن ثم وقع إدماج المحاكم الشّرعيّة في إطار محاكم الحق العام التي تخضع للقانون الوضعي الدّنيوي بمقتضى قانون (29) آذار/مارس (1956م)؛ ذلك أن بورقيبة لم يكن ليبقي على المحاكم الشّرعيّة مع إدراكه حساسيّة ميدان القضاء، رمز السّلطة الثّالثة في الدّولة؛ لذلك بنى نظاماً قضائيّاً وطنيّاً ورث هيكلته من القانون الفرنسي. ونتج عن ذلك الإعلان عن (مجلة الأحوال الشّخصيّة) في (13) آب/أغسطس من سنة (1956م)، وكان قد مهّد لها الخطاب البورقيبي بحملة قويّة ركّزت على الفوضى التي كانت تعرفها المحاكم الشّرعيّة نتيجة غياب قانون موحّد ومدوّن ينظّم العلاقات الأسريّة، وردّ الخطاب هذه الفوضى إلى طبيعة المجالس الحنفيّة والمالكيّة التي تختلف فيما بينها في العديد من القضايا.([35])
وقام قانون الأحوال الشخصيّة، بناء على ذلك، على مجموعة من النّقاط الأساسيّة التي من بينها إخضاع النّظام العائلي لرقابة القانون الوضعي، وتقنين علاقة الرّجل بالمرأة من خلال قانون الزّواج، والمساواة في الوضع المدني، وجعل المرأة مسؤولة عن اختيارها، وتحريرها من الجبر المالكي الذي يقوم على تزويجها بمن اختاره لها وليّها، وضرورة إثبات الزّواج بحجّة قانونيّة رسميّة، وتحديد سن الزّواج، ومنع تعدّد الزّوجات، وتقنين الطّلاق، فأصبح يقع لدى المحكمة، ولا يصح بالنّطق اللّفظي الذي ينص عليه المفهوم الفقهي... إلى غير ذلك من القوانين التي تنتقل بالدّولة من مرجعيّة إلى أخرى، ومن نص ديني إلى آخر قانوني، ما أحدث ردود فعل كثيرة رافضة وأخرى مندّدة رأت في قـوانين (مجلّة الأحوال الشّخصيّة) «تحريماً لما أحلّ الله وتحليلاً لما حرم»([36])، وواجه بورقيبة ذلك بقوله: «نتيجة لهذه الخطوة الجريئة، كان لا بد أن نتصادم مع عقول جامدة وقلوب طمس عليها. وهذا الانطماس والجمود ناتجان عن الاعتقاد بأن العادات والبدع التي ركّزتها عهود الانحطاط إنّما هي من الدّين»([37])؛ لذلك عمد إلى خلخلة الأسس المنتجة لتلك العقول؛ فهمّش الدّور المتوارث لجامع الزّيتونة، وأنهى من ثم هيمنة التّعليم التّقليدي المرتكز على أسس «الدّين القديم» المتحرّر تلقائيّاً من كل التزام بالحدود المادّية والثقافيّة للدّولة بمفهومها القطري الضّيق، فقام بتأميم المدارس القرآنيّة المنتشرة في البلاد، وتم إلحاقها بوزارة العلوم والمعارف، لتشتمل عليها قوانين الدّولة والامتيازات التي تقدّمها للتّعليم. يقول بورقيبة: «كلّكم يعلم أن ميزانية هذه السّنة قد امتازت بإيجاد مجانيّة التّعليم الابتدائي والثّانوي (...) بالمدارس الحكوميّة (...) وقد كان إلى جانبها المدارس القرآنيّة التي لا يقبل فيها التّلاميذ إلا بأداء مرتّب معيّن، ولكن في هذه السّنة أخذت الحكومة هذا النّوع من المدارس، وأصبحت تدفع كامل المرتّبات التي يتقاضاها المعلّمون بها، وبذلك تم تأميم (210) مدارس قرآنيّة بها (974) معلّماً، ومكّن بذلك توسيع نطاق المجانيّة ما يقرب من (40) ألف تلميذ من إعفائهم من دفع المرتّبات، كما أن هذا العمل المتمثّل في تأميم المدارس القرآنيّة يسهّل ويساعد على توحيد برامج التّعليم...».([38])
ثم وقع إعادة تنظيم التّعليم التّقليدي بعد ذلك، وتحديد وظيفته في تلقين العلوم الدّينيّة، وبعد إحداث الجامعة التّونسية في آذار/مارس (1960م) صدر أمر ينص على إحداث كلّية الزّيتونة للشّريعة وأصول الدّين، ليصبح التّعليم الزّيتوني تعليماً يندرج ضمن مؤسّسات الجامعة، ويكوّن مدرّسين لمادة التّربية الدّينية في المعاهد الثّانويّة، كما حُدّدت في البرامج الرّسميّة؛ وبذلك وقع إدماج الهيكل التّقليدي -المنتج للإسلام اليومي والمؤثّر فيه- في صلب المؤسّسة الحداثيّة، من أجل تحوير مساره الفكري وتحديثه، وبرمجة محتواه التّكويني بما يتوافق مع سلطة الدّولة وتوجّهاتها «السّياسيّة أوّلاً»([39]) والعلميّة والثّقافية، والسّيطرة حينئذٍ على تنفّذه في المجتمع، بل تعويضه بتنفّذ المؤسّسة التّابعة للدّولة التي يعود إليها النّظر في تنظيم شؤونه، والإشراف عليه.
هكذا التقت عمليّة دولنة الإسلام اليومي -من خلال إدخال مجموعة من الإصلاحات التي اشتملت على البنية التّشريعيّة والذّهنيّة للمجتمع التّونسي- بنمط من الممارسة السّياسيّة القائم على تحييد كل سلطة دينيّة موازية عن بسط نفوذها والتّحكّم في المجتمع، ما مكّن بورقيبة من تكريس التّوجه نحو العَلمانيّة بناءً على أسبقيّة المصلحة السّياسية.
ولم تكن علمانية الدّولة في تونس، حينئذٍ، تعني إقصاء الدّين لا في بعده الجوهري ولا في بعده الشّكلي (الشّعائري أو الطّقوسي)، فنظام العلمنة في تونس لم يكن على شاكلة ما عرفته فرنسا، مثلاً؛ حيث طبّقت علمنة الدّولة في عدائيّة للدّين (laïcité agressive)([40])، ورفض كامل لاعتماد بنيته التّنظيمية أو المفهومية للتّداخل مع الاختيارات السّياسية للدّولة.
قائمة المصادر والمراجع
المصدر:
* بورقيبة، الحبيب، خطب، تونس، نشر كتابة الدّولة للإعلام المطبعة الرسميّة، 1976م، 31 جزءاً.
المراجع باللغة العربية:
* ابن عاشور، عياض، الضمير والتشريع: العقلية المدنية والحقوق الحديثة، المركز الثقافي العربي، ط1، 1998م.
* أومليل، علي، الإصلاحية العربية والدّولة الوطنية، المركز الثقافي العربي، ط1، 1985م.
* دو كوك، لورنس، بين الأبويّة والشّعبويّة والنّبوءة: بورقيبة والشّعب التّونسي من خلال خطبه، ضمن ندوة: الحبيب بورقيبة وإنشاء الدّولة الوطنيّة قراءات علميّة للبورقيبية. أعمال المؤتمر العالمي الأوّل المنعقد في 1 - 3 كانون الأول/ديسمبر 1999م، جمع وتقديم عبد الجليل التّميمي، زغوان، مؤسسة التميمي للبحث العلّمي والمعلومات، نيسان/أبريل، ط1، 2000م.
المراجع باللغة الفرنسية:
* Badie (Bertrand), Culture et politique, Paris, Economica, 1983.
* Camau (Michel), Religion Politique Et Religion d’Etat En Tunisie, In Islam Au Maghreb, C.N.R.S, Paris, 1981, (pp.220-230)
* Gaulle (Charles De), Citations Du Président De Gaulle, Choisies Et Présentées Par Jean Lacouture, Ed. Seuil, Paris, 1968.
* Lelong (Michel), Le retour des religions, péril ou espoir, François-Xavier de Guibert/ŒIL, 2009.
* Siino (François), Science et pouvoir dans la Tunisie contemporaine, KARTHALA Editions, 2004.
[1] - من ندوة "التفكير في الإسلام اليومي" 2014- تنسيق يونس الوكيلي.
[2]- خطب، ج14، القيروان 11 آب/أغسطس 1962م، ص26
[3]- المصدر السابق، ج10، تونس 5 شباط/فبراير 1960م، ص44
[4]- المصدر نفسه، ج17، صفاقس 19 نيسان/أبريل 1964م، ص195
[5]- المصدر نفسه، ص194
[6]- المصدر نفسه، ج10، تونس 5 شباط/فبراير 1960م، ص49
[7]- المصدر نفسه، ص49
[8]- المصدر نفسه، ج3، تونس 26 كانون الثاني/يناير 1957م، ص292
[9]- المصدر نفسه، ج17، المهدية، 21 تموز/يوليو 1964م، ص290
[10]- Camau (Michel), Religion Politique Et Religion d’Etat En Tunisie, P.228
[11]- خطب، ج 19، أنقرة، 25 آذار/مارس 1965م، ص39
[12]- Badie (Bertrand), Culture et Politique, p.112
[13]- Camau (M), Religion Politique Et Religion d’Etat En Tunisie, p.222
Lelong (Michel), Le retour des religions, péril ou espoir, pp.60-71
[14]- خطب، ج14، تونس، 8 شباط/فبراير 1961م، ص289
[15]- المصدر نفسه، ج10، تونس، 18 شباط/فبراير 1960م، ص69
[16]- المصدر السابق، ج2، 1956م، ص262
[17]- المصدر السابق، ج2، 1956م، ص262
[18]- المصدر السابق، ج2، 1956م، ص ص261-262
[19]- ابن عاشور، عياض، الضّمير والتّشريع-العقلية المدنيّة والحقوق الحديثة، ص75
[20]- Lelong (Michel), Le retour des religions, péril ou espoir, p.176
[21]- خطب، ج11 القيروان، 3 أيلول/سبتمبر 1960م، ص75
[22]- المصدر نفسه، ص76
[23]- المصدر نفسه، ج11، تونس، 6 حزيران/يونيو 1960م، ص319
[24]- انظر: خطب، ج11، القيروان، 3 أيلول/سبتمبر 1960م، ص74. وانظر أيضاً: ج5، سليانة، 10 آب/أغسطس 1957م، ص35. حيث عبر بورقيبة عن الفكرة نفسها.
[25]- على الرغم من أن العلاقة، التي يطرحها التّقارب بين مفهومي النبوّة والزّعامة، تبدو مرفوضة من وجهة النّظر الدّينية، لا تبدو كذلك من وجهة النّظر المؤسّسة لمصلحة الدّولة، فديغول (De Gaulle) مثلاً كان يعبر في خطبه عن إحساسه بأنّه «ملهم من الروح القدس» Inspiré par l’esprit saint)). انظر: Gaulle (Charles de), Citations du président De Gaulle, P. 163.
[26]- دو كوك، لورنس، بين الأبويّة والشّعبويّة والنّبوءة: بورقيبة والشّعب التّونسي من خلال خطبه، ص229
[27]- خطب، ج 10، تونس، 8 شباط/فبراير 1960م، ص68
[28]- Camau (M), p.225
[29]- نقصد مفاهيم الليبرالية والاشتراكيّة والدّيمقراطية والديكتاتوريّة والجمهوريّة... التي أولاها الخطاب البورقيبي اهتماماً كبيراً، وكان كثيراً ما يعود إليها بالـتّحليل والـنّقاش.
[30]- خطب، ج4، تونس، 1 آذار/مارس 1957م، ص32
[31]- المصدر نفسه، ج17، المهدية، 21 تموز/يوليو 1964م، ص298
[32]- Siino (François), Science et pouvoir dans la Tunisie contemporaine, p.21
[33]- خطب، ج4، تونس، 1 آذار/مارس 1957م، ص32
[34]- أومليل، علي، الإصلاحية العربية والدّولة الوطنية، ص102
[35]- خطب، ج2، تونس، 3 آب/أغسطس 1956م، ص260
[36]- ومثال ذلك تراجع بعض الزيتونيين في مواقفهم المؤيّدة للمجلّة، فأعلنوا رفضهم لها. وأقدم الشيخ عبد العزيز جعيّط على إعلان استقالته من المحكمة الشّرعية العليا احتجاجاً على رفض وزارة العدل التّراجع في بعض فصول المجلّة المتعلّقة بتعدّد الزّوجات، وربط الطّلاق بحكم المحكمة. انظر: صحيفة الاستقلال، عدد 4 أيلول/سبتمبر 1956م، وعدد 7 أيلول/سبتمبر 1956م.
[37]- خطب، ج2، تونس، 13 آب/أغسطس 1956م، ص106
[38]- المصدر نفسه، ج2، تونس، 12 تشرين الأول/أكتوبر 1956م، ص296
[39]- Siino (F), Science et pouvoir dans la Tunisie contemporaine, p.20
[40]- Lelong (M), Le retour des religions, péril ou espoir, p.69